المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الملك محمد بن يوسف ((يعترف)) - في مهب المعركة

[مالك بن نبي]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌مقدّمة

- ‌مقَدِّمَة المؤلف

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُالاِسْتِعْمَارُ تَحْتَ الْمِجْهَرِ

- ‌سِيكُولُوجِيَّةُ الاِسْتِعْمَارِ

- ‌الاِسْتِعْمَارُ يَفْتَحُ وِجْهَةٌ ثَالِثَةٌ فِي التَّارِيخِ

- ‌الْفَوْضَى الْاِسْتِعْمَارِيَّةُ

- ‌الْفَصْلُ الثَّانِيفِي السِّيَاسَةِ

- ‌حِقْدٌ عَلَى الإِسْلَامِ

- ‌تَعْلِيقٌ

- ‌الْمَلِكُ مُحَمَّدَ بْنُ يُوسُفَ ((يَعتَرِفُ))

- ‌بِلَا خَوْفٍ وَمِنْ دُونِ تَأْنِيبٍ

- ‌مِنَ الْمُؤْتَمَرَاتِ إِلَى الْمُؤَامَرَاتِ

- ‌مِنْ مُؤْتَمَرِ كُولُومْبُو إِلَى مُؤْتَمَرِ جِنِيفْ

- ‌أَقْلَامُ وَأَبْوَاقُ الاِسْتِعْمَارِ

- ‌تَعْليِقٌ

- ‌رَجُلٌ وَوَجْهَانِ

- ‌بَصِيصُ الْأَمَلِ

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُفِي الْحَقْلِ الْاِجْتِمَاعِيِّ

- ‌مِنْ أَجْلِ إِصْلَاحِ التُّرَابِ الْجَزَائِريِّ

- ‌قَضِيَّةُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ

- ‌تَهَوُّرٌ أَمْ تَطَوُّرٌ

- ‌ضَرُورَةُ مُؤْتَمَرٍ جَزَائِرِيٍ لِتَوْجِيهِ الْعَمَلِ

- ‌تَعْلِيقٌ

- ‌تَفَاهَاتٌ جَزَائِرِيَّةٌ

- ‌بَاعَةُ الْحَضَارَةِ

- ‌ثَمَنُ حَظَارَتِنَا

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُفِي حَدِيقَةِ الثَّقَافَةِ

- ‌بَيْنَ الْأَفْكَارِ الْمَيْتَةِ وَالْأَفْكَارِ الْقَاتِلَةِ

- ‌أُكْتُبْ بِضَمِيرِكَ

- ‌النَّقْدُ السَّلِيمُ

- ‌وِحْدَةُ الثَّقَافَةِ فِي الْهِنْدِ

- ‌تَحِيَّةٌ إِلَى دَاعِيَةِ اللَّاعُنْفِ

- ‌رُومَان رُولَان وَرِسَالَةُ الْهِنْدِ

- ‌الْأَسَاسُ الْغَيْبِيِّ لِفَلْسَفَةِ الْإِنْسَانِ فِي الْإِسْلَامِ

- ‌الدِّرَاسَاتُ الْحَدِيثَةُ وَالتَّصَوُّفُ الْإِسْلَامِيُّ

الفصل: ‌الملك محمد بن يوسف ((يعترف))

‌الْمَلِكُ مُحَمَّدَ بْنُ يُوسُفَ ((يَعتَرِفُ))

(1)

الجمهورية الجزائرية في 14/ 5/ 1954

ــ

ما إِن وصل الملك المبعد إلى جزيرة ((ليل روس)) حتى تحددت إقامته، ووجد جلالته نفسه، أمام سلطة قهارة سحبته من هذا العالم سحباً وأحاطته بجو من الصمت والكتمان، يحرسه ليلا نهاراً ويفصله عن العالم جيش من البوليس.

والصحافة الكبيرة، مثل جريدة ((لوموند)) تفسر لنا هذا الوضع الشاذ، على أنه مجرد ترتيبات احتياطية، احتياطاً من ((فرار)) السجين الكبير.

ولكننا علقنا في هذه الصحيفة نفسها، في عدد مضى (2)، على هذه الترتيبات فقلنا إنها ليست مجرد احتياطات، بل إنها تخفي أغراضاً سياسية معينة، قررها مجلس أركان حرب الاستعمار الأعلى.

وقلنا بالحرف: ((إن الكي دورسي الذي لم يكن يريد الحوار مع ملك حر، يعبر بكل حرية عن إِرادة شعبه، يريد الآن حواراً مع سجين يمكنه أن يفرض عليه ما يريد من الضغط الشديد. حتى يقربه من وجهة نظره. وربما يغتصب منه تصريحاً يجعل منه القاعدة الشرعية التي يضع عليها الحكم الوهمي الذي استلمه من يده عميل الرباط .. ))

وها هي الظروف تصدق تنبؤنا، فتأتي صحيفة ((لوموند)) نفسها - الصحيفة التي وصفت لنا في شهر سبتمبر عزل الملك عن العالم- لتخبرنا الآن

(1) إن طرق (الاعتراف) معروفة لدى البوليس الفرنسي فهو يعرف كيف يضغط معنوياً أو مادياً على من يكون تحت يده حتى يجبره على (الاعتراف) بكل ما يريد منه.

(2)

لم نجد هذا العدد تحت أيدينا.

ص: 60

(في عدد 24/ 4/ 1954) أن الرجل، تحت تأثير الوحدة والتهديد، وصل إلى ((درجة الاعتراف)). وإذا سمح لنا القارئ أن نتكلم باللغة التي تناسب هذا الموقف، في هذا الجو الخانق الذي أحاط به البوليس الفرنسي حياة الشعب المراكشي كلها، في الظروف الحالية فنتساءل:

بأي شيء اعترف جلالة الملك؟

إننا لا ندعي معرفة النص الذي وضع تحته إمضاء الملك السجين وإنما طالعنا بعض السطور الغامضة التي نشرتها صحيفة لوموند مقتطفة من هذا النص حسب زعمها.

ولكن الشيء الذي يبدو واضحاً في كل هذا، هو رغبة الكي دورسي في إعطاء هذا النص (مهما تكن قيمته التاريخية) قيمة الوثيقة الديبلوماسية (1).

إننا نترك لرجال القانون أن يقدروا هذه القيمة من زاويتهم الخاصة، ولقادة السياسة المراكشية الوطنية أن يقدروها من الناحية السياسية، إنما نريد أن نعتبر الأشياء هنا من الناحية الإنسانية فقط.

إذ ما يبدو واضحاً من النظرة الأولى في المقتطف الذي نشرته صحيفة لوموند، مما تسميه ((رسالة الملك)) هو الجهد الذي بذله صاحب الاقتطاف، كي يبقى القارئ الذي يطالعه تحت تأثير تعليقاته، حيث أنه لم يجد فيما يطالعه ما يسمح له بتكوين رأيه الخاص في الموضوع، إنه كان مما يتعين في مثل هذه الظروف أن يعطى للقارىء حق مطالعة ((اعترافات)) الملك في نصها الحرفي، لا في تعليقات من يعلق عليها، بينما لا يقول لنا عن هذا النص إلا شيئاً واحداً هو أن الكي دورسي قد قام بنشره .. أين؟! ومتى؟! فهذا ما لا نعلم عنه شيئاً.

حتى إننا، بعد مطالعة ما نشرته لوموند، لا نستطيع أن نفهم أثراً لتفكير

(1) إن هذه المقالة كانت تهدف بالضبط إِلى تنبيه الرأي العام حتى لا تكور أي قيمة شرعية لنص يمضيه سجين في ظروف قاهرة أو يزور عنه تزويراً.

ص: 61

الملك في هذا الفتات المقتطف الذي لا يسمح بتفهم الوقائع، ولا لإصدار الحكم الصحيح عليها، إذ الفتات يكون أحياناً كلمة واحدة موضوعة بين هلالين في جملة طويلة للمحرر، بحيث لا تفيد أي معنى خاص.

فعلى سبيل المثال نقرأ هذه الجملة ((إن سيدي محمد يستسيغ الترتيبات التي اتخذت بشأن إدارة مصالحه الخاصة و ((شاهد)) (1) أن الإجراءات المطبقة من أجل شخصه بمدغشكر لا تخرج تقريباً من نطاق المألوف المعتاد)).

فنتساءل ماذا تفيد كلمة ((شاهد)) الموضوعة بين هلالين كي يفهمنا من وضعها هكذا، أنها من تحرير الملك، ماذا تفيد في جملة طويلة هي من محرر لوموند.

فلو أن المحرر وضع في جملته أي كلمة أخرى بين هلالين، ما زاد أو قلل من فهم القارئ لفكرة تنسب للملك في هذا المقتطف.

فهذه الفكرة تستعصي علينا، لأننا على خلاف وعلى قدر ما نعرف لها من الوضوح ومن إدراك للواقع، نجدها هنا، عندما تعترضنا في جملة أو في شطر جملة يضعهما محرر لوموند بين هلالين كي يشعرنا بأنهما من قلم الملك، نجدما في منتهى الغموض، في صورة غير مألوفة، وكأنها تقف إزاء الأحداث موقفاً لا يتفق مع طبيعتها.

فلماذا، على وجه المثال، يلتزم الملك بأنه سيمتنع عن ((كل نشاط سياسي، وعلى وجه الخصوص عن كل ما يؤدي إلى اضطراب الوضع بمراكش

))؟

أليس شطر الجملة هذا الموضوع بين هلالين، يأتي كأنه تكذيب للواقع التاريخي المتصل بالأحداث التي أهمت ((الوضع)) بمراكش (يوم خلع الملك) وبموقف الملك (موقفه المشروع إزاء هذه الأحداث) حيث أنه الحريص على هذا الوضع في بلاده، حتى لا يضطرب بسبب أي فرد من رعاياه.

إن الموقف انقلب رأساً على عقب، في مقتطف لوموند حيث أن الحريص على

(1) كلمة ((شاهد)) تفيد أيضاً معنى اعترف.

ص: 62

((الوضع)) في البلاد، أصبح كأنه ((يعترف)) اعترافاً ضمنياً، بأن الوضع لم يضطرب بسبب شخص معين، هو الجلاوي، الذي استأجرته بعض المصالح التي يعرفها الكي دورسي جيداً ولكنه اضطرب بسببه هو.

إن لتصريح الملك مفعولاً رجعياً، إذ لو صح أنه سوف يلتزم في لمستقبل بالتزام كهذا، فهو يعني أن جلالته يعترف ضمناً بأنه هو المسؤول عما حدث من اضطراب بمراكش

وهذا هو بكل وضوح ((الاعتراف الصريح)) الذي يريد الاستعمار الحصول عليه.

ولكن بأي ثمن حصل عليه؟ (1)

إن بيد الاستعمار وسائل ضغط مختلفة، فبيده أولا الضغط الاقتصادي على أملاك السلطان، ولا شك أن اعتراف جلالة باستقامة من أوكل إليه أمر إدارة هذه الأملاك، كان في جملة الاستعدادات الشيطانية التي اتخذها الكي دورسي بهذا الصدد. ومما يؤيد هذا، أن الصحافة الاستعمارية أعادت الكرة مرات خلال الشهور الأخيرة للمطالبة بوضع الحجز على ممتلكات العائلة المالكة.

ولكن ربما كان الضغط أشد من ناحية رغبة الملك في نقله مع أسرته إلى إقامة جديدة بفرنسا، ولكن بعد أن ((يعترف)) جلالته بأن إقامته الحالية ((مرضية في الجملة)) بقدر ما تسمح به ((الإمكانيات المحلية)).

فكيف استطاع جلالته أن يقدر هذه الإِمكانيات؟ ذلك سؤال نصفح عنه الأن ....

ولكن يبدو أن الكي دورسي- كما توقعنا ذلك منذ شهر سبتمبر (2) - يحاول أن يكسب كل ما يستطيع أن يكسب من ذلك السجين الذي وضعته الظروف تحت يده.

(1) إننا كنا مضطرين إلى هذا التساؤل بسبب خطورة الموقف! وقد كنا نريد الدفاع عن الملك مهما تكن التصريحات التي ربما تفرضها عليه ظروف قاسية ولم تكن لدينا المعلومات الكافية حتى لا نضطر للافتراق.

(2)

أي منذ إبعاد الملك إلى المنفى.

ص: 63