المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أقلام وأبواق الاستعمار - في مهب المعركة

[مالك بن نبي]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌مقدّمة

- ‌مقَدِّمَة المؤلف

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُالاِسْتِعْمَارُ تَحْتَ الْمِجْهَرِ

- ‌سِيكُولُوجِيَّةُ الاِسْتِعْمَارِ

- ‌الاِسْتِعْمَارُ يَفْتَحُ وِجْهَةٌ ثَالِثَةٌ فِي التَّارِيخِ

- ‌الْفَوْضَى الْاِسْتِعْمَارِيَّةُ

- ‌الْفَصْلُ الثَّانِيفِي السِّيَاسَةِ

- ‌حِقْدٌ عَلَى الإِسْلَامِ

- ‌تَعْلِيقٌ

- ‌الْمَلِكُ مُحَمَّدَ بْنُ يُوسُفَ ((يَعتَرِفُ))

- ‌بِلَا خَوْفٍ وَمِنْ دُونِ تَأْنِيبٍ

- ‌مِنَ الْمُؤْتَمَرَاتِ إِلَى الْمُؤَامَرَاتِ

- ‌مِنْ مُؤْتَمَرِ كُولُومْبُو إِلَى مُؤْتَمَرِ جِنِيفْ

- ‌أَقْلَامُ وَأَبْوَاقُ الاِسْتِعْمَارِ

- ‌تَعْليِقٌ

- ‌رَجُلٌ وَوَجْهَانِ

- ‌بَصِيصُ الْأَمَلِ

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُفِي الْحَقْلِ الْاِجْتِمَاعِيِّ

- ‌مِنْ أَجْلِ إِصْلَاحِ التُّرَابِ الْجَزَائِريِّ

- ‌قَضِيَّةُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ

- ‌تَهَوُّرٌ أَمْ تَطَوُّرٌ

- ‌ضَرُورَةُ مُؤْتَمَرٍ جَزَائِرِيٍ لِتَوْجِيهِ الْعَمَلِ

- ‌تَعْلِيقٌ

- ‌تَفَاهَاتٌ جَزَائِرِيَّةٌ

- ‌بَاعَةُ الْحَضَارَةِ

- ‌ثَمَنُ حَظَارَتِنَا

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُفِي حَدِيقَةِ الثَّقَافَةِ

- ‌بَيْنَ الْأَفْكَارِ الْمَيْتَةِ وَالْأَفْكَارِ الْقَاتِلَةِ

- ‌أُكْتُبْ بِضَمِيرِكَ

- ‌النَّقْدُ السَّلِيمُ

- ‌وِحْدَةُ الثَّقَافَةِ فِي الْهِنْدِ

- ‌تَحِيَّةٌ إِلَى دَاعِيَةِ اللَّاعُنْفِ

- ‌رُومَان رُولَان وَرِسَالَةُ الْهِنْدِ

- ‌الْأَسَاسُ الْغَيْبِيِّ لِفَلْسَفَةِ الْإِنْسَانِ فِي الْإِسْلَامِ

- ‌الدِّرَاسَاتُ الْحَدِيثَةُ وَالتَّصَوُّفُ الْإِسْلَامِيُّ

الفصل: ‌أقلام وأبواق الاستعمار

‌أَقْلَامُ وَأَبْوَاقُ الاِسْتِعْمَارِ

الشاب المسلم في 14/ 5/ 1954

ــ

يقال أحيانا (في الصحافة الاستعمارية) أن للاستعمار قصداً واستعدادا حضاريا، وقد يكون هذا صحيحاً إذا اعتبرنا الكلمة بالنسبة لنواياه نحو نفسه لا بالنسبة لنواياه نحو الغير. فنحن نعترف فعلا أن الاستعمار يستطيع أن يحضر نفسه، إِذا اتخذنا هذه الكلمة بالمعنى الذي تضفيه عليها حضارة المادة في القرن العشرين، أي أنه يستطيع أن يحسن وسائله ويدقق خططه الاستعمارية حسبما تقتضيه الظروف.

إن جيل جدودنا الأقربين، بالجزائر على سبيل المثال، قد أدرك عصر ((الحاوي)) الذي يخضع الثعبان لسحره، فهو عصر البندير و ((الفتة)) الطرقية.

لقد كان هذا كافيا لاستعمار تلك الجماهير التي غطت في سباتها الشتوي قرونا، قرون عصر ما بعد الموحدين، فقد كانت هذه الوسائل، رغم ما بها من البساطة، في مستوى ذلك الوسط البسيط القابل للاستعمار.

ولكن هذا الوسط الخامل قد بدأ فجأة يتحرك، كأنما شحنة كهربائية أفرغت في شعوره

ثم بدأت رعشة- فكرية تحدث على سطح ضميره الهادي الذي غط في النوم منذ عهد طويل .. تحدث تموجات خفيفة.

وكان ذلك في عصر آبائنا الذين سمعوا بصورة غامضة، كلاما عن جمال الدين الأفغاني، حيث انتقلت فكرته، من فم إلى أذن حتى وردت الضمير الجزائري

فأحدثت على سطحه الهادئ تلك التموجات

ص: 76

لقد كانت هذه الرعشة تدل على الحياة في عالم الموت

وصرخة تعلو في عالم الصمت

و ((خطراً)) في عالم الاستعمار!!

وشعر الاستعمار فعلا بالخطر

فأخرج من شنطته رجلا تأخذه من حين إلى حين الحالة الصوفية

أخرجه كي يجدد به عصر الدراويش.

فكان النظر جذابا

يدفت نظر الشعب البسيط

المتعطش لخوارق المعجزات

فيأتي بنقوده يقدمها نذورا عندما يدق البندير.

وفكر الرجل الذي تأخذه الحالة الصوفية كي يزيد تأثيره على مشاعر الشعب البسيط، فوضع حوله حلقة من ((العلماء)) يتقبلون تبرعات البسطاء، ويباركون هؤلاء البسطاء المتعطشين للمعجزات.

فكان ذلك عصر الشيخ ابن عليوا، ورفقائه أمثال الشيخ الحافظي

ولكن الفكرة استمرت في طريقها

مثابرة

مثابرة في عالم لا زال في خدر النوم، حيث كان آباؤنا يعيشون، فلم تستطع البنادير والشطحات الصوفية، أن تبعث عهد المرابطين من جديد.

وكما يقول المثل الجزائري: ((فعندما يتمزق البندير، تتفرق حلقة المداحين)) ولكن يجدر بنا أن نضيف: أن الجماهير أيضا تتفرق حينئذ.

وذهبت فعلا الجماهير المتفرقة إلى حيث يدعوها واجبها، فأخرج حينئذ الاستعمار من شنطته وثنا يتكلم كلاما خلاباً

كي يلفت الأنظار عن الفكرة.

ولم يصبح حينئذ الحديث عن الواجبات، ولكن عن الحقوق التي ((تؤخذ)) عندما نمد أيدينا .... إلى القمر

مثلا.

وهكذا انتهى عصر آبائنا وبدأ عصرنا

وعلى بابه كرمز اليد الممدودة إلى القمر!

ولكن الفكرة استمرت جادة في طريقها وفي عملها، وانتهت الجماهير المنومة،

ص: 77

التي نومتها الأوثان، فانتهت في مصر مثلا (1)، الى أن التاريخ لا يبدأ من مرحلة الحقوق، بل من مرحلة الواجبات المتواضعة في أبسط معنى للكلمة، الواجبات الخاصة بكل يوم، بكل ساعة، بكل دقيقة، لا في معناها المعقد، كما يعقده عن قصد أولئك الذين يعطلون جهود البناء اليومي بكلمات جوفاء، وشعارات كاذبة يعطلون بها التاريخ، بدعوى أنهم ينتظرون الساعات الخطيرة والمعجزات الكبيرة.

ولكن الفكرة استمرت في طريقها أيضاً، وقد رأينا منذ ثلاث سنوات فئة من الشباب في إحدى ضواحي العاصمة الجزائرية تدخل مباشرة حلبة التاريخ

دون أن تنتظر الساعات الخطيرة، واللحظات الكبيرة والظروف الخيالية، فدخلت ميدان العمل بكل بساطة وتواضع، والمعول بأيديها كي تشق طريقها، طريقا بسيطا متواضعا بضاحية القديس سان أوجين.

وربما لم يكن هؤلاء الشبان يعلمون أن دخولهم في ميدان العمل هو الساعة الخطيرة التي يخشاها الاستعمار واللحظة الكبيرة في تاريخ الجزائر، ومهما يكن الأمر، فها هي الفكرة تستمر في الطريق، وكأن طريقها كان يمر يومئذ بناحية القديس سان أوجين، حتى شعر الاستعمار فعلا بالخطر. وفكر في إيقاف الفكرة الخطيرة عند حدها

ففتح شنطته مرة أخرى وأخرج منها أشياء كثيرة مسلية، لتسلية الجماهير عن واجباتها وأخرج آلات ميكانيكية تتكلم عن ((تقاليد الإِسلام)) مثل الكتاني والجلاوي، ومن بين الآلات ما يتكلم عن السياسة فيعرضها الاستعمار في المعارض الانتخابية تحت اسم ((النواب الأحرار)).

ثم يخرج من شنطته آلات أكثر تعقيداً

تلفظ بخطب وطنية: تقدم هذه الآلات للجماهير المنخدعة، كي تلهيها وتمسكها بعيداً عن ساحة الواجبات والعمل، تقدم في صورة أوثان مزينة مجهزة لتأخذ الأبصار وتذهل الألباب. ولكن الجماهير بدأت تشعر بالفتور نحو هذه الألاعيب والأكاذيب والآلات،

(1) إشارة إلى ثورة 23/ 7/ 1952.

ص: 78