الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- ولهذا كان حفظ الوقت أصل كل خير، وضياعه منشأ كل شر، بل إن ضياع الوقت داء عضال، ومرضٌ قَتَّال، تذوب معه الأرواح، ولا يقع معه الارتياح، بل هو بحر من ركبه غرق؛ فإنه لا ساحل له، ولا نجاة منه،، متناهٍ في القبح والبشاعة، غاية في الخسة والشناعة، لأنه يُضَيِّع العمر سدى ويجعله هباءاً منثورا وهو أمرٌ لا يمكن تداركه ولا استئنافه، فإذا ضاع العمر فلا يرجع ولا يعود فيندم الإنسان ولات ساعة ندم، لا تجدي الحسرات ولا تنفع الأهات، وإن من توفيق الله تعالى للعبد أن يستعمله في طاعته وأن يبارك له في وقته ويُلهمه حُسن استثماره في طاعته فتكون دنياه مزرعةً لآخرته، فإذا زرع الطاعة حصد رضوان الله تعالى وجنته بفضل الله تعالى، ومن زرع الشوك لا يجني عنبا، والحقيقة تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنه لولا أن الله تبارك وتعالى يبارك في أعمار المؤمنين لما استطاع دعاة الهدى وأئمة التقى وعلماء الصلاح والإصلاح أن يفعلوا شيئاً، ماذا نفعل لو أردت أنا وإياكم أن ننسخ كتب شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية باليد؟ قد تنتهي الأربعين سنة ولم نكتبها أو شبه ذلك ـ سبحان الله ـ فكيف يكون الحال إذا كان هو يفكر ويجمع العلم، ثم متى يكتب، ومتى يفتي؟! وأين عبادته وقد كان من أعبد الناس؟!
•
وهاك بعض الأدلة على أهمية حفظ الوقت:
(1)
لقد دلت النصوص الشرعية على أهمية حفظ الوقت، ومن ذلك ما يلي:
قال تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1 - 3].
[*] • قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: العصر هو الزمن.
فقد أقسم الله عز وجل في هذه السورة الكريمة بالعصر ـ الذي هو الدهر ـ وإذا أقسم الله عز وجل بشيء من مخلوقاته فذلك دليل على عظم شأن ذلك الأمر.
(حديث ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة و الفراغ.
فدل هذا الحديث الشريف على أن الفراغ نعمة عظيمة من الله عز وجل، وأن كثيرا من الناس مغبون في هذه النعمة، وسبب ذلك الغبن يرجع إلى أحد ثلاثة أمور:
(1)
أنه لم يستغل هذا الفراغ على أكمل وجه، وذلك بأن يكون قد شغل فراغه بأمر مفضول مع أنه كان بإمكانه أن يشغله بأمر أفضل.
(2)
أنه لم يشغل هذا الوقت بشيء من الأعمال الفاضلة التي تعود عليه بالنفع في دينه ودنياه، وإنما شغله بأمور مباحة لا أجر فيها ولا ثواب.
(3)
أنه شغله بأمر محرم والعياذ بالله ، وهذا أشد الثلاثة غبنا، فهو ضيع على نفسه فرصة استغلال الوقت بما يعود عليه بالنفع، ولم يكتف بذلك بل شغل وقته بما يكون سببا لتعرضه لعقوبة الله عز وجل في الدنيا والآخرة!
[*] • قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قال ابن بطال: معنى الحديث أن المرء لا يكون فارغا، حتى يكون مكفيا صحيح البدن، فمن حصل له ذلك، فليحرص على ألاّ يغبن، بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه، ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه، فمن فرط في ذلك، فهو المغبون" [فتح الباري: (11/ 230)
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(نعمتان) تثنية نعمة، وهي الحالة الحسنة، أو النفع المفعول على وجه الإحسان للغير. وزاد في رواية " من نعم اللّه "
(مغبون فيهما) بالسكون والتحريك قال الجوهري: في البيع بالسكون وفي الراوي بالتحريك، فيصح كل في الخبر. إذ من لا يستعملهما فيما ينبغي فقد غبن ولم يحمد رأيه
(1) التفسير الكبير للرازي (32/ 84).
(كثير من الناس: الصحة والفراغ) من الشواغل الدنيوية المانعة للعبد عن الاشتغال بالأمور الآخروية، فلا ينافي الحديث المار: إن اللّه يحب العبد المحترف، لأنه في حرفة لا تمنع القيام بالطاعات. شبه المكلف بالتاجر، والصحة والفراغ برأس المال لكونهما من أسباب الأرباح ومقدمات النجاح فمن عامل اللّه بامتثال أوامره ربح، ومن عامل الشيطان باتباعه ضيع رأس ماله. والفراغ نعمة غبن فيها كثير من الناس. ونبه بكثير على أن الموفق لذلك قليل. وقال حكيم: الدنيا بحذافيرها في الأمن والسلامة. وفي منشور الحكم: من الفراغ تكون الصبوة، ومن أمضى يومه في حق قضاه، أو فرض أدَّاه، أو مجد أثله، أو حمد حصله، أو خير أسسه، أو علم اقتبسه فقد عتق يومه وظلم نفسه. قال: لقد هاج الفراغ عليك شغلا * وأسباب البلاء من الفراغ. أهـ
(2)
أن الوقت هو رأس مال الإنسان:
[*] • قال الحسن رحمه الله تعالى: يا ابن آدم إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومك ذهب بعضك.
[*] • وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما.
[*] • قال داود الطائي: " إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة
وقال أحد الصالحين لتلاميذه: " إذا خرجتم من المسجد فتفرّقوا لتقرؤوا القرآن، وتسبّحوا الله، فإنكم إذا اجتمعتم في الطريق، تكلمتم وضاعت أوقاتكم ".
• وقال شوقي:
دقات قلب المرء قائلة له
…
إن الحياة دقائق وثوان
(3)
أن الوقت سريع الانقضاء:
[*] • قال رجل لعامر بن عبد قيس ـ من أئمة التابعين ـ: كلمني. فقال له: امسك الشمس! وقال الإمام أحمد: ما شبهت الشباب بشيء إلا بشيء كان في كمي فسقط.
• وقال أبو الوليد الباجي:
إذا كنت أعلم علما يقينا
…
بأن جميع حياتي كساعة
فلم لا أكون ضنينا بها
…
وأجعلها في صلاح وطاعة
(4)
الوقت إذا فات لا يعود:
[*] • قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: إن لله حقا بالنهار لا يقبله بالليل، ولله حق بالليل لا يقبله بالنهار.
[*] • وقالوا لعمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: لو ركبت وتروحت؟ فقال لهم: فمن يجزىء عني عمل ذلك اليوم؟ فقالوا: تؤجله إلى الغد، فقال لهم: فدحني عمل يوم واحد فكيف إذا اجتمع عليّ عمل يومين؟!
ولهذا كان الوقت عند السلف أغلى من الدراهم والدنانير،
[*] • قال الحسن رحمه الله تعالى: لقد أدركت أقواما كانوا أشد حرصا على أوقاتهم من حرصكم على دراهمكم ودنانيركم!