الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(حديث عبد الله بن عمرو في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقال لصاحب القرآن: اقرأ و ارق و رتل كما كنت ترتل في دار الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها.
[*] قال ابن حجر الهيتمي:
الخبر خاص بمن يحفظه عن ظهر قلب، لأن مجرد القراءة في الخط لا يختلف الناس فيها.
(17)
حافظ القرآن أكثر الناس تلاوة له، فحفظه يستلزم القراءة المكررة، وتثبيته يحتاج إلى مراجعة دائمة فيجعله يفوز بكنزٍ من كنوز الحسنات لأن من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها بنص السنة الصحيحة كما في الحديث الآتي:
(حديث ابن مسعودٍ في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة و الحسنة بعشر أمثالها لا أقول: {ألم} حرف و لكن: ألف حرف و لام حرف و ميم حرف.
حافظ القرآن يقرأ في كل أحواله، فبإمكانه أن يقرأ وهو يعمل أو يقود سيارته أو في الظلام، ويقرأ ماشياً ومستلقياً، فهل يستطيع غير الحافظ أن يفعل ذلك؟ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
حافظ القرآن لا يعوزه الاستشهاد بآيات القرآن الكريم في حديثه وخطبه ومواعظه وتدريسه، أما غير الحافظ فكم يعاني عند الحاجة إلى الاستشهاد بآية، أو معرفة موضعها.
فهل بعد هذا نزهد في حفظ ما نستطيع من كتاب الله؟! ..
•
عناية السلف الصالح بحفظ القرآن:
لا شك ولا ريب أن أول الأمور في طلب العلم بل هو أعظمها وأجلّها (حفظ القرآن الكريم) والناظر إلى سير علمائنا السابقين واللاحقين يجد أنهم أول ما يهتمون بحفظ القرآن الكريم فيحفظونه منذ نعومة أظفارهم قبل البلوغ ذلك لأنه أساس العلوم وقوامها ومنه أولاً تستمد الأحكام والأدلة، ثم بعد ذلك يتدرجون في سلم العلوم الشرعية.
وكان السلف الصالح أول ما يسألون عنه حفظ كتاب الله منذ صغرهم ونعومة أظفارهم فيشبوا وقد علقت قلوبهم بحب الله ، وتعظيم كتابه ، وتدبر آياته
…
فيأتمرون بأوامره وينتهون بنواهيه ، فان كانت من مكارم الأخلاق أطّلع عليها واقتدي بها، وان كانت عبراً وَعِظَات، اعتبر بها وَقَرَعَتْ فُؤَادَه.
،وهذه قصة عمر بن أبى سلمة أصح دليل على سرعة حفظ الطفل والحث على المسارعة في تحفيظ الأبناء:
(حديث عمر بن سلمة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنا بماء ممر الناس ، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم عن النبي؟ فيقولون يزعم أن الله أرسله أوحى إليه بكذا فكنت أحفظ ذلك الكلام وكأنما يقر في صدري فلما أسلم قومه وأمرهم النبي بالصلاة قال: فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا منى! لما كنت أتلقى من الركبان فقدموني بين أيديهم و أنا ابن ست أو سبع سنين؟؟.
- ومما يدل على إن هذا دأب الصحابة قول ابن عباس: جمعت المحكم في عهد رسول الله؟؟ فقلت له: ما المحكم؟ قال: المفصل! (أي من الحجرات إلى آخر القرآن) وقال أيضاً: سلوني عن التفسير فإني حفظت القرآن وأنا صغير
[*] وعن ابن عباس قال: من قرأ القرآن قبل أن يحتلم فهو ممن أوتى الحكم صبيا (الآداب الشرعية لابن مفلح1/ 244)
(ومما يستطرف في هذا الشأن حكاية الفرزدق حيث دخل مع أبيه على علي بن أبى طالب رضي الله عنه وقال له:
إن ابني يوشك أن يكون شاعراً فقال له: أقرئه القرآن فهو خير له! فقال: ما زالت كلمته في نفسي حتى قيّد نفسه بقيد وآلي أن لا يفكه حتى يحفظ القرآن فما فكه حتى حفظه (خزانه الأدب 1/ 222)
[*] قال الشيخ أبو زكريا النواوي رحمه الله في التبيان:
والظاهر أن كلام السلف وفعلهم محمول على هذا التفصيل وكان السلف يتعاهدون أطفالهم على حفظ كتاب الله تعالى. دخل الرحالة الشهير ابن بطوطة خلال رحلته في مالي على قاض مالي يوم العيد عام 1352م فوجد أولاده في القيود فقال ألا تسرحهم فأجابه لا أفعل حتى يحفظوا القرآن كما مر ابن بطوطة في مالي بشاب حسن الصوت وعليه ثياب فاخرة وفي رجليه قيد ثقيل فسأل مرافقه عما ارتكبه هذا الشاب من جرم، وعلم أخيرا أنه قيد حتى ينتهي من حفظ القرآن.
ورغم أن أسلوب ربط القيود مما تَعافًه أنفسنا اليوم ولا تعتبره الأساليب التربوية الحديثة صحيحا، إلا أن هاتين القصتين توضحان مقدار حرص المسلمين في أقاصي إفريقيا وغيرها من بلاد المسلمين على تحفيظ أولادهم كتاب الله.
[*] قال الميموني: سألت أبا عبد الله (يعني الإمام أحمد) أيهما أحب إليك أبدأ ابني بالقرآن أو بالحديث؟ قال: لا بالقرآن، قلت: أعلمه كله؟ قال: إلا أن يعسر، فتعلمه منه. (الآداب الشرعية لابن مفلح (2/ 3)
[*] وقال الخطيب البغدادي: ينبغي للطالب أن يبدأ بحفظ كتاب الله عز وجل إذ كان أجل العلوم وأولاها بالسبق والتقديم. (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1/ 106).
[*] وقال الحافظ النووي رحمه الله: وأول ما يبتدئ به حفظ القرآن العزيز فهو أهم العلوم، وكان السلف لا يُعلِّمون الحديث والفقه إلا لمن حفظ القرآن. (مقدمة المجموع شرح المهذب)
[*] وقال شيخ الإسلام: وأما طلب حفظ القرآن فهو مقدم على كثير مما تسميه الناس علما وهو إما باطل أو قليل النفع، وهو أيضا مقدم في التعلم في حق من يريد أن يتعلم علم الدين من الأصول والفروع، فإن المشروع في حق مثل هذا في هذه الأوقات أن يبدأ بحفظ القرآن فإنه أصل علوم الدين. (الفتاوى الكبرى 2/ 235)
[*] قال ابن خلدون رحمه الله: ((كان أول ما يُشرع في تعليم الصبيان تحفيظ القرآن الكريم)).
- وهكذا كان توقير الرعيل الأول لكتاب ربهم في صدورهم. وكان السلف ينشئون أطفالهم على حفظ القرآن، ثم يحفظونهم الكتب الستة (أي صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن الترمذي، وسنن أبي داود، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجه). وبعد أن يتمون ذلك يقومون بتحفيظهم مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم. وبذلك يشب الطفل المسلم على وعي بكتاب ربه وسنة نبيه صلوات ربي وسلامه عليه. وهكذا حقق الإسلام تقدمه وتفرده، وازدهرت حضارة الإسلام على جميع الحضارات التي كانت سائدة في ذلك الوقت، وتفوقت عليها؛ وذلك بحفظ كتابها والعمل بمقتضاه.
- ثم خلف من بعد ذلك خلف أضاعوا هذه القيم، ولم يهتموا بكتاب ربهم. هان الله في نفوسهم، فأهانهم الله بما اقترفوه من ذنوب. وقد ضرب لنا القرآن المثل على الأمة التي تضيع العمل بكتابها، فقال تعالى مخبرا عن بني إسرائيل، والخطاب للتذكرة والتحذير:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا اْلأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ َلا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إَِّلا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ اْلآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفََلا تَعْقِلُونَ} ] الأعراف: 169 [.
[*] قال الشيخ أبو بكر الجزائري في تفسيره لهذه الآية: يحكي الله تعالى عن اليهود أنه قد خلفهم خلف سوء، ورثوا التوراة عن أسلافهم، ولم يلتزموا بما أُخذ عليهم فيها من عهود، على الرغم من قراءتهم لها. فقد آثروا الدنيا على الآخرة، فاستباحوا الربا والرشا وسائر المحرمات، ويدّعون أنهم سيغفر لهم. وكلما أتاهم مال حرام أخذوه، ومنوا أنفسهم بالمغفرة كذبا على الله تعالى. وقد قرأوا في كتابهم ألا يقولوا على الله إلا الحق وفهموه، ومع! هذا يجترئون على الله ويكذبون عليه بأنه سيغفر لهم.
[*] وقال القرطبي في تفسيره:
وهذا الوصف الذي ذم الله تعالى به هؤلاء موجود فينا. فقد روى الدارمي في سننه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سَيَبْلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب، فيتهافت، يقرءونه لا يجدون له شهوة ولا لذة، يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أعمالهم طمع لا يخالطه خوف، إن قصروا قالوا سنبلغ، وإن أساءوا قالوا سيغفر لنا، إنا لا نشرك بالله شيئا.
واستمر خط الابتعاد عن كتاب الله يمضي قدما، بطيئا وبشكل يخفى عن العامة في أول الأمر، ثم بخطى متسارعة وبصورة سافرة بعد ذلك. فبعد أن كانت الأمة مجمعة الكلمة على العمل بكتاب ربها، وتستمد تشريعاتها من أحكامه، بدأت في التخلي عنه شيئا فشيئا، فعاقبها الله بأن سلبه من يدها، إلى أن أصبحت لا تعمل به. وبالطبع كان هناك دورا رئيسيا لأعداء الأمة في الوصول إلى هذه الحالة التي أصبحنا عليها.
فقد جاء الاحتلال الفرنسي فتعامل بقسوة مع الأمة، وحاول إجبار الأمة على التخلي عن تعاليم الدين بالحديد والنار. وبسبب إتباع هذا المنهج السافر، فلم تزدد الأمة إلا تمسكا بدينها وبتعاليم كتاب ربها. ورغم أنه لم يكن قد بقي من الإسلام إلا طلاسم وذكريات إلا أن الأمة وقفت صفا واحدا في وجه من حاولوا تشويه صورة دستورها. ولذلك تعامل الإنجليز الذين أعقبوا الفرنسيين بصورة أكثر دهاء ومكرا ولكن بنفس المنطق والحزم في زحزحة الأمة عن دينها.
فيقف جلادستون رئيس وزراء بريطانيا الأسبق في مجلس العموم البريطاني يحث قومه على زعزعة الأمة عن دينها فيقول: " مادام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة علي الشرق ولا أن تكون هي نفسها في أمان ". ويقول الحاكم الفرنسي في الجزائر في ذكرى مرور مائة سنة على استعمار الجزائر: " إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرأون القرآن ويتكلمون العربية، فيجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم ".
ويسير المنصرون الذين رافقوا هذه الحملات على نفس الخط. فيقول المنصر وليم جيفورد بالكراف، في كتاب جذور البلاء:" متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب، يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيداُ عن محمد صلى الله عليه وسلم وكتابه ". ويقول المنصر تاكلي، في كتاب التبشير والاستعمار:" يجب أن نستخدم القرآن، وهو أمضى سلاح في الإسلام، ضد الإسلام نفسه، حتى نقضي عليه تماماً. يجب أن نبين للمسلمين أن الصحيح في القرآن ليس جديداُ، وأن الجديد فيه ليس صحيحاً ". ويقول المنصر ذاته " تاكلي "، في كتاب الغارة على العالم الإسلامي:" يجب أن نشجع إنشاء المدارس على النمط الغربي العلماني، لأن كثيراً من المسلمين قد تزعزع اعتقادهم بالإسلام والقرآن حينما درسوا الكتب المدرسية الغربية وتعلموا اللغات الأجنبية ".
واستدعى ذلك الأمر العمل على عدة محاور وفي نفس الوقت. فتم إلغاء الكتاتيب والحد من تأثيرها وإضعاف مكانتها في النفوس. وبالطبع لا يختلف أحد في أن الكتاتيب كان قد أصابها شيء من القصور، ولكن كان يجب العمل على علاج تلك الأخطاء الناجمة والتي تراكمت عبر الزمن وليس إلغائها تماما. وتزامن هذا مع الإبقاء على الأزهر - كمؤسسة دينية - قائما مع إضعاف مكانته وزعزعة ثقة الناس فيه بإنشاء المدارس الأجنبية اللادينية إلى جانبه، والمسارعة إلى تعيين خريجي هذه المدارس في مختلف الوظائف المرموقة وبأجور مرتفعة للغاية، مع عدم توفير فرص عمل لخريجي الأزهر (وبالأخص حملة القرآن منهم)، وإن وجدت فهي ضعيفة الأجر.
وهكذا بدأت النظرة إلى القرآن واللغة العربية تتغير في نفوس الناس! ومع رثاثة حال حملة القرآن وخريجي المدارس الدينية، ووجاهة خريجي المدارس اللادينية، بدأت هذه النظرة الجديدة تتغلغل في النفوس، ليتجه المجتمع بأكمله نحو هجران القرآن!! ولم يعد فخرا للأسر أن ترتبط بمن يحمل مؤهل ديني، لضعف منزلته الاجتماعية في المجتمع. مع ما تركه هذا من آثار عميقة في نفوس هؤلاء الأفراد، الذين شعروا أنهم ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بسبب اتجاههم للدين، فكان أن مقتوه في داخل نفوسهم، وسعوا بكل الطرق إلى عدم تكرار تجاربهم. وصار طموح أي فرد في المجتمع أن يصبح طبيبا أو مهندسا أو ضابطا. ولم تعد تجد من يحلم أو تحلم له أسرته بأن يكون " عالم دين " أو " دارس فقه " أو حامل للقرآن ". وتواكب مع هذا صناعة نجوم في المجتمع يشار إليها بالبنان تبتعد تماما عن الإسلام وقيمه. وغُيبت عن عمد نماذج رجال الدين أو رموزنا الدينية من صفحات! الجرائد أو المجلات أو وسائل الإعلام الأخرى حتى يستقر هذا الاتجاه في النفوس.
وبدأ المخطط بتحويل كتاب الله من قوة حاكمة دافعة للمجتمع إلى مجرد كتاب يحمل ذكريات. تُغير عليه قوى الشر ولا يتحرك المسلمون للدفاع عنه. وتنتشر من حوله الخرافات. وهكذا يصبح القرآن الذي هو حياة الأمة، رمزا للموت فيها، فلا يقرأ إلا في سرادقات العزاء، ولا تكاد تسمع القرآن في مكان حتى تسأل عمن توفى!!! وجعلوا من فاتحة الكتاب - التي هي دستور حياة المسلمين، والتي كان حرص الشارع على قراءتها سبع عشرة مرة على الأقل يوميا في كل ركعة من الصلوات المفروضة - وسيلة لجلب الرحمة على الأموات، فلا تذكر ميتا حتى يقال " اقرءوا له الفاتحة "!!!
وصدق فيهم قول ربي عز وجل: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30]
- والذي يشاهد واقع الشباب اليوم يجد أن بعضهم يُغفل جانب حفظ القرآن بل بعضهم يبدأ بالحفظ قليلاً ثم لا يلبث أن ينقطع مع أنه ربما يكون مجتهداً في حضور الدروس العلمية الشرعية، وأخشى أن يكون هذا من عدم التوفيق فن فرَط في كتاب الله تعالى كان مُفَرِّطاً لغيره من باب أولى فليس هناك أنفع من كتاب الله تعالى.
• فضل تدبر القرآن الكريم ومعانيه وأحكامه:
ينبغي عند قراءة القرآن أن يتدبّر القارئ ويتأمل في معاني القرآن وأحكامه، لأن هذا هو المقصود الأعظم والمطلوب الأهم، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب، قال تعالى:{كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته} [سورة ص: 29].
في هذه الآية بين الله تعالى أن الغرض الأساس من إنزال القرآن هو التدبر والتذكر لا مجرد التلاوة على عظم أجرها.
وفَقُهَ الصحابةُ رضي الله عنهم شرع الله وسنة رسوله فكانوا لا يتعجَّلون مجرد التلاوة دون تدبر، بل كانوا لا يجاوزون عشر آيات حتى يعلموا معانيهن والعمل بهن (رواه الطبري في تفسيره عن ابن مسعود رضي الله عنه. ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ختم القرآن في أقل من ثلاث لأنه لن يتحقق تدبره وفقهه.
(حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث.
• وكان الصحابة رضي الله عنهم لا يتعجلون حفظ القرآن (وهو نافلة) دون تدبره (وهو فرض عين)، بل ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم مات ولم يحفظ القرآن من الصحابة غير أربعة على اختلاف في أسماء اثنين منهم، وبمجموع الروايات لا يكاد الحفاظ من الصحابة يتجاوز عددهم العشرة، ووصف غيرهم بالقرَّاء لا يعني حفظه كله.
[*] قال ابن مسعود رضي الله عنه: (إنَّا صعب علينا حفظ القرآن وسهل علينا العمل به، وإن من بعدنا يسهل عليهم حفظ القرآن ويصعب عليهم العمل به) الجامع لأحكام القرآن 1/ 75.
[*] وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (كان الفاضل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر هذه الأمة لا يحفظ من القرآن إلا السورة ونحوها ورزقوا العمل بالقرآن) الجامع لأحكام القرآن 1/ 76.
- وكانوا يحذرون مما آل إليه الحال اليوم في جميع بلاد المسلمين عربًا وعجمًا؛ فقد أمر عمر رضي الله عنه عامله في العراق أن يفرض للحفاظ في الديوان، فلما بلغه أن سبع مئة حفظوا القرآن قال:(إني لأخشى أن يسرعوا إلى القرآن قبل أن يتفقَّهوا في الدين) وكتب إلى عامله ألا يعطيهم شيئاً (عن مالك في العتبية).
- وكانوا يتعلمون الإيمان قبل القرآن ثم يتعلمون القرآن (كما في الحديث الآتي:
(حديثُ جندب ابن عبد الله صحيح ابن ماجة) قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيانٌ حزَاوِرَة، فتعلمنا الإيمانَ قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآنَ فازددنا به إيمانا.
وتَنْزِلُ السورة فيتعلَّمون حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها. (كما في: بيان مشكل الآثار للطحاوي 4/ 44 عن ابن عمر رضي الله عنهما.) حتَّى لقد ورد عن عمر رضي الله عنه أنه تعلَّم سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة. (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 1/ 76، ط: دار الكتاب العربي بيروت).
[*] قال الحسن البصري رحمه الله: (نزل القرآن ليتدبر ويعمل به فاتخذوا تلاوته عملاً) مفتاح دار السعادة لابن القيم (1/ 187 مكتبة الرياض الحديثة.)[*] وقال ابن القيم رحمه الله في تفسير قول الله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة: 78]: (ذم الله المحرفين لكتابه والأميين الذين لا يعلمون منه إلا مجرد التلاوة وهي الأماني) بدائع التفسير: 1/ 300. وذكر الشوكاني رحمه الله من تفسيرها: (لا علم لهم إلا مجرد التلاوة دون فهم وتدبر) فتح القدير 1/ 104.
[*] وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير قول الله تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} [البقرة: 121]: قال ابن مسعود رضي الله عنه: (والذي نفسي بيده إن حق تلاوته أن يحل حلاله ويحرم حرامه ويقرأه كما أنزله الله ولا يحرف الكلم عن مواضعه ولا يتأوَّل منه شيئًا على غير تأويله)، وعن عمر رضي الله عنه:(هم الذين إذا مروا بآية رحمةٍ سألوها من الله، وإذا مروا بآية عذابٍ استعاذوا منها). ولم يفسرها أحد من الفقهاء في الدين بالتجويد أو الحفظ مجردًا عن التدبر.
[*] وقال ابن القيم رحمه الله في تفسير قول الله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30]: (هجر القرآن أنواع)، وذكر منها:(هجر تدبره وتفهمه ومعرفة مراد الله منه)(بدائع التفسير).
[*] وقال ابن كثير رحمه الله تعالى:
(وترك تدبره وتفهمه من هجرانه)(مهذَّب تفسيره، ط: دار السلام 678). وقال ابن القيم رحمه الله في تفسير قول الله تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: 123]: (وهذه المتابعة هي التلاوة التي أثنى الله على أهلها
…
فتلاوة اللفظ جزء مسمى التلاوة المطلقة وحقيقة اللفظ إنما هي الاتباع
…
والمقصود التلاوة الحقيقية وهي تلاوة المعنى واتباعه
…
وتلاوة المعنى أشرف من تلاوة اللفظ، وأهلها هم أهل القرآن الذين لهم الثناء في الدنيا والآخرة) مفتاح دار السعادة 1/ 42.
[*] وقال ابن القيم رحمه الله: (فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وحلاوة القرآن)،
[*] وروي عن أيوب عن أبي جمرة قال: قلت لابن عباس: إني سريع القراءة، إني أقرأ القرآن في ثلاث، قال:(لأن أقرأ سورة من القرآن في ليلة فأتدبرها وأرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كما تقرأ) 1/ 187.
[*] وقال ابن تيمية رحمه الله: (والمطلوب من القرآن هو فهم معانيه والعمل به فإن لم تكن هذه همة حافظه لم يكن من أهل العلم والدين)(مجموع الفتاوى: 23/ 55)
• معنى التدبر:
[*] قال ابن القيم رحمه الله تعالى: التدبر تحديق ناظر القلب إلى معانيه، وجمع الفكر على تدبره وتعقله. وقيل في معناه: هو التفكر الشامل الواصل إلى أواخر دلالات الكلم ومراميه البعيدة.
[*] قال السيوطي رحمه الله تعالى: صفة التدبر أن يشغل القارئ قلبه بالتفكر في معنى ما يتلفظ به فيعرف معنى كل آية، ويتأمل الأوامر والنواهي، ويعتقد قبول ذلك، فإن كان قصر عنه فيما مضى من عمره اعتذر واستغفر، وإذا مر بآية عذاب أشفق وتعوّذ، أو تنزيه نزّه وعظّم، أو دعاء تضرع وطلب.
- وصفة ذلك: أن يشغل قلبه بالتفكر في معنى ما يلفظ به، فيعرف معنى كل آية، ويتأمل الأوامر والنواهي، فإن كان مما قصر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر، وإذا مرّ بآية رحمة استبشر وسأل، أو عذاب أشفق وتعوّذ، أو تنزيه نزّه وعظّم، أو دعاء تضرّع وطلب.
وقد ورد الحث الشديد في الكتاب العزيز، وفى السنة الصحيحة على التدبر في معاني القرآن والتفكر في مقاصده وأهدافه.
قال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىَ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ)[محمد / 24]
وفى هذه الآية الكريمة توبيخ عظيم على ترك التدبر في القرآن.
- والسنة الصحيحة طافحةٌ بما يحث على تدبر القرآن منها ما يلي:
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه.
[*] قال علي رضى الله عنه: لا خير في عبادة لا فقه فيها، ولا في قراءة لا تدبر فيها.
[*] وقال ابن عباس رضى الله عنهما: لأن أقرأ إذا زلزلت والقارعة أتدبرهما، أحب إليّ من أقرأ البقرة وآل عمران تهذيرا.
[*] وقال ابن مسعود رضى الله عنه: من أراد علم الأولين والآخرين، فليتدبر القرآن.
وقد بات الكثير من السلف يتلو أحدهم آية واحدة ليلة كاملة، يرددها ليتدبر ما فيها، وكلما أعادها انكشف له من معانيها، وظهر له من أنوارها، وفاض عليه من علومها وبركاتها.
[*] قال الأحنف بن قيس: عرضت نفسي على القرآن، فلم أجد نفسي بشيء أشبه مني بهذه الآية وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [التوبة/ 102]
{تنبيه} :• واقعنا هو تطبيق جزء من الحديث وهو التلاوة أما الدراسة والتدبر فهي - في نظر بعضنا - تؤخر الحفظ وتقلل من عدد الحروف المقروءة فلا داعي لها.
(حديث حذيفة في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة وآل عمران والنساء في ركعة، لا يمر بآيةِ رحمةٍ إلا سأل ولا بآيةِ عذاب إلا استجار.
(حديث حذيفة رضي الله عنه الثابت في صحيح النسائي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فافتتح البقرة ثم المائة فمضى ثم المائتين فمضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فافتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع فقال سبحان ربي العظيم فكان ركوعه نحوا من قيامه ثم رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده فكان قيامه قريبا من ركوعه ثم سجد فجعل يقول سبحان ربي الأعلى فكان سجوده قريبا من ركوعه.
- هذا تطبيق نبوي عملي للتدبر ظهر أثره بالتسبيح والسؤال والتعوذ.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم اهتماماً بالغاً بتدبر القرآن وكان أحياناً لا يزال يردد آيةً حتى يصبح
(حديث أبي ذر في صحيحي النسائي وابن ماجة) قال قام النبي صلى الله عليه وسلم بآيةٍ يرددها حتى أصبح، والآية قال تعالى:(إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
[المائدة / 118]
- فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم التدبر على كثرة التلاوة، فيقرأ آية واحدة فقط في ليلة كاملة.
وقد تأسى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم به في ذلك فردد تميم بن أوس آيةً حتى أصبح والآية هي (أَمْ حَسِبَ الّذِينَ اجْتَرَحُواْ السّيّئَاتِ أَن نّجْعَلَهُمْ كَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ سَوَآءً مّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ) {الجاثية/21)
[*] قال محمد بن كعب القرظي:
لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح بـ (إذا زلزلت) و (القارعة) لا أزيد عليهما أحب إليَّ من أن أهذَّ القرآن ليلتي هذّاً. أو قال: أنثره نثرا ً.
[*] قال ابن القيم: ليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده من تدبر القرآن وجمع الفكر على معاني آياته؛ فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرها وعلى طرقاتهما وأسبابهما وثمراتهما ومآل أهلهما، وتتل في يده مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة، وتثبت قواعد الإيمان في قلبه، وتريه صورة الدنيا والآخرة والجنة والنار في قلبه، وتحضره بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم، وتبصره مواقع العبر.
وتشهده عدل الله وفضله وتعرفه ذاته وأسماءه وصفاته وأفعاله وما يحبه وما يبغضه وصراطه الموصل إليه وقواطيع الطريق وآفاته، وتعرفه النفس وصفاتها ومفسدات الأعمال ومصححاتها، وتعرفه طريق أهل الجنة وأهل النار وأعمالهم وأحوالهم وسيماهم ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة.
فتشهده الآخرة حتى كأنه فيها، وتغيبه عن الدنيا حتى كأنه ليس فيها، وتميز له بين الحق والباطل في كل ما يختلف فيه العالم، وتعطيه فرقاناً ونوراً يفرق به بين الهدى والضلال، وتعطيه قوة في قلبه وحياة واسعة وانشراحاً وبهجة وسروراً فيصير في شأن والناس في شأن آخر؛ فلا تزال معانيه تنهض العبد إلى ربه بالوعد الجميل.
وتحذره وتخوفه بوعيده من العذاب الوبيل، وتهديه في ظلم الآراء والمذاهب إلى سواء السبيل، وتصده عن اقتحام طرق البدع والأضاليل، وتبصره بحدود الحلال والحرام وتوقفه عليها؛ لئلا يتعداها فيقع في العناء الطويل، وتناديه كلما فترت عزماته.
تقدمَ الركبُ، وفاتك الدليل، فاللحاقَ اللحاقَ، والرحيلَ الرحيلَ فاعتصم بالله واستعن به وقل: {حسبي الله ونعم الوكيل.
- إنَّ المؤمن عندما يُحسن قراءة القرآن وتدبره يقف على زاد عظيم من معانيه ودلالاته وهداياته، ونحن في عصرنا الحاضر أحوج ما نكون إلى القرآن العظيم، نتلوه ونتدَّبره، نفهمه ونفسِّره، نحيا به ونتعامل معه، نصلح أنفسنا ومجتمعاتنا على هديه، ونقيم مناهج حياتنا على أسسه ومبادئه وتوجيهاته.
[*] يقول الإمام الآجري رحمه الله تعالى:
ألا ترون رحمكم الله إلى مولاكم الكريم، كيف يحثُّ خلقه على أن يتدبروا كلامه، ومن تدبَّر كلامه عرف الربّ عز وجل، وعرف عظيم سلطانه وقدرته، وعرف عظيم تفضله على المؤمنين، وعرف ما عليه من فرض عبادته، فألزم نفسه الواجب، فحذر ممَّا حذَّره مولاه الكريم، ورغب فيما رغَّبه فيه، ومن كانت هذه صفته عند تلاوته للقرآن وعند استماعه من غيره، كان القرآن له شفاء، فاستغنى بلا مال، وعزَّ بلا عشيرة، وأنس بما يستوحش منه غيره، وكان همُّه عند تلاوة السورة إذا افتتحها: متى أتعظ بما أتلوه؟ ولم يكن مراده: متى أختم السورة؟ وإنَّما مراده: متى أعقل من الله الخطاب؟ متى أزدجر؟ متى أعتبر؟ لأنَّ تلاوته للقرآن عبادة، والعبادة لا تكون بغفلة.
[*] عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّه قال في القرآن الكريم:
لا تهذوا القرآن هذا لشعر ولا تنثروه نثر الدقل - أي التمر الرديء وفي رواية الرمل - قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن هم أحدكم آخر السورة.
[*] وقال الحسن البصري رحمه الله:
"الزموا كتاب الله وتتبعوا ما فيه من الأمثال، وكونوا فيه من أهل البصر، رحم الله عبداً عرض نفسه وعمله على كتاب الله، فإن وافق كتابَ الله حمد الله وسأله الزيادة، وإن خالف كتاب الله أعتب نفسه ورجع من قريب".
- إنَّ التمسك بكتاب الله عز وجل تلاوة وتدبراً، عملاً والتزاماً، سبيلُ السعادة في الدارين الدنيا والآخرة، وطريق الفلاح فيهما،
[*] قال ابن عباس رضي الله عنهما:
"تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يَضِلَّ في الدنيا ولا يشقى في الآخرة. ثم قرأ قوله تعالى: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى)[طه 123: 126]
- وإذا نظرنا في سير الصحابة ومن بعدهم من سلف هذه الأمة؛ نجدهم قد تلقوا هذا القرآن الكريم مدركين مدى الشرف الذي حباهم الله به، فأقبلوا عليه يحفظونه ويرتلونه آناء وأطراف النهار، جعلوه غذاء أرواحهم وقوت قلوبهم وقرة أعينهم، نفذوا أحكامه وأقاموا حدوده وطبقوا شرائعه، طهرت به نفوسهم وصلحت به أحوالهم، ودعوا الناس إليه ورغبوهم فيه.
[*] عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّه قال في القرآن الكريم:
لا تهذوا القرآن هذا لشعر ولا تنثروه نثر الدقل - أي التمر الرديء وفي رواية الرمل - قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن هم أحدكم آخر السورة.
[*] قال عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: (لقد عشنا دهرا طويلا وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن فتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فيتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها، وما ينبغي أن يقف عنده منها، ثم لقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين الفاتحة إلى خاتمته لا يدري ما آمره ولا زاجره وما ينبغي أن يقف عنده منه، ينثره نثر الدقل.
[*] قال الحسن البصري: والله! ما تدبُّره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده حتى إن أحدهم ليقول: قرأت القرآن كله، ما يُرى له القرآنُ في خُلُق ولا عمل. قال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن
…
} النساء: 82.
[*] وقال الحسن أيضاً: نزل القرآن ليُتَدَبَّر ويعمل به؛ فاتخذوا تلاوته عملاً. أي أن عمل الناس أصبح تلاوة القرآن فقط بلا تدبر ولا عمل به.
[*] قال ابن كثير: (يقول الله تعالى آمراً عباده بتدبر القرآن وناهياً لهم عن الإعراض عنه وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة: أفلا يتدبرون القرآن)، فهذا أمر صريح بالتدبر والأمر للوجوب. قال تعالى:{الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به}
…
[البقرة: 121]
روى ابن كثير عن ابن مسعود قال: والذي نفسي بيده! إن حق تلاوته أن يحل حلاله ويحرم حرامه ويقرأه كما أنزله الله.
[*] وقال الشوكاني: يتلونه: يعملون بما فيه، ولا يكون العمل به إلا بعد العلم والتدبر. قال تعالى:{ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون} [البقرة: 78]
[*] قال الشوكاني: وقيل: (الأماني: التلاوة) أي: لا علم لهم إلا مجرد التلاوة دون تفهم وتدبر.
[*] وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: ذم الله المحرفين لكتابه والأميين الذين لا يعلمون منه إلا مجرد التلاوة وهي الأماني. قال الله تعالى: {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا} [الفرقان: 30]
[*] قال ابن كثير:
وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وقال ابن القيم: هجر القرآن أنواع
…
الرابع: هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه.
وحتى نتدبر القرآن فعلينا بمراعاة الآتي:
(1)
مراعاة آداب التلاوة من طهارة ومكان وزمان مناسبين وحال مناسبة وإخلاص واستعاذة وبسملة وتفريغ للنفس من شواغلها وحصر الفكر مع القرآن والخشوع والتأثر والشعور بأن القرآن يخاطبه.
(2)
التلاوة بتأنٍ وتدبر وانفعال وخشوع، وألا يكون همه نهاية السورة، الوقوف أمام الآية التي يقرؤها وقفةً متأنيةً فاحصةً مكررةً، النظرة التفصيلية في سياق الآية: تركيبها - معناها - نزولها - غريبها – دلالاتها.
(3)
ملاحظة البعد الواقعي للآية؛ بحيث يجعل من الآية منطلقاً لعلاج حياته وواقعه، وميزاناً لمن حوله وما يحيط به.
(4)
العودة إلى فهم السلف للآية وتدبرهم لها وتعاملهم معها والاطلاع على آراء بعض المفسرين في الآية.
(5)
النظرة الكلية الشاملة للقرآن، الالتفات للأهداف الأساسية للقرآن.
(6)
الثقة المطلقة بالنص القرآني وإخضاع الواقع المخالف له.
(7)
معايشة إيحاءات النص وظلاله ولطائفه، الاستعانة بالمعارف الثقافات الحديثة، العودة المتجددة للآيات، وعدم الاقتصار على التدبر مرة واحدة؛ فالمعاني تتجدد، ملاحظة الشخصية المستقلة للسورة، التمكن من أساسيات علوم التفسير.
القراءة في الكتب المتخصصة في هذا الموضوع مثل كتاب: (القواعد الحسان لتفسير القرآن) للسعدي، وكتاب (مفاتيح للتعامل مع القرآن) للخالدي، وكتاب (قواعد التدبر الأمثل لكتاب الله عز وجل لعبد الرحمن حبنكة الميداني، وكتاب (دراسات قرآنية) لمحمد قطب.
• فوائد تدبر القرآن: