المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من مؤتمر كولومبو إلى مؤتمر جنيف - في مهب المعركة

[مالك بن نبي]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌مقدّمة

- ‌مقَدِّمَة المؤلف

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُالاِسْتِعْمَارُ تَحْتَ الْمِجْهَرِ

- ‌سِيكُولُوجِيَّةُ الاِسْتِعْمَارِ

- ‌الاِسْتِعْمَارُ يَفْتَحُ وِجْهَةٌ ثَالِثَةٌ فِي التَّارِيخِ

- ‌الْفَوْضَى الْاِسْتِعْمَارِيَّةُ

- ‌الْفَصْلُ الثَّانِيفِي السِّيَاسَةِ

- ‌حِقْدٌ عَلَى الإِسْلَامِ

- ‌تَعْلِيقٌ

- ‌الْمَلِكُ مُحَمَّدَ بْنُ يُوسُفَ ((يَعتَرِفُ))

- ‌بِلَا خَوْفٍ وَمِنْ دُونِ تَأْنِيبٍ

- ‌مِنَ الْمُؤْتَمَرَاتِ إِلَى الْمُؤَامَرَاتِ

- ‌مِنْ مُؤْتَمَرِ كُولُومْبُو إِلَى مُؤْتَمَرِ جِنِيفْ

- ‌أَقْلَامُ وَأَبْوَاقُ الاِسْتِعْمَارِ

- ‌تَعْليِقٌ

- ‌رَجُلٌ وَوَجْهَانِ

- ‌بَصِيصُ الْأَمَلِ

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُفِي الْحَقْلِ الْاِجْتِمَاعِيِّ

- ‌مِنْ أَجْلِ إِصْلَاحِ التُّرَابِ الْجَزَائِريِّ

- ‌قَضِيَّةُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ

- ‌تَهَوُّرٌ أَمْ تَطَوُّرٌ

- ‌ضَرُورَةُ مُؤْتَمَرٍ جَزَائِرِيٍ لِتَوْجِيهِ الْعَمَلِ

- ‌تَعْلِيقٌ

- ‌تَفَاهَاتٌ جَزَائِرِيَّةٌ

- ‌بَاعَةُ الْحَضَارَةِ

- ‌ثَمَنُ حَظَارَتِنَا

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُفِي حَدِيقَةِ الثَّقَافَةِ

- ‌بَيْنَ الْأَفْكَارِ الْمَيْتَةِ وَالْأَفْكَارِ الْقَاتِلَةِ

- ‌أُكْتُبْ بِضَمِيرِكَ

- ‌النَّقْدُ السَّلِيمُ

- ‌وِحْدَةُ الثَّقَافَةِ فِي الْهِنْدِ

- ‌تَحِيَّةٌ إِلَى دَاعِيَةِ اللَّاعُنْفِ

- ‌رُومَان رُولَان وَرِسَالَةُ الْهِنْدِ

- ‌الْأَسَاسُ الْغَيْبِيِّ لِفَلْسَفَةِ الْإِنْسَانِ فِي الْإِسْلَامِ

- ‌الدِّرَاسَاتُ الْحَدِيثَةُ وَالتَّصَوُّفُ الْإِسْلَامِيُّ

الفصل: ‌من مؤتمر كولومبو إلى مؤتمر جنيف

‌مِنْ مُؤْتَمَرِ كُولُومْبُو إِلَى مُؤْتَمَرِ جِنِيفْ

الجمهورية الجزائرية في 7/ 5/ 1954

ــ

إن الحوليات السياسية العالمية تسجل حدثا جديدا في منتهى الأهمية، ألا وهو اجتماع مؤتمرين دوليين، في وقت واحد، ويمثل كلاهما نزعة معينة تختلف عن النزعة الأخرى اختلافا كاملا، بينما موضوعهما واحد.

ففي مدينة جنيف يجتمع الكبار ((من أجل أن يتصرفوا في شعوب شرق جنوب آسيا، طبقا لتخطيطاتهم الستراتيجية، ولمصالح الاقتصادية)).

وفي مدينة كولومبو يجتمع على أثر دعوة وجهها لهم نهرو، الرجال الذين يمثلون هذه الشعوب، كي يؤكدوا على أن المشكلات التي تخصهم لا يمكن أن تحل في غيابهم، ويصرخوا مرة أخرى بحق الشعوب في تقرير مصيرها.

وبالتالي، فإن المشكلات هي هي في كلا المؤتمرين، وإنما يريد أحدهما أن تكون حلولها، كثيراً أو قليلا، في نطاق سياسة التطويق (1). بينما يحاوله الآخر حلها لتدعيم السلم في منطقة كانت، قبل عشرة سنوات، البلاد المستعمرة.

إن هذه المنطقة تطابق، في الواقع، من الناحية الايديولوجية مجال إشعاع الفكر الإسلامي وفكرة اللاعنف، أي مجال إشعاع حضارتين: الحضارة الإِسلامية والحضارة الهندوكية، الحضارتان اللتان تختزنان أكبر ذخيرة روحية للإنسانية اليوم.

فالتعارض بين المؤتمرين يكاد يستحيل تلافيه، بقدر ما يستحيل التوفيق بين إرادة السلطة التي تحرك أحدهما، وإرادة التحرر من الاستبداد التي تحرك الآخر.

(1) السياسة التي أعلنها ج. ف. دالاس في أيامه.

ص: 72

وهذا التعارف لا يمكن فعلا تلافيه ولا إخفاؤه بكلمات جوفاء، الكلمات التي أفضى بها رئيس الحكومة الباكستانية في مؤتمر كولومبو، حيث قال: إنه لمن التبجح والرياء أن نوجه إلى الأمم الأخرى الدعوة إلى السلم، بينما الخلافات السياسية والاختلافات النظرية التي تفرقنا لا زالت قائمة.

إن هذا التصريح، الموجه بكل وضوح ضد شخص نهرو، ويعبر عما يسمى في اللسان الدارج ((استفزاز)) وكأن صاحب هذا التصريح المستفز، السيد محمد علي، كان يهدف إلى تعكير الجو بمؤتمر كولومبو، حتى لا يصيب هذا المؤتمر هدفه الذي يختلف، كما قلنا، عن هدف المؤتمر الآخر الذي يتابع جلساته الآن على شاطىء بحيرة الليمان.

فهذه المناورة، أو عملية الإجهاض هذه، تبدو بوضوح أكبر عندما نعتبرها في ضوء ما أفضى به رئيس حكومة سيلان، إذ لفت نظر زملائه الممثلين لحكومات شرق جنوب آسيا، إلى الخطر الذي يهدد تلك المنطقة بسبب وجود برميل البارود الذي تمثله الهند الصينية فيها.

ولماذا حينئذ هذا النشوز الغريب في موقف ممثل باكستان؟ إن القضية تتصل في الواقع بتاريخ الوطن، أو بالأحرى بتاريخ الجامعة الإِسلامية.

إنه من مصلحة الاستعمار أن يخفي دائما أبرع مشاريعه وراء مظاهر خلابة، والجامعة الإسلامية كانت إحدى المشاريع لسحق المؤتمر الهندي العام، ووسيلته المختارة لتمزيق جبهة كفاح الشعب في الهند، وما كان هذا التمزيق ليحدث بمجرد قرار يصدره جلالة ملك انجلترا، ولكنه حدث باسم الإسلام ثم تحقق في صورة دولة باكستان، وقد اشتقت هذه الكلمة نفسها من اسم الصحابي المشهور سلمان الفارسي، الذي كان يلقب بسلمان باك أي الصافي.

فباكستان هي إذاً بلاد الصفا، صفا الأغاخان على سبيل المثال، الرجل الذي طرد من الهند نهائيا بسبب ما قدم من خدمات إلى الاستعمار، والذي

ص: 73

تفتح له باكستان أبوابها هذه السنة ليقيم فيها حفلة عيده البلاتيني.

آه!

إن للجلاوي (1) مستقبلا باهراً

ما دامت الشعوب الإسلامية تعطي ظواهر الأشياء قدراً أكبر من حقيقتها. لأن باكستان، في حقيقة الأشياء، لم تكن إلا الوسيلة التي أعدتها السياسة المعادية للإسلام التي تمتاز بها، بصورة تقليدية، أوساط المحافظين الانجليز، أعدتها من أجل إحداث الانشقاقات المناسبة في جبهة كفاح الشعوب ضد الاضطهاد الاستعماري.

وليس من مجرد الصدفة أن الجبهة العربية الآسيوية التي أسسها نهرو مع بعض قادة الجامعة العربية قد انشقت بكراتشي، العاصمة التي تحلق في سمائها فكرة جناح، كما سوف تنشق، إن لم تنشق بعد، ببغداد (2) العاصمة التي تحلق في جوها فكرة لورانس.

وما النزعة ((الباكستانية)) في التخطيط الاستعماري الخاص بجنوب شرق آسيا إلا الشيء الذي يقابل في نفس التخطيط النزعة الهاشمية في الشرق المتوسط.

قد نتساءل: لماذا استطاع الملايين من الباكستانيين أن يركنوا، إلى وضع كهذا؟.

إنه مكر يبلغ ذروته، إذ استطاعت انجلترا بهذه الطريقة أن تترك الهند في حالة تمزق نهائي، إذ لا يفرق بين المسلمين والهندوك حدود جغرافية لا تستطيع انجلترا تلفيقها مهما كانت براعتها في التلفيق، ولكن يفرق بينهم حدود من الأحقاد ومن الدماء، ذهب ضحيتها الملايين من المسلمين ومن الهندوك، كانوا ضحية المذبحة التي زجتهم فيها المخابرات الانجليزية في الوقت المناسب.

ولقد رأت هذه الملايين من المسلمين، بمقتضى وازع المحافظة على الحياة،

(1) الجلاوي هو العميل الذي اتفق مع الاستعمار الفرنسي لخلع الملك محمد الخامس.

(2)

تحقق هذا التنبؤ في وقته.

ص: 74

قد رأت في باكستان أرض النجاة الموعودة، كما رأت فيها الملايين من الهندوك أرض الحقد والعدوان

ولكن قد تكون للأقدار كرة

وإذا بالشعوب التي انخدعت ((بمحررين)) مأجورين، والتي خدرتها شعارات مخدرة، ونومتها كلمات جوفاء لا يرى فيها سمة الاستعمار إلا ذلك الفاحص المتدرب، وإذا بهذه الشعوب ترجع إلى رشدها.

فالانتخابات التي جرت أخيراً بالبنغال دلت على أن الجماهير الإِسلامية بتلك المقاطعة لم تبق في خبل التخدير، ولا تحت سلطة ذلك المكر الذي يخفي حقيقته وراء تذهيب غلاف وضع على وجهه عنوان ((دستور قرآني)).

وليست هذه المرة الأولى التي يرفع فيها القرآن كي يخدع به المسلمون، إن معاوية استخدم هذه الخديعة في خصومته مع علي، عندما رفع أصحابه القرآن الكريم على الرماح، وهم يقولون في وجه أشياع علي: هذا حكم بيننا وبينكم.

ولم ينخدع علي حين قال: ((كلمة حق يراد بها باطل)) غير أن جمهور المسلمين انخدع فعلا حينئذ، كي يسير التاريخ في الاتجاه الذي قدرته الأقدار.

ولكن بعد ثلاثة عشر قرنا، نرى النزعة التي تمثل علياً تنتصر على النزعة الجاهلية، تمثلها الحركة الاصلاحية في الجزائر.

إن للأقدار كرة

وما انتخابات البنغال إلا إرهاص ندرك معناه في الصورة الرمزية التي نراها في العدد الأخير من مجلة ((إفريقيا والشرق)) حيث نرى صورة مسلم وهندوكي يتعانقان

***

ص: 75