المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بلا خوف ومن دون تأنيب - في مهب المعركة

[مالك بن نبي]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌مقدّمة

- ‌مقَدِّمَة المؤلف

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُالاِسْتِعْمَارُ تَحْتَ الْمِجْهَرِ

- ‌سِيكُولُوجِيَّةُ الاِسْتِعْمَارِ

- ‌الاِسْتِعْمَارُ يَفْتَحُ وِجْهَةٌ ثَالِثَةٌ فِي التَّارِيخِ

- ‌الْفَوْضَى الْاِسْتِعْمَارِيَّةُ

- ‌الْفَصْلُ الثَّانِيفِي السِّيَاسَةِ

- ‌حِقْدٌ عَلَى الإِسْلَامِ

- ‌تَعْلِيقٌ

- ‌الْمَلِكُ مُحَمَّدَ بْنُ يُوسُفَ ((يَعتَرِفُ))

- ‌بِلَا خَوْفٍ وَمِنْ دُونِ تَأْنِيبٍ

- ‌مِنَ الْمُؤْتَمَرَاتِ إِلَى الْمُؤَامَرَاتِ

- ‌مِنْ مُؤْتَمَرِ كُولُومْبُو إِلَى مُؤْتَمَرِ جِنِيفْ

- ‌أَقْلَامُ وَأَبْوَاقُ الاِسْتِعْمَارِ

- ‌تَعْليِقٌ

- ‌رَجُلٌ وَوَجْهَانِ

- ‌بَصِيصُ الْأَمَلِ

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُفِي الْحَقْلِ الْاِجْتِمَاعِيِّ

- ‌مِنْ أَجْلِ إِصْلَاحِ التُّرَابِ الْجَزَائِريِّ

- ‌قَضِيَّةُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ

- ‌تَهَوُّرٌ أَمْ تَطَوُّرٌ

- ‌ضَرُورَةُ مُؤْتَمَرٍ جَزَائِرِيٍ لِتَوْجِيهِ الْعَمَلِ

- ‌تَعْلِيقٌ

- ‌تَفَاهَاتٌ جَزَائِرِيَّةٌ

- ‌بَاعَةُ الْحَضَارَةِ

- ‌ثَمَنُ حَظَارَتِنَا

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُفِي حَدِيقَةِ الثَّقَافَةِ

- ‌بَيْنَ الْأَفْكَارِ الْمَيْتَةِ وَالْأَفْكَارِ الْقَاتِلَةِ

- ‌أُكْتُبْ بِضَمِيرِكَ

- ‌النَّقْدُ السَّلِيمُ

- ‌وِحْدَةُ الثَّقَافَةِ فِي الْهِنْدِ

- ‌تَحِيَّةٌ إِلَى دَاعِيَةِ اللَّاعُنْفِ

- ‌رُومَان رُولَان وَرِسَالَةُ الْهِنْدِ

- ‌الْأَسَاسُ الْغَيْبِيِّ لِفَلْسَفَةِ الْإِنْسَانِ فِي الْإِسْلَامِ

- ‌الدِّرَاسَاتُ الْحَدِيثَةُ وَالتَّصَوُّفُ الْإِسْلَامِيُّ

الفصل: ‌بلا خوف ومن دون تأنيب

‌بِلَا خَوْفٍ وَمِنْ دُونِ تَأْنِيبٍ

(1)

الجمهورية الجزائرية في 2/ 10/ 1953

ــ

إن اغتيال الزعيم التونسي، هادي شاكر، يبدو في الظروف الحالية، في صورتين: فهو جريمة، وهو في نفس الوقت عمل سياسي.

إن أي اغتيال قد يكون أحياناً خاضعاً لحتمية تفرضه على المجرم، كنتيجة لعمل سابق، يدفعه إلى سلسلة جرائم.

وفي غالب الأحيان، فالقانون وحده هو الذي يضع حداً لهذه السلسلة، حينما يرسل المجرم إلى المقصلة، كي يضع حداً لسفك الدماء.

ولكن أين القانون الذي يضع حداً لمهنة الاستعمار الدامية؟ .. يا أتيلا!! إن شبحك، على ذلك الهرم من الجماجم، كما عودنا التاريخ أن نراك، إن شبحك هذا لم يبقَ إلا صورة شاحبة لوحشية كانت في عهد الطفولة .. إذا قارناها بوحشية المحتضرين الكبار اليوم. بل إن أصغرهم، أصغر من يرتدي منهم لباس المليشيا، بشوارع المدن الجزائرية، هو مثل مدينة حالمة، قد جاوز عهد الطفولة المجرمة، وبلغ سن الرشاد في الإِجرام

فأصبح يغتال القانون ذاته، ففي تلك الشوارع، ما إِن يلقي القبض على الشباب الجزائري، ليقوده إلى المحاكمة المزعومة

حتى يغتاله في اليوم نفسه وفي الطريق

في الطريق إلى المحكمة.

إنه لم يبق شيء يحفظ الأبدان والأرزاق من تونس إلى الرباط

(1) هذه العبارة كانت شعار الفروسية في القرون المتوسطة بفرنسا وشعار الفارس بياز على وجه الخصوص، الذي يزعم بهذا الشعار أنه لا يرهب الموت ولا يخشى تأنيب ضميره، لأنه لا يرتكب رذيلة وقد اخترته عنواناً لهذا المقال على سبيل السخرية كما يدرك ذلك القارئ.

ص: 64

ولكن من الخطأ أن نجسد الإِجرام في ذات معينة

إن الاستعمار لا يسمي (مرتينو- ديبلا)(1)، بل إنه وحش ذو رؤوس وأيدي متعددة، إنه في كل مكان يشع منه الإجرام، وهو في كل مكان يغتال ((بلا خوف ودون تأنيب))

يخاف من؟ فالبوليس زميله في الإجرام.

ومن يؤنبه؟ .. من يكون له من الجرأة ومن اللامبالاة ما يكفي حتى يؤنب رجل الحضارة؟

فإذا كان مسلماً هو هذا الجرىء الذي يقوم باحتجات، فالسجن مآله، وكذلك حجز أمواله، والاغتيال.

وإذا كان هذا الجريء من الفرنسيين المعتدلين، فسوف يقول له قائلهم، بلغة الصعاليك:((كفى! كفى!)).

إن الاستعمار ((محيط))، محيط بالمجرمين الذين يضعون ((قانونهم)) الخاص فوق القوانين والأخلاق.

حتى إن المجرمين الذين اغتالوا هادي شاكر، لم يكونوا في حاجة إلى تعليق لافتة على صدر القتيل، عليها هذه الكلمات ((إِن شيئاً لا يقف في سبيلنا)).

إننا في هذا على أتم اتفاق معهم، حيث نعلم كما يعلمون هم، أن الشعب التونسي لا يستطيع أن يؤسس قوة عمومية لقمع الجريمة، فللصعاليك إذاً أن يغتالوا ما يشاؤون، ((بلا خوف وبلا تأنيب)).

هل لدم العباد قيمة، من الدار البيضاء إلى تونس؟ ليست الجريمة هي الأمر المهم، في حد ذاتها، ولكن الغرض منها، وهدفها.

إن السياسة الاستعمارية الفرنسية أصبحت منذ سنة 1945 سلسلة من جرائم محتمة، والاستعمار لا يمكنه، حتى أنفاسه الأخيرة والقضاء عليه، أن

(1) وزير الداخلية الفرنسي في الفترة التي وقع فيها أكبر عدد من هذه الجرائم والاغتيالات.

ص: 65

ينفك من قيود تلك الحتمية

إنه في قبضة الجريمة

فإذا انتهى من جريمة أولى وجد نفسه مدفوعاً لجريمة ثانية ليكفر بها عن الأولى

فأي حد من هذا الاطراد المفجع لا يفسر بنفسه؛ ولكن بالحد الذي سبقه.

إن مبررات محلية موجودة بلا شك لتبرير اغتيال الهادي شاكر ومنها أن يبقى الشعب التونسي دون قيادة تحت الإرهاب، فتفقد بذلك مقاومتُه حدتها ومضاءها.

ولكن يبدو أن الشعب التونسي قد اتخذ عدته واستعداده إزاء هذه المناورات

وهنا لا نستطيع تفسيراً لقتل هادي شاكر إلا في حدود أوسع من النطاق التونسي، أعني في ذلك الجو المكهرب الذي لا زال مليئاً بمجهولات تتصل بإبعاد ملك مراكش وبتحديد إقامته في جزيرة كرسيكا، في ظروف غريبة.

والاستعمار يعلم مصلحته في إسدال الستار على هذه القضية، إِذ يعلم أنها - كما أشرنا إِلى ذلك في مقال سابق- لم تبرز بكل توقعاتها إلى الآن.

وتعليقات مراسل لوموند على هذه الحالة، التي تفسر لنا تحديد إقامة الملك على أنها مجرد احتياطات من ((فرار)) متوقع، ما هي إِلا تعليقاتُ مضحكٍ يريد أن يسلينا، أو إنسان استولى على عقله أسلوب القصة البوليسية.

إن الاستعمار يعلم جيداً أن السجين ليس له أي نية في الفرار إلى الجبل. كلصوص الجزيرة، وعليه فإن إحاطته بهذه الاحتياطات المدققة لا تدل إلا على شيء واحد، هو أن الاستعمار يريد عزله عزلا تاماً، حتى لا يعلم شيئاً عن نتائج إبعاده، سواء في وطنه أو في الخارج.

فمن مصلحة مجلس أركان حرب الاستعمار، من مصلحته العليا أن يتم هذا العزل في الاتجاهين: في عزل الملك عن الخارج إذ لم يتركوا له حتى جهاز راديو تحت يده، وفي عزل الخارج عنه، ولو تطلب هذا ارتكاب جرائم مثيرة تلفت الأنظار .. وتصرفها عن الجرائم السابقة. وهذا ما يفسر اغتيال هادي شاكر.

ص: 66

وهذا يعني أن الكي دورسي، الذي لم يكن مستعداً للمفاوضة مع ملك حر، يعبر بحرية عن إرادة شعبه، يريد الآن الحوار مع سجين يستطيع أن يضغط عليه بما يراه، مناسباً حتى يقربه من وجهة نظره

وقد يتساءل بعض البسطاء لماذا يتكلف الكي دورسي هذه الجهود كلها ليقرب من وجهة نظره ملكاً لم يبق له سلطان على عرشه

؟ أما الاستعمار الذي أحكم الخطة فهو يعلم الجواب.

ولنكن واثقين من أنه سيبذل كل ما يستطيع من حيلة وكيد للوصول إلى هدفه، أي للحصول غصباً، على بعض التنازل من جانب الملك، وبعض تصريحات تصلح كقاعدة شرعية لحكم الملك، المصنوع بالرباط، ولقد يكون مستعداً، في سبيل ذلك، إلى ترك الباشا الجلاوي وشأنه

(1) شريطة أن يصرح الملك أو يقتنع بأن شعبه شيء لا وجود له، وأن هيئة الأمم أسطورة من الأساطير، وأن الجامعة العربية طيف من الخيال.

وهل يمكن هذا إلا بعزله من وعن العالم .. كي ينسى أنه موجود؟!.

(1) كما فعل يوم اضطرته الثورة الجزائرية إلى التراجع عن سياسة العنف إلى سياسة اللين والكيد.

ص: 67