الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
مقالات كتبها الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله في باريس، في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات.
وقد نشرها آنذاك في صحيفتين جزائرتين ناطقتين بالفرنسية، هما الشباب المسلم والجمهورية الجزائرية.
وحينما لجأ إلى القاهرة عام 1956 بدا له أن يترجم هذه المقالات وينشرها بالعربية. فكانت الطبعة الأولى عام 1961.
وقد سمى مجموعة المقالات هذه ((في مهب المعركة))، باعتبارها إرهاصا للثورة الجزائرية وتسويغا لدوافعها.
ففي المقالات تلمس فكر بن نبي وقد أحاط بشخصية الشعب الجزائري بل بشخصية العالم الثالث، الذي كان وما زال خارج إطار الحضارة الحديثة.
فمنذ منتصف الثلاثينات، برز المهندس مالك بن نبي يختط للنضال سبل الفعالية، ويمنح الشباب الجزائري آفاقا تبدد ضباب الاستعمار، ويضع لثقافة الجيل أسسا من أصالة التاريخ وقيم العقيدة.
هذه الأصالة تقرؤها في كل مقال كتبه مالك بن نبي، في هذه المجموعة، يواجه بشجاعة نادرة الاستعمار الجاثم على أرض الجزائر.
ولم يكن سبيله إلى تلك المواجهة، ما تعارف عليه سياسيو ذلك الزمن، من
ديماغوجية تلعب بعواطف الجماهير. فقد اختط مالك بن نبي طريقاً إلى عمق القضية، يطرح القواعد الثابتة لتطور التاريخ، ثم يشرع في بناء الذات الجزائرية على أساس تلك القواعد.
لم يكن يعنيه أن يلعن الإِدارة الاستعمارية. لقد اختار الطريق الأصعب والأشق عليه، حين اهتم بفضح وسائلها تنويرا للرأي وتبصرة للطريق.
ولم يكن الطريق إلا تلك الشروط الموضوعية لنهضة فاعلة.
لذلك أصدر في تلك الحقبة بالفرنسية، ـ[شروط النهضة الجزائرية]ـ، ثم ومن أجل ربط هذه الشروط بالقيم الإِسلامية التي رسمت حدود الأصالة الجزائرية، أصدر بالفرنسية في تلك المرحلة، ـ[الظاهرة القرآنية]ـ، ليضع للشباب الجزائري المتصل بالمنهج الديكارتي، ضوابط تمسك في نفسه عروة العقيدة.
وإذ هو يدعو إلى بعث جديد للقيم الإِسلامية التي كونت تاريخ الجزائر، نراه يطرح في تلك المرحلة أيضا كتابه بالفرنسية، (( Vocation de L'Islam)) المترجم إلى العربية بعنوان: ـ[وجهة العالم الإِسلامي]ـ.
وقد حاز هذا الكتاب في بداية الخمسينات شهرة واسعة، ومنح الشباب المسلم في الجزائر وخارجه، سبل الخروج من ذلك المستنقع الذي وقع فيه العالم الإِسلامي، والذي يطلق عليه مالك بن نبي رحمه الله مجتمع ما بعد الموحدين، وقد مني هذا المجتمع بمرض اجتماعي سماه ((القابلية للاستعمار)).
فمقالات بن نبي ـ[في مهب المعركة]ـ ليست إلا صدى لهذه الكتب، يتتبع أحداث تلك المرحلة في الإِطار السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي، يحاول من خلالها تسليط الأضواء على المشاكل الحقيقية التي ينبغي للشباب الجزائري أن يتوفر بفعالية لحلها.
وبالرغم من عهد مضى في تاريخ الجزائر، تناولته هذه المقالات، فإنها لا تزال تحمل في طياتها نبض المشكلة وعمق حلولها.
فالاستقلال السياسي، الذي ظفرت به دول العالم الثالث فيما بعد، ما يزال يطرح مشكلة الاستقلال الاجتماعي والنفسي، ليواجه الإِنسان المتخلف مستقبله ومصيره بعيداً عن تبعية العالم الصناعي المستغِل.
فمقالات بن نبي ـ[في مهب المعركة]ـ حاولت في مرحلة التحضير للثورة الجزائرية تصفية المفاهيم الفكرية وتعديل المبادرات الوطنية بما يتفق وفعالية الكفاح في مختلف الأصعدة. لقد تناول بن نبي في هذه المقالات كل حدث سجله الصراع مع الاستعمار في الشمال الأفريقي، وناقش كل كلمة قيلت حول ذلك الصراع، وراقب كل حركة بدرت في هذا الإِطار.
وكان فيما يناقش ويراقب إنما يطرح القواعد الأساسية التي حالت معطيات الثقافة الغربية ومصطلحاتها دون الولوج إلى جوهرها.
من هنا تبدو مقالات بن نبي في مرحلة التحضير للثورة الجزائرية، ذات اتصال بمقالاته التي حررها بعد عشر سنوات، والتي تحدثت عن مرحلة ما بعد الاستقلال السياسي، والتي سننشرها إن شاء الله، بعد أن ترجمها الأستاذ مالك ووضعها في كتاب سماه ـ[بين الرشاد والتيه]ـ.
ففي كلا المرحلتين، تبدو المشكلة مرتبطة في حلولها، بنسق اجتماعي يحقق الشروط النفسية والثقافية لبناء حضارة.
إن هذا الكتاب يطرح للقارىء صورة من تاريخ ما قبل الثورة الجزائرية، ناضل فيها الأستاذ مالك نضال الأبطال، وهو يشرح في الوقت نفسه القواعد الأساسية التي طالما تناولها في كتبه.
ولقد راجعنا النص العربي بقدر ما أتاحت لنا المحافظة على أسلوب الأستاذ مالك وإنا لنرجو أن نكون قد بلغنا الأمانة كما ألقاها إلينا.
جزاه الله عنا كل خير وأسكنه فسيح جنانه.
عمر مسقاوي
طرابلس- لبنان
20 شعبان 1398
25 تموز 1978