المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قضية المرأة المسلمة - في مهب المعركة

[مالك بن نبي]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌مقدّمة

- ‌مقَدِّمَة المؤلف

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُالاِسْتِعْمَارُ تَحْتَ الْمِجْهَرِ

- ‌سِيكُولُوجِيَّةُ الاِسْتِعْمَارِ

- ‌الاِسْتِعْمَارُ يَفْتَحُ وِجْهَةٌ ثَالِثَةٌ فِي التَّارِيخِ

- ‌الْفَوْضَى الْاِسْتِعْمَارِيَّةُ

- ‌الْفَصْلُ الثَّانِيفِي السِّيَاسَةِ

- ‌حِقْدٌ عَلَى الإِسْلَامِ

- ‌تَعْلِيقٌ

- ‌الْمَلِكُ مُحَمَّدَ بْنُ يُوسُفَ ((يَعتَرِفُ))

- ‌بِلَا خَوْفٍ وَمِنْ دُونِ تَأْنِيبٍ

- ‌مِنَ الْمُؤْتَمَرَاتِ إِلَى الْمُؤَامَرَاتِ

- ‌مِنْ مُؤْتَمَرِ كُولُومْبُو إِلَى مُؤْتَمَرِ جِنِيفْ

- ‌أَقْلَامُ وَأَبْوَاقُ الاِسْتِعْمَارِ

- ‌تَعْليِقٌ

- ‌رَجُلٌ وَوَجْهَانِ

- ‌بَصِيصُ الْأَمَلِ

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُفِي الْحَقْلِ الْاِجْتِمَاعِيِّ

- ‌مِنْ أَجْلِ إِصْلَاحِ التُّرَابِ الْجَزَائِريِّ

- ‌قَضِيَّةُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ

- ‌تَهَوُّرٌ أَمْ تَطَوُّرٌ

- ‌ضَرُورَةُ مُؤْتَمَرٍ جَزَائِرِيٍ لِتَوْجِيهِ الْعَمَلِ

- ‌تَعْلِيقٌ

- ‌تَفَاهَاتٌ جَزَائِرِيَّةٌ

- ‌بَاعَةُ الْحَضَارَةِ

- ‌ثَمَنُ حَظَارَتِنَا

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُفِي حَدِيقَةِ الثَّقَافَةِ

- ‌بَيْنَ الْأَفْكَارِ الْمَيْتَةِ وَالْأَفْكَارِ الْقَاتِلَةِ

- ‌أُكْتُبْ بِضَمِيرِكَ

- ‌النَّقْدُ السَّلِيمُ

- ‌وِحْدَةُ الثَّقَافَةِ فِي الْهِنْدِ

- ‌تَحِيَّةٌ إِلَى دَاعِيَةِ اللَّاعُنْفِ

- ‌رُومَان رُولَان وَرِسَالَةُ الْهِنْدِ

- ‌الْأَسَاسُ الْغَيْبِيِّ لِفَلْسَفَةِ الْإِنْسَانِ فِي الْإِسْلَامِ

- ‌الدِّرَاسَاتُ الْحَدِيثَةُ وَالتَّصَوُّفُ الْإِسْلَامِيُّ

الفصل: ‌قضية المرأة المسلمة

‌قَضِيَّةُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ

الجمهورية الجزائرية في 26/ 2/ 1954

ــ

إِن مقالتي الأخيرة كانت مخصصة إلى جانب من الحركة النسائية عندنا، يتصل بصورة المرأة وقد بينت أنه الجانب ((القشري)) أو السطحي من حياة المرأة، بينما المشكلة على مقدار من الخطورة، بحيث لا يمكن أن نقتنع فيها بدراسة ((القشرة)).

بل إنه لا يمكن في دراستها إغفال وجهة ((فرودية)) ذات أهمية كبرى، عندما نقدر الأشياء بالمقياس الاجتماعي والأخلاقي، وحسب آثارها في التاريخ.

إن تطور المجتمع يرتبط، فعلا، بتطور المرأة والعكس صحيح، وطبيعة هذا الرباط كانت تستحق دراسة منهجية، نراها أتت في كتاب صدر هذه الأيام بانجلترا، تحت عنوان ((الجنس والتاريخ Sex in history ونوهت به الصحيفة الباريسية ((الإكسبريس)).

إن صاحب الكتاب، جوردون ريتري تيلور، لا يبدو أنه تناول قضية المرأة مباشرة، وإنما اعتبرها من زاوية النتائج الاجتماعية، أي أنه اعتبر آثار المرأة في تطور المجتمع.

والكتاب يفتح هكذا باباً جديداً في علم الاجتماع ينظر إِلى الأمور من زاوية ((فرودية))، فمن هذه الزاوية ينطلق المؤلف من ((احتمالين)) يكتشفهما التحليل النفسي في الإنسان ويترجمهما صاحب الكتاب بهذه العبارة: إنه يوجد في الإِنسان نزعة إيروس Eros، وهو حب وقدرة خلاقة، ويوجد فيه أيضا نزعة تناتوس ( Thanatos)، وهو حقد وقدرة تحطيم من ناحية، وقدرة مراقبة

ص: 97

وتنظيم من ناحية أخرى.

وبقدر ما تكون النزعة الأولى أو الثانية هي المسيطرة، يكون على المجتمع طابع الأمومة، بما في ذلك من عبقرية الأنثى، َ أو طابع الأبوة، بما في ذلك من عبقرية الذكر.

وهذه الصفات قد يكون أثرها ظاهراً في نظام الأسرة، حيث تكون الأسرة تحت سلطة الأم ( Matriarcat) أو تحت سلطة الأب ( Patriarcat) ولكن وبصفة عامة، فإِن هذه الصفات تحدد صورتين أو مرحلتين من الحضارة، تتسم كل واحدة منها بسمات معينة.

ويمكننا أن نتصور هاتين السورتين أو المرحلتين من خلال طبيعة المرأة والرجل.

إِن عنصر الأنثى يعني الخصوبة والتغيير السريع، ونشاهد أثره في أشياء مثل ((الموضة)) و ((التقدم))، كما يحتوي ذوق جمال وشاعرية.

أما عنصر الذكر، فإِنه يعني القوة والاستمرار والمبدأ الأخلاقي والتصوف.

إِنني لا أعتقد أن الكاتب الإنجليزي واصل التحليل إلى نهاية دور حضاري كامل، لأنه يفقد هذا المفهوم ذاته، حيث أن الثقافة الغربية في دراستها تاريخ الحضارات لا تقف عند مفهوم ((الدور الحضاري)).

أما إذا واصلنا نحن التحليل، فإننا سنرى الحضارة التي تطبعها عبقرية الأنثى ستنتهي عندما تصبح المرأة ((فارسة)) Omazone (1) ويصبح فيها الرجل مخنثاً- وهي تنتهي إلى فجور وميوعة وانحلال، أما الحضارة التي عليها طابع الذكر فتنتهي إلى الجفاف والعقم والتحجر.

لقد كان المجتمع الجاهلي كله تحت سلطة الذكر، وقد كان فيه ما فيه من قسوة ( Chanatos) ، وفيه ما فيه من نزعة التحطيم، حتى إِن المولودة كانت

(1)((الفارسة)) هى المرأة في مجتمع أسطوري، أخدت فيه الأنثى مقاليد الأمور وقامت فيه بأدوار البطولة.

ص: 98

توأد، يئدها أبوها. وحين جاء الإسلام أكبت في الذكر دوافع الجفاء والتحطيم، ولم يترك له إِلا قدرة التغلب على النفس، وقدرة التنظيم والتوجيه، فكوَّن بذلك مجتمعاً تتمتع فيه المرأ بكثير من الحقوق، مقابل بعض الواجبات. حتى أن الفقه الإِسلامي لم يفرض عليها إِلا واجب الزوجية، أما الواجبات المنزلة، كالغسيل والطبخ فإنها ليست مطلوبة منها، وحتى الرضاعة ليست فرضاً عليها، بل على الزوج أن يأتي بمرضعة لولده.

وقد نتصور أن هذه التسهيلات، التي يقررها الفقه الإسلامي للمرأة غير معمول بها من الوجهة الواقعية، لأنها ربما تبالغ قي تحرير المرأة من أسر الحياة المنزلية، ولكن هذه المبالغة من الناحية النظرية، تلفت نظرنا للحالة الحقيقية التي تقع فيها المرأة المسلمة اليوم من حيث الأعباء المنزلية، تقع فيها أو تعود إليها بنكسة المجتمع الإِسلامي، إِذ يبدو أن هذا المجتمع، بقدر ما فقد خصوبته وقوته في التنظيم، قد عاد إلى الحالة التي كان عليها المجتمع الجاهلي من حيث الشدة والعقم.

إننا لا نئد البنات اليوم، لأن قانوناً ورثناه عن الإسلام لا زال يمسكنا، ولأن قانوناً جنائياً يقفنا عند حدنا ولكن إِذا لم ندفنهن على قيد الحياة في الترات، فإننا ندفنهن في الجهل.

ولكن هذا الوأد لا ينسينا ما تركت لنا الحضارة الإسلامية في عصرها الذهبي، من تقاليد تعلي من شأن المرأة، ومن أسماء نساء لامعات تبقى آثارهن كمعالم الطريق لحركة نسائية إسلامية مجددة.

إِن تلك الآثار تشمل الأدب والفنون والتصوف وعمل الخير. إن سيدات مسلمات قد تسابقن إلى الخيرات وتنافسن في البر والتقوى حتى تركن للأجيال المقبلة قدوة نقتدي بها إذ نجد في سماء الأدب الأندلسي اسم ((ولادة)) يلمع حين كانت تشرف على ((صالون أدبي)) يجتمع فيه فحول الأدباء والشعراء، قبل أن يلمع اسم مدام دي رمبولييه في الأدب الفرنسي بقرون.

ولقد بقي اسم رابعة العدوية يرفرف في أذهان الأجيال المؤمنة من المسلمين،

ص: 99

نذكر قصتها عندما وقفت بشارع من شوارع بغداد، وكان يمر موكب حافل يشيع جنازة الرازي، فسألت:

- لماذا احتشد الناس وراء هذا الميت؟!

فرد عليها من رد:

- إنه وجد البراهين التي تدل على وجود الله.

فقالت العدوية:

- وهل وجود الله في حاجة لبراهين هذا الرجل؟

وفي عهد أقرب منا، أليس الفضل فيما تمتعت به البلاد التونسية من وسائل الصحة منذ عهد بعيد، يعود إلى عزيزة عثمانة التي وهبت للبلاد جهازها الصحي الأول

؟

ويجب أن نقول من ناحية أخرى: إن أوروبا تدين إلى المجمع الإسلامي بالثقافة التي انتشرت فيها في العصور الوسطى، ونشرت في أرجائها تلك الفكرة التي تجعل تقدير المرأة من تقاليد الفروسية

ولكننا نرى أوروبا اليوم في طريقها إِلى وضع ((الفارسة)) مكان ((السيدة))، وتضع، بالتالي المخنث ( Sy barite) مكان الرجل.

إن هذا التغيير حدث بلا شك بسبب ((التهور)) الذي يطلقون عليه ((تحرر المرأة)) كما يصفه فيكتور مارجريت في كتابه ((لا جرصون)) (1) وهو كأنه يصفه في مرحلة الأولى، مبشراً بظهور المجتمع الذي تسوده نزعات الأنثى في أوروبا، هذا في الوقت الذي ألغت فيه تركيا الحجاب والحروف العربية.

والآن، لقد اتضحت القضية تماماً: إنه يجب علينا أن نعيد إلى المرأة الكرامة التي وهبها لها الإسلام، عندما أنقذها من عادات الجاهلية القاسية، ولكن فلنعد لها كرامتها لنجعل منها ((السيدة) التي توحي إلى الرجل بالعواطف الشريفة، لا ((الفارسة)) التي تسيطر عليه.

(1) أي البنت المسترجلة.

ص: 100