الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وصحتك قبل سقمك) أي اغتنم العمل حال الصحة فقد يمنع مانع كمرض فتقدم المعاد بغير زاد
(وفراغك قبل شغلك) أي اغتنم فراغك في هذه الدار قبل شغلك بأهوال القيامة التي أول منازلها القبر فاغتنم فرصة الإمكان لعلك تسلم من العذاب والهوان
(وشبابك قبل هرمك) أي اغتنم الطاعة حال قدرتك قبل هجوم عجز الكبر عليك فتندم على ما فرطت في جنب اللّه
(وغناك قبل فقرك) أي اغتنم التصدق بفضول مالك قبل عروض جائحة تفقرك فتصير فقيراً في الدنيا والآخرة فهذه الخمسة لا يعرف قدرها إلا بعد زوالها ولهذا جاء في خبر سيجيء نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ.
(حديث ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة و الفراغ.
[*] • قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قال ابن بطال: معنى الحديث أن المرء لا يكون فارغا، حتى يكون مكفيا صحيح البدن، فمن حصل له ذلك، فليحرص على ألاّ يغبن، بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه، ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه، فمن فرط في ذلك، فهو المغبون" [فتح الباري: (11/ 230)
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(نعمتان) تثنية نعمة، وهي الحالة الحسنة، أو النفع المفعول على وجه الإحسان للغير. وزاد في رواية " من نعم اللّه "
(مغبون فيهما) بالسكون والتحريك قال الجوهري: في البيع بالسكون وفي الراوي بالتحريك، فيصح كل في الخبر. إذ من لا يستعملهما فيما ينبغي فقد غبن ولم يحمد رأيه
(كثير من الناس: الصحة والفراغ) من الشواغل الدنيوية المانعة للعبد عن الاشتغال بالأمور الآخروية، فلا ينافي الحديث المار: إن اللّه يحب العبد المحترف، لأنه في حرفة لا تمنع القيام بالطاعات. شبه المكلف بالتاجر، والصحة والفراغ برأس المال لكونهما من أسباب الأرباح ومقدمات النجاح فمن عامل اللّه بامتثال أوامره ربح، ومن عامل الشيطان باتباعه ضيع رأس ماله. والفراغ نعمة غبن فيها كثير من الناس. ونبه بكثير على أن الموفق لذلك قليل. وقال حكيم: الدنيا بحذافيرها في الأمن والسلامة. وفي منشور الحكم: من الفراغ تكون الصبوة، ومن أمضى يومه في حق قضاه، أو فرض أدَّاه، أو مجد أثله، أو حمد حصله، أو خير أسسه، أو علم اقتبسه فقد عتق يومه وظلم نفسه. قال: لقد هاج الفراغ عليك شغلا * وأسباب البلاء من الفراغ. أهـ
•
اغتنام كنوز الحسنات:
من تقرب إلى الله بما افترض عليه فقد نجح، ومن زاد في تقربه إلى ربه بالنوافل فقد أحبه ربه، فعليك أخي أن تستكثر من الأعمال الصالحة مبتدئاً بالفرائض فكملها على أحسن وجه تستطيع، ثم النوافل فالإكثار منها مرقق للقلب، وهناك بعض الأعمال اليسيرة والتي يترتب عليها بإذن الله من الأجرِ العميم ما الله به عليم، ويكون مَنْ وُفِّق لاغتنامها قد عَمِلَ قليلاً وأُجِرَ كثيرا لأنها تُعَدُّ من كنوز الحسنات، وتلك الأعمال يغفل عنها كثير من الناس ويتهاونون بها، مع ما فيها من الثواب العظيم والأجر الجزيل فكم فَرَّطْنَا في قراريطٍ كثيرة، وقد آن الأوان أن نستدرك ما فات بما بقي من الأيام قبل انصرام العمر ومرور الأيام، فَمَنْ كَانَ مِنَّا أَحْسَنَ فَعَلَيْهِ بالتَّمَامِ، وَمَنْ كَانَ مِنَّا أساء فَلْيَخْتِم بالْحُسْنَى، فَالعَمَلُ بَالْخِتَامِ، واعلموا أن السعي للجنة لا يكون بالكلام، ولا بالأماني والأحلام، ولكن بالجِدِ والاهتمام.
{تنبيه} :• الشباب أعز مراحل العمر، قال تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} [الروم: 54] الآية.
[*] • وقالت حفصة بنت سيرين: يا معشر الشباب خذوا من أنفسكم وأنتم شباب، فإني ما رأيت العمل إلا في الشباب.
• ولله درُّ من يقول:
أترجو أن تكون وأنت شيخ
…
كما كنت أيام
…
الشباب
لقد خدعتك نفسك ليس ثوب
…
دريس كالجديد من الثياب
فعليك أخي الشاب أن تبادر باستغلال مرحلة الشباب قبل أن تفوتك فلا ينفعك الندم، وقد سبق قول الإمام أحمد: ما شبهت الشباب بشيء إلا بشيء كان في كمي فسقط!
(2)
تقديم الأهم على المهم:
إن من فطنة المرء وذكائه أن يحرص على شغل وقته بما هو أهم ، فلا يكفي أن تشغل وقتك بأمر نافع حتى ولو كان مهما إذا كان بإمكانك شغله بما هو أنفع وأهم، وهذا يشمل جميع الأفعال والأقوال.
ولنضرب لذلك بعض الأمثلة التي توضح المقصود:
(أ) إذا ازدحم عندك عملان في وقت واحد، أحدهما نفعه قاصر عليك كصلاة نافلة مثلا، والآخر نفعه متعدي كتعليم العلم، فإنك تقدم ما نفعه متعدي.
(ب) إذا ازدحم عندك عملان أحدهما يفوت بفوات وقته كالدعاء في ساعة إجابة، والآخر يمكن تأجيله، فإنك تقدم ما يفوت بفوات وقته.
(ج) إذا أردت أن تتكلم بكلمة فوجدت كلمة أنفع منها، فدع الكلمة الأولى وتكلم بالثانية.