الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والذي دفعنا إلى هذا الاستطراد هو قول هذا الإمام الجليل ابن سكينة الذي كان لا يضيع شيئاً من وقته، يقول يحيى بن القاسم: كنا إذا دخلنا عليه يقول: لا تزيدوا على: (سلام عليكم، مسألة) لحرصه على الوقت. أما أن تخاطب الشيخ الذي تسأله في التلفون قائلاً: كيف الحال؟! وكيف الأولاد؟! وتأتي بمقدمات طويلة ثم بعد ذلك تأتي بالسؤال فلا. وبعض الإخوة يتصلون بي من وراء البحار، والأخ المتصل حينها الظاهر أنه يدفع مبالغ كبيرة في المكالمة، ومع هذا يضيع الوقت فيما لا فائدة فيه. فكأن هذا الشيخ يقول: وقتي أغلى عندي من هذه الدولارات التي يدفعونها في المكالمات. فلا تضيع الوقت في الأسئلة التي لا طائل من ورائها، وركز في سؤالك مكتفياً بقولك: ما حكم كذا. أما كثرة الثرثرة بلا طائل فهي من إنفاق الوقت بما لا يعود على العبد بفائدة. ......
•
الترويح عن النفس ليس مضيعةً للوقت:
مسألة: هل الترويح عن النفس مضيعةً للوقت؟
الجواب: أن الترويح عن النفس إن كان مما أباحته الشريعة الغراء فليس مضيعةً للوقت بل هو عونٌ بعد الله تعالى في استجلاب النشاط والقضاء على الفتور الذي يعترى الإنسان أحيانا لأن القلوب تملُّ كما تملُّ الأبدان وإن النفس قد تمل من الدؤوب في الجد، وترتاح إلى بعض المباح من اللهو المباح.
[*] • قال الخليفة الراشد عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه: أَجِمُّوا هذه القلوبَ، وابْتَغُوا لها طرائفَ الْحِكمةِ، فإنها تَمَلُّ كما تَمَلُّ الأبدانُ.
[*] • وقال أسامة بن زيد رضي الله عنه: روحوا القلوب تعي الذكر.
[*] • وقالُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى في حِكْمَةِ النهيِ عن التَّطَوُّعِ في مُطْلَقِ الأوقاتِ: (بل في النهيِ عنه بعضَ الأوقاتِ مصالِحُ أُخَرُ من إِجمامِ النفوسِ بعضَ الأوقاتِ، من ثِقَلِ العِبادةِ؛ كما يُجَمُّ بالنوْمِ وغيرِه، ولهذا قالَ مُعاذٌ: إني لأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي، كما أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي.
وقالَ: (بل قد قيلَ: إنَّ من جُملةِ حِكمةِ النهيِ عن التَّطَوُّعِ المطلَقِ في بعضِ الأوقاتِ: إجمامَ النفوسِ في وَقْتِ النهيِ لتَنْشَطَ للصلاةِ؛ فإنها تَنْبَسِطُ إلى ما كانت مَمنوعةً منه، وتَنْشَطُ للصلاةِ بعدَ الراحةِ. واللهُ أَعْلَمُ) أهـ.
[*] • قال وهب بن منبه رحمه الله تعالى: " مكتوب في حكمة آل داود عليه السلام: حق على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلو فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل فإن في هذه الساعة عوناً على تلك الساعات وإجماماً للقلوب، وحق على العاقل أن لا يُرى ظاعناً في غير ثلاث: زاد لمعاد أو مرمة لمعاش، أو لذة في غير محرم، وحق على العاقل أن يكون عارفاً بزمانه حافظاً للسانه مقبلا على شأنه " رواه البيهقي ..
[*] • قال بعض السلف في مثل هذا الموضع: إن النفس كالدابة، فإن أجهدت الدابة فسرت بها ثلاثة أيام ولم تطعمها ولم ترحها، هلكت وماتت ولم توصلك إلى المراد، وإن رفقت بها وخففت وأطعمتها وصلت بإذن الله، فلابد من شيء مما يستجم به المؤمن ويستعين به على الطاعة، لكن لا يكون في حرام ولا في لهو أو لعب، بل بعض من وفقه الله للخير.
[*] • وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى: إن هذه القلوب تحيى وتموت فإذا حييت فاحملوها على النافلة، وإذا ماتت فاحملوها على الفريضة،
[*] • وقال الزهري رحمه الله تعالى: كان رجل يجالس أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ويحدثهم، فإذا كثروا وثقل عليهم الحديث، قال:«إن الأذن مجاجة، وإن القلوب حمضة، فهاتوا من أشعاركم وأحاديثكم» ،
[*] • وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: إني لأستجم نفسي ببعض الباطل كراهية أن أحمل عليها من الحق ما يَكِلَّها.
[*] • وقال محمد بن إسحاق: كان ابن عباس إذا جلس مع أصحابه حدثهم ساعة ثم قال حمضونا، فيأخذ في أحاديث العرب ثم يعود يفعل ذلك مراراً.
[*] • وعن الزهري أنه كان يقول لأصحابه: هاتوا من أشعاركم هاتوا من حديثكم فإن الأذن مجة والقلب حمض.
[*] • وقال ابن إسحاق: كان الزهري يحدث ثم يقول: هاتوا من ظرفكم هاتوا من أشعاركم، أفيضوا في بعض ما يخفف عليكم وتأنس به طباعكم فإن الأذن مجاجة والقلب ذو تقلب.
[*] • وقال مالك بن دينار: كان الرجل ممن كان قبلكم إذا ثقل عليه الحديث قال: إن الأذن مجاجة والقلب حمض فهاتوا من طرف الأخبار.
[*] • عن ابن زيد قال: قال لي أبي: إن كان عطاء بن يسار ليحدثنا أنا وأبا حازم حتى يبكينا ثم يحدثنا حتى يضحكنا، ثم يقول: مرة هكذا ومرة هكذا.
[*] • وُصِفَ رجل من النساك عند عبيد اللّه ابن عائشة فقالوا: هو جد كله، فقال لقد أضاق على نفسه المرعى، وقصر طول النهى، ولو فككها بالانتقال من حال إلى حال لتنفس عنها ضيق العقدة، وراجع الجد بنشاط وحدة.
[*] • وعن الأصمعي قال: سمعت الرشيد يقول: النوادر تشحذ الأذهان وتفتق الآذان.
[*] • قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه أخبار الحمقى والمغفلين:
وما زال العلماء والأفاضل يعجبهم الملح، ويهشون لها، لأنها تجم النفس وتريح القلب من كد الفكر.
مسألة: ما الدليل على أن إجمام النفس وإعطاءها شيئا من الراحة حتى تنشط في المستقبل من الأمور الشرعية؟
الجواب: يجب أن نعلم أن إجمام النفس وإعطاءها شيئا من الراحة حتى تنشط في المستقبل من الأمور الشرعية التي دلت عليها السنة الصحيحة كما في الأحاديث الآتية:
(حديث حنظلة بن الربيع الأُسيدي الثابت في صحيح مسلم) قال لقيني أبو بكر فقال كيف أنت يا حنظلة قال قلت نافق حنظلة قال سبحان الله ما تقول قال قلت نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا قال أبو بكر فوالله إنا لنلقى مثل هذا فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت نافق حنظلة يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك؟ قلت يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات.
(حديث أبي جحيفة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال لها: ما شأنك؟. قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا. فجاء أبو الدرداء، فصنع له طعاما، فقال: كل، قال: فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نم، فلما كان من آخر الليل، قال سلمان: قم الآن، فصليا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(صدق سلمان).
(حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألم أخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن كل ليلة فقلت بلى يا نبي الله ولم أرد بذلك إلا الخير قال فإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام قلت يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك قال فإن لزوجك عليك حقا ولزورك عليك حقا ولجسدك عليك حقا.
(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح البخاري) أنها: كانت مع النبي في سفر قالت فسابقته فسبقته على رجلي فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال هذه بتلك.
- وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
(حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل شيء ليس من ذكر الله لهو و لعب إلا أن يكون أربعة: ملاعبة الرجل امرأته و تأديب الرجل فرسه و مشي الرجل بين الغرضين و تعليم الرجل السباحة.
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(كل شيء ليس من ذكر اللّه فهو لهو ولعب) فهو مذموم واللذة التي لا تعقب ألماً في الآخرة ولا التوصل إلى لذة هناك فهي باطلة إذ لا نفع فيها ولا ضرر وزمنها قليل ليس لتمتع النفس بها قدر
(إلا أن يكون أربعة) أي واحد من أربعة هي
(ملاعبة الرجل امرأته وتأديب الرجل فرسه ومشي الرجل بين الغرضين) قال القرطبي: فيه تحريم الغناء لأنه لم يرخص في شيء منه إلا في هذه الثلاثة فيحرم ما سواها من اللهو لأنه باطل كما في خبر آخر