الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فينبغي للمتعلم أن يقصد من العلماء من اشتهر بالديانة وعرف بالستر والصيانة، يقول ابن سيرين: إنما هذا العلم دين فانظروا عن من تأخذون.
والمفترض أن يستفيد طالب العلم رقة القلب من شيخه.
كما أن من الإخوان من مصاحبتهم ترقق القلب، " ما أعطي عبد بعد الإسلام خيرا من أخ صالح، فإذا رأى أحدكم وداً من أخيه فليستمسك به" عمر بن الخطاب.
• وقد أوجب الله تعالى محبته للمتجالسين فيه وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
(حديث معاذ رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين في و المتجالسين في و المتباذلين في و المتزاورين في.
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(قال اللّه تعالى وجبت) وفي رواية حقت
(محبتي للمتحابين فيّ والمتجالسين فيّ) أي يتجالسون في محبتي بذكري وكان الجنيد أبداً مشغولاً في خلوته فإذا دخل إخوانه خرج وقعد معهم ويقول لو أعلم شيئاً أفضل من مجالستكم ما خرجت إليكم وذلك لأن لمجالسة الخواص أثراً في صفاء الحضور ونشر العلوم ما ليس لغيرهم.
(والمتباذلين فيّ) أي بذل كل واحد منهم لصاحبه نفسه وماله في مهماته في جميع حالاته كما فعل الصديق رضي الله عنه ببذل نفسه ليلة الغار وماله حتى تخلل بعباءة لا لغرض من الدنيا ولا لدار القرار
(والمتزاورين فيّ) زاد الطبراني في روايته والمتصادقين فيّ وذلك لأن قلوبهم لهت عن كل شيء سواه فتعلقت بتوحيده فألف بينهم بروحه وروح الجلال أعظم شأناً أن يوصف فإذا وجدت قلوبهم نسيم روح الجلال كادت تطير من أماكنها شوقاً إليه وهم محبوسون بهذا الهيكل فصاروا في [ص 486] اللقاء يهش بعضهم لبعض ائتلافاً وتلذذاً وشوقاً لمحبوبهم الأعظم فمن ثم وجب لهم الحب ففازوا بكمال القرب قال ابن عربي: قد أعطاني اللّه من محبته الحظ الأوفر واللّه إني لأجد من الحب ما لو وضع على السماء لانفطرت وعلى النجوم لانكدرت وعلى الجبال لسيرت والحب على قدر التجلي والتجلي على قدر المعرفة لكن محبة العارف لا أثر لها في الشاهد. أهـ
فمحبة المسلم لأخيه المسلم في الله، ثمرة لصدق الإيمان وحسن الخلق وهي سياج واق، ويحفظ الله به قلب العبد، ويشد فيه الإيمان حتى لا يتفلت أو يضعف.
باب المواظبة على قراءة القرآن الكريم:
إن من المعلوم شرعاً أن القرآن الكريم يرقق القلوب بل يرقق الحجر، قال تعالى: وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ [البقرة:74]. وقال تعالى: لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر:21]
يخبر الله تعالى عن عظمة القرآن وفضله وجلاله، وأنه لو خوطب به صم الجبال لتصدّعت من خشية الله، فهذه حال الجبال وهي الحجارة الصلبة، وهذه رقتها وخشيتها وتدكدكها من جلال الله ربّها وعظمته وخشيته، فيا عجباً من مضغة لحم كانت أقسى من هذه الجبال تخاف من سطوة الجبار وبطشه، فلا ترعوي ولا ترتدع، وتسمع آيات الله تتلى عليها فلا تلين ولا تخشع ولا تنيب، أين الخشوع والخضوع، أين البكاء وجريان الدموع، أين التوبة والرجوع، هذا كتاب الله لو أنزل على جبل رأيته يتصدع ومع ذلك فلا قلب لك يخشع ولا عينٍ تدمع، فيا أيها الغافل عن تدبّر القرآن! إلى متى هذه الغفلة؟ قل لي وتكلم، حنانيك بادر بصالح الأعمال قبل أن تندم.
نشكو إلى الله القلوب التي قست
…
وران عليها كسب تلك المآثم
من خشية المولى هوى الجبل الذي
…
بالطور لانت قسوة الأحجار
أولم يئن وقت الخشوع فلا
…
تغرن الحياة سوى مغرار
ورقة القلب تنشأ عن الذكر والقرآن لأن ذلك يوجب خشوع القلب وصلاحه ورقته ويذهب بالغفلة عنه قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2]، وقال تعالى: وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا [الحج:35،34]، وقال تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16]، وقال تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر:23]
بذكر الله ترتاح القلوب
…
ودنيانا بذكراه تطيب
ولكن لم يتعظ بهذه الموعظة إلا القليل من الناس الذين رقت قلوبهم للقرآن واستجابوا لنداء الرحمن كما أخبر تعالى بقوله: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37]
وها نحن في هذا الباب نُذَكِّرَكَ أخي المسلم في إيجازٍ غير مُخِّلٍ بفضل القرآن الكريم وفضل تلاوته وفضل تعلم القرآن وتعليمه و فضائل حفظ القرآن الكريم وكيف كانت عناية السلف الصالح بحفظ القرآن و فضل تدبر القرآن الكريم ومعانيه وأحكامه و فضائل خَتْمِ القرآن، وفي كم يُخْتَم.
• فضل القرآن الكريم:
إن من المعلوم شرعاً وعقلاً وبداهةً أن القرآن الكريم أكبر منةٍ امتن الله تعالى بها على هذه الأمة، ففيه حياةُ القلوب ويحصل بالتمسك به سعادة الدارين، لم تظفر الدنيا كلها بكتاب أجمع للخير كله، وأهدى للتي هي أقوم، وأوفى بما يُسْعد الإنسانية، من هذا القرآن المجيد الذي فتح الله به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غلفًا، وهدى به من الضلالة وبصر به من العمى وأخرج به من الظلمات إلى النور، هذا الكتاب العظيم الذي ضمن للإنسانية الأمن والسعادة في دنياهم وأخراهم، إذا هم آمنوا به وتلوه حقَّ تلاوته، وتفهموا سوره وآياته، وتفقهوا جمله وكلماته، ووقفوا عند حدوده وَأْتمروا بأوامره، وانتهوا بنواهيه، وتخلقوا بأخلاقه، وطبقوا مبادئه ومُثُله وقيمه على أنفسهم وأهليهم ومجتمعاتهم، والقرآن الكريم هو: كتاب الله الذي منه بدأ وإليه يعود، نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين، وصفه الله تعالى بقوله (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت 41 - 42]. كما وصفه -جلت قدرته- بقوله: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود1/]
• حقا، إن آيات القرآن الكريم في غاية الدقة والإحكام، والوضوح والبيان، أحكمها حكيم، وفصَّلها خبير، وسيظل هذا الكتاب معجزًا من الناحية البلاغية والتشريعية والعلمية والتاريخية وغيرها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لم يتطرق إليه أدنى شيء من التحريف؛ تحقيقا لقوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر/9]
• فالدنيا كلها لم تظفر بكتاب أجمع للخير كله، وأهدى للتي هي أقوم، وأوفى بما يُسْعد الإنسانية، من هذا القرآن المجيد، الذي قال الله فيه: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا [الإسراء:9]
• هذا القرآن الكريم أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم؛ ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، قال تعالى (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [إبراهيم:1]
• نعم لقد تأثر به الجن ساعة سمعوه، وامتلأت قلوبهم بمحبته وتقديره، وأسرعوا لدعوة قومهم إلى اتباعه فَقَالُوا (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا)[الجن 1 - 3].
• وقد حكى الله في القرآن الكريم عنهم أنهم قَالُوا (يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)[الأحقاف 30 – 31]
• ومن عظيم شأنه وجلالة قدره أنَّه لو نزل على الجبال الصمّ لتصدَّعت، قال تعالى:(لَوْ أَنزَلْنَا هََذَا الْقُرْآنَ عَلَىَ جَبَلٍ لّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مّتَصَدّعاً مّنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنّاسِ لَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ)[الحشر / 21]
• وتحدى الثقلين أن يأتوا بمثله ولو اجتمعوا لذلك حيث قال تعالى: (قُل لّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنّ عَلَىَ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هََذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)[الإسراء / 88]