الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلو استحضر الظالم الباغي عاقبة ظلمه وأن الله عز وجل «سيسقيه من نفس الكأس عاجلا أو آجلا» لكف عن ظلمه وتاب إلى الله وأناب، ولعل هذا المعنى هو ما أشار إليه سعيد بن جبير رحمه الله حين قال له الحجاج:[اختر لنفسك أي قتلة تريد أن أقتلك، فقال: بل اختر أنت لنفسك يا حجاج؛ فوالله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها يوم القيامة].
• فلو أن هذا الذي يهدر الدم الحرام بغير حق تدبر الحكمة القائلة: بشر القاتل بالقتل لأحجم عن فعلة عاقبتها الهلكة، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
• ولو أن هذا الفاجر المستهتر الذي يعبث بحرمات الناس وينتهك أعراضهم علم أن عدل الله قد يقضي أن يسلط على عرض أمه أو أخته أو زوجته أو ابنته من لا يتقي الله فيه، فينال منه كما نال هو من عرض أخيه لانتهى وانزجر.
• ولله درُ من قال:
يا هاتكا حرم الرجال وقاطعا
…
سبل المودة عشت غير مكرم
لو كنت حراً من سلالة ماجد
…
ما كنت هتاكا لحرمة مسلم
من يَزن يُزن به ولو بجداره
…
إن كنت يا هذا لبيبا فافهم
من يزن في بيت بألفي درهم
…
ففي بيته يزنى بغير الدرهم
• ولو أن الوصي على مال اليتيم سَوَّلَ له الشيطان أكله بالباطل فاستحضر قول الله تعالى: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً)(النساء:9).
لاتقى الله في مال اليتامى ولحافظ عليهم وعلى أموالهم حتى يحفظ الله ذريته من بعده (جَزَاءً وِفَاقاً).
إن اليقين بهذه القاعدة من قواعد نظام الكون لَيَمْنَح وقوداً إيمانياً عجيباً لمن سلك سبيل الله تعالى فوجد عقبات أو منغصات أو اضطهادات أو ظلما واستضعافا فيؤزه هذا اليقين بتلكم القاعدة على الصبر والثبات وثوقاً بموعود الله الذي يمهل ولا يهمل، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته كما في الحديث الآتي:
(حديث أبي موسى في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى لَيملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ:{وَكَذالِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِىَ ظَالِمَةٌ} [هود:102]
•
تأصيل سنة الجزاء من جنس العمل:
إن الجزاء من جنس العمل «سنة ثابتة من سنن الله في خلقه لا تتغير ولا تتبدل» ، ولهذا أخبرنا ربنا تبارك وتعالى في كثير من الآيات القرآنية أنه يعامل خلقه بجنس عملهم، إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا، فقال سبحانه وتعالى:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [النساء: 123].
وقال تعالى وتقدس: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة: 7،8]
وقال الحق جل في علاه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس:44]
وقد نص الله تعالى على ذلك في أكثر من مائة موضع، نحو قوله تعالى:{فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [الفتح: 10]، وقوله جل ذكره:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [يونس: 23]
وقوله جل ثناؤه: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43]
، وقوله عز سلطانه:{وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الصافات: 39]
وقوله جل شأنه: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} [يونس: 27]
وهذا مظهر من مظاهر العدل الإلهي في الدنيا والآخرة.
- والجزاء من جنس العمل منه ما يكون في الدنيا، ومنه ما يكون في الآخرة ومنه ما يكون في التشريع:
• أمثلة للجزاء من جنس العمل في الدنيا:
(1)
تسليط الظالمين بعضهم على بعض:
يقول الحق جل وعلا: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام: 129]
(2)
إهلاك المكذبين الذين يؤذون رسل الله وأولياءه:
يقول الله جل ثناؤه: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} [إبراهيم: 14،13]
ويقول الباري جل وعلا: {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} [غافر: 5]
ويقول عز سلطانه: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 76]
(3)
معاملة المنافقين والكافرين بجنس ما يعاملون به الحق والمؤمنين:
قال الله جل وعلا: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 79]
فالسخرية من المنافقين والكافرين تكون بالطبع على قلوبهم، وبإمهالهم في غيهم وطغيانهم يعمهون.
وقال الله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة: 67]
ومن نسيه الله كان الضلال حليفه، والشر مأربه، وجهنم منزله.
(4)
نصر الله للمؤمنين في الدنيا منوط بنصرهم لدين الله تعالى وسعيهم لإعلاء كلمته ونصرتهم لبعضهم بعضا:
قال الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]
وقال جلت عظمته: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج:40]
(حديث جابر في صحيح أبي داود) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من امرئ يخذُل امرءاً مسلما في موطن يُنْتَقَصُ فيه من عِرْضِهِ و يُنْتَهَكُ فيه من حُرْمَتِهِ إلا خَذَلَه الله تعالى في مَوْطِنٍ يُحِبُ فيه نُصْرتِه و ما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه و ينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته.
(حديث المستورد رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أكل برجل مسلم أكله فإن الله يطعمه مثلها من جهنم ومن كسي ثوبا برجل مسلم فإن الله يكسوه مثله من جهنم ومن قام برجل مقام سمعة ورياء فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة.