المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌رَجُلٌ وَوَجْهَانِ الجمهورية الجزائرية في 24/ 1/ 1954 ــ إننا في انتظار مؤتمر - في مهب المعركة

[مالك بن نبي]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌مقدّمة

- ‌مقَدِّمَة المؤلف

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُالاِسْتِعْمَارُ تَحْتَ الْمِجْهَرِ

- ‌سِيكُولُوجِيَّةُ الاِسْتِعْمَارِ

- ‌الاِسْتِعْمَارُ يَفْتَحُ وِجْهَةٌ ثَالِثَةٌ فِي التَّارِيخِ

- ‌الْفَوْضَى الْاِسْتِعْمَارِيَّةُ

- ‌الْفَصْلُ الثَّانِيفِي السِّيَاسَةِ

- ‌حِقْدٌ عَلَى الإِسْلَامِ

- ‌تَعْلِيقٌ

- ‌الْمَلِكُ مُحَمَّدَ بْنُ يُوسُفَ ((يَعتَرِفُ))

- ‌بِلَا خَوْفٍ وَمِنْ دُونِ تَأْنِيبٍ

- ‌مِنَ الْمُؤْتَمَرَاتِ إِلَى الْمُؤَامَرَاتِ

- ‌مِنْ مُؤْتَمَرِ كُولُومْبُو إِلَى مُؤْتَمَرِ جِنِيفْ

- ‌أَقْلَامُ وَأَبْوَاقُ الاِسْتِعْمَارِ

- ‌تَعْليِقٌ

- ‌رَجُلٌ وَوَجْهَانِ

- ‌بَصِيصُ الْأَمَلِ

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُفِي الْحَقْلِ الْاِجْتِمَاعِيِّ

- ‌مِنْ أَجْلِ إِصْلَاحِ التُّرَابِ الْجَزَائِريِّ

- ‌قَضِيَّةُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ

- ‌تَهَوُّرٌ أَمْ تَطَوُّرٌ

- ‌ضَرُورَةُ مُؤْتَمَرٍ جَزَائِرِيٍ لِتَوْجِيهِ الْعَمَلِ

- ‌تَعْلِيقٌ

- ‌تَفَاهَاتٌ جَزَائِرِيَّةٌ

- ‌بَاعَةُ الْحَضَارَةِ

- ‌ثَمَنُ حَظَارَتِنَا

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُفِي حَدِيقَةِ الثَّقَافَةِ

- ‌بَيْنَ الْأَفْكَارِ الْمَيْتَةِ وَالْأَفْكَارِ الْقَاتِلَةِ

- ‌أُكْتُبْ بِضَمِيرِكَ

- ‌النَّقْدُ السَّلِيمُ

- ‌وِحْدَةُ الثَّقَافَةِ فِي الْهِنْدِ

- ‌تَحِيَّةٌ إِلَى دَاعِيَةِ اللَّاعُنْفِ

- ‌رُومَان رُولَان وَرِسَالَةُ الْهِنْدِ

- ‌الْأَسَاسُ الْغَيْبِيِّ لِفَلْسَفَةِ الْإِنْسَانِ فِي الْإِسْلَامِ

- ‌الدِّرَاسَاتُ الْحَدِيثَةُ وَالتَّصَوُّفُ الْإِسْلَامِيُّ

الفصل: ‌ ‌رَجُلٌ وَوَجْهَانِ الجمهورية الجزائرية في 24/ 1/ 1954 ــ إننا في انتظار مؤتمر

‌رَجُلٌ وَوَجْهَانِ

الجمهورية الجزائرية في 24/ 1/ 1954

ــ

إننا في انتظار مؤتمر دولي وشيك، يبدو أن جدول أعماله سيتضمن مسبقا قضية السلم في العالم، ودراسة الوضع الجديد فيه، الوضع الذي ينتظر أن يجد في كل واحد- فرداً أو شعباً- نصيبه من السعادة الأرضية.

ومن الطبيعي أن ظروفا كهذه، تنصب أمام عيوننا موضوع تأمل يتناسب مع الملابسة الحالية.

ولكن يبدو أن الإِنسان المستعمر لا تستهويه أطياف التأمل الجذاب ولا تستدرجه للخوض في قضية السلم والحرب، بما يرى لهذه القضية- من الناحية السياسية على وجه الخصوص- من سمات تجعلها قضية برجوازية

نعم، إِنها تهم الضمير الإنساني على الإطلاق كيفما كان الحال، ولكنها تأخذ ما لها من نتوء في لندن، أو موسكو أو واشنطن، أي في كل بلد يجد أهله في حوزتهم السمن مع المدفع في وقت واحد (1).

بينما لا يجد الشعب الجزائري أما نظره مدفعا سوى مدافع الاستعمار، أما فيما يخص السمن فاسألوا 95% من العائلات الجزائرية، إنها لم تعد تتذكر طعمه منذ زمن.

وفي جملة واحدة، فنحن نكون طبقة المنبوذين أو الصعاليك الذين لا يعترف لهم البرجوازيون- الذين بيدهم السمن والمدفع- بحق النظر في الأشياء، عندما يتكلمون في مصالح هذا العالم الذي يملكون فيه كل شيء: هذه الأنابيب للبترول وهذا المنجم للأورانيوم، وتلك القاعدة الحربية للطيران

(1) إن هذه العبارة (السمن والمدفع) كانت شعار السياسة الألمانية في عصر هتلر.

ص: 82

ولكن عندما نراهم يتكلمون عن الحرية- تلك العذراء المتمردة التي تستهوي قلوبنا- فإِننا نشعر برعشة في أحشائنا، تأخذنا كما تأخذنا رعشة الاستياء عندما نشاهد منكرا.

إن الشعوب المستعمرة تؤمن بالحرية، ولها حساسية كبيرة لدى هذه العقيدة الثمينة، العقيدة التي لم يستأصلها من روحها قرنان كاملان من هذه ((الحضارة)) الاستعمارية.

ولكن هذه الشعوب المرتبطة، بمقتضى واقعها السياسي أو الجغرافي، بما يسمى ((العالم الحر))، لا تدري عندما يتكلم قادة العالم عن الحرية، هل هذه السخرية اللاذعة، سخرية الأقدار أم سخرية العباد.

ولا نجد مفراً من تأويل الأشياء على هذا النحو أم على ذاك، عندما نرى تصريحات لبعض الشخصيات البارزة، مثل التصريح الذي أفضى به إلى مراسل صحيفة ألمانية من ميونخ، المستر وينستون شرشل، عندما تحدث عن ((مهمته الأخيرة)) وقال: إِنني أحاول تلافي التوتر العالمي، وتمهيد السبل إلى السلم والحرية.

ولا شك أنها مهمة ورسالة في مستوى ذلك ((الضرو البارز)) كيما يسميه مورياك- ذلك الضرو الذي وضع على وجه العالم الذي صنعته الحربان العالميتان، وصمة مخلبه الجبار.

ولكن .. أليس لهذا المخلب أثره أيضا في مصير شعوب مستعمرة لا زالت تسلب حرياتها الأساسية؟.

إننا لا ندعي أن شخصية من الطراز الأول ومعقدة إلى حد كبير، مثل شخصية القطب الانجليزي، يجب عليها أن تتبسط لمجرد أن لا يؤذي تعقدها أذواقنا وأن لا يجرح حساسيتنا، ولكننا في نفس الوقت لا ننتظر أن نجد فيها جوانب تتعارض تعارضا كليا وتتناقض إلى حد أننا نتصور من خلال كلامها عن ((الحرية))، أنها تتكلم عن مسرحيتين، بلغة رجلين.

إنه لا يوجد بأصغر قرية من قرى أوروبا الغربية من لا تبقى عنده تلك

ص: 83

الذكرى المؤثرة فيه أيام الحرب، عندما كان يرى حرف (( V)) مكتوبا على الجدران (1).

ولم يبق طفل أوروبي، أو يهودي، لم يكتب هذا الحرف على جدران قريته. ولم يذكر في الوقت نفسه، ذلك الرجل ((أبو النصر)) الذي خلده، لأنه في ساعات الظلام الحالك في خضم المعركة، قد تمثل في شخصه كفاح التحرير من أجل حرية الملايين من البشر.

ولكن العالم لا زال يعيش على أحر من الجمر المأساة الاستعمارية ولا يمكن أن نعيش فيه دون أن نحقد تلقائيا بعض المقارنات التي تتبادر إلى الذهن.

فعندما يتكلم المستر شرشل ((أبو النصر)) عن ((الحرية)) كما تكلم في حديثه مع الصحافي الألماني، فإننا لا نستطيع في هذه الأيام أن ننسى مصير ((الماو- ماو)) الذين سلبوا في خطوة أولى في سبيل ((الحضارة)) أراضيهم الخصبة، والذين يقصد بهم، في خطوة ثانية، التنكيل والإبادة.

كما لا ننسى أيضاً في هذه الأيام ما يتجرع أهالي الملايو من طعم ((السلم والحرية))، تحت مطر من القنابل التي تلقيها على قراهم أسراب القوات الجوية الانجليزية.

وهل نستطيع أن ننسى أن هذا ((المخلب)) الذي يريد وضع وصمته على العهد الجديد، كذكرى تذكرها الأجيال المقبلة، انه هو ((المخلب)) الذي أعدم بجرة قلم دستور الجوييانه، أي جميع الحريات التي يضمنها لشعبها.

لقد وددنا لو استطعنا أن نوحد فكرنا، حتى نرى في المأساة الإنسانية مأساة واحدة، وفي شخص المستر شرشل شخصاً واحداً: رجل التحرير.

ولكن الواقع يضطرنا، بكل أسف، أن نرى مأساة أخرى تعيشها الشعوب المستعمرة، ووجها آخر لمستر شرشل تعرفه تلك الشعوب: وجه المستعمر.

(1) فكان هذا الحرف يكتب تحدياً للجيش الألماني المحتل، وتفاؤلا لأنه الحرف الأول من كلمة Victory النصر، وكان مستر شرشل يصوره بأصبعيه في كل مناسبة.

ص: 84