الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• روى ابن أبي الدنيا بإسناده عن الفضل الرقاشي أنه كان يقول في كلامه إذا ذكر أهل القبور: يا لها من وجوه حيل بينها وبين السجود لله عز وجل لو يجدون إلى العمل مخلصاً بعد المعرفة بحسن الثواب لكانوا إلى ذلك سراعاً. ثم يبكي ويقول: يا إخوتاه فأنتم اليوم قد خلي بينكم وبين ما عليه ترجون إليه فكاك رقابكم ألا فبادروا الموت وانقطع أعمالكم فإن أحدكم لا يدري متى يحترمه ليلاً أو نهاراً.
• روى ابن أبي الدنيا بإسناده عن صفوان بن سليم أنه كان في جنازة في نفر من العباد فلما صلي عليها قال صفوان: أما هذا قد انقطعت عنه أعماله واحتاج إلى دعاء من خلف بعده فأبكى القوم جميعاً وقال أبو وهب محمد بن مزاحم قال: قام رجل إلى ابن المبارك في جنازة فسأله عن شيء فقال له: يا هذا سبِّح فإن صاحب السرير منع من التسبيح.
• روى ابن أبي الدنيا بإسناده عن زيد بن نعامة قال: هلكت جارية في الطاعون فلقيها أبوها بعد موتها في المنام فقال لها: يا بنية أخبريني عن الآخرة فقالت يا أبت قدمنا على أمر عظيم نعلم ولا نعمل وتعملون ولا تعلمون والله لتسبيحة أو تسبيحتان أو ركعة أو ركعتان في عمل أحب إلي من الدنيا وما فيها.
[*] • قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى في كتابه أهوال القبور:
كان عمرو بن عيينة يخرج بالليل إلى المقابر ويقول: يا أهل القبور طويت الصحف ورفعت الأعمال ثم يصلي حتى يصبح ثم يرجع إلى أهله، ورؤي بعض الموتى في المنام فقال: ما عندكم أكثر من الغفلة وما عندنا أكثر من الحسرة.
•
وقت السالك جِدٌ كُلُه:
[*] • قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه اللطائف:
وقت السالك جدٌ كله لعلمه بشرف الزمان والنهار مطالب بحق الملك والليل يقتضي دين الحب فلا وجه للراحة.
لما عاينت أبصار البصائر " يوسف " العواقب قطعت أيدي الهوى بسكين الشوق، فولوج الجمل في سم الخياط أسهل من دخول اللوم في تلك الأسماع، فإذا حان حين الحين فرح سائر الليل بقطع المنزل وصاحت ألسنة الجد بالعاذلين (فَذَلِكُنّ الَّذي لُمتُنَني فيه).
قُلوبٌ أَبَت أَن تَعرِفَ الصَبرَ عَنهُم أَثمانُ المَعالي، غالِيَةً فَكيفَ يَستامها مفلس، وَكَيف يُنالُ المَجدُ وَالجِسمُ وادِعُ، وَكَيفَ يُحازُ الحَمدُ وَالوَفرُ وافِرُ، كلما تعاظمت الهمم تصاغرت الجثث.
وَلَستَ تَرى الأَجسامَ وَهي ضَيئلَةٌ نواحِلُ إِلا وَالنُفوسُ كِبارُ قال " يحيى بن معاذ ": لتكن الخلوة بيتك والمناجاة حديثك فإما أن تموت بدائك أو تصل إلى دوائك.
- وقال أيضاً: كان " عطاء السّلمي " يبكي في غرفته حتى تجري دموعه في الميزاب إلى الطريق فقطرت دموعه يوما فصاح رجل: يا أهل الدار: ماؤكم طاهر؟
فقال " عطاء ": اغسله فإنه دمع من عصى الله.
وكان " داود " عليه السلام يؤتى بالإناء ناقصا فلا يشربه حتى يتمه بدموعه.
- وقال أيضاً: دخل رجل ناحل الجسم على " عمر بن عبد العزيز " فقال له: مالك هكذا؟
فقال: ذقت حلاوة الدنيا فرأيتها مرارة فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري وذلك قليل في جنب ثواب الله وعقابه.
• بماذا نستثمر أوقاتنا؟
إن مجالات استثمار الوقت كثيرة، وللمسلم أن يختار منها ما هو أنسب له وأصلح، ومن هذه المجالات ما يلي:
(1)
حفظ كتاب الله تعالى وتعلُّمه وتعليمه: وهذا خير ما يستغل به المسلم وقته، وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على تعلم كتاب الله وتعليمه وإليك غيضٌ من فيض ونقطةٌ من بحر مما ورد في ذلك:
(حديث عثمان في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال خيركم من تعلم القرآن وعلمه.
(حديث أبي هريرة في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل و آناء النهار فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل و رجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل.
(حديث عائشة في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الذي يقرأ القرآن وهو حافظٌ له مع السفرةِ الكرامِ البررة والذي يقرأ القرآن ويتعاهده وهو عليه شديد فله أجران.
(حديث أنس في صحيح ابن ماجة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أهل القرآن أهل الله وخاصته.
(حديث أبي مسعودٍ الأنصاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا و لا يؤمنَّ الرجلُ الرجلَ في أهله و لا في سلطانه و لا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه.
(حديث ابن عباس في صحيح البخاري موقوفاً) قال: كان القراء أصحاب مجلس عمر رضي الله تعالى عنه كهولاً كانوا أم شباناً.
(حديث أبي موسى في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم و حامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه و إكرام ذي السلطان المقسط.
(حديث جابر في صحيح البخاري) قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحدٍ في الثوب الواحد ثم يقول: أيهم أكثر أخذاً للقرآن فإذا أُشير إلى أحدهما قدَّمه في اللحد وقال أنا شهيدٌ على هؤلاء يوم القيامة وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسَّلوا ولم يُصلى عليهم.
(حديث عصمة بن مالك رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو جمع القرآن في إهاب ما أحرقه الله بالنار.
[*] قال ابن الأثير:
وقيل الْمعنى: مَن علَّمهُ اللهُ القرآنَ لم تحرقْهُ نارُ الآخرةِ، فجُعِلَ جسمُ حافظ القرآن كالإهاب له.
(2)
حفظ الحديث الشريف:
ومن أنفع ما يُغْتَنم به فرصة العمر حفظ الحديث الشريف لأن النبي علق النجاة من الضلال على الوحييين الشريفين «الكتاب والسنة الصحيحة» كما في الحديث الآتي:
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تركتُ فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض)
ولأنه يجب على طالب العلم أن يتمسك بالوحيين كليهما (الكتاب والسنة) وليس الكتاب فقط
كما في الحديث الآتي:
(حديث المقدام ابن معد يكرب رضي الله عنه الثابت فى صحيح أبي داوود) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا وإني أوتيتُ القرآنَ ومثلَه معه)
ولأن ما حرَّم رسول الله مثل ما حرم الله بنص السنة الصحيحة كما في الحديث الآتي:
(حديث المقدام ابن معد يكرب رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك الرجل متكئاً على أريكته يُحَدَثُ بحديثٍ من حديثٍ فيقول بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلالٍ استحللناه وما وجدنا فيه من حرامٍ حرمناه، ألا وإن ما حرَّم رسول الله مثل ما حرم الله)
، ولذا كان السلف الصالح يدعون إلى التمسك بالوحيين كليهما ويضللون من يتمسك بالكتاب فقط ، قال أبو قلابة: إذا رأيت رجل يقول هات الكتاب ودعنا من السنة فاعلم أنه ضال.
[*] وقال الإمام احمد رحمه الله:
دين النبي محمدٍ أخبارُ
…
نعم المطيةُ للفتى الآثارُ
لا ترغبَنَّ عن الحديثِ وأهله
…
فالرأيُ ليلٌ والحديثُ نهارُ
[*] وقال الشافعي رحمه الله:
كُلُ العلومِ سوى القرآنِ مشغلةٌ
…
إلا الحديثِ وعلم الفقه في الدين
العلمُ ما كان فيه قال حدثنا
…
وما سوى ذاك وسواسِ الشياطين
وبين يديك أروع الأمثلة لعلو همة السلف الصالح في حفظ الحديث الشريف،
[*] • قال أبو زرعة: كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث ـ يعني مليون حديث، والمراد بذلك الأسانيد والمتون ـ فقيل له: ما يدريك؟ قال: ذاكرته، وأخذت عليه الأبواب.
[*] • وقال سليمان بن شعبة: كتبوا عن أبي داود أربعين ألف حديث وليس معه كتاب. يعني: أملى على تلامذته أربعين ألف حديث بالإسناد والمتن، وليس معه كتاب ينظر فيه.
[*] • وقال أبو زرعة الرازي: أحفظ مائتي ألف حديث كما يحفظ الإنسان: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، وفي المذاكرة ثلاثمائة ألف حديث.
[*] • وقال هشام الكلبي: حفظت ما لم يحفظه أحد، ونسيت ما لم ينسه أحد، كان لي عم يعاتبني على حفظ القرآن، فدخلت بيتاً وحلفت أن لا أخرج حتى أحفظ القرآن، فحفظته في ثلاثة أيام، ونظرت في المرآة فقبضت على لحيتي لآخذ ما دون القبضة فأخذت ما فوقها.
[*] • ولما قدم البخاري بغداد سمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا، وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا أسانيدها ومتونها، فجعلوا متن هذا الإسناد لهذا، وإسناد هذا المتن لهذا، ودفعوا إلى كل واحد عشرة أحاديث ليلقيها على البخاري في المجلس، فاجتمع الناس، وانتدب أحدهم فسأله عن حديث فقال: لا أعرفه. وسأله عن حديث آخر فقال: لا أعرفه. حتى فرغ من عشرته، وكل حديث يتلوه على البخاري يقول له البخاري فيه: لا أعرفه. والذين كانوا واقفين يقولون: من هذا البخاري الذي انخدع به الناس، فكل الأحاديث لا يعرفها ولا واحداً منها! فكأن كلما قال: لا أعرفه يقل في نظر العوام ويرتفع في نفس الوقت في عيون العلماء، فكان الفقهاء يلتفت بعضهم إلى بعض، ويقولون: الرجل فهم. ومن كان لا يدري قضى على البخاري بالعجز، ثم انتدب آخر ففعل كما فعل الأول، و البخاري يقول: لا أعرفه. ثم الثالث، إلى تمام عشرة أنفس، وهو لا يزيدهم على (لا أعرفه)، فلما علم أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال: أما حديثك الأول فكذا، والثاني كذا، والثالث كذا، إلى عشرة أحاديث، بنفس الترتيب وبنفس الأخطاء، أي: تلا العشرة الأحاديث كما رواها، وقد خلطت الأسانيد وقلبت المتون، وبعدما فرغ من سردها أعادها مصححة، وأعاد الإسناد إلى متنه والمتن إلى إسناده، وهكذا، فرد كل متن إلى إسناده، وفعل بالتسعة الآخرين مثل ذلك، فأقر له الناس بالحفظ، فكان ابن صاعد إذا ذكره يقول: ذلك الكبش النطاح. أي: يمدح الإمام البخاري بالكبش النطاح، يعني: الذي يغلب في المصاولة والمحاورة. [*] • وقال ابن النجار: سمعت شيخنا عبد الوهاب بن الأمين يقول: كنت يوماً مع الحافظ أبي القاسم ابن عساكر و أبي سعد ابن السمعاني نمشي في طلب الحديث ولقاء الشيوخ، فلقينا شيخاً، فاستوقفه ابن السمعاني ليقرأ عليه شيئاً، وطاف على الجزء الذي هو سماعه في خريطته. أي أنه لما وجد الشيخ قال: أتلو عليك هذه الأحاديث التي عندي عنك. فقرأها عليه من حفظه كأنه يقرؤها من كتاب! ......
(3)
طلب العلم: إن رأس مال الإنسان هو عمره، وإن أولى ما يصرف فيه المرء رأس ماله هو طلب العلم وتحصيله، فينبغي لمن وجد في نفسه الهمة للطلب ألا يضيع عمره في غير ذلك، وأن يستغله أحسن استغلال، وأن يكون ذا همة عالية في ذلك، والصبر عليه، مقتدياً في ذلك بجهابذة العلماء الذين بلغوا الذروة في علو الهمة في تحصيل العلم فقد كان السلف الصالح أكثر حرصاً على استثمار أوقاتهم في طلب العلم وتحصيله؛ وذلك لأنهم أدركوا أنهم في حاجة إليه أكبر من حاجتهم إلى الطعام والشراب، و من رحمة الله سبحانه وتعالى بهذه الأمة أن ألقى في قلوب سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى الشغف بالعلم، والحرص على مجالسه، ليحفظوا به دينهم، وليكونوا أسوة لمن بعدهم، فمن ثمّ تبوءوا مناصب الإمامة في الدين. وقد كان السلف الصالح رحمهم الله تعالى يزدحمون على مجالس العلم ومن ذلك ما يلي:
[*] • قال جعفر بن درستويه: كنا نأخذ المجلس في مجلس علي بن المديني وقت العصر اليوم لمجلس غد، يعني أن من أراد أن يحجز مكاناً أو موضعاً في مكان الدرس ليوم الجمعة ـ مثلاً ـ فإنه يبقى في المسجد من عصر الخميس، ويظل مرابطاً في مكانه إلى اليوم التالي؛ لأن الدرس سيكون في اليوم الثاني بعد العصر؛ لأنه قبل ذلك لا يجد مكاناً، وهذا من شدة حرصهم وتزاحمهم على الحضور في مجالس العلم. يقول: كنا ندخل المجلس في مجلس علي بن المديني وقت العصر اليوم لمجلس غد، فنقعد طول الليل مخافة أن لا نلحق من الغد موضعاً نسمع فيه. يقول جعفر بن درستويه: ورأيت شيخاً في المجلس يبول في طيلسانه ويدرج الطيلاسان حتى فرغ، مخافة أن يؤخذ مكانه إن قام للبول.
[*] • وقال يحيى بن حسان: كنا عند سفيان بن عيينة وهو يحدث، فازدحمت فرقة من الناس على محل شيخ ضعيف فانتهبوه. أي: من شدة حرصهم على طلب العلم، وهم شباب أقوياء وهو رجل ضعيف ظلوا يزيحونه حتى انتهبوا منه مكانه الذي يجلس فيه، ودقوا يد الشيخ، فجعل الشيخ يصيح.
وكان طبعاً الإمام سفيان بن عيينة يحدث، والمكان فسيح جداً، والزحام شديد للغاية، فجعل هذا الشيخ يصيح، ويقول لسفيان: لا جعلتك مما عملوا بي في حل. يعني: أنا لا أسامحك ـ يا سفيان ـ مما عملوا بي؛ لأنه حصل بسبب حرصهم على هذا الدرس، فأنت المسئول عن أن تنصفني من الظلم الذي وقع عليَّ. فجعل هذا الشيخ ـ ليلفت نظر سفيان بن عيينه إليه ـ يقول لسفيان: لا جعلتك مما عملوا بي في حل. وذلك ليلفت نظر سفيان بن عيينة إليه وتبلغه ظلامته، وكان سفيان لا يسمع، حتى نظر سفيان بن عيينة إلى رجل من أولئك الذين صنعوا بالشيخ ما صنعوا، فقال له: ما يقول الشيخ؟ فقال: يقول: زدنا في السماع. وأظن أنه حصل في الرواية نوع من التأليف؛ لأنه ليس من اللائق بطالب العلم أن يكذب، ولا يمكن لطالب علم ـ وخاصة طالب علم الحديث ـ أن يكذب، فالله تعالى أعلم، وكأنه عرَّض على الإمام سفيان، أي: لما قال له: ما يقول الشيخ؟ قال له: زدنا في السماع. ففهم ابن عيينة أن هذه مقولة الشيخ الضعيف؛ ولم يكذب هذا الذي رد عليه، وإنما قال له: زدنا في السماع. ففهم ابن عيينة أنه يبلغه مقولة الشيخ، وهو في الحقيقة لا يبلغه مقولة الشيخ، وإنما يعرَّض بجوابه بأن قال له: زدنا في السماع. والله تعالى أعلم. وكان سبب موت الإمام هشيم رحمه الله تعالى ازدحام طلبة العلم عليه، كما قال الخطابي: ازدحم أصحاب الحديث على هشيم فطرحوه عن حماره، فكان هذا سبب موته. وكان أبو بكر بن الخياط النحوي رحمه الله تعالى يدرس جميع أوقاته، حتى في الطريق، وكان ربما سقط في جرف أو خبطته دابة؛ لأنه كان وهو يمشي في الطريق يستذكر الكتب.
{تنبيه} :• من مظاهر اغتنام السلف الصالح رحمهم الله تعالى لفرصة عمرهم في طلب العلم مبادرتهم الأزمان حرصاً على العلم، والحقيقة أن الإنسان قد يستحيي في مثل هذه المواضع من الناس، وهذا لا يسمى حياءً، بل هذا عجز مذموم؛ لأن هناك فرقاً بين العجز والحياء، فالحياء الذي يحبه الله هو الحياء الذي لا يأتي إلا بخير مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآتي:
(حديث عمران ابن حصين في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحياءُ لا يأتي إلا بخير.
،
أما إذا أتى بشر فليس هو الذي يحبه الله، بل هو عجز ومهانة، فعلى الإنسان أن يكون جريئاً في المحافظة على وقته؛ لأنه لن ينجز علماً إذا لم يفرغ نفسه ووقته، فلو أن العلماء ينصحون طلبة العلم بنصائح في هذا لكان هذا أمراً جيداً، ومن ذلك النصيحة بقطع العلائق إلى أن يفرغ ـ مثلاً ـ من حفظ القرآن، فيقطع العلائق بينه وبين الناس، فالإنسان يزرع في قلبه كيفية علو الهمة، وأسباب الارتفاع والارتقاء بالهمة، ومن ذلك الاحتياط والغيرة الشديدة على الوقت أن يهدر، فما المانع من أن الإخوة إذا تزاوروا أتوا بخلاصة الموضوع الذي يريدون أن يتحدثوا فيه، ثم بعد ذلك يسمع بعضهم لبعض القرآن، أو يأتون بشيء من الذكر والعلم، كما قال بعض السلف: إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيب. وطوله زيادته عما أنت محتاج إليه، فادخل في الموضوع، واتق الله في وقتك ووقت أخيك، فإذا فرغت من الموضوع وما زال لديكما وقت فاقرأ قرآناً، أو ابحث مسألة علمية، أما أن الإخوة يتحدثون عن مباريات كرة القدم، ويخوضون في أخبار السياسة، ويشرعون في ذكر أحوال الناس فعندئذٍ ما الفرق بيننا وبين الآخرين؟! وما الذي يتميز به الملتزم الآن؟! [*] • جاء شعبة بن الحجاج إلى خالد الحذاء فقال: يا أبا منازل! عندك حديث حدثني به. وكان خالد عليلاً، فقال له: أنا وجع ـ أي: مريض ـ فقال: إنما هو واحد ـ أي: أنا أريد حديثاً واحداً ـ فحدثه به، فلما فرغ قال: مت إذا شئت.
[*] • وكان يحيى بن معين شديد الحرص على لقاء الشيوخ والسماع منهم خشية أن يفوتوه. أي أنه يمكن أن يسافر الشيخ، أو يموت، أو يحصل له أي شيء يحول بينه وبينه. قال عبد بن حميد: سألني يحيى بن معين عن هذا الحديث أول ما جلس إلي فقلت: حدثنا حماد بن سلمة. فقال: لو كان من كتابك. يعني: حتى تكون مدققاً ضابطاً أحضر الورق التي كتبت فيها الحديث أو الكتاب واقرأ منها الحديث، يقول الإمام عبد بن حميد: فقمت لأخرج كتابي فقبض على ثوبي، ثم قال لي: أمله علي؛ فإني أخاف أن لا ألقاك. خشي أنه إذا خرج لإحضار الكتاب قد يموت في الطريق، فيفوته الحديث، فقال: أمله علي من حفظك، ثم بعد ذلك أخرج هذا الكتاب وأقرأه علي مرة ثانية من الكتاب. قال: فأمليته عليه، ثم أخرجت كتابي فقرأته عليه. وعن ابن إسحاق قال: سمحت مكحولاً يقول: طفت الأرض في طلب العلم. وروى أبو وهب عن مكحول قال: أُعتقت بمصر ـ أي أن مكحولاً كان عبدا ـ فلم أدع بها علماً إلا حويته فيما أرى، ثم أتيت العراق، ثم أتيت المدينة، فلم أدع بهما علماً إلا حويت عليه فيما أرى، ثم أتيت الشام فغربلتها. أي: بعدما جمع كل هذه العلوم وهذه الأحاديث أتى الشام وغربل هذه الأحاديث، وبدأ يميز الصحيح من الضعيف، وهذا هو عين الفطنة، وهذا هو الذي حدا بكثير من علمائنا إلى التفريق بين مرحلة التقميش ومرحلة التفتيش فمرحلة التقميش أن يدون كل ما يستطيعه، فما دام الحديث بإسناد فإنه يدون؛ لأن الشيخ يمكن أن يسافر، أو يمرض، أو تختل ذاكراته، أو يختل حفظه، فتؤثر هذه في الرواية، فلذلك يبادر الفرصة بأن يدون ما يستطيع تدوينه عن المشايخ، ثم بعد ذلك إذا كان معه الحديث والإسناد فالأداة والوسيلة التي يمكن من خلال دراستها التحقق من صحة الحديث موجودة معه، وحينئذٍ يتفرغ بعد ذلك إلى التفتيش، وهذا هو سر وجود الأحاديث الضعيفة في المراجع، فلا نظن ـ نحن طلبة العلم المساكين ـ أن هؤلاء العلماء كانوا مقصرين، وأنهم لم يكونوا يعرفون الحديث الضعيف من الصحيح، وأنه توجد في كتب كثيرة من كتب الحديث المسندة، حتى في الترمذي وفي النسائي، فضلاً عن ابن ماجه أو غير ذلك من الكتب والمسانيد التي توجد فيها أحاديث تحتاج إلى تحقيق، فهل العلماء ما كانوا يعرفون تحقيق هذه الأحاديث في تلك الأعصار الذهبية لعلم الحديث؟!
الجواب: لا، بل كانوا يعرفون، ولكن كانوا يدونون؛ لأن هذا السند حتى لو كان ضعيفاً فإنه يمكن أن توجد له طرق أخرى مع كثرة التفتيش تقوي هذا السند، وهذا هو عين الفقه؛ لأن الواحد منهم يقيد العلم أولاً، ثم بعد ذلك يفتش وراء الأسانيد، ويجمع الطرق، فيرتقي الضعيف إلى الحسن لغيره، أو الصحيح لغيره، وهكذا، ثم إنه بهذا يكون قد اغتنم الفرصة ولم يفوتها، فالشيخ قد يسافر، وقد يرحل، وقد يموت، وقد يختل حفظه، أو هو نفسه قد يحصل له شيء، فلذلك كانوا أولاً يجمعون، ثم وظيفة التحقيق بعد ذلك تكون أسهل، لوجود الوسيلة إليها، وقد برئت عهدتهم من الأحاديث الضعيفة؛ لأنهم لم يكونوا في وقت في ليل ولا نهار إلا وهم في وظيفة من الاشتغال بالعلم، حتى إن الإمام النووي كان يقرأ في ذهابه في الطريق، وقال: إنه بقي على التحصيل على هذا الوجه ست سنين متصلة، وكان النووي ـ أيضاً ـ أول طلبه يقرأ كل يوم اثني عشر درساً على المشايخ شرحاً وتصحيحاً، درسين في الوسيط، وثالثاً في المهذب، ودرساً في الجمع بين الصحيحين، وخامساً في صحيح مسلم، ودرساً في اللمع لابن جني في النحو، ودرساً في إصلاح المنطق لابن السكيت في اللغة، ودرساً في التصريف، ودرساً في أصول الفقه، تارة في اللمع لأبي إسحاق وتارة في المنتخب للفخر الرازي، ودرساً في أسماء الرجال، ودرساً في أصول الدين. أي: التوحيد. قال النووي: وكنت أعلق ـ أي: أكتب ـ جميع ما يتعلق بها من شرح مشكل وإيضاح عبارة وضبط لغة، وبارك الله لي في وقتي واشتغالي وأعانني عليه. وطالع الشيخ عبد الله بن محمد بن أبي بكر الحنبلي (المغني) للموفق ابن قدامة رحمه الله ثلاثاً وعشرين مرة، حتى كاد يستحضره. ......
إننا حين نحكي بعض النماذج منهمم السلف لا نقصد بذلك الاقتداء بهم حذو القذة بالقذة، ولكن لإيقاظ الهمم الراقدة في هذا الزمان، فالمقصود تحريك هذه الهمم، فلا نقول: اسهروا الليل كله، وامشوا في الطريق وإن صدمتكم السيارات. وإنما نقول: احضروا مجالس العلم، وفي المساجد، حتى في البيوت، فلابد من أن يكون للإنسان حظ من الاجتهاد في تحصيل هذه المقاصد، وإن لم يصل إلى هذه المرتبة. وحكي عن ثعلب أنه كان لا يفارقه كتاب يدرسه، فإذا دعاه رجل إلى دعوة ـ أي: دعوة طعام ـ شرط عليه أن يوسع له مقدار مسورة، والمسورة هي المتكأ من الجلد، يعني: مثل الوسادة من جلد تتسع لشخص. فكان يشترط على بعضهم إذا دعاه إلى طعام أو وليمة أن يوسع له في الوليمة مقدار مسورة يضع فيه كتاباً ويقرأ. أي: في أثناء حضورة في الوليمة يضع في هذا المكان الذي يحجزه له كتاباً ويقرأ فيه، وقد يحتمل أن تكون هذه القراءة أثناء الأكل، ويحتمل أنها قبل الأكل أو بعده. وإننا لنرى اليوم أن الولائم تضيع فيها ساعات طوال، وأهل بعض البلاد نجد أن كرم الضيافة عندهم يقتضي إهدار الوقت بصورة تدمي القلب، فأول شيء أنهم يجلسون ويتجمعون، وقد يستغرق ذلك ـ مثلاًً ـ نصف ساعة، والمواعيد ليس فيها دقة، ثم بعد ذلك يبدأ تبخير الحاضرين بالبخور، ثم بعد ذلك يؤتى بنوع معين من القهوة فاتح للشهية، ثم بعد ذلك يقدمون التمر مع هذه القهوة، ثم بعد ذلك يقدم الطعام، ثم بعد ذلك تقدم الفواكه، وهكذا الشاي، وإنه لشيء مؤلم جداً أن يضيع هذا الوقت، ويكون ـ أيضاً ـ طلبة علم يجودون بأوقاتهم بهذه الصورة، فهذا شيء لا يكاد يصدق! فالشاهد أن الإمام ثعلب رحمه الله تعالى كان إذا حضر دعوة اشترط خوفاً من ضياع الوقت بهذه الصورة أن يُحجز بجانبه مكان بقدر متكأ من الجلد، حتى يضع عليه كتاباً ويظل يقرأ في أثناء هذه الوليمة، فهل سمعنا حرصاً على العلم أشد من هذا الحرص؟! وكان سبب وفاة ثعلب أنه خرج من الجامع يوم الجمعة بعد العصر، وكان قد لحقه صمم، فلا يسمع إلا بعد تعب، وكان في يده كتاب ينظر فيه في الطريق، فصدمته فرس فألقته في هوة، فأخرج منها وهو كالمختلط، فحمل إلى منزله على تلك الحال، وهو يتأوه من رأسه، فمات ثاني يوم رحمه الله تعالى.
وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على طلب العلم وإليك غيضٌ من فيض ونقطةٌ من بحر مما ورد في ذلك:
(حديث أبي الدرداء في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سلك طريقا يلتمس فيه علما سلك الله به طريقا من إلى الجنة و إن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم و إن العالم ليستغفر له من في السموات و من في الأرض حتى الحيتان في البحر و إن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب و إن العلماء ورثة الأنبياء و إن الأنبياء لم يورِّثوا دينارا و لا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر
(حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو في منزلة المجاهد في سبيل الله، ومن جاءه لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره "
(حديث أبي هريرة في صحيح ابن ماجة) أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً أو متعلما.
(حديث أبي أمامة في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا حسد إلا في اثنتين: رجلٌ علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جارٌ له فقال: ليتني أوتيتُ مثل ما أُوتيَ فلانٌ فعملتُ مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالاً فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيتُ مثل ما أُوتيَ فلانٌ فعملتُ مثل ما يعمل)
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد
(حديث أبي كبشة الأنماري في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْماً فَهُوَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَحسنِ الْمَنَازِلِ عند الله وَرجلٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْماً وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ وهما في الأجرِ سَوَاءٌ، وَرجلٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْماً فَهُوَ يَخْبِطُ في مَالِهِ لَا يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فهو بِأَسوءِ الْمَنَازِلِ عند الله وَرجلٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالاً وَلَا عِلْماً فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ وهما في الوزر سَوَاءٌ
والشاهد هنا أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم جعل العلم الحقيقي هو العلم الذي يبصر المرء بحقائق الأمور، فصاحب المال إذا لم يتحلَ بالعلم فإنَّه سيسيء التصرف فيه، فتجده ينفقه على شهوات نفسه، ولا يعرف شكر هذه النعمة، ولذلك استحق أن يكون بِأَسوءِ المنازل، والعياذ بالله.
(حديث معاوية في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين و إنما أنا قاسم و الله يعطي و لن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله عز و جل.
(حديث أبي سعيد في صحيح ابن ماجة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سيأتيكم أقوام يطلبون العلم فإذا رأيتموهم فقولوا لهم: مرحبا بوصية رسول الله و أقنوهم.
قلت للحكم: ما أقنوهم؟ قال: علموهم.
(حديث زيد بن ثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
…
نضر الله امرءاً سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه فرب حامل فقه إلى من هو أفقه و رب حامل فقه ليس بفقيه.
معنى نضَّر الله: الدعاء له بالنضارة وهي النعمة والبهجة
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا و من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء.
(حديث أبي موسى الأشعري في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل ما بعثني الله به من الهدى و العلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير و كانت منها أخاذات أمسكت الماء فنفع الله بها الناس شربوا منها و سقوا وزرعوا و أصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء و لا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله و نفعه ما بعثني الله به فعلم و علم و مثل من لم يرفع بذلك رأسا و لم يقبل هدى الله الذي أرسلت به.
(حديث أنس في صحيح ابن ماجة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: طلب العلم فريضةٌ على كل مسلم.
{تنبيه} :• واغتنام الوقت في تحصيل العلم وطلبه له صور، منها: حضور الدروس المهمة، والاستماع إلى الأشرطة النافعة، وقراءة الكتب المفيدة وشراؤها.
(4)
ذكر الله تعالى: فليس في الأعمال شيء يسع الأوقات كلها مثل الذكر، وهو مجال خصب وسهل لا يكلف المسلم مالاً ولا جهداً والكتاب والسنة طافحان بالحث على تحلية اللسان بذكر الله تعالى، وإليك غيضٌ من فيض ونقطةٌ من بحر مما ورد في ذلك:
قال تعالى (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ اللّهَ ذِكْراً كَثِيراً، وَسَبّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً)
[الأحزاب:41، 42]
و قال تعالى: (وَالذّاكِرِينَ اللّهَ كَثِيراً وَالذّاكِرَاتِ أَعَدّ اللّهُ لَهُم مّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)
[الأحزاب / 35]
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملٍ خيرٌ منهم، وإن تقَّرب إليَّ شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إليَّ ذراعا تقربت إليه باعا و إن أتاني مشيا أتيته هَرْوَلَةً.
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله ملائكة يطوفون في الطرقات يلتمسون الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجاتكم فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا فيسألهم ربهم و هو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ فيقولون: يسبحونك و يكبرونك و يحمدونك و يمجدونك فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا و الله ما رأوك فيقول: كيف لو رأوني؟ فيقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة و أشد لك تمجيدا و أكثر لك تسبيحا فيقول: فما يسألوني؟ فيقولون: يسألونك الجنة فيقول: و هل رأوها؟ فيقولون: لا و الله يا رب ما رأوها فيقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ فيقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا و أشد لها طلبا و أعظم فيها رغبة قال: فمم يتعوذون؟ فيقولون: من النار فيقول الله: هل رأوها؟ فيقولون: لا و الله يا رب ما رأوها فيقول: فكيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارا و أشد لها مخافة فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم فيقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة! فيقول: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم.
(حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما الثابت في السلسلة الصحيحة) قال: قلت يا رسول الله ما غنيمة مجالس الذكر؟ قال: "غنيمة مجالس الذكر الجنة".
الغنيمة: هو الفوز بالشيء وحيازته، وهو مافيه من الأجر والثواب.
(حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) قال: خرج معاوية على حلقة في المسجد فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم استحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل عنه حديثًا مني، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: ((ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ علينا بك، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكن أتاني جبريل فأخبرني أن الله تبارك وتعالى يباهي بكم الملائكة.
(حديث أبي موسى الأشعري في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت.
(حديث أبي موسى الأشعري في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت.
[*] قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: إن الذي يوصف بالحياة والموت حقيقة هو الساكن لا الموطأ، وإن إطلاق الحي والميت في وصف البيت إنما يراد به ساكن البيت، فشبه الذاكر بالحي الذي ظاهره متزين بنور الحياة وباطنة بنور المعرفة وغير الذاكر بالبيت الذي ظاهره عاطل وباطنه باطل، وقيل موقع التشبيه بالحي والميت لما في الحي من النفع لمن يواليه والضر لمن يعاديه وليس ذلك في الميت. اهـ
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملٍ خيرٌ منهم، وإن تقَّرب إليَّ شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إليَّ ذراعا تقربت إليه باعا و إن أتاني مشيا أتيته هَرْوَلَةً.
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سبق المُفَرِدون، قالوا وما المفردون؟ قال الذاكرين الله كثيراً والذاكرات.
(حديث عائشة في صحيح مسلم) قالت: كان رسول صلى الله عليه وسلم الله يذكر الله على كلِ أحيانه.
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: و ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله و يتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة و غشيتهم الرحمة و حفتهم الملائكة و ذكرهم الله فيمن عنده.
(حديث أنس رضي الله عنه الثابت في صحيح الترغيب والترهيب) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله عز وجل لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم منادٍ من السماء أن قوموا مغفوراً لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات.
(حديث البراء بن عازب رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) قال: كان رجلٌ يقرأ سورة الكهف، وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين، فتغشته سحابة، فجعلت تدنو وتدنو، وجعل فرسه ينفر، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: تلك السكينة تنزلت بالقرآن.
(حديث أبي هريرة في صحيح أبي داوود) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه إلا قاموا عن مثلِ جيفةِ حمار و كان لهم حسرة.
(حديث عائشة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من ساعة تمر بابن آدم لم يذكر الله فيها إلا حسر عليها يوم القيامة.
(حديث أبي الدر داء في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألا أنبئكم بخيرأعمالكم و أزكاها عند مليككم و أرفعها في درجاتكم و خيرٌ لكم من إنفاق الذهب و الورق و خيرٌ لكم من أن تلقوْا عدوكم فتضربوا أعناقهم و يضربوا أعناقكم؟ قالوا بلى، قال: ذكر الله.
(حديث ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في صحيح الترغيب والترهيب) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من عجز منكم عن الليل أن يكابده وبخل بالمال أن ينفقه وجبن عن العدو أن يجاهده فليكثر ذكر الله.
(حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) قال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به قال لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خذوا جُنَّتَكم من النار قولوا: سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات و معقبات و مجنبات و هن الباقيات الصالحات.
(حديث أبي هريرة في صحيح أبي داوود) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه إلا قاموا عن مثلِ جيفةِ حمار و كان لهم حسرة.
(حديث ابن مسعود في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كفارة المجلس أن يقول العبد: سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك أستغفرك وأتوب إليك.
(حديث أبي هريرة في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم ربنا و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك.
(حديث عائشة في صحيح مسلم) قالت: كان رسول صلى الله عليه وسلم الله يذكر الله على كلِ أحيانه.
(حديث علي الثابت في الصحيحين) أن فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى – وبلغها أنه قد جاءه رقيق – فلم تصادفه فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته عائشة، قال فجاء وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم له فقال على مكانكما فقعد بيني وبيننا حتى وجدت برد قدمه على بطني فقال ألا أدلكما على خيرٍ مما سألتما، إذا أخذتما مضاجعكما - أو أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبِّرا أربعاً وثلاثين فهو خير لكما من خادم.
- ولا يزال المرء مُكْثِرَاً من ذكر الله تعالى حتى يظهر ذلك على جوارحه، بل إذا رؤي ذكر الله.
(حديث ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أولياء الله تعالى: الذين إذا رءوا ذكر الله تعالى.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة، قال: فخليت عنه، فأصبحت فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة). قال: قلت: يا رسول الله، شكا حاجة شديدة، وعيالا فرحمته فخليت سبيله، قال:(أما إنه قد كذبك، وسيعود). فعرفت أنه سيعود، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إنه سيعود). فرصدته، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال، لا أعود، فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:(يا أباهريرة ما فعل أسيرك). قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا، فرحمته فخليت سبيله، قال:(أما إنه كذبك، وسيعود). فرصدته الثالثة، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله، وهذا آخر ثلاث مرات تزعم لا تعود، ثم تعود، قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، قلت ما هو؟ قال: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي:{الله لا إله إلا هو الحي القيوم} . حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح، فخليت سبيله فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما فعل أسيرك البارحة). قلت: يا رسول الله، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله، قال:(ما هي). قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم:{الله لا إله إلا هو الحي القيوم} . وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير - فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة). قال: لا، قال:(ذاك شيطان).
(حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن وأن يأمر بني اسرائيل أن يعملوا بهن فكأنه أبطأ بهن فأوحى الله الى عيسى: إما أن يبلغهن أو تبلغهن فأتاه عيسى فقال له انك أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهن وتأمر بني اسرائيل أن يعملوا بهن فإما أن تبلغهن وإما أن أبلغهن فقال له يا روح الله ان أخشى ان سبقتني أن أعذب أو يخسف بي فجمع يحيى بني اسرائيل في بيت المقدس حتى امتلأ المسجد فقعد على الشرفات فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن ، ثم ذكر التوحيد والصلاة والصيام والصدقة
ثم ذكر الخامسة: وأمركم بذكر الله كثيرا ومثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصنا حصينا فأحرز نفسه فيه ، وان العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله تعالى.
فهذا الحديث مشتمل على فضيلة عظيمة للذكر، وأنه يطرد الشيطان وينجي منه، وأنه بمثابة الحصن الحصين والحرز المكين الذي لا يحرز العبد نفسه من هذا العدو اللدود إلا به.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا نودي لصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضى النداء أقبل، حتى إذا ثوّب بالصلاة أدبر، حتى إذا قضى التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى.
(حديث أنس رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قال إذا خرج من بيته: بسم الله توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: كفيت ووقيت، وتنحى عنه الشيطان.
(حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قال: جاء الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضلٌ من أموالاٍ يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أحدثكم بما إن أخذتم به أدركتم من سبقكم ولم يدركم أحدٌ بعدكم وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيهم إلا من عمل مثله؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين، فاختلفنا بيننا فقال بعضنا نسبح ثلاثاً وثلاثين ونحمد ثلاثاً وثلاثين ونكبِّر ثلاثاً وثلاثين فرجعت إليه فقال: تقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتى يكون منهن كلهن ثلاثاً وثلاثين.
أهل الدثور: أي أهل الأموال والدثور: بضم الدال وجمع دثر بفتحها وهو المال الكثير.
والبُضْع: هو بضم الباء ويطلق على الجماع ويطلق على الفرج نفسه، هو الجماع وقيل الفرج نفسه.
[*] قال الإمام النووي رحمه الله تعالى:
قوله صلى الله عليه وسلم:" وفي بضع أحدكم صدقة" وفي هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات فالجماع يكون عبادة إذا نوى به قضاء حق الزوجة ومعاشرتها بالمعروف الذي أمر الله تعالى به أو طلب ولد صالح أو إعفاف نفسه أو إعفاف الزوجة ومنعها جميعاً من النظر إلى الحرام أو الفكر فيه أو الهم به أو غير ذلك من المقاصد الصالحة.
- وقد ظنّ الفقراء أن لا صدقة إلا بالمال، وهم عاجزون عن ذلك، فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ جميع أنواع فعل المعروف والإحسان صدقةٌ، وذكر في مقدّمة ذلك هؤلاء الكلمات الأربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
[*] قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " لأن أسبح الله تعالى تسبيحات أحب إلي من أن أنفق عددهن دنانير في سبيل الله عز وجل ".
(حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه الثابت في صحيح ابن ماجه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما عمل امرؤ بعمل أنجى له من عذاب الله عز وجل من ذكر الله.
(حديث عبد الله بن عمرو في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يُصاحُ برجلٍ من أمتي يوم القيامة على رءوس الخلائق فينشر له تسعة و تسعون سجلا كل سجل مد البصر ثم يقول الله تبارك و تعالى: هل تنكر من هذا شيئا؟ فيقول: لا يا رب فيقول: أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب ثم يقول: ألك عذر ألك حسنة؟ فيهاب الرجل فيقول: لا فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة و إنه لا ظلم عليك اليوم فتخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: إنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفة و البطاقة في كفة فطاشت السجلات و ثقلت البطاقة.
(حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا". قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: "حلق الذكر.
الرتع: هو الأكل والشرب في خصب وسعة.
[*] قال المناوي في فيض القدير:
"إذا مررتم برياض الجنة": جمع روضة وهي الموضع المعجب بالزهر سميت به لاستراضة الماء السائل إليها.
"فارتعوا": أي ارتعوا كيف شئتم وتوسعوا في اقتناص الفوائد قالوا: أي الصحابة أي بعضهم.
"وما رياض الجنة": أي ما المراد بها "قال حلق الذكر" بكسر ففتح جمع حلقة بفتح فسكون، وهي جماعة من الناس يستديرون لحلقة الباب وغيره والتحلق تفعل منها وهو أن يتعمد ذلك.
[*] قال النووي رحمه الله: كما يستحب الذكر يستحب الجلوس في حلق أهله وقد تظاهرت على ذلك الأدلة. اهـ.
(5)
الإكثار من النوافل: وهو مجال مهم لاغتنام أوقات العمر في طاعة الله، وعامل مهم في تربية النفس وتزكيتها، علاوة على أنه فرصة لتعويض النقص الذي يقع عند أداء الفرائض، وأكبر من ذلك كله أنه سبب لحصول محبة الله للعبد كما في الأحاديث الآتية:
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى من عاد لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلىَّ عبدي بشيءٍ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليِّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله الذي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددتُ عن شيءٍّ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته.
(حديث ربيعة ابن كعب الأسلمي الثابت في صحيح مسلم) قال: كنت آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوئه وحاجته فقال لي سلني؟ فقلت أسألك مرافقتك في الجنة قال أو غير ذلك؟ قلت هو ذاك قال فأعنى على نفسك بكثرة السجود.
(6)
الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والنصيحة للمسلمين: كل هذه مجالات خصبة لاستثمار ساعات العمر، والدعوة إلى الله تعالى مهمة الرسل ورسالة الأنبياء، وقد قال الله تعالى:(قُلْ هَذِهِ سَبِيْلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيْرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِيْ)[يوسف: 108]
فاحرص ـ أخي المسلم ـ على اغتنام وقتك في الدعوة إما عن طريق إلقاء المحاضرات، أو توزيع الكتيبات والأشرطة، أو دعوة الأهل والأقارب والجيران.
وقد بينت السنة الصحيحة أن الدعوة إلى الله تعالى من كنوز الحسنات لأنها يترتب عليها الأجر الوفير لدلالة الناس على الخير كما في الحديث الآتي:
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا و من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء.
{تنبيه} :• الدعوة إلى الله اليوم واجب الأمة الإسلامية جمعاء، كل على حسب قدرته، والناظر في حال شباب الأمة يجد عزوفاً عن التصدي لتلك المهمة من قِبَل كثير من الشباب!
وحين نتلمس الأسباب التي أدت إلى ذلك، فإننا نجد أنها ترجع إلى أمور يمكن الإشارة إلى شيء منها:
(1)
ضعف استشعار المسؤولية: والغفلة عن استحضار ذلك الواجب، فلا يشعر المرء بأنه مطالب بعينه بالنهوض بالأمة، ومداواة عللها، وتضميد جراحها.
(2)
اعتقاد بعضهم أن في الساحة من يكفي: إذن فلا حاجة إليه.
(3)
الاشتغال بالدنيا وملذاتها: من الأموال والبنين، والمراكب والمساكن والمناصب.
(4)
الانهزامية والشعور بالضعف أمام تيارات الفساد: وتطرُّق الإحباط إلى النفوس من جراء كثرة الشر والباطل وتفنن أهله في عرضه وترويجه، فوقع في بعض النفوس أن الأمر أكبر مما يمكن أن يقدمه، وأنه يتطلب جهوداً ليس هو من أهلها ولا من القادرين عليها، ووصل الحال بآخرين بعد بذل شيء من الأسباب إلى أن يقول بلسان الحال: إما أن تصلح الأوضاع، ويستقيم أمر الناس، أو ننسحب من الميدان ونخلي المكان.
(5)
تصور بعضهم ضيق ميدان الدعوة: وأنه محصور في خطبة على منبر، أو محاضرة مرتجلة، أو كلمة أمام الجماهير، وهو غير قادر على شيء من ذلك، فينصرف عن الدعوة بالكلية.
(6)
الصدمات التي قد يتعرض لها بعض العاملين في حقل الدعوة، والمضايقات: فربما كان ذلك سبباً في تطلب بعضهم للسلامة بزعمه، وقد وقع في العطب!!
(7)
تقصير المنظِّرين والدعاة: في تحفيز الشباب نحو العمل الدعوي، وفتح الآفاق أمامهم للولوج إلى ميدان الدعوة الفسيح كل على حسب ما آتاه الله من علم ومقدرة وموهبة.
(8)
دعوى بعضهم أن المشكلة ليس من أسبابها جهل الناس وحاجتهم إلى التعليم والدعوة والبيان: بل إن الناس بزعمهم عاصون على بصيرة ومعاندون للحق؛ فما ثمرة السعي في تعليمهم ما يعلمون وتبصيرهم فيما لا يجهلون؟!
(9)
ميل الكثيرين إلى الكسل والبطالة: أو كثرة الرحلات والمخالطات، وبعدهم عن الجدية في عموم أحوالهم وأمورهم؛ ومن ذلك أمر الدعوة إلى الله؛ فليس عند الواحد منهم استعداد لأن يناط به عمل، أو يتحمل مسؤولية؛ لا عجزاً، ولكن تهاوناً وكسلاً.
(10)
اشتغال بعضهم بالجدل والمراء في بعض القضايا الفكرية: مما شغله عن الاهتمام بالنهوض بالأمة في أعمالها وسلوكها وأخلاقها.
(11)
اشتغال بعضهم بالتنقيب عن عيوب الناس وخصوصاً العاملين في حقل الدعوة: وربما لبَّس عليه الشيطان بأن هذا في سبيل الإصلاح وأنه قائم بأمر الدعوة.
(12)
اشتغال بعضهم بالنظر في الواقع وتتبع ما يجري في الساحة والمبالغة في ذلك: إلى حد الانهماك فيه، ثم يظن أنه بذلك قدم شيئاً للأمة بمجرد هذه المتابعة وحصوله على هذا الفقه، وهو بهذا قد لا يعدو أن يكون نسخة مما تحتفظ به أجهزة الإعلام من أخبار وتقريرات وتحليلات!!
(13)
عدم التوازن والاعتدال لدى بعض الشباب في توزيع الحقوق والواجبات: كمن ينهمك في طلب العلم، أو في تربية النفس وتهذيبها، أو في جانب من جوانب الخير على حساب أبواب أخرى من الخير كالدعوة إلى الله سبحانه؛ حتى ربما اعتقد أنه إذا خرج عن هذا الأمر الذي رسمه لنفسه قد ضيع زمانه، وأهدر جهده فيما لا ينفع.
(14)
تثبيط القاعدين وتحبيط المتقاعسين عن القيام بأمر الدعوة: فربما قاد ذلك بعض الضعفاء إلى التأثر بذلك الهذيان، ومن ثمّ إخلاء الميدان.
(15)
اشتراط بعض الشباب أن يكون في موقع معين في المشروع الدعوي: فإن لم يتحقق له ذلك ترك المجال برمته.
(7)
زيارة الأقارب وصلة الأرحام: فهي سبب لدخول الجنة وحصول الرحمة وزيادة العمر وبسط الرزق كما في الحديث الآتي:
(حديث أنس في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سَرَّه أن يُبْسَطَ له في رزقه و أن يُنْسأُ له في أثره فليصل رحمه.
وصلة الرحم من فضائل الأعمال كما في الأحاديث الآتية:
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: نعم أما تَرْضَيْنَ أن أصلَ من وصلك و أقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب قال: فذلك لك ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرؤوا إن شئتم (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأرْضِ وَتُقَطّعُوَاْ أَرْحَامَكُمْ)[سورة: محمد - الآية: 22].
(حديث أبي هريرة في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الرحم شجنة من الرحمن قال الله: من وصلك وصلته و من قطعك قطعته.
{تنبيه} :• ليس الواصل بالمكافئ:
(حديث ابن عمر في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ و لكن الواصل الذي إذا انقطعت رحمه وصلها.
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن رجلا قال يا رسول الله إن لي قرابةً أصلهم ويقطعوني وأُحسنُ إليهم ويُسيئون إلي وأحلُمُ عنهم ويجهلون علي فقال صلى الله عليه وسلم لئن كنت كما قلت فكأنما تُسِفُّهمُ المَلَّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.
(حديث علي رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صِلْ مَنْ قَطَعَك و أَحْسِنْ إلى مَنْ أسَاءَ إليك وَقُلْ الحَقَ ولو على نَفْسِك.
• مراتب صلة الرحم: