المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الجزء الثالث عشر   ‌ ‌ن ‌ ‌حرف النون ن: النونُ مِنَ الْحُرُوفِ المَجْهورةِ، وَمِنَ الحُروف - لسان العرب - جـ ١٣

[ابن منظور]

فهرس الكتاب

- ‌ن

- ‌حرف النون

- ‌فصل الألف

- ‌فصل الباء الموحدة

- ‌فصل التاء المثناة فوقها

- ‌فصل الثاء المثلثة

- ‌فصل الجيم

- ‌فصل الحاء المهملة

- ‌فصل الخاء المعجمة

- ‌فصل الدال المهملة

- ‌فصل الذال المعجمة

- ‌فصل الراء

- ‌فصل الزاي

- ‌فصل السين المهملة

- ‌فصل الشين المعجمة

- ‌فصل الصاد المهملة

- ‌فصل الضاد المعجمة

- ‌فصل الطاء المهملة

- ‌فصل الظاء المعجمة

- ‌فصل العين المهملة

- ‌فصل الغين المعجمة

- ‌فصل الفاء

- ‌فصل القاف

- ‌فصل الكاف

- ‌فصل اللام

- ‌فصل الميم

- ‌فصل النون

- ‌فصل الهاء

- ‌فصل الواو

- ‌فصل الياء المثناة تحتها

- ‌ه

- ‌حرف الهاء

- ‌فصل الألف

- ‌فصل الباء الموحدة

- ‌فصل التاء المثناة فوقها

- ‌فصل الثاء المثلثة

- ‌فصل الجيم

- ‌فصل الحاء المهملة

- ‌فصل الدال المهملة

- ‌فصل الذال المعجمة

- ‌فصل الراء المهملة

- ‌فصل الزاي

- ‌فصل السين المهملة

- ‌فصل الشين المعجمة

- ‌فصل الصاد المهملة

- ‌فصل الضاد المعجمة

- ‌فصل الطاء المهملة

- ‌ فصل العين المهملة

- ‌فصل الغين المعجمة

- ‌فصل الفاء

- ‌فصل القاف

- ‌فصل الكاف

- ‌فصل اللام

- ‌فصل الميم

- ‌فصل النون

- ‌فصل الهاء

- ‌فصل الواو

- ‌فصل الياء المثناة تحتها

الفصل: الجزء الثالث عشر   ‌ ‌ن ‌ ‌حرف النون ن: النونُ مِنَ الْحُرُوفِ المَجْهورةِ، وَمِنَ الحُروف

الجزء الثالث عشر

‌ن

‌حرف النون

ن: النونُ مِنَ الْحُرُوفِ المَجْهورةِ، وَمِنَ الحُروف الذُّلقْ، والراءُ واللامُ وَالنُّونُ فِي حَيِّز واحد.

‌فصل الألف

أبن: أَبَنَ الرجلَ يأْبُنُه ويأْبِنُه أَبْناً: اتَّهمَه وعابَه، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: أَبَنْتُه بخَير وبشرٍّ آبُنُه وآبِنُه أَبْناً، وَهُوَ مأْبون بِخَيْرٍ أَو بشرٍّ؛ فَإِذَا أَضرَبْت عَنِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ قُلْتَ: هُوَ مأْبُونٌ لَمْ يَكُنْ إِلَّا الشَّرُّ، وَكَذَلِكَ ظَنَّه يظُنُّه. اللَّيْثُ: يُقَالُ فُلَانٌ يُؤْبَنُ بِخَيْرٍ وبشَرّ أَي يُزَنُّ بِهِ، فَهُوَ مأْبونٌ. أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ فُلَانٌ يُؤْبَنُ بِخَيْرٍ ويُؤْبَنُ بِشَرٍّ، فَإِذَا قُلْتَ يُؤْبَنُ مُجَرَّداً فَهُوَ فِي الشَّرِّ لَا غيرُ. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ أَبي هَالَةَ فِي صِفَةِ مَجْلِسِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم: مجلِسُه مجلسُ حِلْمٍ وحيَاءٍ لَا تُرْفَعُ فِيهِ الأَصْواتُ وَلَا تُؤْبَنُ فِيهِ الحُرَمُ

أَي لَا تُذْكَر فِيهِ النساءُ بقَبيح، ويُصانُ مجلسُه عَنِ الرَّفَث وَمَا يَقْبُحُ ذِكْرُه. يُقَالُ: أَبَنْتُ الرجلَ آبُنُه إِذَا رَمَيْتَه بِخَلَّةِ سَوْء، فَهُوَ مأْبُونٌ، وَهُوَ مأْخوذ مِنَ الأُبَن، وَهِيَ العُقَدُ تكونُ فِي القِسيّ تُفْسِدُها وتُعابُ بِهَا. الْجَوْهَرِيُّ: أَبَنَه بشرٍّ يَأْبُنُه ويأْبِنه اتَّهَمَه بِهِ. وفلانٌ يُؤْبَنُ بِكَذَا أَيْ يُذْكَرُ بِقَبِيحٍ. وَفِي الْحَدِيثِ

عَنِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم: أَنه نَهَى عَنِ الشِّعْر إِذَا أُبِنَتْ فِيهِ النساءُ

؛ قَالَ شَمِرٌ: أَبَنْتُ الرجلَ بِكَذَا وَكَذَا إِذَا أَزْنَنْته بِهِ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَبَنْتُ الرجلَ آبِنُه وآبُنُه إِذَا رَمَيْتَه بِقَبِيحٍ وقَذَفْتَه بِسُوءٍ، فَهُوَ مأْبُونٌ، وَقَوْلُهُ: لَا تُؤْبَنُ فِيهِ الحُرَمُ أَي لَا تُرْمى بسُوء وَلَا تُعابُ وَلَا يُذْكَرُ مِنْهَا القبيحُ وَمَا لَا يَنْبَغي مِمَّا يُسْتَحى مِنْهُ. وَفِي حَدِيثِ الإِفْك:

أَشِيروا عليَّ فِي أُناسٍ أَبَنُوا أَهْلي

أَي اتَّهَموها. والأَبْنُ: التهمَةُ. وَفِي حَدِيثِ

أَبي الدَّرداء: إِنْ نُؤْبَنْ بِمَا لَيْسَ فِينَا فرُبَّما زُكِّينا بِمَا لَيْسَ فِينَا

؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ

أَبي سَعِيدٍ: مَا كُنَّا نأْبِنُه بِرُقْية

أَي مَا كُنَّا نَعْلم أَنه يَرْقي فنَعيبَه بِذَلِكَ: وَفِي حَدِيثِ

أَبي ذرٍّ: أَنه دَخَل عَلَى عُثْمان بْنِ عَفَّانَ فَمَا سَبَّه وَلَا أَبَنه

أَي مَا عابَه، وَقِيلَ: هُوَ أَنَّبه، بِتَقْدِيمِ النُّونِ عَلَى الْبَاءِ، مِنَ التأْنيب اللَّومِ والتَّوبيخ.

ص: 3

وأَبَّنَ الرجلَ: كأَبَنَه. وآبَنَ الرجلَ وأَبَّنَه، كِلَاهُمَا: عابَه فِي وَجْهِهِ وعَيَّره. والأُبْنة، بِالضَّمِّ: العُقْدة فِي العُود أَو فِي العَصا، وجمْعُها أُبَنٌ؛ قَالَ الأَعشى:

قَضيبَ سَرَاءٍ كَثِيرَ الأُبَنْ «2»

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ أَيضاً مَخْرَج الغُصْن فِي القَوْس. والأُبْنة: العَيْبُ فِي الخَشَب والعُود، وأَصلُه مِنْ ذَلِكَ. وَيُقَالُ: لَيْسَ فِي حَسَبِ فلانٍ أُبْنةٌ، كَقَوْلِكَ: لَيْسَ فِيهِ وَصْمةٌ. والأُبْنةُ: العَيْبُ فِي الْكَلَامِ، وَقَدْ تَقدَّم قولُ خالِد بْنِ صَفْوانَ فِي الأُبْنة والوَصْمة؛ وَقَوْلُ رُؤْبَةَ:

وامْدَحْ بِلالًا غَيْرَ مَا مُؤَبَّنِ،

ترَاهُ كَالْبَازِي انْتَمَى للْمَوْكِنِ

انْتَمى: تَعَلَّى. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: مُؤَبَّنٌ مَعيبٌ، وخالَفَه غَيْرُهُ، وَقِيلَ: غَيْرُ هالكٍ أَي غَيْرُ مَبْكيٍّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:

قُوما تجُوبانِ مَعَ الأَنْواحِ،

«3» وأَبِّنَا مُلاعِبَ الرِّماحِ،

ومِدْرهَ الكَتيبةِ الرَّداحِ

. وَقِيلَ للمَجْبوس: مأْبونٌ لأَنه يُزَنُّ بِالْعَيْبِ الْقَبِيحِ، وكأَنَّ أَصلَه مِنْ أُبْنة العَصا لأَنها عيبٌ فِيهَا. وأُبْنة البعيرِ: غَلْصَمتُه؛ قَالَ ذُو الرُّمّة يَصِفُ عَيْراً وسَحيلَه:

تُغَنِّيه مِنْ بَيْنِ الصَّبيَّيْن أُبْنةٌ

نَهُومٌ، إِذَا مَا ارتَدَّ فِيهَا سَحِيلُها

. تُغَنِّيه يَعْنِي العَيْر مِنْ بَيْنِ الصَّبيَّيْن، وَهُمَا طرَفا اللَّحْي. والأُبْنةُ: العُقْدةُ، وَعَنَى بِهَا هَاهُنَا الغَلْصمة، والنَّهُومُ: الَّذِي يَنْحِطُ أَي يَزْفر، يُقَالُ: نَهَمَ ونأَم فِيهَا فِي الأُبنة، والسَّحِيلُ: الصَّوْتُ. وَيُقَالُ: بَيْنَهُمْ أُبَنٌ أَي عداواتٌ. وإبَّانُ كلِّ شَيْءٍ، بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ: وقْتُه وحِينُه الَّذِي يَكُونُ فِيهِ. يُقَالُ: جِئْتُه عَلَى إبَّانِ ذَلِكَ أَي عَلَى زَمَنِهِ. وأَخَذَ الشيءَ بإبَّانِهِ أَي بِزَمَانِهِ، وَقِيلَ: بأَوَّله. يُقَالُ: أَتانا فلانٌ إبَّانَ الرُّطبِ، وإبّانَ اخْتِرافِ الثِّمار، وإبّانَ الحرِّ وَالْبَرْدِ أَي أَتانا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَيُقَالُ: كُلُّ الْفَوَاكِهِ فِي إبّانِها أَي فِي وَقْتها؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

أَيَّان تقْضي حَاجَتِي أَيّانا،

أَما تَرى لِنُجْحها إِبَّانَا؟

وَفِي حَدِيثِ الْمَبْعَثِ:

هَذَا إبّانُ نُجُومِهِ

أَي وَقْتُ ظُهُورِهِ، وَالنُّونُ أَصلية فَيَكُونُ فِعَّالًا، وَقِيلَ: هِيَ زَائِدَةٌ، وَهُوَ فِعْلانُ مِنْ أَبَّ الشيءُ إِذَا تهَيَّأَ للذَّهاب، وَمِنْ كَلَامِ سِيبَوَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ يَا لَلْعجَب أَي يَا عَجَبُ تعالَ فإِنه مِنْ إبّانِكَ وأَحْيانِك. وأَبَّنَ الرجلَ تأْبيناً وأَبَّله: مَدَحه بَعْدَ مَوْتِهِ وَبَكَاهُ؛ قَالَ مُتمِّم بْنُ نُوَيرة:

لعَمري وَمَا دَهري بتأْبين هالكٍ،

وَلَا جَزِعاً مِمَّا أَصابَ فأَوْجعَا

. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ إِذَا ذكَرْتَه بَعْدَ مَوْتِهِ بِخَيْرٍ؛ وَقَالَ مَرَّةً: هُوَ إِذَا ذَكَرْتَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَقَالَ شَمِرٌ: التَّأْبينُ الثَّناءُ عَلَى الرَّجُلِ فِي الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ مدْحاً للحَيّ، وَهُوَ قَوْلُ الرَّاعِي:

فرَفَّعَ أَصحابي المَطِيَّ وأَبَّنُوا

هُنَيْدَة، فاشتاقَ العُيونُ اللَّوامِح.

(2). قوله [كثير الأُبَن] في التكملة ما نصه: والرواية قليل الأُبَن، وهو الصواب لأَن كثرة الأُبن عيب، وصدر البيت:

سَلَاجِمُ كَالنَّحْلِ أَنْحَى لَهَا.

(3)

. قوله [قوما تجوبان إلخ] هكذا في الأَصل، وتقدم في مادة نوح: تنوحان.

ص: 4

قَالَ: مَدحَها فاشْتاقوا أَن يَنْظروا إِلَيْهَا فأَسْرعوا السيرَ إِلَيْهَا شَوْقاً مِنْهُمْ أَن يَنْظُرُوا مِنْهَا. وأَبَنْتُ الشَّيْءَ: رَقَبْتُه؛ وَقَالَ أَوسٌ يَصِفُ الحمار:

يقولُ له الراؤُونَ: هذاكَ راكِبٌ

يُؤَبِّنُ شَخْصاً فوقَ علياءَ واقِفُ

وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ قَالَ: رَوَى ابنُ الأَعرابي يُوَبِّر، قَالَ: وَمَعْنَى يُوَبِّر شَخْصًا أَي يَنْظُرُ إِلَيْهِ ليَسْتَبينَه. وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَيُوَبِّرُ أَثراً إِذَا اقتَصَّه، وَقِيلَ لِمَادِحِ الْمَيِّتِ مُؤَبِّنٌ لاتِّباعه آثَارَ فِعَالِهِ وَصَنَائِعِهِ. والتَّأْبينُ: اقتِفار الأَثر. الْجَوْهَرِيُّ: التأْبينُ أَن تقْفو أَثَرَ الشَّيْءِ. وأَبَّنَ الأَثر: وَهُوَ أَن يَقْتَفِره فَلَا يَضِح لَهُ وَلَا ينفَلِت مِنْهُ. والتأْبين: أَن يُفْصَدَ العِرْقُ ويُؤْخَذ دَمُه فيُشوى ويُؤكل؛ عَنْ كُرَاعٍ. ابْنُ الأَعرابي: الأَبِنُ، غَيْرُ مَمْدُودِ الأَلف عَلَى فَعِلٍ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، الْغَلِيظُ الثَّخين. وأَبَنُ الأَرض: نبتٌ يخرُج في رؤُوس الإِكام، لَهُ أَصل وَلَا يَطول، وكأَنه شَعَر يُؤْكل وَهُوَ سَرِيعُ الخُروج سَرِيعُ الهَيْج؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. وأَبانانِ: جَبَلَانِ فِي الْبَادِيَةِ، وَقِيلَ: هُمَا جَبَلان أَحدهما أَسود وَالْآخَرُ أَبْيض، فالأَبيَض لِبَنِي أَسد، والأَسود لَبَنِي فَزارة، بَيْنَهُمَا نهرٌ يُقَالُ لَهُ الرُّمَةُ، بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ، وَبَيْنَهُمَا نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَميال وَهُوَ اسْمُ عَلَمٍ لَهُمَا؛ قَالَ بِشْر يَصِفُ الظَّعَائِنَ:

يَؤُمُّ بِهَا الحُداةُ مِياهَ نَخْلٍ،

وَفِيهَا عَنْ أَبانَيْنِ ازْوِرارُ

وَإِنَّمَا قِيلَ: أَبانانِ وأَبانٌ أَحدهما، وَالْآخَرُ مُتالِعٌ، كَمَا يُقَالُ القَمَران؛ قَالَ لَبِيدٌ:

دَرَسَ المَنا بِمُتالِعٍ وأَبانِ،

فتقادَمَتْ بالحِبْسِ فالسُّوبانِ

قَالَ ابْنُ جِنِّي: وأَما قَوْلُهُمْ للجبَلين المُتقابلين أَبانانِ، فإنَّ أَبانانِ اسْمُ عَلَمٍ لَهُمَا بِمَنْزِلَةِ زيدٍ وَخَالِدٍ، قَالَ: فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ جَازَ أَن يَكُونَ بَعْضُ التَّثْنِيَةِ عَلَمًا وَإِنَّمَا عامَّتُها نَكِرَاتٌ؟ أَلا تَرَى أَن رجُلين وغُلامَين كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَكِرَةٌ غَيْرُ عَلَمٍ فَمَا بَالُ أَبانَين صَارَا عَلَمًا؟ وَالْجَوَابُ: أَن زَيْدَيْنِ لَيْسَا فِي كُلِّ وَقْتٍ مُصْطحِبَين مُقْتَرِنَيْنِ بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُجامِع صاحبَه ويُفارِقه، فَلَمَّا اصطحَبا مَرَّةً وَافْتَرَقَا أُخرى لَمْ يُمْكِن أَن يُخَصَّا باسمٍ عَلَمٍ يُفيدُهما مِنْ غيرِهما، لأَنهما شَيْئَانِ، كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بائنٌ مِنْ صاحِبه، وأَما أَبانانِ فجبَلان مُتقابلان لَا يُفارق واحدٌ مِنْهُمَا صاحبَه، فجَرَيا لاتِّصال بعضِهما بِبَعْضِ مَجْرى المسمَّى الْوَاحِدِ نَحْوَ بَكْرٍ وقاسِمٍ، فَكَمَا خُصَّ كلُّ واحدٍ مِنَ الأَعلام بِاسْمٍ يُفيدُه مِنْ أُمَّتِه، كَذَلِكَ خُصَّ هَذَانِ الجَبَلان بِاسْمٍ يُفيدهما مِنْ سَائِرِ الْجِبِالِ، لأَنهما قَدْ جَرَيا مَجْرَى الْجَبَلِ الْوَاحِدِ، فَكَمَا أَن ثَبيراً ويَذْبُل لمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَبَلًا وَاحِدًا مُتَّصِلَةً أَجزاؤُه خُصَّ بِاسْمٍ لَا يُشارَك فِيهِ، فَكَذَلِكَ أَبانانِ لمَّا لَمْ يَفْتَرِقْ بَعْضُهُمَا مِنْ بَعْضٍ كَانَا لِذَلِكَ كالجَبَل الْوَاحِدِ، خُصّا باسمٍ عَلَمٍ كَمَا خُصَّ يَذْبُل ويَرَمْرَمُ وشمَامِ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بَاسِمِ عَلَمٍ؛ قَالَ مُهَلهِل:

أَنْكَحَها فَقْدُها الأَراقِمَ فِي

جَنْبٍ، وَكَانَ الخِباءُ مِنْ أَدَمِ

لَوْ بأَبانَيْنِ جَاءَ يَخْطُبها

رُمِّلَ، مَا أَنْفُ خاطِبٍ بدَمِ

الْجَوْهَرِيُّ: وَتَقُولُ هَذَانِ أَبانان حَسَنَينِ، تَنْصِب النعتَ لأَنه نَكِرَةٌ وُصِفَتْ بِهِ مَعْرِفَةٌ، لأَن الأَماكن لَا تزولُ فَصَارَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وخالَف الحيوانَ، إِذَا قُلْتَ هَذَانِ زَيْدَانِ حسَنان، تَرْفَعُ النَّعْتَ هَاهُنَا لأَنه

ص: 5

نكرةٌ وُصِفت بِهَا نَكِرَةٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ تَنْصِبُ النَّعْتَ لأَنه نَكِرَةٌ وُصِفَتْ بِهِ مَعْرِفَةٌ، قَالَ: يَعْنِي بِالْوَصْفِ هُنَا الْحَالَ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِنَّمَا فَرَّقُوا بَيْنَ أَبانَين وعَرَفاتٍ وَبَيْنَ زَيدَينِ وزَيدين مِنْ قِبَل أَنهم لَمْ يَجْعَلُوا التَّثْنِيَةَ وَالْجَمْعَ عَلَمًا لرجُلينِ وَلَا لرِجال بأَعيانِهم، وَجَعَلُوا الِاسْمَ الْوَاحِدَ علَماً لِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ، كأَنهم قَالُوا إِذَا قُلْنَا ائْتِ بزَيْدٍ إِنَّمَا نُرِيدُ هَاتِ هَذَا الشَّخْصَ الَّذِي يسيرُ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَقُولُوا إِذَا قُلْنَا جَاءَ زيدانِ فَإِنَّمَا نَعْنِي شَخْصَيْنِ بأَعيانهما قَدْ عُرِفا قَبْلَ ذَلِكَ وأُثْبِتا، وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا إِذَا قُلْنَا جَاءَ زَيْدُ بْنُ فُلَانٍ وزيدُ بْنُ فلانٍ فَإِنَّمَا نَعْنِي شَيْئَيْنِ بأَعيانهما، فكأَنهم قَالُوا إِذَا قُلْنَا ائتِ أَبانَيْنِ فَإِنَّمَا نَعْنِي هذينِ الجبلَينِ بأَعيانهما اللَّذَيْنِ يَسِيرُ إِلَيْهِمَا، أَلا تَرَى أَنهم لَمْ يَقُولُوا امْرُرْ بأَبانِ كَذَا وأَبانِ كَذَا؟ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا لأَنهم جَعَلُوا أَبانَيْنِ اسْمًا لَهُمَا يُعْرَفانِ بِهِ بأَعيانهما، وَلَيْسَ هَذَا فِي الأَناسيِّ وَلَا فِي الدَّوَابِّ، إِنَّمَا يَكُونُ هَذَا فِي الأَماكنِ وَالْجِبِالِ وَمَا أَشبه ذَلِكَ، مِنْ قِبَل أَنّ الأَماكِنَ لَا تَزُولُ فيصيرُ كُلُّ واحدٍ مِنَ الجبلَينِ دَاخِلًا عِنْدَهُمْ فِي مِثْلِ مَا دَخَلَ فِيهِ صاحبُه مِنَ الْحَالِ والثَّباتِ والخِصبِ والقَحْطِ، وَلَا يُشارُ إِلَى واحدٍ مِنْهُمَا بتعريفٍ دُونَ الْآخَرِ فَصَارَا كَالْوَاحِدِ الَّذِي لَا يُزايِله مِنْهُ شيءٌ حَيْثُ كَانَ فِي الأَناسيّ وَالدَّوَابِّ والإِنسانانِ وَالدَّابَّتَانِ لَا يَثْبُتانِ أَبداً، يزولانِ وَيَتَصَرَّفَانِ ويُشارُ إِلَى أَحدِهما والآخرُ عَنْهُ غائبٌ، وَقَدْ يُفرَد فَيُقَالُ أَبانٌ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

كَأَنَّ أَباناً، فِي أَفانِينِ وَدْقِه،

كبيرُ أُناسٍ فِي بِجادٍ مُزَمَّلِ «1»

. وأَبانٌ: اسْمُ رجلٍ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:

مِنْ كَذَا وَكَذَا إِلَى عَدَنِ أَبْيَنَ

، أَبْيَنُ بِوَزْنِ أَحْمر، قريةٌ عَلَى جَانِبِ الْبَحْرِ ناحيةَ الْيَمَنِ، وَقِيلَ: هُوَ اسمُ مَدِينَةِ عدَن. وَفِي حَدِيثِ

أُسامة: قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، لَمَّا أَرسَله إِلَى الرُّوم: أَغِرْ عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا

؛ هِيَ، بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْقَصْرِ، اسمُ موضعٍ مِنْ فِلَسْطينَ بَيْنَ عَسْقَلانَ والرَّمْلة، وَيُقَالُ لَهَا يُبْنَى، بِالْيَاءِ، وَاللَّهُ أَعلم.

أتن: الأَتانُ: الحِمارةُ، وَالْجَمْعُ آتُنٌ مِثْلُ عَناقٍ وأَعْنُقٍ وأُتْنٌ وأُتُنٌ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

وَمَا أُبَيِّنُ منهمُ، غيرَ أَنَّهمُ

هُمُ الَّذِينَ غَذَتْ مِنْ خَلْفِها الأُتُنُ

وَإِنَّمَا قَالَ غَذَت مِنْ خَلْفِها الأُتُن لأَن ولدَ الأَتانِ إِنَّمَا يَرْضَع مِنْ خَلْف. والمَأْتوناءُ: الأُتُنُ اسمٌ لِلْجَمْعِ مِثْلَ المَعْيوراء. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عَبَّاسٍ: جئتُ عَلَى حمارٍ أَتانٍ

؛ الحمارُ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ والأُنثى، والأَتانُ والحِمارةُ الأُنثى خَاصَّةً، وَإِنَّمَا اسْتَدْرَكَ الحمارَ بالأَتانِ ليُعلَم أَن الأُنثَى مِنَ الحُمُرِ لَا تَقْطَعُ الصَّلَاةَ، فَكَذَلِكَ لَا تقطعُها المرأَة، وَلَا يُقَالُ فِيهَا أَتانة. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ واسْتَأْتَنَ الرجلُ اشْتَرى أَتاناً واتَّخَذَها لِنَفْسِهِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:

بَسَأْتَ، يَا عَمْرُو، بأَمرٍ مؤتِنِ

واسْتَأْتَنَ الناسُ ولَمْ تَسْتَأْتِنِ

واسْتَأْتَنَ الحمارُ: صارَ أَتاناً. وَقَوْلُهُمْ: كَانَ حِمَارًا فاسْتَأْتَنَ أَي صارَ أَتاناً؛ يَضْرِبُ لِلرَّجُلِ يَهُون بَعْدَ العِزِّ. ابْنُ شُمَيْلٍ: الأَتان قاعدةُ الفَوْدَجِ، قَالَ أَبو وَهْبٍ «2».: الحَمَائِرُ هِيَ القواعدُ والأُتن، الواحدةُ حِمارةٌ وأَتانٌ. والأَتانُ: المرأَةُ الرَّعناء، على التشبيه

(1). في رواية أخرى: كأنّ كبيراً، بدل أباناً

(2)

. قوله [قال أبو وهب] كذا في الأَصل والتهذيب. وفي الصاغاني: أبو مرهب بدل أبو وهب

ص: 6

بالأَتانِ، وَقِيلَ لِفَقيه العربِ: هَلْ يجوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يتزوَّج بأَتان؟ قَالَ: نَعَمْ؛ حَكَاهُ الْفَارِسِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ. والأَتانُ: الصخرةُ تَكُونُ فِي الْمَاءِ؛ قَالَ الأَعشى:

بِناجيةٍ، كأَتانِ الثَّميل،

تُقَضِّي السُّرَى بَعْدَ أَيْنٍ عَسِيرَا

أَي تُصْبِحُ عاسِراً بذَنَبِها تَخْطُرُ بِهِ مِراحاً وَنَشَاطًا. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: أَتانُ الثَّميل الصخرةُ فِي بَاطِنِ المَسيلِ الضَّخْمةُ الَّتِي لَا يرفعُها شيءٌ وَلَا يُحرّكُها وَلَا يأْخذُ فِيهَا، طولُها قامةٌ فِي عَرْضِ مثْلِه. أَبو الدُّقَيْش: القواعِدُ والأُتُنُ المرتفعةُ مِنَ الأَرض. وأَتانُ الضَّحْلِ: الصَّخْرَةُ العظيمةُ تَكُونُ فِي الْمَاءِ، وَقِيلَ: هِيَ الصخرةُ الَّتِي بَيْنَ أَسْفلِ طيِّ البئرِ، فَهِيَ تَلِي الماءَ. والأَتانُ: الصخرةُ الضخمةُ المُلَمْلَمةُ، فَإِذَا كَانَتْ فِي الْمَاءِ الضَّحْضاحِ قِيلَ: أَتانُ الضَّحْلِ، وتُشَبَّه بِهَا الناقةُ فِي صَلَابَتِها؛ وَقَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:

عَيْرانةٌ كأَتان الضَّحل ناجِيةٌ،

إِذَا ترَقَّصَ بالقُورِ العَساقِيلُ

وَقَالَ الأَخطل:

بِحُرّةٍ، كأَتانِ الضَّحْلِ، أَضْمَرَها،

بَعْدَ الرَّبالةِ، تَرْحالي وتَسْياري

. وَقَالَ أَوس:

عَيرانةٌ، كأَتانِ الضَّحْلِ، صَلَّبها

أَكلُ السَّواديّ رَضُّوهُ بِمِرْضاح

. ابْنُ سِيدَهْ: وأَتانُ الضَّحلِ صخرةٌ تَكُونُ عَلَى فَمِ الرَّكِيِّ، فيركبُها الطُّحْلُبُ حَتَّى تَمْلاسَّ فَتَكُونُ أَشَدَّ مَلَاسَةً مِنْ غَيْرِهَا، وَقِيلَ: هِيَ الصخرةُ بعضُها غامِرٌ وبعضُها ظاهِرٌ. والأَتانُ: مقامُ المُسْتَقي عَلَى فَمِ الْبِئْرِ، وَهُوَ صخرةٌ. والأَتانُ والإِتانُ: مقامُ الرَّكيّة. وأَتَنَ يأْتِنُ أَتْناً: خَطَبَ فِي غَضَب. وأَتَنَ الرجلُ يأْتِنُ أَتَناناً إِذَا قارَبَ الخَطْوَ فِي غَضَب، وأَتَلَ كَذَلِكَ، وَقَالَ فِي مَصْدَرِهِ: الأَتَنانُ والأَتَلانُ. وأَتَنَ بالمكانِ يأْتِنُ أَتْناً وأُتوناً: ثَبَتَ وأَقامَ بِهِ؛ قَالَ أَباقٌ الدُّبَيريّ:

أَتَنْتُ لَهَا وَلَمْ أَزَلْ فِي خِبائها

مُقيماً، إِلَى أَنْ أَنْجَزَت خُلّتي وَعْدي

. والأَتْنُ: أَنْ تخْرجَ رجْلا الصَّبِيِّ قَبْل رأْسِه، لُغَةٌ فِي اليَتْنِ؛ حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُولَدُ مَنْكوساً، فَهُوَ مَرَّةً اسمٌ للوِلادِ، وَمَرَّةً اسمٌ للولَدِ. والمُوتَنُ: المنكوسُ، مِنَ اليَتْنِ. والأَتُّونُ، بِالتَّشْدِيدِ: المَوْقِدُ، وَالْعَامَّةُ تخفِّفه، وَالْجَمْعُ الأَتاتين، وَيُقَالُ: هُوَ مُولَّد؛ قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: الأَتُونُ، مُخَفَّفٌ مِنَ الأَتُّون، والأَتُّونُ: أُخْدُودُ الجَبّارِ والجصَّاص، وأَتُون الحمّامِ، قَالَ: وَلَا أَحسبه عَرَبِيًّا. وجمعه أُتُنٌ. قال الفراء: هي الأَتاتينُ؛ قال ابن جني: كأَنه زاد على عَيْنُ أَتُونٍ عَيْنًا أُخرى، فَصَارَ فعُول مُخَفَّفَ الْعَيْنِ إِلَى فَعُّولٍ مُشَدَّدِ الْعَيْنِ فيُصوّره حِينَئِذٍ عَلَى أَتّونٍ فَقَالَ فِيهِ أَتانين كسَفّودٍ وسَفافيد وكَلّوب وكَلاليبَ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَهَذَا كَمَا جَمَعُوا قُسًّا قَساوِسةً، أَرادوا أَن يَجْمَعُوهُ عَلَى مِثَالِ مهالِبة، فَكَثُرَتِ السِّينات وأَبدلوا إحداهنَّ وَاوًا، قَالَ: وَرُبَّمَا شَدَّدُوا الجمعَ وَلَمْ يُشدِّدوا واحدَه مثل أَتُونٍ وأَتاتِينَ.

أثن: الأُثْنةُ: منبِتُ الطَّلْحِ، وَقِيلَ: هِيَ القِطْعةُ مِنَ الطَّلْح والأَثْلِ. يُقَالُ: هبَطْنا أُثْنةً مِنْ طلحٍ وَمِنْ أَثْلٍ. ابْنُ الأَعرابي: عِيصٌ مِنْ سِدْرٍ، وأُثْنةٌ مِنْ طلحٍ، وسلِيلٌ مِنْ سَمُر. وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ الأَصِيل: أَثِينٌ.

ص: 7

أجن: الآجِنُ: الماءُ المتغيّرُ الطعمِ واللونِ، أَجَنَ الماءُ يأْجِنُ ويأْجُن أَجْناً وأُجوناً؛ قَالَ أَبو مُحَمَّدٍ الْفَقْعَسِيُّ:

ومَنْهل فِيهِ العُرابُ مَيْتُ

«1» .، كأَنه مِنَ الأُجونِ زَيْتُ،

سَقَيْتُ مِنْهُ القومَ واسْتَقَيْتُ

وأَجِنَ يأْجَنُ أَجَناً فَهُوَ أَجِنٌ، عَلَى فَعِلٍ، وأَجُنَ، بِضَمِّ الْجِيمِ، هَذِهِ عَنْ ثَعْلَبٍ، إِذَا تغيَّر غَيْرَ أَنه شَروبٌ، وَخَصَّ ثَعْلَبٌ بِهِ تغيُّرَ رَائِحَتِهِ، وماءٌ أَجِنٌ وآجِنٌ وأَجِينٌ، وَالْجَمْعُ أُجونٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَظنه جمعَ أَجْنٍ أَو أَجِنٍ. اللَّيْثُ: الأَجْنُ أُجونُ الماءِ، وَهُوَ أَن يَغْشاه العِرْمِضُ والورقُ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

عَلَيْهِ، مِنْ سافِي الرِّياحِ الخُطَّطِ،

أَجْنٌ كنِيِّ اللَّحْمِ لَمْ يُشَيَّطِ

. وَقَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبَدة:

فأَوْرَدَها مَاءً كأَنَّ جِمامَه،

مِنَ الأَجْنِ، حِنَّاءٌ مَعًا وصَبِيبُ

وَفِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ، كَرَّمَ الله وَجْهَهُ: ارْتوَى مِنْ آجِنٍ

؛ هُوَ الماءُ المتغيِّرُ الطعمِ واللونِ. وَفِي حَدِيثِ

الْحَسَنِ، عليه السلام: أَنه كَانَ لَا يَرى بأْساً بالوُضوء مِنَ الْمَاءِ الآجنِ.

والإِجّانَةُ والإِنْجانةُ والأَجّانةُ؛ الأَخيرة طَائِيَّةٌ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: المِرْكَنُ، وأَفصحُها إجّانةٌ وَاحِدَةُ الأَجاجينِ، وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ إِكَّانه؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَا تَقُلْ إنْجانة. والمِئْجَنةُ: مِدقَّةُ القَصّارِ، وترْكُ الْهَمْزِ أَعلى لِقَوْلِهِمْ فِي جَمْعِهَا مَواجن؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: المِئْجَنةُ الخشبةُ الَّتِي يَدُقُّ بِهَا القصّارُ، والجمعُ مآجِنُ، وأَجَنَ الْقَصَّارُ الثوبَ أَي دَقَّه. والأُجْنةُ، بِالضَّمِّ: لُغَةٌ فِي الوُجْنةِ، وَهِيَ وَاحِدَةٌ الوُجَنات. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ مَسْعُودٍ: أَن امرأَته سأَلته أَن يَكْسُوَها جِلْباباً فَقَالَ: إِنِّي أَخشى أَن تَدَعي جِلْبابَ اللَّهِ الَّذِي جَلْبَبَكِ، قَالَتْ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: بيتُك، قالت: أَجَنَّك [أَجِنَّك] مِنْ أَصحابِ محمدٍ تَقُولُ هَذَا؟

تُرِيدُ أَمِنْ أَجلِ أَنك، فَحَذَفَتْ مِنْ واللامَ وَالْهَمْزَةَ وحرَّكت الْجِيمَ بالفتح والكسره والفتحُ أَكثر، وَلِلْعَرَبِ فِي الْحَذْفِ بابٌ وَاسِعٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي، تَقْدِيرُهُ لَكِنِّي أَنا هُوَ اللهُ رَبِّي، وَاللَّهُ أَعلم.

أحن: الإِحْنةُ: الحقْدُ فِي الصَّدْرِ، وأَحِنَ عَلَيْهِ أَحَناً وإحْنةً وأَحَنَ، الفتحُ عَنْ كُرَاعٍ، وَقَدْ آحَنَهُ. التَّهْذِيبُ: وَقَدْ أَحَنْتُ إِلَيْهِ آحَنُ أَحْناً وآحَنْتُه مُؤَاحنةً مِنَ الإِحْنةِ، وَرُبَّمَا قَالُوا حِنة؛ قَالَ الأَزهري: حِنَة لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وأَنكر الأَصمعي وَالْفَرَّاءُ حِنَةً. ابْنُ الْفَرَجِ: أَحِنَ عَلَيْهِ ووَحِنَ مِنَ الإِحْنة. وَيُقَالُ: فِي صَدْرِهِ عليَّ إِحْنةٌ أَي حِقْدٌ، وَلَا تَقُلْ حِنَة، وَالْجَمْعُ إِحَنٌ وإِحْناتٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:

وَفِي صَدْرِهِ عليَّ إحْنةٌ.

وَفِي حَدِيثِ

مازِنٍ: وَفِي قلُوبِكم الْبَغْضَاءُ والإِحَنُ.

وأَما حَدِيثُ

مُعَاوِيَةَ: لَقَدْ منَعتْني القدرةُ مِنْ ذَوِي الحِناتِ

، فَهِيَ جَمْعُ حِنَةٍ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ فِي الإِحْنة، وَقَدْ جَاءَتْ فِي بَعْضِ طُرُق حَدِيثِ

حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّب فِي الحُدود: مَا بَيْنِي وَبَيْنَ الْعَرَبِ حِنَةٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ:

لَا يَجُوزُ شهادةُ ذِي الظِّنَّةِ والحِنَةِ

؛ هُوَ مِنَ الْعَدَاوَةِ؛ وَفِيهِ:

إِلَّا رَجُلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخيه حِنَةٌ

، وَقَدْ أَحِنْتُ عَلَيْهِ، بِالْكَسْرِ؛ قَالَ الأُقَيْبل القَينيّ:

مَتَّى مَا يَسُؤْ ظَنُّ امرِئٍ بِصَدِيقِه،

يُصَدِّقْ بلاغاتٍ يَجِئْهُ يَقِينُها

(1). قوله: العراب؛ هكذا في الأَصل، ولم نجد هذه اللفظة فيما لدينا من المعاجم، ولعلها الغراب

ص: 8

إِذَا كَانَ فِي صَدْرِ ابنِ عمِّكَ إِحْنةٌ،

فَلَا تسْتَثِرْها سوفَ يَبْدُو دَفِينُها

يَقُولُ: لَا تطلبُ مِنْ عدوِّك كشْفَ مَا فِي قَلْبِهِ لَكَ فَإِنَّهُ سَيَظْهَرُ لَكَ مَا يُخْفِيهِ قلبُه عَلَى مرِّ الزَّمَانِ؛ وَقِيلَ: قَبْل قَوْلِهِ إِذَا كَانَ فِي صَدْرِ ابْنِ عَمِّكَ إِحْنَةٌ:

إِذَا صَفْحةُ المعروفِ وَلَّتْكَ جانِباً،

فخُذْ صَفْوَها لَا يَخْتَلِطْ بِكَ طِينُهاً

والمُؤاحَنةُ: المُعاداة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ آحَنْتُه مُؤاحَنةً.

أخن: الآخِنيُّ: ثيابٌ مُخَطَّطةٌ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

عَلَيْهِ كَتَّانٌ وآخِنِيُ

والآخِنيَّةُ: القِسِيُّ؛ قَالَ الأَعشى:

مَنَعتْ قِياسُ الآخِنيَّةِ رأْسَه

بسِهامِ يَثْرِبَ أَو سِهامِ الْوَادِي

أَضافَ الشيءَ إِلَى نَفْسِهِ لأَن القِياسَ هِيَ الآخِنيَّة، أَو يَكُونُ عَلَى أَنه أَراد قِياسَ الْقَوَّاسَةِ الآخنيَّة، وَيُرْوَى: أَو سِهامِ بلادِ. أَبو مَالِكٍ: الآخِنِيُّ أَكْسِيَةٌ سُودٌ ليِّنةٌ يَلبَسُها النَّصَارَى؛ قَالَ الْبُعَيْثُ:

فكَرَّ عَلَيْنَا ثمَّ ظلَّ يجُرُّها،

كَمَا جَرَّ ثوبَ الآخِنِيِّ المقدَّس

وَقَالَ أَبو خِرَاشٍ:

كأَن المُلاءَ المَحْض خَلْفَ كُراعِه،

إِذَا مَا تَمَطَّى الآخِنِيُّ المُخَذَّمُ.

أدن: المُؤْدَنُ مِنَ النَّاسِ: القصيرُ العنُقِ الضَّيِّقُ المَنْكِبين مَعَ قِصَر الأَلواحِ وَالْيَدَيْنِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُولَدُ ضاوِياً. والمُؤْدَنة: طُوَيِّرةٌ صغيرةٌ قصيرةُ العنُق نَحْوُ القُبَّرة. ابْنُ بَرِّيٍّ: المُؤدَنُ الفاحشُ القِصَر؛ قَالَ رِبْعِيّ الدُّبَيري:

لِمَا رَأَتْهُ مُؤْدَناً عِظْيَرَّا،

قَالَتْ: أُريد العَتْعَتَ الذِّفِرّا

أذن: أَذِنَ بِالشَّيْءِ إذْناً وأَذَناً وأَذانةً: عَلِم. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ

؛ أَي كُونُوا عَلَى عِلْمٍ. وآذَنَه الأَمرَ وآذَنه بِهِ: أَعْلَمَه، وَقَدْ قُرئ:

فآذِنوا بحربٍ مِنَ اللَّهِ

؛ مَعْنَاهُ أَي أَعْلِمُوا كلَّ مَن لَمْ يَتْرُكِ الرِّبا بأَنه حربٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَيُقَالُ: قَدْ آذَنْتُه بِكَذَا وَكَذَا، أُوذِنُه إِيذَانًا وإذْناً إِذَا أَعْلَمْته، وَمَنْ قرأَ فَأْذَنُوا

أَي فانْصِتُوا. وَيُقَالُ: أَذِنْتُ لفلانٍ فِي أَمر كَذَا وَكَذَا آذَنُ لَهُ إِذْناً، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وجزمِ الذَّالِ، واسْتَأْذَنْتُ فُلَانًا اسْتِئْذاناً. وأَذَّنْتُ: أَكْثرْتُ الإِعْلامَ بِالشَّيْءِ. والأَذانُ: الإِعْلامُ. وآذَنْتُكَ بِالشَّيْءِ: أَعْلمتُكه. وآذَنْتُه: أَعْلَمتُه. قَالَ اللَّهُ عز وجل: فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ

؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

آذَنَتْنا ببَيْنِها أَسْماءُ

وأَذِنَ بِهِ إِذْناً: عَلِمَ بِهِ. وَحَكَى أَبو عُبَيْدٍ عَنِ الأَصمعي: كُونُوا عَلَى إِذْنِهِ أَي عَلَى عِلْمٍ بِهِ. وَيُقَالُ: أَذِنَ فلانٌ يأْذَنُ بِهِ إِذْناً إِذَا عَلِمَ. وَقَوْلُهُ عز وجل: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ

؛ أَي إعْلامٌ. والأَذانُ: اسمٌ يَقُومُ مقامَ الإِيذانِ، وَهُوَ الْمَصْدَرُ الْحَقِيقِيُّ. وَقَوْلُهُ عز وجل: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ

؛ مَعْنَاهُ وإِذ عَلِمَ ربُّكم، وَقَوْلُهُ عز وجل: وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ

؛ مَعْنَاهُ بِعلْمِ اللَّهِ، والإِذْنُ هاهنا لَا يَكُونُ إلَّا مِنَ اللَّهِ، لأَن اللَّهَ تَعَالَى وتقدَّس لَا يأْمر بِالْفَحْشَاءِ مِنَ السحْرِ وَمَا شاكَلَه. وَيُقَالُ: فَعلْتُ كَذَا وَكَذَا بإِذْنِه أَي فعلْتُ بعِلْمِه، وَيَكُونُ بإِذْنِه

ص: 9

بأَمره. وَقَالَ قومٌ: الأَذينُ المكانُ يأْتيه الأَذانُ مِنْ كلِّ ناحيةٍ؛ وأَنشدوا:

طَهُورُ الحَصَى كَانَتْ أَذيناً، وَلَمْ تكُنْ

بِهَا رِيبةٌ، مِمَّا يُخافُ، تَريبُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الأَذِينُ فِي الْبَيْتِ بِمَعْنَى المُؤْذَنِ، مِثْلُ عَقِيدٍ بِمَعْنَى مُعْقَدٍ، قَالَ: وأَنشده أَبو الجَرّاح شَاهِدًا عَلَى الأَذِينِ بِمَعْنَى الأَذانِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَبَيْتُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

وَإِنِّي أَذِينٌ، إنْ رَجَعْتُ مُمَلَّكاً،

بسَيْرٍ ترَى فِيهِ الفُرانِقَ أَزْوَرَا «1»

. أَذينٌ فِيهِ: بِمَعْنَى مُؤْذِنٍ، كَمَا قَالُوا أَليم ووَجيع بِمَعْنَى مُؤْلِم ومُوجِع. والأَذِين: الْكَفِيلُ. وَرَوَى أَبو عُبَيْدَةَ بَيْتَ امْرِئِ الْقَيْسِ هَذَا وَقَالَ: أَذِينٌ أَي زَعيم. وفَعَلَه بإِذْني وأَذَني أَي بِعلْمي. وأَذِنَ لَهُ فِي الشيءِ إِذْناً: أَباحَهُ لَهُ. واسْتَأْذَنَه: طَلَب مِنْهُ الإِذْنَ. وأَذِنَ لَهُ عَلَيْهِ: أَخَذَ لَهُ مِنْهُ الإِذْنَ. يُقَالُ: ائْذَنْ لِي عَلَى الأَمير؛ وَقَالَ الأَغَرّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحرث:

وَإِنِّي إِذَا ضَنَّ الأَمِيرُ بإِذْنِه

عَلَى الإِذْنِ مِنْ نفْسي، إِذَا شئتُ، قادِرُ

وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

قلتُ لبَوَّابٍ لَدَيْهِ دارُها

تِيذَنْ، فَإِنِّي حَمْؤُها وجارُها

. قَالَ أَبو جَعْفَرٍ: أَراد لِتأْذَنْ، وَجَائِزٌ فِي الشِّعر حذفُ اللَّامِ وكسرُ التَّاءِ عَلَى لُغَةِ مَن يقولُ أَنتَ تِعْلَم، وَقُرِئَ:

فَبِذَلِكَ فَلْتِفْرَحوا.

والآذِنُ: الحاجِبُ؛ وَقَالَ:

تَبَدَّلْ بآذِنِكَ المُرْتَضَى

وأَذِنَ لَهُ أَذَناً: اسْتَمَعَ؛ قَالَ قَعْنَبُ بنُ أُمّ صاحِبٍ:

إِنْ يَسْمَعُوا رِيبةً طارُوا بِهَا فَرَحاً

مِنِّي، وَمَا سَمعوا مِنْ صالِحٍ دَفَنُوا

صُمٌّ إِذَا سمِعوا خَيْراً ذُكِرْتُ بِهِ،

وإنْ ذُكِرْتُ بشَرٍّ عنْدَهم أَذِنوا

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَذِنَ إِلَيْهِ أَذَناً اسْتَمَعَ. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَا أَذِنَ اللهُ لشيءٍ كأَذَنِهِ لِنَبيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ

؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يَعْنِي مَا استمَعَ اللهُ لِشَيْءٍ كاستِماعِهِ لِنَبيٍّ يتغنَّى بِالْقُرْآنِ أَي يتْلوه يَجْهَرُ بِهِ. يُقَالُ: أَذِنْتُ لِلشَّيْءِ آذَنُ لَهُ أَذَناً إِذَا استمَعْتَ لَهُ؛ قَالَ عَدِيٌّ:

أَيُّها القَلْبُ تَعَلَّلْ بدَدَنْ،

إنَّ همِّي فِي سماعٍ وأَذَنْ

وَقَوْلُهُ عز وجل: وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ*

؛ أَي اسْتَمعَتْ. وأَذِنَ إليهِ أَذَناً: اسْتَمَعَ إِلَيْهِ مُعْجباً؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِعَمْرِو بْنِ الأَهْيَم:

فلَمَّا أَنْ تسَايَرْنا قَليلًا،

أَذِنَّ إِلَى الحديثِ، فهُنَّ صُورُ

وَقَالَ عَدِيٌّ:

فِي سَماعٍ يَأْذَنُ الشَّيخُ لَهُ،

وحديثٍ مثْل ماذِيٍّ مُشار

وآذَنَني الشيءُ: أَعْجَبَنِي فاستَمعْتُ لَهُ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

فَلَا وأَبيك خَيْر منْك، إِنِّي

لَيُؤْذِنُني التَّحَمْحُمُ والصَّهِيلُ

وأَذِنَ للَّهْو: اسْتَمع ومالَ.

(1). في رواية أخرى: وإني زعيمٌ

ص: 10

والأُذْنُ والأُذُنُ، يخفَّف ويُثَقَّل: مِنَ الْحَوَاسِّ أُنثى، وَالَّذِي حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ أُذْن، بِالضَّمِّ، وَالْجَمْعُ آذانٌ لَا يُكسَّر عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَتَصْغِيرُهَا أُذَيْنة، وَلَوْ سَمَّيْت بِهَا رَجُلًا ثُمَّ صغَّرْته قُلْتَ أُذَيْن، فَلَمْ تؤَنِّث لزوالِ التأْنيث عَنْهُ بِالنَّقْلِ إِلَى الْمُذَكَّرِ، فأَما قَوْلُهُمْ أُذَيْنة فِي الِاسْمِ الْعَلَمِ فَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ مصغَّراً. وَرَجُلٌ أُذْنٌ وأُذُنٌ: مُسْتَمِع لِمَا يُقال لَهُ قابلٌ لَهُ؛ وصَفُو بِهِ كَمَا قَالَ:

مِئْبَرة العُرْقُوبِ أَشْفَى المِرْفَق

فَوَصَفَ بِهِ لأَن فِي مِئْبَرةٍ وأَشْفى مَعْنَى الحِدَّة. قَالَ أَبو عَلِيٍّ: قَالَ أَبو زَيْدٍ رَجُلٌ أُذُنٌ وَرِجَالٌ أُذُنٌ، فأُذُنٌ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ إِذَا كَانَ يَسْمَعُ مقالَ كُلِّ أَحد. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ رَجُلٌ أُذُنٌ وامرأَة أُذُنٌ، وَلَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ، قَالَ: وَإِنَّمَا سمَّوه بِاسْمِ العُضْو تَهْويلًا وَتَشْنِيعًا كَمَا قَالُوا للمرأَة: مَا أَنتِ إِلَّا بُطَين. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ

؛ أَكثرُ القرّاء يقرؤون قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ

، وَمَعْنَاهُ وتفْسيرُه أَن فِي المُنافِقينَ مَنْ كَانَ يَعيب النبي، صلى الله عليه وسلم، وَيَقُولُ: إِنْ بَلَغَه عَنِّي شَيْءٌ حَلَفْت لَهُ وقَبِلَ مِنِّي لأَنه أُذُنٌ، فأَعْلَمه اللَّهُ تَعَالَى أَنه أُذُنُ خيرٍ لَا أُذُنُ شرٍّ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ

، أَي مُسْتَمِعُ خيرٍ لَكُمْ، ثُمَّ بَيَّنَ مِمَّنْ يَقْبَل فَقَالَ تَعَالَى: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ؛ أَي يَسْمَعُ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فيصدِّق بِهِ ويصدِّق الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا يُخْبِرُونَهُ بِهِ. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ

زَيْدِ بْنِ أَرْقَم: هَذَا الَّذِي أَوْفَى اللَّهُ بأُذُنِه

أَي أَظهرَ صِدْقَه فِي إِخْبارِه عَمَّا سمعَتْ أُذُنه. وَرَجُلٌ أُذانِيّ وآذَنُ: عظيمُ الأُذُنَيْنِ طويلُهما، وَكَذَلِكَ هُوَ مِنَ الإِبلِ وَالْغَنَمِ، ونَعْجةٌ أَذْناءُ وكَبْشٌ آذَنُ. وَفِي حَدِيثِ

أَنس: أَنه قَالَ لَهُ يَا ذَا الأُذُنَيْنِ

؛ قالَ ابْنُ الأَثير: قِيلَ مَعْنَاهُ الحضُّ عَلَى حُسْنِ الاستِماعِ والوَعْي لأَن السَّمْعَ بحاسَّة الأُذُنِ، ومَنْ خلَق اللَّهُ لَهُ أُذُنَيْنِ فأَغْفَلَ الاستِماع وَلَمْ يُحْسِن الوَعْيَ لَمْ يُعْذَرْ، وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ جُمْلَةِ مَزْحه، صلى الله عليه وسلم، ولَطيف أَخلاقه كَمَا

قَالَ للمرأَة عَنْ زَوْجِهَا: أَذاك الَّذِي فِي عينِه بياضٌ؟

وأَذَنَه أَذْناً، فَهُوَ مأْذونٌ: أَصاب أُذُنَه، عَلَى مَا يَطَّرِد فِي الأَعضاء. وأَذَّنَه: كأَذَنَه أَي ضرَب أُذُنَه، وَمِنْ كَلَامِهِمْ: لِكُلِّ جابهٍ جَوْزةٌ ثُمَّ يُؤَذَّنُ؛ الجابهُ: الواردُ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَرِدُ الْمَاءَ وَلَيْسَتْ عَلَيْهِ قامةٌ وَلَا أَداةٌ، والجَوْزةُ: السَّقْية مِنَ الْمَاءِ، يَعْنُون أَن الواردَ إِذَا ورَدَهم فسأَلهم أَن يَسْقوه مَاءً لأَهله وماشيتِه سَقَوْه سقْيةً وَاحِدَةً، ثُمَّ ضَرَبُوا أُذُنَه إعْلاماً أَنه لَيْسَ عِنْدَهُمْ أَكثرُ مِنْ ذَلِكَ. وأُذِنَ: شَكَا أُذُنَه؛ وأُذُنُ القلبِ والسهمِ والنَّصْلِ كلُّه عَلَى التَّشْبِيهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ المُحاجِين: مَا ذُو ثَلَاثِ آذَانٍ يَسْبِقُ الخَيْل بالرَّدَيان؟ يَعْنِي السَّهمَ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: إِذَا رُكِّبت القُذَذُ عَلَى السَّهْمِ فَهِيَ آذانُه. وأُذُنُ كُلِّ شَيْءٍ مَقْبِضُه، كأُذُنِ الْكُوزِ والدَّلْو عَلَى التَّشْبِيهِ، وكلُّه مُؤَنَّثٌ. وأُذُنُ العَرفج والثُّمام: مَا يُخَدُّ مِنْهُ فيَنْدُرُ إِذَا أَخْوَصَ، وَذَلِكَ لِكَوْنِهِ عَلَى شَكْلِ الأُذُنِ. وآذانُ الكيزانِ: عُراها، واحدَتها أُذُنٌ. وأُذَيْنةُ: اسْمُ رَجُلٍ، لَيْسَتْ مُحَقَّرة عَلَى أُذُن فِي التَّسْمِيَةِ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَلْحَقِ الْهَاءُ وَإِنَّمَا سُمّيَ بِهَا مُحَقَّرة مِنَ العُضْو، وَقِيلَ: أُذَيْنة اسمُ ملِك مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ. وَبَنُو أُذُنٍ: بطنٌ مِنْ هَوَازِنَ. وأُذُن النَّعْل: مَا أَطافَ مِنْهَا بالقِبال. وأَذَّنْتُها: جعلتُ لَهَا أُذُناً. وأَذَّنْتُ الصبيَّ: عرَكْتُ أُذُنَه. وأُذُنُ الحمارِ: نبتٌ لَهُ وَرَقٌ

ص: 11

عَرْضُه مِثْلُ الشِّبْر، وَلَهُ أَصل يُؤْكَلُ أَعظم مِنَ الجَزرة مِثْلُ السَّاعِدِ، وَفِيهِ حَلَاوَةٌ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. والأَذانُ والأَذِينُ والتَّأْذِينُ: النّداءُ إِلَى الصَّلَاةِ، وَهُوَ الإِعْلام بِهَا وَبِوَقْتِهَا. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا أَذَّنْت وآذَنْتُ، فَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُهُمَا بِمَعْنًى، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَذَّنْت لِلتَّصْوِيتِ بإعْلانٍ، وآذَنْتُ أَعلمْت. وَقَوْلُهُ عز وجل: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ

؛ رُوِيَ

أَنَّ أَذان إِبْرَاهِيمَ، عليه السلام، بِالْحَجِّ أَن وقَف بالمَقام فَنَادَى: أَيّها النَّاسُ، أَجيبُوا اللَّهَ، يَا عِبَادَ اللَّهِ، أَطيعوا اللَّهَ، يَا عِبَادَ اللَّهِ، اتَّقُوا اللَّهَ، فوَقَرَتْ فِي قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ وأَسْمَعَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرض، فأَجابه مَن فِي الأَصْلاب مِمَّنْ كُتِب لَهُ الْحَجُّ، فَكُلُّ مَنْ حَجَّ فَهُوَ مِمَّنْ أَجاب إِبْرَاهِيمَ، عليه السلام.

وَرُوِيَ

أَن أَذانه بِالْحَجِّ كَانَ: يَا أَيها النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ.

والأَذِينُ: المُؤذِّنُ؛ قَالَ الحُصَينُ بْنُ بُكَيْر الرَّبَعيّ يَصِفُ حمارَ وَحْشٍ:

شَدَّ عَلَى أَمر الورُودِ مِئْزَرَهْ

سَحْقاً، وَمَا نادَى أَذِينُ المَدَرَهْ

السَّحْقُ: الطَّرْدُ. والمِئْذنةُ: موضعُ الأَذانِ لِلصَّلَاةِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ المنارةُ، يَعْنِي الصَّومعةَ. أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ لِلْمَنَارَةِ المِئْذَنة والمُؤْذَنة؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

سَمِعْتُ للأَذانِ فِي المِئْذَنَهْ

وأَذانُ الصَّلَاةِ: مَعْرُوفٌ، والأَذِينُ مِثْلُهُ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

حَتَّى إِذَا نُودِيَ بالأَذِين

وَقَدْ أذَّنَ أَذاناً وأَذَّنَ المُؤذِّن تأْذيناً؛ وَقَالَ جَرِيرٌ يَهْجُو الأَخطل:

إِنَّ الَّذِي حَرَمَ الخِلافَةَ تَغْلِباً،

جعلَ الخِلافةَ والنُّبوَّةَ فِينَا

مُضَرٌ أَبي وأَبو الملوكِ، فَهَلْ لَكُمْ،

يَا خُزْرَ تَغْلِبَ، مِنْ أَبٍ كأَبِينا؟

هَذَا ابنُ عمِّي فِي دِمَشْقَ خليفةٌ،

لَوْ شِئْتُ ساقَكمُ إِلَيَّ قَطينا

إِنَّ الفَرَزْدَقَ، إِذْ تَحَنَّفَ كارِهاً،

أَضْحَى لِتَغْلِبَ والصَّلِيبِ خَدِينا

وَلَقَدْ جَزِعْتُ عَلَى النَّصارى، بعد ما

لَقِيَ الصَّليبُ مِنَ الْعَذَابِ معِينا

هَلْ تَشْهدون مِنَ المَشاعر مَشْعراً،

أَو تسْمَعون مِنَ الأَذانِ أَذِينا؟

وَيُرْوَى هَذَا الْبَيْتُ:

هَلْ تَمْلِكون مِنَ المشاعِرِ مَشْعَرًا،

أَو تَشْهدون مَعَ الأَذان أَذِينَا؟

ابن بري: والأَذِينُ هاهنا بِمَعْنَى الأَذانِ أَيضاً. قَالَ: وَقِيلَ الأَذينُ هُنَا المُؤَذِّن، قَالَ: والأَذينُ أَيْضًا المُؤذّن لِلصَّلَاةِ؛ وأَنشد رَجَزَ الحُصَين بْنِ بُكَير الرَّبعي:

سَحْقاً، وَمَا نادَى أَذينُ المَدَرَهْ

والأَذانُ: اسمُ التأْذين، كَالْعَذَابِ اسْمُ التَّعْذِيبِ. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الأَذان، وَهُوَ الإِعلام بِالشَّيْءِ؛ يُقَالُ مِنْهُ: آذَنَ يُؤْذِن إِيذَانًا، وأَذّنَ يُؤذّن تأْذِيناً، والمشدّدُ مخصوصٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ بِإِعْلَامِ وَقْتِ الصَّلَاةِ. والأَذانُ: الإِقامةُ. وَيُقَالُ: أَذَّنْتُ فُلَانًا تأْذيناً أَي رَدَدْتُه، قَالَ: وَهَذَا حرفٌ غَرِيبٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شاهدُ الأَذانِ قولُ الْفَرَزْدَقِ:

وَحَتَّى عَلَا فِي سُور كلِّ مدينةٍ

مُنادٍ يُنادِي، فَوْقَها، بأَذان

وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنّ قَوْمًا أَكلوا مِنْ شجرةٍ فَحَمدوا

ص: 12

فَقَالَ، عليه السلام: قرِّسُوا الْمَاءَ فِي الشِّنانِ وصُبُّوه عَلَيْهِمْ فِيمَا بَيْنَ الأَذانَيْن

؛ أَراد بِهِمَا أَذانَ الْفَجْرِ والإِقامَة؛ التَّقْريسُ: التَّبْريدُ، والشِّنان: القِرَبْ الخُلْقانُ. وَفِي الْحَدِيثِ:

بَيْنَ كُلِّ أَذانَيْن صلاةٌ

؛ يُرِيدُ بِهَا السُّنَن الرواتبَ الَّتِي تُصلَّى بَيْنَ الأَذانِ والإِقامةِ قَبْلَ الْفَرْضِ. وأَذَّنَ الرجلَ: ردَّه وَلَمْ يَسْقِه؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

أَذَّنَنا شُرابِثٌ رأْس الدَّبَرْ

أَي رَدَّنا فَلَمْ يَسْقِنا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ، وَقِيلَ: أَذَّنه نَقَر أُذُنَه، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وتَأَذَّنَ لَيَفعَلنَّ أَي أَقسَم. وتَأَذَّنْ أَي اعْلم كَمَا تَقُولُ تَعَلَّم أَي اعْلَم؛ قَالَ:

فقلتُ: تَعَلَّمْ أَنَّ للصَّيْد غِرَّةً،

وَإِلَّا تُضَيِّعْها فَإِنَّكَ قاتِلُهْ

وَقَوْلُهُ عز وجل: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ

؛ قِيلَ: تَأَذَّن تأَلَّى، وَقِيلَ: تأَذَّنَ أَعْلَم؛ هَذَا قَوْلُ الزَّجَّاجِ. اللَّيْثُ: تأَذَّنْتُ لأَفعلنَّ كَذَا وَكَذَا يُرَادُ بِهِ إيجابُ الْفِعْلِ، وَقَدْ آذَنَ وتأَذَّنَ بِمَعْنًى، كَمَا يُقَالُ: أَيْقَن وتَيَقَّنَ. وَيُقَالُ: تأَذَّنَ الأَميرُ فِي النَّاسِ إِذَا نَادَى فِيهِمْ، يَكُونُ فِي التَّهْدِيدِ والنَّهيْ، أَي تقدَّم وأَعْلمَ. والمُؤْذِنُ: مِثْلُ الذَّاوِي، وَهُوَ العودُ الَّذِي جَفَّ وَفِيهِ رطوبةٌ. وآذَنَ العُشْبُ إِذَا بَدَأَ يجِفّ، فتَرى بعضَه رطْباً وَبَعْضَهُ قد جَفّ؛ قَالَ الرَّاعِي:

وحارَبَتِ الهَيْفُ الشَّمالَ وآذَنَتْ

مَذانِبُ، مِنْهَا اللَّدْنُ والمُتَصَوِّحُ

التَّهْذِيبُ: والأَذَنُ التِّبْنُ، وَاحِدَتُهُ أَذَنةٌ. وَقَالَ ابْنُ شُميل: يُقَالُ هَذِهِ بقلةٌ تجِدُ بِهَا الإِبلُ أَذَنةً شَدِيدَةً أَي شَهْوةً شَدِيدَةً. والأَذَنَةُ: خُوصةُ الثُّمامِ، يُقَالُ: أَذَن الثُّمامُ إِذَا خَرَجَتْ أَذَنَتُه. ابْنُ شُمَيْلٍ: أَذِنْتُ لِحَدِيثِ فُلَانٍ أَي اشْتَهَيْتُهُ، وأَذِنْتُ لِرَائِحَةِ الطَّعَامِ أَي اشْتَهَيْتُهُ، وَهَذَا طعامٌ لَا أَذَنة لَهُ أَي لَا شَهْوَةَ لِرِيحِهِ، وأَذَّن بإرسالِ إبلِه أَي تَكَلَّمَ بِهِ، وأَذَّنُوا عنِّي أَوَّلها أَي أَرسلوا أَوَّلها، وَجَاءَ فلانٌ نَاشِرًا أُذُنَيْه أَي طَامِعًا، وَوَجَدْتُ فُلَانًا لَابِسًا أُذُنَيْه أَي مُتغافلًا. ابْنُ سِيدَهْ: وإِذَنْ جوابٌ وجزاءٌ، وتأْويلها إِنْ كَانَ الأَمر كَمَا ذُكِرَتْ أَو كَمَا جَرَى، وَقَالُوا: ذَنْ لَا أَفعلَ، فَحَذَفُوا هَمْزَةَ إذَنْ، وَإِذَا وَقَفْتَ عَلَى إذَنْ أَبْدَلْتَ مِنْ نُونِهِ أَلفاً، وَإِنَّمَا أُبْدِلَتْ الأَلفُ مِنْ نُونِ إِذَنْ هَذِهِ فِي الْوَقْفِ وَمِنْ نُونِ التَّوْكِيدِ لأَن حالَهما فِي ذَلِكَ حالُ النُّونِ الَّتِي هِيَ علَمُ الصَّرْفِ، وَإِنْ كَانَتْ نونُ إذنْ أَصْلًا وتانِك النونانِ زَائِدَتَيْنِ، فإنْ قُلْتَ: فَإِذَا كَانَتِ النُّونُ فِي إذَنْ أَصلًا وَقَدْ أُبدلت مِنْهَا الأَلف فَهَلْ تُجيز فِي نَحْوِ حَسَن ورَسَن وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا نُونُهُ أَصل فَيُقَالُ فِيهِ حَسَا ورسَا؟ فَالْجَوَابُ: إِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ إذَنْ مِمَّا نُونُهُ أَصلٌ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَدْ جَاءَ فِي إِذَنْ مِنْ قِبَل أَنّ إذنْ حرفٌ، فَالنُّونُ فِيهَا بعضُ حرفٍ، فَجَازَ ذَلِكَ فِي نُونِ إذَنْ لمضارَعةِ إذَنْ كلِّها نونَ التأْكيد وَنُونَ الصَّرْفِ، وأَما النونُ فِي حَسَن ورَسَن وَنَحْوِهِمَا فَهِيَ أَصلٌ مِنِ اسْمٍ مُتَمَكِّنٍ يَجْرِي عَلَيْهِ الإِعرابُ، فَالنُّونُ فِي ذَلِكَ كَالدَّالِ مِنْ زيدٍ وَالرَّاءِ مِنْ نكيرٍ، ونونُ إذَنْ ساكنةٌ كَمَا أَن نُونَ التأْكيد ونونَ الصَّرْفِ سَاكِنَتَانِ، فَهِيَ لِهَذَا ولِما قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَن كُلَّ واحدةٍ مِنْهُمَا حرفٌ كَمَا أَن النُّونَ مِنْ إذَنْ بعضُ حَرْفٍ أَشْبَهُ بِنُونِ الإِسم الْمُتَمَكِّنِ. الْجَوْهَرِيُّ: إذنْ حرفُ مُكافأَة وجوابٍ، إِنْ قدَّمْتَها عَلَى الْفِعْلِ الْمُسْتَقْبَلِ نَصَبْتَ بِهَا لَا غَيْرُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ هُنَا

ص: 13

لسَلْمى بْنِ عَوْنَةَ الضبِّيّ، قَالَ: وَقِيلَ هُوَ لَعَبْدِ الله ابن غَنَمة الضبِّيّ:

ارْدُدْ حِمارَكَ لَا يَنْزِعْ سوِيَّتَه،

إذَنْ يُرَدَّ وقيدُ العَيْرِ مَكْروبُ

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: إِذَا قَالَ لَكَ قائلٌ الليلةَ أَزورُكَ، قلتَ: إذَنْ أُكْرمَك، وَإِنْ أَخَّرْتها أَلْغَيْتَ قلتَ: أُكْرِمُكَ إذنْ، فَإِنْ كَانَ الفعلُ الَّذِي بَعْدَهَا فعلَ الْحَالِ لَمْ تَعْمَلْ، لأَن الْحَالَ لَا تَعْمَلُ فِيهِ العواملُ النَّاصِبَةُ، وَإِذَا وقفتَ عَلَى إذَنْ قُلْتَ إِذًا، كَمَا تَقُولُ زيدَا، وَإِنْ وسَّطتها وجعلتَ الْفِعْلَ بَعْدَهَا مُعْتَمِدًا عَلَى مَا قَبْلَهَا أَلْغَيْتَ أَيضاً، كَقَوْلِكَ: أَنا إذَنْ أُكْرِمُكَ لأَنها فِي عَوَامِلِ الأَفعال مُشبَّهةٌ بِالظَّنِّ فِي عَوَامِلِ الأَسماء، وَإِنْ أَدخلت عَلَيْهَا حرفَ عطفٍ كَالْوَاوِ وَالْفَاءِ فأَنتَ بالخيارِ، إِنْ شِئْتَ أَلغَيْتَ وَإِنْ شِئْتَ أَعملْتَ.

أرن: الأَرَنُ: النشاطُ، أَرِنَ يأْرَنُ أَرَناً وإِراناً وأَرِيناً؛ أَنشد ثَعْلَبٌ للحَذْلميّ:

مَتى يُنازِعْهُنَّ فِي الأَرِينِ،

يَذْرَعْنَ أَو يُعْطِينَ بالماعونِ

وَهُوَ أَرِنٌ وأَرُونٌ، مِثْلُ مَرِحٍ ومروحٍ؛ قَالَ حُميد الأَرْقَط:

أقَبَّ ميفاءٍ عَلَى الرُّزون،

حَدَّ الرَّبيع أَرِنٍ أَرُونِ

وَالْجَمْعُ آرانٌ. التَّهْذِيبُ: الأَرَنُ البطَرُ، وَجَمْعُهُ آرانٌ. والإِرانُ: النَّشاطُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِابْنِ أَحمر يَصِفُ ثَوْراً:

فانْقَضَّ مُنْحَدِباً، كأَنَّ إرانَه

قَبَسٌ تَقَطَّع دُونَ كفِّ المُوقِد

وَجَمْعُهُ أُرُنٌ. وأَرِنَ البعيرُ، بِالْكَسْرِ، يأْرَنُ أَرَناً إِذَا مَرِحَ مَرَحاً، فَهُوَ أَرِنٌ أَي نشيطٌ. والإِرانُ: الثورُ، وَجَمْعُهُ أُرُنٌ. غَيْرُهُ: الإِرانُ الثورُ الوحشيُّ لأَنه يُؤارِنُ البقرةَ أَي يطلبُها؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

وَكَمْ مِنْ إرانٍ قَدْ سَلَبْتُ مقِيلَه،

إِذَا ضَنَّ بالوَحْشِ العِتاقِ مَعاقِلُه

وآرَنَ الثورُ البقرةَ مُؤارَنَةً وَإِرَانًا: طلبَها، وَبِهِ سُمِّي الرَّجُلُ إِرَانًا، وشاةُ إرانٍ: الثورُ لِذَلِكَ؛ قَالَ لَبِيَدٌ:

فكأَنها هِيَ، بعدَ غِبِّ كلالِها

أَو أَسْفعِ الخَدَّيْنِ، شاةُ إرانِ

وَقِيلَ: إرانٌ موضعٌ يُنْسَبُ إِلَيْهِ البقرُ كَمَا قَالُوا: ليْثُ خفيَّةٍ وجنُّ عَبْقَر. والمِئْرانُ: كِناسُ الثورِ الْوَحْشِيِّ، وجمعُه الميَارينُ والمآرينُ. الْجَوْهَرِيُّ: الإِرانُ كِناسُ الْوَحْشِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

كأَنه تَيْسُ إرانِ مُنْبَتِلْ

أَي مُنْبَتّ؛ وَشَاهِدُ الْجَمْعِ قَوْلُ جَرِيرٍ:

قَدْ بُدِّلَتْ سَاكِنَ الْآرَامِ بَعْدهم،

والباقِر الخِيس يَنْحينَ المَآرِينا

وَقَالَ سُؤْرُ الذِّئب:

قَطَعْتُها، إِذَا المَها تَجَوَّفَتْ،

مآرِناً إِلَى ذُراها أَهْدَفَتْ

. والإِرانُ: الجنازةُ، وَجَمْعُهُ أُرُنٌ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الإِرانُ خشبٌ يُشدُّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ تُحْمَل فِيهِ الْمَوْتَى؛ قَالَ الأَعشى:

أثَّرَتْ فِي جَناجِنٍ كإرانِ المَيتِ

عُولِينَ فوقَ عُوجٍ رِسالِ

ص: 14

وَقِيلَ: الإِران تَابُوتُ الْمَوْتَى. أَبو عَمْرٍو: الإِرانُ تابوتُ خَشَبٍ؛ قَالَ طَرَفَةُ:

أَمُونٍ كأَلواحِ الإِرانِ نَسَأْتُها

عَلَى لاحبٍ، كأَنه ظَهْرُ بُرْجُدِ

ابْنُ سِيدَهْ: الإِرانُ سَرِيرُ الْمَيِّتِ؛ وَقَوْلُ الرَّاجِزِ:

إِذَا ظُبَيُّ الكُنُساتِ انْغَلَّا

تحتَ الإِرانِ، سَلَبَتْه الظِّلَّا

يَجُوزُ أَن يَعْنِيَ بِهِ شَجَرَةً شِبْه النعْش، وأَن يَعْنِيَ بِهِ النَّشَاطَ أَي أَن هَذِهِ المرأَة سَرِيعَةٌ خَفِيفَةٌ، وَذَلِكَ فِيهِنَّ مَذْمُومٌ. والأُرْنةُ: الجُبن الرَّطْب، وَجَمْعُهَا أُرَنٌ، وَقِيلَ: حبٌّ يُلقى فِي اللَّبَنِ فينتفخُ وَيُسَمَّى ذَلِكَ البياضُ الأُرْنةَ؛ وأَنشد:

هِدانٌ كشَحْمِ الأُرْنةِ المُتَرَجْرِج

وَحُكِيَ الأُرنى أَيضاً «2» . والأُرانى: الجُبن الرَّطبُ، عَلَى وَزْنِ فُعالى، وَجَمْعُهُ أَرانيّ. قَالَ: وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِنَّمَا أَنتَ كالأُرْنةِ وكالأُرْنى. والأُرانى: حبُّ بقْلٍ يُطرَح فِي اللَّبَنِ فيُجبِّنُه؛ وَقَوْلُ ابْنِ أَحمر:

وتَقَنَّعَ الحِرْباءُ أُرْنَتَه

قِيلَ: يَعْنِي السَّرابَ وَالشَّمْسَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: يَعْنِي شعرَ رأْسه، وَفِي التَّهْذِيبِ: وتقنَّع الْحِرْبَاءُ أُرْتَته، بتاءَين، قَالَ: وَهِيَ الشَّعرات الَّتِي فِي رأْسه. وَقَوْلُهُ: هِدانٌ نَوَّامٌ لَا يُصلِّي وَلَا يُبكِّر لِحَاجَتِهِ وَقَدْ تَهَدَّن، وَيُقَالُ: هُوَ مَهْدونٌ؛ قَالَ:

وَلَمْ يُعَوَّدْ نَوْمةَ المَهْدُونِ

الْجَوْهَرِيُّ: وأُرْنةُ الحِرباء، بِالضَّمِّ، مَوْضِعُهُ مِنَ الْعَوْدِ إِذَا انْتَصَبَ عَلَيْهِ؛ وأَنشد بَيْتَ ابْنِ أَحمر:

وتَعَلَّلَ الحِرْباءُ أُرْنَتَه

مُتَشاوِساً لِوَريدِهِ نَقْرُ

وَكَنَّى بالأُرْنة عَنِ السَّراب لأَنه أَبيض، وَيُرْوَى: أُرْبَته، بِالْبَاءِ، وأُرْبَتُه: قِلادته، وأَراد سَلْخَه لأَن الحِرْباء يُسْلَخ كَمَا يُسلخ الْحَيَّةُ، فَإِذَا سُلخ بَقِيَ فِي عُنُقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ كأَنه قِلَادَةٌ، وَقِيلَ: الأُرْنة مَا لُفَّ عَلَى الرأْس. والأَرُون: السّمُّ، وَقِيلَ: هُوَ دماغُ الْفِيلِ وَهُوَ سمٌّ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

وأَنتَ الغَيْثُ ينفعُ مَا يَليه،

وأَنتَ السَّمُّ خالَطه الأَرُونُ

أَي خَالَطَهُ دماغُ الْفِيلِ، وَجَمْعُهُ أُرُنٌ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ حبُّ بقْلةٍ يُقَالُ لَهُ الأُرانى، والأُرانى أُصول ثَمَرِ الضَّعة؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هِيَ جناتُها. والأَرانيةُ: مَا يَطُولُ ساقُه مِنْ شَجَرِ

الحَمْض وَغَيْرِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ: مَا لَا يَطُولُ ساقُه مِنْ شَجَرِ الْحَمْضِ وَغَيْرِهِ. وَفِي حَدِيثِ اسْتسقاء

عُمَرَ، رضي الله عنه: حَتَّى رأَيت الأَرِينةَ تأْكلها صغارُ الإِبل

؛ الأَرينةُ: نبتٌ مَعْرُوفٌ يُشْبه الخِطميّ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ:

حَتَّى رأَيْتُ الأَرْنبةَ.

قَالَ شَمِرٌ: قَالَ بَعْضُهُمْ: سأَلت الأَصمعي عَنِ الأَرينة فَقَالَ: نبتٌ، قَالَ: وَهِيَ عِنْدِي الأَرْنبة، قَالَ: وَسَمِعْتُ فِي الْفَصِيحِ مِنْ أَعراب سَعْد بْنِ بَكْرٍ بِبَطْنِ مُرٍّ قَالَ: ورأَيتُه نَبَاتًا يُشبَّه بالخطميّ عَرِيضُ الْوَرَقِ. قَالَ شَمِرٌ: وَسَمِعْتُ غَيْرَهُ مِنْ أَعراب كِنَانَةَ يَقُولُونَ: هُوَ الأَرِين، وَقَالَتْ أَعرابيَّة مِنْ بَطْنِ مُرٍّ: هِيَ الأَرينةُ، وَهِيَ خِطْمِيُّنا وغَسولُ الرأْس؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالَّذِي

(2). قوله [وحكي الأَرنى أيضاً] هكذا في الأَصل هنا وفيما بعد مع نقط النون، وفي القاموس بالباء مضبوطاً بضم الهمزة وفتح الراء والباء

ص: 15

حَكَاهُ شَمِرٌ صحيحٌ وَالَّذِي رُوِيَ عَنِ الأَصمعي أَنه الأَرْنَبة مِنَ الأَرانب غيرُ صَحِيحٌ، وَشَمِرٌ مُتْقِن، وَقَدْ عُنِيَ بِهَذَا الْحَرْفِ وسأَل عَنْهُ غيرَ واحدٍ مِنَ الأَعراب حَتَّى أَحكمه، والرُّواة رُبَّمَا صحَّفوا وغيَّروا، قَالَ: وَلَمْ أَسمع الأَرينةَ فِي بَابِ النَّبَاتِ مِنْ وَاحِدٍ وَلَا رأَيته فِي نُبوت الْبَادِيَةِ، قَالَ: وَهُوَ خَطَأٌ عِنْدِي، قَالَ: وَأَحْسَبُ الْقُتَيْبِيَّ ذكرَ عَنِ الأَصمعي أَيضاً الأَرْنبة، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ: الأَرين، عَلَى فَعِيل، نبتٌ بِالْحِجَازِ لَهُ وَرَقٌ كالخِيريّ، قَالَ: وَيُقَالُ أَرَنَ يأْرُنُ أُروناً دَنَا لِلْحَجِّ. النِّهَايَةُ: وَفِي حَدِيثِ الذَّبِيحَةِ

أَرِنْ أَو اعْجَلْ مَا أَنَهَر الدمَ

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذِهِ اللَّفْظَةُ قَدِ اختُلف فِي ضَبْطِهَا وَمَعْنَاهَا، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا حَرْفٌ طال ما اسْتَثْبَتُّ فِيهِ الرُّواةَ وسأَلتُ عَنْهُ أَهلَ الْعِلْمِ فَلَمْ أَجدْ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا يُقْطعُ بِصِحَّتِهِ، وَقَدْ طَلَبْتُ لَهُ مَخْرَجاً فرأَيته يَتَّجِهُ لِوُجُوهٍ: أَحدها أَن يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ أَرانَ الْقَوْمُ فَهُمْ مُرينون إِذَا هَلَكَتْ مَوَاشِيهِمْ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَهلِكْها ذَبحاً وأَزْهِقْ نفْسَها بِكُلِّ مَا أَنْهَرَ الدمَ غَيْرِ السَّنِّ وَالظُّفْرِ، عَلَى مَا رَوَاهُ أَبو دَاوُدَ فِي السُّنن، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ النُّونِ، وَالثَّانِي أَن يَكُونَ إئْرَنْ، بِوَزْنِ اعْرَبْ، مِنْ أَرِنَ يأْرَنُ إِذَا نَشِط وخَفَّ، يَقُولُ: خِفَّ واعْجَلْ لِئَلَّا تقتُلَها خَنْقاً، وَذَلِكَ أَن غَيْرَ الْحَدِيدِ لَا يمورُ فِي الذَّكَاةِ مَوْرَه، وَالثَّالِثُ أَن يَكُونَ بِمَعْنَى أَدِمِ الحَزَّ وَلَا تَفْتُرْ مِنْ قَوْلِكَ رَنَوْتُ النظرَ إِلَى الشَّيْءِ إِذَا أَدَمْتَه، أَو يَكُونَ أَراد أَدِمِ النظرَ إِلَيْهِ وراعِه ببصرِك لِئَلَّا يَزلَّ عَنِ الْمَذْبَحِ، وَتَكُونَ الْكَلِمَةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ «3». وَالنُّونِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بِوَزْنِ ارْمِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كلُّ مَن علاكَ وغَلَبكَ فَقَدْ رانَ بِكَ. ورِينَ بِفُلَانٍ: ذهبَ بِهِ الموتُ وأَرانَ القومُ إِذَا رِينَ بِمَوَاشِيهِمْ أَي هَلَكَتْ وَصَارُوا ذَوي رَيْنٍ فِي مَوَاشِيهِمْ، فَمَعْنَى أَرِنْ أَي صِرْ ذَا رَيْنٍ فِي ذَبِيحَتِكَ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ أَرانَ تَعْدِيةَ رانَ أَي أَزْهِقْ نَفْسَها؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ

الشَّعْبِيِّ: اجْتَمَعَ جوارٍ فأَرِنَ

أَي نَشِطْنَ، مِنَ الأَرَنِ النَّشاطِ. وَذَكَرَ ابْنُ الأَثير فِي حَدِيثِ

عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّخَعِيِّ: لَوْ كان رأْيُ الناسِ مثلَ رأْيك مَا أُدِّيَ الأَرْيانُ

، وَهُوَ الخراجُ والإِتاوةُ، وَهُوَ اسْمٌ واحدٌ كالشيْطان. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الأَشْبَهُ بِكَلَامِ الْعَرَبِ أَن يَكُونَ الأُرْبانَ، بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْبَاءِ الْمُعْجَمَةِ بِوَاحِدَةٍ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْحَقِّ، يقال فيه أُرْبانٌ وعُرْبانٌ، فَإِنْ كَانَتْ مُعْجَمَةً بِاثْنَتَيْنِ فَهُوَ مِنَ التأْرية لأَنه شَيْءٌ قُرّر عَلَى النَّاسِ وأُلْزِموه.

أزن: الأَزَنِيّة: لغةٌ فِي اليَزَنِيّة يَعْنِي الرماحَ، وَالْيَاءُ أَصل. يُقَالُ: رُمْحٌ أَزَنيٌّ ويَزَنِيٌّ، مَنْسُوبٌ إِلَى ذِي يَزن أَحد مُلُوكِ الأَذْواءِ مِنَ اليَمن، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ يَزانيٌّ وأَزانيّ.

أسن: الآسِنُ مِنَ الْمَاءِ: مثلُ الآجِن. أَسَنَ الماءُ يأْسِنُ ويأْسُنُ أَسْناً وأُسوناً وأَسِنَ، بِالْكَسْرِ، يأْسَنُ أَسَناً: تغيَّر غَيْرَ أَنه شروبٌ، وَفِي نُسْخَةٍ: تغيَّرت ريحُه، ومياهٌ آسانٌ؛ قَالَ عوْفُ بْنُ الخَرِع:

وتشْربُ آسانَ الحِياضِ تَسوفُها،

ولوْ ورَدَتْ ماءَ المُرَيرةِ آجِما

أَرادَ آجِناً، فقلبَ وأَبدلَ. التَّهْذِيبُ: أَسَنَ الماءُ يأْسِنُ أَسْناً وأُسوناً، وَهُوَ الَّذِي لَا يَشْرَبُهُ أَحدٌ مِنْ نَتْنِه. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ

؛ قَالَ

(3). قوله [وَتَكُونَ الْكَلِمَةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ إلخ] كذا في الأَصل والنهاية وتأمله مع قولهما قبل مِنْ قَوْلِكَ رَنَوْتُ النَّظَرَ إلخ، فإن مقتضى ذلك أَنْ يَكُونَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ والنون مع سكون الراء بوزن اغز إلا أن يكون ورد يائياً أيضاً

ص: 16

الْفَرَّاءُ: غَيْرُ متغيّرٍ وآجِنٍ، وروى

الأَعمش عَنْ شَقِيق قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ نَهيك بْنُ سِنَانٍ: يَا أَبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَياءً تجدُ هَذِهِ الْآيَةَ أَم أَلفاً مِنْ ماءٍ غيرِ آسِنٍ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَقَدْ علمتُ القرآنَ كُلَّهُ غَيْرَ هَذِهِ، قَالَ: إِنِّي أَقرأُ المفصَّل فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كهذِّ الشِّعْر

، قَالَ الشَّيْخُ: أَراد غيرَ آسِنٍ أَم ياسِنٍ، وَهِيَ لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ. وَفِي حَدِيثِ

عُمَرَ: أَن قَبيصةَ بْنَ جَابِرٍ أَتاه فَقَالَ: إِنِّي دَمَّيْتُ ظَبياً وأَنا مُحْرِم فأَصَبْتُ خُشَشَاءَه فأَسِنَ فَمَاتَ

؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ فأَسِنَ فَمَاتَ يَعْنِي دِيرَ بِهِ فأَخذه دُوارٌ، وَهُوَ الغَشْيُ، وَلِهَذَا قِيلَ لِلرَّجُلِ إِذَا دَخَلَ بِئراً فاشتدَّت عَلَيْهِ ريحُها حَتَّى يُصيبَه دُوارٌ فَيَسْقُطَ: قَدْ أَسِنَ؛ وَقَالَ زُهَيْرٌ:

يُغادِرُ القِرْنَ مُصْفرَّا أَنامِلُه،

يميدُ فِي الرُّمْحِ مَيْدَ المائحِ الأَسِنِ

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هُوَ اليَسِنُ والأَسِنُ؛ قَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْعَرَبِ مثلَ اليَزَنِيِّ والأَزَنِيّ، واليَلَنْدَدِ والأَلَنْدَدِ، وَيُرْوَى الوَسِن. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَسِنَ الرجلُ مِنْ رِيحِ الْبِئْرِ، بِالْكَسْرِ، لَا غَيْرُ. قَالَ: وَالَّذِي فِي شِعْرِهِ يَمِيلُ فِي الرُّمْحِ مثلَ الْمَائِحِ، وأَورده الْجَوْهَرِيُّ: قَدْ أَترك الْقِرْنَ، وَصَوَابُهُ يُغَادِرُ الْقِرْنَ، وَكَذَا فِي شِعْرِهِ لأَنه مِنْ صِفَةِ الْمَمْدُوحِ؛ وَقَبْلَهُ:

أَلَمْ ترَ ابنَ سِنانٍ كيفَ فَضَّلَه،

مَا يُشْتَرى فِيهِ حَمْدُ الناسِ بالثَّمن؟

قَالَ: وَإِنَّمَا غلَّط الجوهريَّ قولُ الْآخَرِ:

قَدْ أَتْرُكُ القِرْنَ مُصْفَرّاً أَنامِلُه،

كأَنَّ أَثوابَه مُجَّت بفِرْصاد

وأَسِنَ الرجلُ أَسَناً، فَهُوَ أَسِنٌ، وأَسِنَ يأْسَنُ ووَسِنَ: غُشِيَ عَلَيْهِ مِنْ خُبْث ريحِ الْبِئْرِ. وأَسِنَ لَا غَيْرُ: استدارَ رأْسُه مِنْ رِيحٍ تُصيبه. أَبو زَيْدٍ: ركيّة مُوسِنةٌ يَوْسَنُ فِيهَا الإِنسانُ وَسَناً، وَهُوَ غَشْيٌ يأْخذه، وَبَعْضُهُمْ يَهْمِزُ فَيَقُولُ أَسِن. الْجَوْهَرِيُّ: أَسِنَ الرجلُ إِذَا دَخَلَ الْبِئْرَ فأَصابته ريحٌ مُنْتِنة مِنْ رِيحِ الْبِئْرِ أَو غَيْرِ ذَلِكَ فغُشِيَ عَلَيْهِ أَو دَارَ رأْسُه، وأَنشد بَيْتَ زُهَيْرٍ أَيضاً. وتأَسَّنَ الماءُ: تَغَيَّرَ. وتأَّسَّنَ عَلَيَّ فلانٌ تأَسناً: اعْتَلَّ وأَبْطَأَ، وَيُرْوَى تأَسَّرَ، بِالرَّاءِ. وتأَسَّنَ عَهْدُ فُلَانٍ ووُدُّه إِذَا تغيَّر؛ قَالَ رُؤْبَةُ:

راجَعَه عَهْدًا عَنِ التأّسُّن

التَّهْذِيبُ: والأَسينةُ سَيْرٌ وَاحِدٌ مِنْ سُيور تُضْفَر جميعُها فتُجعل نِسعاً أَو عِناناً، وكلُّ قُوَّة مِنْ قُوَى الوَتَر أَسِينةٌ، وَالْجَمْعُ أَسائِنُ. والأُسونُ: وَهِيَ الآسانُ «1» . أَيضاً. الْجَوْهَرِيُّ: الأُسُن جَمْعُ الْآسَانِ، وَهِيَ طَاقَاتُ النِّسْع والحَبْل؛ عَنْ أَبي عَمْرٍو؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ لِسَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ:

لَقَدْ كنتُ أَهْوَى الناقِميَّة حِقْبةً،

وَقَدْ جعلَتْ آسانُ وَصْلٍ تَقطَّعُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: جَعَلَ قُوَى الوصْلِ بِمَنْزِلَةِ قُوى الحبْل، وَصَوَابُ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ أَن يَقُولَ: وَالْآسَانُ جَمْعُ الأُسُن، والأُسُنُ جَمْعُ أَسينة، وَتُجْمَعُ أَسينة أَيضاً عَلَى أَسائنَ فَتَصِيرُ مِثْلَ سَفِينَةٍ وسُفُن وسَفائنَ، وَقِيلَ: الْوَاحِدُ إسْنٌ، وَالْجَمْعُ أُسُونٌ وآسانٌ؛ قَالَ: وَكَذَا فُسِّرَ بَيْتُ الطِّرِمَّاحِ:

كحلْقومِ القَطاة أُمِرَّ شَزْراً،

كإمْرارِ المُحَدْرَجِ ذي الأُسونِ

(1). قوله [والأَسون وَهِيَ الْآسَانُ أَيْضًا] هذه الجملة ليست من عبارة التهذيب وهما جمعان لآسن كحمل لا لأَسينة

ص: 17

وَيُقَالُ: أَعطِني إسْناً مِنْ عَقَبٍ. والإِسْنُ: العَقَبةُ، والجمعُ أُسونٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:

وَلَا أَخا طريدةٍ وإسْنِ

وأَسَنَ الرجلُ لأَخيه يأْسِنُه ويأْسُنُه إِذَا كسَعَه برجلِه. أَبو عَمْرٍو: الأَسْنُ لُعْبة لَهُمْ يُسَمُّونَهَا الضَّبْطَة والمَسَّة. وآسانُ الرَّجُلِ: مَذاهبُه وأَخلاقُه؛ قَالَ ضابئٌ البُرْجُمِيّ فِي الآسانِ الأَخلاق:

وقائلةٍ لَا يُبْعِدُ اللهُ ضَابِئًا،

وَلَا تبْعَدَنْ آسَانُهُ وَشَمَائِلُهُ

والآسانُ والإِسانُ: الْآثَارُ القديمةُ. والأُسُن: بقيَّة الشَّحْمِ الْقَدِيمِ. وسَمِنت عَلَى أُسُنٍ أَي عَلَى أَثارة شَحْمٍ قَدِيمٍ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ يَعْقُوبُ: الأُسُنُ الشحمُ الْقَدِيمُ وَالْجَمْعُ آسانٌ. الْفَرَّاءُ: إِذَا أَبقيتَ مِنْ شَحْمِ النَّاقَةِ وَلَحْمِهَا بَقِيَّةً فاسمُها الأُسُنُ والعُسُنُ، وَجَمْعُهَا آسانٌ وأَعْسانٌ. يقال: سَمِنَت ناقتُه عَنْ أُسُنٍ أَي عَنْ شحمٍ قَدِيمٍ. وآسانُ الثّيابِ: مَا تقطَّع مِنْهَا وبَلِيَ. يُقَالُ: مَا بَقِيَ مِنَ الثَّوْبِ إِلَّا آسانٌ أَي بَقَايَا، وَالْوَاحِدُ أُسُنٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

يَا أَخَوَيْنا مِنْ تَميمٍ، عَرِّجا

نَسْتَخْبِر الرَّبْعَ كآسانِ الخَلَقْ

. وَهُوَ عَلَى آسانٍ مِنْ أَبيه أَي مَشابِهَ، واحدُها أُسُنٌ كعُسُنٍ. وَقَدْ تأَسَّنَ أَباه إِذَا تَقَيّله. أَبو عَمْرٍو: تأَسَّنَ الرجلُ أَباه إِذَا أَخذ أَخْلاقَه؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: إِذَا نزَعَ إِلَيْهِ فِي الشَّبَه. يُقَالُ: هُوَ على آسانٍ من أَبيه أَي عَلَى شَمائلَ مِنْ أَبيه وأَخْلاقٍ مِنْ أَبيه، واحدُها أُسُنٌ مِثْلُ خُلُقٍ وأَخلاق؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ تأَسَّنَ الرجلُ أَباه قَوْلُ بَشِيرٍ الْفَرِيرِيِّ:

تأَسَّنَ زيدٌ فِعْلَ عَمْرو وخالدٍ،

أُبُوّة صِدْقٍ مِنْ فريرٍ وبُحْتُر

. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الأُسُنُ الشبَهُ، وجمعُه آسانٌ؛ وأَنشد:

تعْرِفُ، فِي أَوْجُهِها البَشائِرِ،

آسانَ كلِّ أَفِقٍ مُشاجِرِ

. وَفِي حَدِيثِ

الْعَبَّاسِ فِي مَوْتِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم: قَالَ لعُمَرَ خَلِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ صَاحِبِنَا فَإِنَّهُ يأْسَنُ كَمَا يأْسَنُ الناسُ أَي يتغيَّر، وَذَلِكَ أَن عُمَرَ كَانَ قَدْ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، لَمْ يَمُتْ وَلَكِنَّهُ صَعِقَ كَمَا صَعِقَ مُوسَى، وَمَنَعَهُمْ عَنْ دَفْنِه.

وَمَا أَسَنَ لِذَلِكَ يأْسُنُ أَسْناً أَي مَا فَطَنَ. والتأَسُّنُ: التوهُّم والنِّسْيانُ. وأَسَنَ الشيءَ: أَثْبَتَه. والمآسِنُ: منابتُ العَرْفجِ. وأُسُنٌ: ماءٌ لَبَنِيِّ تَمِيمٍ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:

قَالَتْ سُلَيْمَى ببَطْنِ القاعِ مِنْ أُسُنٍ:

لَا خَيْرَ فِي العَيْشِ بعدَ الشَّيْبِ والكِبَر

وَرُوِيَ عَنِ

ابْنِ عُمَرَ: أَنه كَانَ فِي بيتِه الميْسُوسَنُ، فَقَالَ: أَخْرِجُوه فَإِنَّهُ رِجْسٌ

؛ قَالَ شَمِرٌ: قَالَ الْبَكْرَاوِيُّ المَيْسُوسَنُ شَيْءٌ تَجْعَلُهُ النساء في الغِسْلة لرؤوسهن.

أشن: الأُشْنةُ: شيءٌ مِنَ الطِّيبِ أَبيضُ كأَنه مقشورٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الأُشْنُ شَيْءٌ مِنَ الْعِطْرِ أبيضُ دَقِيقٌ كأَنه مقشورٌ مِنْ عِرْقٍ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: مَا أُراه عَرَبِيًّا. والأُشنانُ والإِشْنانُ مِنَ الْحَمْضِ: مَعْرُوفٌ الَّذِي يُغْسَل بِهِ الأَيْدِي، وَالضَّمُّ أَعلى. والأَوْشَنُ: الَّذِي يُزيّن الرجلَ وَيَقْعُدُ مَعَهُ عَلَى مَائِدَتِهِ يأْكل طعامَه، والله أَعلم.

أضن: إضانٌ: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ تَمِيمُ بْنُ مُقْبِلٍ:

تأَمَّلْ خلِيلي، هَلْ تَرَى مِنْ ظَعائنٍ

تَحَمَّلْنَ بالعَلْياءِ فوقَ إضانِ؟

وَيُرْوَى بِالطَّاءِ والظاء.

ص: 18

أطن: إطانٌ: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ وأَنشد بَيْتَ ابْنِ مُقْبِلٍ:

تأَمل خَلِيلِي، هَلْ تَرَى مِنْ ظعائن

تحملن بالعلياء فَوْقَ إِطَانِ؟

وَيُرْوَى إِظَانُ بالظاء المعجمة.

أطربن: الأَطْرَبونُ مِنَ الرُّومِ: الرئيسُ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: المُقدَّم فِي الْحَرْبِ؛ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَبْرة الحَرَشيّ:

فَإِنْ يَكُنْ أطْرَبونُ الرُّومِ قَطَّعها،

فَإِنَّ فِيهَا، بحَمْدِ اللَّهِ، مُنْتَفَعا

قَالَ ابْنُ جِنِّي: هِيَ خُمَاسِيَّةٌ كَعَضْرَفوط.

أظن: إظانٌ: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ تَمِيمُ بْنُ مُقْبِلٍ:

تأَمل خَلِيلِي، هَلْ تَرَى مِنْ ظعائن

تحملن بالعلياء فَوْقَ إِظَانِ؟

وَيُرْوَى بِالضَّادِ وبالطاء، وقد تقدم.

أفن: أَفَنَ الناقةَ والشاةَ يأْفِنُها أَفْناً: حلَبها فِي غَيْرِ حِينِهَا، وَقِيلَ: هُوَ استخراجُ جَمِيعِ مَا فِي ضَرْعِهَا. وأَفَنْتُ الإِبلَ إِذَا حلَبْتَ كلَّ مَا فِي ضَرْعِهَا. وأَفَنَ الحالبُ إِذَا لَمْ يدَعْ فِي الضَّرْع شَيْئًا. والأَفْنُ: الحَلْب خِلَافُ التَّحْيين، وَهُوَ أَن تَحْلُبَها أَنَّى شئتَ مِنْ غَيْرِ وَقْتٍ مَعْلُومٍ؛ قَالَ المُخبَّل:

إِذَا أُفِنَتْ أَرْوَى عِيالَك أَفْنُها،

وَإِنْ حُيّنَت أَرْبى عَلَى الوَطْبِ حِينُها

. وَقِيلَ: هُوَ أَن يحتَلِبها فِي كُلِّ وَقْتٍ. والتَّحْيِينُ: أَن تُحْلَب كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَرَّةً وَاحِدَةً. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: ومِن هَذَا قِيلَ للأَحمق مأْفونٌ، كأَنه نُزِع عَنْهُ عقلُه كلُّه. وأَفِنَت الناقةُ، بِالْكَسْرِ: قلَّ لبنُها، فَهِيَ أَفِنةٌ مَقْصُورَةٌ، وَقِيلَ: الأَفْنُ أَن تُحْلَبَ الناقةُ والشاةُ فِي غَيْرِ وَقْتِ حَلْبِها فَيُفْسِدُهَا ذَلِكَ. والأَفْنُ: النقصُ. والمُتأَفِّنُ المُتنقِّص. وَفِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ: إيّاكَ ومُشاوَرَةَ النِّسَاءِ فَإِنَّ رأْيَهنّ إِلَى أَفْنٍ

؛ الأَفْنُ: النقصُ. وَرَجُلٌ أَفينٌ ومأْفونٌ أَي ناقصُ العقلِ. وَفِي حَدِيثِ

عَائِشَةَ: قَالَتْ لِلْيَهُودِ عَلَيْكُمُ اللعنةُ والسامُ والأَفْنُ

؛ والأَفْنُ: نقصُ اللبَنِ. وأَفَنَ الفصيلُ مَا فِي ضَرْعِ أُمِّه إِذَا شرِبَه كلَّه. والمأْفونُ والمأْفوكُ جَمِيعًا مِنَ الرِّجَالِ: الَّذِي لَا زَوْرَ لَهُ وَلَا صَيُّورَ أَي لَا رأْيَ لَهُ يُرْجَعُ إِلَيْهِ. والأَفَنُ، بِالتَّحْرِيكِ: ضعفُ الرأْي، وَقَدْ أَفِنَ الرجلُ، بِالْكَسْرِ، وأُفِنَ، فَهُوَ مأْفونٌ وأَفينٌ. وَرَجُلٌ مأْفونٌ: ضعيفُ العقلِ والرأْيِ، وَقِيلَ: هُوَ المُتمدِّحُ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ، والأَول أَصح، وَقَدْ أفِنَ أَفْناً وأَفَناً. والأَفينُ: كالمأْفونِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي أَمثال الْعَرَبِ: كثرةُ الرِّقين تُعَفِّي عَلَى أَفْنِ الأَفِين أَي تُغطِّي حُمْقَ الأَحْمَق. وأَفَنَه اللَّهُ يأْفِنُه أَفْناً، فَهُوَ مأْفونٌ. وَيُقَالُ: مَا فِي فُلَانٍ آفِنةٌ أَي خَصْلَةٌ تأْفِنُ عقلَه؛ قَالَ الْكُمَيْتُ يَمْدَحُ زِيَادَ بْنَ مَعْقِل الأَسديّ:

مَا حَوَّلَتْك عَنِ اسْمِ الصِّدْقِ آفِنَةٌ

من العُيوبِ، ما يبرى بِالسَّيْبِ «1»

. يَقُولُ: مَا حَوَّلَتْك عَنِ الزِّيَادَةِ خَصلةٌ تنْقُصُك، وَكَانَ اسْمُهُ زِياداً. أَبو زَيْدٍ: أُفِنَ الطعامُ يُؤْفَنُ أَفْناً، وَهُوَ مأْفونٌ، لِلَّذِي يُعْجِبُك وَلَا خَيْرَ فِيهِ. والجَوْزُ المأْفونُ: الحَشَف. وَمِنْ أَمثال الْعَرَبِ: البِطْنةُ تأْفِنُ الفِطْنَة؛ يُرِيدُ أَن الشِّبَعَ والامْتِلاءَ يُضْعف الفِطنةَ أَي الشَّبْعان لَا يَكُونُ فَطِناً عَاقِلًا. وأَخذَ الشيءَ بإِفّانِه أَي بِزَمَانِهِ وأَوَّله، وَقَدْ يَكُونُ فِعْلاناً. وجاءَه عَلَى إفَّان ذَلِكَ أَي إِبَّانِهِ وعلى حِينه.

(1). هكذا بالأَصل

ص: 19

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إفَّانٌ فِعْلانٌ، وَالنُّونُ زَائِدَةٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ أَتيتُه عَلَى إِفّانِ ذَلِكَ وأَفَفِ ذَلِكَ. قَالَ: والأَفينُ الفَصيل، ذَكَرًا كَانَ أَو أُنثى. والأَفانى: نبتٌ، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ شَجَرٌ بِيضٌ؛ وأَنشد:

كأَنّ الأَفانى سَبيبٌ لَهَا،

إِذَا التَفَّ تحتَ عَناصي الوَبَرْ

وقال أَبو حَنِيفَةَ: الأَفانى مِنَ العُشْب وهو غَبْرَاءُ لَهَا زَهْرَةٌ حَمْرَاءُ وَهِيَ طيِّبةٌ تَكْثُرُ وَلَهَا كَلَأٌ يَابِسٌ، وَقِيلَ: الأَفانى شَيْءٌ يَنْبُتُ كأَنه حَمْضةٌ يُشَبَّه بِفِرَاخِ القَطا حِينَ يُشَوِّك تبدَأُ بَقْلَةً ثُمَّ تَصِيرُ شَجَرَةً خَضْرَاءَ غَبْرَاءَ؛ قَالَ النَّابِغَةُ فِي وَصْفِ حَمِير:

توالِبُ تَرْفَعُ الأَذْنابَ عَنْهَا،

شَرَى أَسْتاههنَّ مِنَ الأَفانى

وَزَادَ أَبو الْمَكَارِمِ: أَن الصبْيان يَجْعَلُونَهَا كَالْخَوَاتِمِ فِي أَيديهم، وأَنها إِذَا يَبِسَت وابيضَّتْ شَوَّكت، وشوْكَها الحَماطُ، وَهُوَ لَا يَقَعُ فِي شَرَابٍ إِلَّا رِيحَ مَنْ شرِبه؛ وقال أَبو السَّمْح: هِيَ مِنَ الجَنْبة شَجَرَةٌ صَغِيرَةٌ، مُجْتَمِعٌ وَرَقُهَا كالكُبَّة، غُبَيراء مَلِيسٌ وَرَقَهَا، وَعِيدَانُهَا شِبْه الزَّغَب، لَهَا شُوَيكٌ لَا تَكَادُ تستَبينُه، فَإِذَا وَقَعَ عَلَى جِلْدِ الإِنسان وجَدَه كأَنه حريقُ نَارٍ، وَرُبَّمَا شَرِيَ مِنْهُ الجلدُ وَسَالَ مِنْهُ الدَّمُ. التهذيب: والأَفانى نَبْتٌ أَصفر وأَحمر، وَاحِدَتُهُ أَفانِية. الْجَوْهَرِيُّ: والأَفانى نبتٌ مَا دَامَ رَطْباً، فَإِذَا يَبِسَ فَهُوَ الحَماطُ، وَاحِدَتُهَا أَفانية مِثْلُ يمانيةٍ، وَيُقَالُ: هُوَ عِنَب الثَّعْلَبِ، ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي فَصْلِ فَنِيَ، وَذَكَرَهُ اللُّغَوِيُّ فِي فَصْلِ أَفن، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهُوَ غلط.

أقن: الأُقْنةُ: الحُفرة فِي الأَرض، وَقِيلَ: فِي الْجَبَلِ، وَقِيلَ: هِيَ شِبْهُ حُفْرَةٍ تَكُونُ فِي ظُهُورِ القِفاف وأَعالي الْجِبَالِ، ضيِّقةُ الرأْس، قعْرُها قَدْرُ قَامَةٍ أَو قَامَتَيْنِ خِلْقةً، وَرُبَّمَا كَانَتْ مَهْواة بَيْنَ شَقَّين. قَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: بُيُوتُ الْعَرَبِ سِتَّةٌ: قُبَّةٌ مِنْ أَدَمٍ، ومِظَلَّة مِنْ شعَر، وخِباءٌ مِنْ صوفٍ، وَبِجَادٌ مِنْ وَبَر، وَخَيْمَةٌ مِنْ شَجَرٍ، وأُقْنة مِنْ حَجَرٍ، وَجَمْعُهَا أُقَنٌ. ابْنُ الأَعرابي: أَوْقَنَ الرجلُ إِذَا اصْطَادَ الطيرَ مِنْ وُقْنَتِه، وَهِيَ مَحْضِنُه، وَكَذَلِكَ يُوقَنُ إِذَا اصْطَادَ الْحَمَامَ مِنْ مَحاضِنها فِي رؤُوس الْجِبَالِ. والتَّوَقُّن: التَّوَقُّل فِي الْجَبَلِ، وَهُوَ الصُّعُودُ فِيهِ. أَبو عُبَيْدَةَ: الوُقْنةُ والأُقْنةُ والوُكْنةُ مَوْضِعُ الطَّائِرِ فِي الْجَبَلِ، وَالْجَمْعُ الأُقَنات والوُقَنات والوُكَنات؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:

فِي شَناظِي أُقَنٍ، بينَها

عُرَّةُ الطيرِ كصَوم النَّعامِ

الْجَوْهَرِيُّ: الأُقْنةُ بَيْتٌ يُبْنى مِنْ حَجَرٍ، وَالْجَمْعُ أُقَنٌ مِثْلُ رُكْبة ورُكَب، وأَنشد بَيْتَ الطرماح.

ألن: فَرَسٌ أَلِنٌ: مُجْتَمِعٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ؛ قَالَ الْمَرَّارُ الْفَقْعَسِيُّ:

أَلِنٌ إذْ خَرَجَتْ سَلَّتُه،

وهِلًا تَمْسَحُه، ما يَسْتَقِرّ.

ألبن: قَالَ ابْنُ الأَثير: أَلْبُونُ، بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، مَدِينَةٌ بِالْيَمَنِ زَعَمُوا أَنها ذاتُ الْبِئْرِ المُعطَّلة وَالْقَصْرِ المَشيد، قَالَ: وَقَدْ تُفْتَحُ الْبَاءُ.

ألين: فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ حصين أَلْيُون؛ هو بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَضَمِّ الْيَاءِ، اسْمُ مَدِينَةِ مِصْرَ قَدِيمًا فَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ وسمَّوْها الفُسْطاطَ؛ ذَكَرَهُ ابْنُ الأَثير،

ص: 20

قَالَ: وأَلْبُونُ، بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، مدينةٌ بِالْيَمَنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذكرها، والله أَعلم.

أمن: الأَمانُ والأَمانةُ بِمَعْنًى. وَقَدْ أَمِنْتُ فأَنا أَمِنٌ، وآمَنْتُ غَيْرِي مِنَ الأَمْن والأَمان. والأَمْنُ: ضدُّ الْخَوْفِ. والأَمانةُ: ضدُّ الخِيانة. والإِيمانُ: ضدُّ الْكُفْرِ. والإِيمان: بِمَعْنَى التَّصْدِيقِ، ضدُّه التَّكْذِيبُ. يُقَالُ: آمَنَ بِهِ قومٌ وكذَّب بِهِ قومٌ، فأَما آمَنْتُه الْمُتَعَدِّي فَهُوَ ضدُّ أَخَفْتُه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ

. ابْنُ سِيدَهْ: الأَمْنُ نَقِيضُ الْخَوْفِ، أَمِن فلانٌ يأْمَنُ أَمْناً وأَمَناً؛ حَكَى هَذِهِ الزَّجَّاجُ، وأَمَنةً وأَماناً فَهُوَ أَمِنٌ. والأَمَنةُ: الأَمْنُ؛ وَمِنْهُ: أَمَنَةً نُعاساً

، وإذ يَغْشاكم النعاسُ أَمَنةً مِنْهُ، نصَب أَمَنةً لأَنه مَفْعُولٌ لَهُ كَقَوْلِكَ فَعَلْتُ ذَلِكَ حَذَر الشَّرِّ؛ قَالَ ذَلِكَ الزَّجَّاجُ. وَفِي حَدِيثِ نُزُولِ الْمَسِيحِ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:

وَتَقَعُ الأَمَنةُ فِي الأَرض

أَي الأَمْنُ، يُرِيدُ أَن الأَرض تَمْتَلِئُ بالأَمْن فَلَا يَخَافُ أَحدٌ مِنَ النَّاسِ وَالْحَيَوَانِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

النُّجومُ أَمَنةُ السَّمَاءَ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النجومُ أَتى السماءَ مَا تُوعَد، وأَنا أَمَنةٌ لأَصحابي فَإِذَا ذهبتُ أَتى أَصحابي مَا يُوعَدون، وأَصحابي أَمَنةٌ لأُمَّتي فَإِذَا ذهبَ أَصْحَابِي أَتى الأُمَّةَ مَا تُوعَد

؛ أَراد بِوَعْد السَّمَاءِ انشقاقَها وذهابَها يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وذهابُ النُّجُومِ: تكوِيرُها وانكِدارُها وإعْدامُها، وأَراد بوَعْد أَصحابه مَا وَقَعَ بَيْنَهُمْ مِنَ الفِتَن، وَكَذَلِكَ أَراد بوعْد الأُمّة، والإِشارةُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى مَجِيءِ الشَّرِّ عِنْدَ ذهابِ أَهل الْخَيْرِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ بَيْنَ النَّاسِ كَانَ يُبَيِّن لَهُمْ مَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَلَمَّا تُوفِّي جَالَتِ الآراءُ وَاخْتَلَفَتِ الأَهْواء، فَكَانَ الصَّحابةُ يُسْنِدونَ الأَمرَ إِلَى الرَّسُولِ فِي قَوْلٍ أَو فِعْلٍ أَو دَلَالَةِ حَالٍ، فَلَمَّا فُقِدَ قَلَّت الأَنوارُ وقَويَت الظُّلَمُ، وَكَذَلِكَ حالُ السَّمَاءِ عِنْدَ ذَهَابِ النُّجُومِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: والأَمَنةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَمْعُ أَمينٍ وَهُوَ الْحَافِظُ. وَقَوْلُهُ عز وجل: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً

؛ قَالَ أَبو إسحق: أَراد ذَا أَمْنٍ، فَهُوَ آمِنٌ وأَمِنٌ وأَمِين؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَرَجُلٌ أَمِن وأَمين بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ

؛ أَي الآمِن، يَعْنِي مَكَّةَ، وَهُوَ مِنَ الأَمْنِ؛ وَقَوْلُهُ:

أَلم تعْلمِي، يَا أَسْمَ، ويحَكِ أَنني

حلَفْتُ يَمِينًا لَا أَخونُ يَميني

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: إِنَّمَا يُرِيدُ آمنِي. ابْنُ السِّكِّيتِ: والأَمينُ المؤتمِن. والأَمين: المؤتَمَن، مِنَ الأَضداد؛ وأَنشد ابْنُ اللَّيْثِ أَيضاً: لَا أَخونُ يَمِيني أَي الَّذِي يأْتَمِنُني. الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ الأَمينُ المأْمونُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: لَا أَخون أَميني أَي مأْمونِي. وَقَوْلُهُ عز وجل: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ

؛ أَي قَدْ أَمِنُوا فِيهِ الغِيَرَ. وأَنتَ فِي آمِنٍ أَي فِي أَمْنٍ كَالْفَاتِحِ. وَقَالَ أَبو زِيَادٍ: أَنت فِي أَمْنٍ مِنْ ذَلِكَ أَي فِي أَمانٍ. وَرَجُلٌ أُمَنَةٌ: يأْمَنُ كلَّ أَحد، وَقِيلَ: يأْمَنُه الناسُ وَلَا يَخَافُونَ غائلَته؛ وأُمَنَةٌ أَيضاً: موثوقٌ بِهِ مأْمونٌ، وَكَانَ قياسُه أُمْنةً، أَلا تَرَى أَنه لَمْ يعبَّر عَنْهُ هَاهُنَا إِلَّا بِمَفْعُولٍ؟ اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ مَا آمَنْتُ أَن أَجِدَ صَحَابَةً إِيمَانًا أَي مَا وَثِقْت، والإِيمانُ عِنْدَهُ الثِّقةُ. وَرَجُلٌ أَمَنةٌ، بِالْفَتْحِ: لِلَّذِي يُصَدِّق بِكُلِّ مَا يَسْمَعُ وَلَا يُكَذِّب بِشَيْءٍ. وَرَجُلٌ أَمَنةٌ أَيضاً إِذَا كَانَ يَطْمَئِنُّ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ ويَثِقُ بِكُلِّ أَحد، وَكَذَلِكَ الأُمَنَةُ، مِثَالُ الهُمَزة. وَيُقَالُ: آمَنَ فلانٌ العدُوَّ إِيمَانًا، فأَمِنَ يأْمَنُ، والعدُوُّ مُؤْمَنٌ، وأَمِنْتُه عَلَى كَذَا وأْتَمَنْتُه بِمَعْنًى، وَقُرِئَ:

مَا لَك لَا تأَمَننا عَلَى يُوسُفَ

، بَيْنَ الإِدغامِ والإِظهارِ؛ قَالَ الأَخفش: والإِدغامُ أَحسنُ.

ص: 21

وَتَقُولُ: اؤتُمِن فلانٌ، عَلَى مَا لَمْ يُسمَّ فاعلُه، فَإِنِ ابتدأْت بِهِ صيَّرْت الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ وَاوًا، لأَن كلَّ كَلِمَةٍ اجْتَمَعَ فِي أَولها هَمزتانِ وَكَانَتِ الأُخرى مِنْهُمَا سَاكِنَةً، فَلَكَ أَن تُصَيِّرها وَاوًا إِذَا كَانَتِ الأُولى مَضْمُومَةً، أَو يَاءً إِنْ كَانَتِ الأُولى مَكْسُورَةً نَحْوَ إيتَمَنه، أَو أَلفاً إِنْ كَانَتِ الأُولى مَفْتُوحَةً نَحْوَ آمَنُ. وَحَدِيثُ

ابْنِ عُمَرَ: أَنه دَخَلَ عَلَيْهِ ابنُه فَقَالَ: إِنِّي لَا إيمَنُ أَن يَكُونَ بَيْنَ الناسِ قتالٌ

أَي لَا آمَنُ، فَجَاءَ بِهِ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَكْسِرُ أَوائل الأَفعال الْمُسْتَقْبَلَةِ نَحْوَ يِعْلَم ونِعْلم، فَانْقَلَبَتِ الأَلف يَاءً لِلْكَسْرَةِ قَبْلَهَا. واسْتأْمَنَ إِلَيْهِ: دَخَلَ فِي أَمانِه، وَقَدْ أَمَّنَه وآمَنَه. وقرأَ أَبو جَعْفَرٍ الْمَدَنِيُّ: لستَ مُؤَمَّناً أَي لَا نُؤَمِّنك. والمَأْمَنُ: موضعُ الأَمْنِ. والأَمِنُ: المستجيرُ ليَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

فأَحْسِبُوا لَا أَمْنَ مِنْ صِدْقٍ وبِرْ،

وَسَحِّ أَيْمانٍ قَليلاتِ الأَشرْ

أَي لَا إِجَارَةَ، أَحْسِبُوه: أَعطُوه مَا يَكْفيه، وقرئَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ:

إِنَّهُمْ لَا إِيمانَ لَهُمْ

؛ مَنْ قرأَه بِكَسْرِ الأَلف مَعْنَاهُ أَنهم إِنْ أَجارُوا وأَمَّنُوا الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَفُوا وغَدَروا، والإِيمانُ هَاهُنَا الإِجارةُ. والأَمانةُ والأَمَنةُ: نقيضُ الْخِيَانَةِ لأَنه يُؤْمَنُ أَذاه، وَقَدْ أَمِنَه وأَمَّنَه وأْتَمَنَهُ واتَّمَنه؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، وَهِيَ نَادِرَةٌ، وعُذْرُ مَن قَالَ ذَلِكَ أَن لَفْظَهُ إِذَا لَمْ يُدْغم يَصِيرُ إِلَى صُورَةِ مَا أَصلُه حرفُ لِينٍ، فَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي افْتَعَل مِنَ الأَكل إيتَكَلَ، وَمِنَ الإِزْرةِ إيتَزَرَ، فأَشْبه حينئذٍ إيتَعَدَ فِي لُغَةِ مَنْ لَمْ يُبْدِل الْفَاءَ يَاءً، فَقَالَ اتَّمَنَ لِقَوْلِ غَيْرِهِ إيتَمَنَ، وأَجود اللُّغَتَيْنِ إقرارُ الْهَمْزَةِ، كأَن تَقُولَ ائْتَمَنَ، وَقَدْ يُقَدِّر مثلُ هَذَا فِي قَوْلِهِمُ اتَّهَلَ، واسْتَأْمَنه كَذَلِكَ. وَتَقُولُ: اسْتَأْمَنني فلانٌ فآمَنْتُه أُومِنُهُ إِيمَانًا. وَفِي الْحَدِيثِ:

المُؤَذِّنُ مؤتَمَنٌ

؛ مُؤْتَمَنُ الْقَوْمِ: الَّذِي يثِقون إِلَيْهِ وَيَتَّخِذُونَهُ أَمِيناً حَافِظًا، تَقُولُ: اؤتُمِنَ الرَّجُلُ، فَهُوَ مُؤْتَمَن، يَعْنِي أَن المؤذِّنَ أَمينُ الناسِ عَلَى صَلَاتِهِمْ وَصِيَامِهِمْ. وَفِي الْحَدِيثِ:

المَجالِسُ بالأَمانةِ

؛ هَذَا ندْبٌ إِلى تركِ إعادةِ مَا يَجْرِي فِي الْمَجْلِسِ مِنْ قولٍ أَو فعلٍ، فكأَنَّ ذَلِكَ أَمانةٌ عِنْدَ مَن سَمِعه أَو رَآهُ، والأَمانةُ تَقَعُ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ وَالْوَدِيعَةِ والثِّقةِ والأَمان، وَقَدْ جَاءَ فِي كُلٍّ مِنْهَا حَدِيثٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:

الأَمانةُ غِنًى

أَي سَبَبُ الْغِنَى، وَمَعْنَاهُ أَن الرَّجُلَ إِذَا عُرِفَ بِهَا كثُر مُعاملوه فَصَارَ ذَلِكَ سَبَبًا لِغناه. وَفِي حَدِيثِ أَشْراطِ السَّاعَةِ:

والأَمانة مَغْنَماً

أَي يَرَى مَن فِي يَدِهِ أَمانةٌ أَن الخِيانَة فِيهَا غَنيمةٌ قَدْ غَنِمها. وَفِي الْحَدِيثِ:

الزَّرعُ أَمانةٌ والتاجِرُ فاجرٌ

؛ جَعَلَ الزَّرْعَ أَمانَةً لسلامتِه مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تَقَعُ فِي التِّجارة مِنَ التَّزَيُّدِ فِي الْقَوْلِ والحَلِف وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَيُقَالُ: مَا كَانَ فلانٌ أَميناً وَلَقَدْ أَمُنَ يأْمُنُ أَمانةً. ورجلٌ أَمينٌ وأُمّانٌ أَي لَهُ دينٌ، وَقِيلَ: مأْمونٌ بِهِ ثِقَةٌ؛ قَالَ الأَعشى:

ولَقَدْ شَهِدْتُ التّاجرَ الأُمّانَ

مَوْروداً شرابُهْ

التاجِرُ الأُمّانُ، بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ: هُوَ الأَمينُ، وَقِيلَ: هُوَ ذُو الدِّين والفضل، وقال بَعْضُهُمْ: الأُمّان الَّذِي لَا يكتب لأَنه أُمِّيٌّ، وقال بَعْضُهُمْ: الأُمّان الزُّرَّاعُ؛ وَقَوْلُ ابْنِ السِّكِّيتِ:

شَرِبْت مِنْ أَمْنِ دَواء المَشْي

يُدْعى المَشُوَّ، طعْمُه كالشَّرْي

الأَزهري: قرأْت فِي نَوَادِرِ الأَعراب أَعطيت فُلَانًا مِنْ أَمْنِ مَالِي، وَلَمْ يُفَسِّرْ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: كأَنَّ مَعْنَاهُ مِنْ خالِص مَالِي ومِنْ خَالِصِ دَواءِ المَشْي. ابْنُ

ص: 22

سِيدَهْ: مَا أَحْسَنَ أَمَنَتَك وإِمْنَك أَي دِينَكَ وخُلُقَكَ. وآمَنَ بِالشَّيْءِ: صَدَّقَ وأَمِنَ كَذِبَ مَنْ أَخبره. الْجَوْهَرِيُّ: أَصل آمَنَ أَأْمَنَ، بِهَمْزَتَيْنِ، لُيِّنَت الثَّانِيَةُ، وَمِنْهُ المُهَيْمِن، وأَصله مُؤَأْمِن، لُيِّنَتْ الثانيةُ وَقُلِبَتْ يَاءً وَقُلِبَتِ الأُولى هَاءً، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُهُ بِهَمْزَتَيْنِ لُيِّنَتْ الثَّانِيَةُ، صَوَابُهُ أَن يَقُولَ أُبدلت الثانية؛ وأَما مَا ذَكَرَهُ فِي مُهَيْمِن مِنْ أَن أَصلَه مُؤَأْمِن لُيِّنَتْ الهمزةُ الثَّانِيَةُ وَقُلِبَتْ يَاءً لَا يصحُّ، لأَنها سَاكِنَةٌ، وَإِنَّمَا تَخْفِيفُهَا أَن تُقْلَبَ أَلفاً لَا غَيْرُ، قَالَ: فَثَبَتَ بِهَذَا أَن مُهَيْمِناً منْ هَيْمَنَ فَهُوَ مُهَيْمِنٌ لَا غَيْرُ. وحدَّ الزجاجُ الإِيمانَ فَقَالَ: الإِيمانُ إظهارُ الْخُضُوعِ والقبولِ للشَّريعة ولِما أَتَى بِهِ النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، واعتقادُه وتصديقُه بِالْقَلْبِ، فَمَنْ كَانَ عَلَى هَذِهِ الصِّفة فَهُوَ مُؤْمِنٌ مُسْلِم غَيْرُ مُرْتابٍ وَلَا شاكٍّ، وَهُوَ الَّذِي يَرَى أَن أَداء الْفَرَائِضِ واجبٌ عَلَيْهِ لَا يَدْخُلُهُ فِي ذَلِكَ ريبٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا

؛ أَي بمُصدِّقٍ. والإِيمانُ: التصديقُ. التَّهْذِيبُ: وأَما الإِيمانُ فَهُوَ مَصْدَرُ آمَنَ يُؤْمِنُ إِيمَانًا، فَهُوَ مُؤْمِنٌ. واتَّفق أَهلُ الْعِلْمِ مِنَ اللُّغَويّين وَغَيْرِهِمْ أَن الإِيمانَ مَعْنَاهُ التَّصْدِيقُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا

«2» قَالَ: وَهَذَا مَوْضِعٌ يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى تَفْهيمه وأَين يَنْفَصِل المؤمِنُ مِنَ المُسْلِم وأَيْنَ يَسْتَويانِ، والإِسْلامُ إظهارُ الْخُضُوعِ وَالْقَبُولِ لِمَا أَتى بِهِ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، وَبِهِ يُحْقَنُ الدَّمُ، فَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ الإِظْهارِ اعتِقادٌ وَتَصْدِيقٌ بِالْقَلْبِ، فَذَلِكَ الإِيمانُ الَّذِي يُقَالُ لِلْمَوْصُوفِ بِهِ هُوَ مؤمنٌ مسلمٌ، وَهُوَ المؤمنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ غَيْرَ مُرْتابٍ وَلَا شاكٍّ، وَهُوَ الَّذِي يَرَى أَن أَداء الْفَرَائِضِ واجبٌ عَلَيْهِ، وأَن الجِهادَ بنفسِه وَمَالِهِ واجبٌ عَلَيْهِ لَا يَدْخُلُهُ فِي ذَلِكَ رَيْبٌ فَهُوَ المؤمنُ وَهُوَ المسلمُ حَقًّا، كَمَا قَالَ اللَّهُ عز وجل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ

؛ أَي أُولئك الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا مُؤْمِنُونَ فَهُمُ الصَّادِقُونَ، فأَما مَنْ أَظهرَ قَبولَ الشَّرِيعَةِ واسْتَسْلَم لِدَفْعِ الْمَكْرُوهِ فَهُوَ فِي الظَّاهِرِ مُسْلمٌ وباطِنُه غيرُ مصدِّقٍ، فَذَلِكَ الَّذِي يَقُولُ أَسْلَمْتُ لأَن الإِيمان لَا بُدَّ مِنْ أَن يَكُونَ صاحبُه صِدِّيقاً، لأَن قولَكَ آمَنْتُ بِاللَّهِ، أَو قَالَ قَائِلٌ آمَنْتُ بِكَذَا وَكَذَا فَمَعْنَاهُ صَدَّقْت، فأَخْرج اللَّهُ هَؤُلَاءِ مِنَ الإِيمان فَقَالَ: ولَمّا يدْخل الإِيمانُ فِي قُلوبِكم؛ أَي لَمْ تُصدِّقوا إِنَّمَا أَسْلَمْتُمْ تَعَوُّذاً مِنَ الْقَتْلِ، فالمؤمنُ مُبْطِنٌ مِنَ التَّصْدِيقِ مثلَ مَا يُظْهِرُ، والمسلمُ التامُّ الإِسلامِ مُظْهرٌ لِلطَّاعَةِ مؤمنٌ بِهَا، والمسلمُ الَّذِي أَظهر الإِسلامَ تعوُّذاً غيرُ مؤمنٍ فِي الْحَقِيقَةِ، إِلَّا أَن حُكْمَه فِي الظَّاهِرِ حكمُ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إخْوة يوسف لأَبيهم: ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ

؛ لَمْ يَخْتَلِفْ أَهل التَّفْسِيرِ أَنّ مَعْنَاهُ مَا أَنت بمُصدِّقٍ لَنَا، والأَصلُ فِي الإِيمان الدخولُ فِي صِدْقِ الأَمانةِ الَّتِي ائْتَمَنه اللَّهُ عَلَيْهَا، فَإِذَا اعْتَقَدَ التصديقَ بِقَلْبِهِ كَمَا صدَّقَ بلِسانِه فَقَدْ أَدّى الأَمانةَ وَهُوَ مؤمنٌ، وَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدِ التَّصْدِيقَ بِقَلْبِهِ فَهُوَ غَيْرُ مؤدٍّ للأَمانة الَّتِي ائْتَمَنَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا، وَهُوَ مُنافِقٌ، ومَن زَعَمَ أَن الإِيمان هُوَ إِظْهَارُ الْقَوْلِ دُونَ التصديقِ بِالْقَلْبِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ وَجْهَيْنِ أَحدهما أَن يَكُونَ مُنافِقاً يَنْضَحُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ تأْييداً لَهُمْ، أَو يَكُونَ جَاهِلًا لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَمَا يُقالُ لَهُ، أَخْرَجَه الجَهلُ واللَّجاجُ إِلى عِنادِ الحقِّ وتَرْكِ قبولِ الصَّوابِ، أَعاذنا اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الصِّفَةِ وَجَعَلَنَا مِمَّنْ عَلِم فاسْتَعْمل مَا عَلِم، أَو جَهِل

(2). الآية

ص: 23

فَتَعَلَّمَ مِمَّنْ عَلِمَ، وسلَّمَنا مِنْ آفَاتِ أَهل الزَّيْغ والبِدَع بمنِّه وَكَرَمِهِ. وَفِي قَوْلَ اللَّهِ عز وجل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ

؛ مَا يُبَيّنُ لَكَ أَن المؤمنَ هُوَ الْمُتَضَمِّنُ لِهَذِهِ الصِّفَةِ، وأَن مَن لَمْ يتضمّنْ هَذِهِ الصِّفَةَ فَلَيْسَ بمؤمنٍ، لأَن إِنَّمَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ تَجِيءُ لِتَثْبيتِ شيءٍ ونَفْيِ مَا خالَفَه، وَلَا قوّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. وأَما قَوْلُهُ عز وجل: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا

؛ فَقَدْ رُوِيَ

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنهما قَالَا: الأَمانةُ هَاهُنَا الفرائضُ الَّتِي افْتَرَضَها اللَّهُ تَعَالَى على عباده

؛ وقال

ابْنُ عُمَرَ: عُرِضَت عَلَى آدمَ الطاعةُ والمعصيةُ وعُرِّفَ ثوابَ الطَّاعَةِ وعِقَابَ المعْصية، قَالَ: وَالَّذِي عِنْدِي فِيهِ أَن الأَمانة هَاهُنَا النِّيّةُ الَّتِي يَعْتَقِدُهَا الإِنسان فِيمَا يُظْهِره بِاللِّسَانِ مِنَ الإِيمان ويؤَدِّيه مِنْ جَمِيعِ الْفَرَائِضِ فِي الظَّاهِرِ، لأَن اللَّهَ عز وجل ائْتَمَنَه عَلَيْهَا وَلَمْ يُظْهِر عَلَيْهَا أَحداً مِنْ خَلْقِه، فَمَنْ أَضْمر مِنَ التَّوْحِيدِ وَالتَّصْدِيقِ مثلَ مَا أَظهرَ فَقَدْ أَدَّى الأَمانةَ، وَمَنْ أَضمَر التكذيبَ وَهُوَ مُصَدِّقٌ بِاللِّسَانِ فِي الظَّاهِرِ فَقَدْ حَمَل الأَمانةَ وَلَمْ يؤدِّها، وكلُّ مَنْ خَانَ فِيمَا اؤتُمِنَ عَلَيْهِ فَهُوَ حامِلٌ، والإِنسان فِي قَوْلِهِ: وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ؛ هُوَ الْكَافِرُ الشاكُّ الَّذِي لَا يُصدِّق، وَهُوَ الظَّلُوم الجهُولُ، يَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً.

وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، صلى الله عليه وسلم: الإِيمانُ أَمانةٌ وَلَا دِينَ لِمَنْ لا أَمانةَ لَهُ.

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:

لَا إيمانَ لِمَنْ لا أَمانةَ لَهُ.

وَقَوْلُهُ عز وجل: فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: المؤمِنُ بِالْقَلْبِ والمُسلِمُ بِاللِّسَانِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: صفةُ الْمُؤْمِنِ بِاللَّهِ أَن يَكُونَ رَاجِيًا ثوابَه خَاشِيًا عِقَابَهُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ

؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: يُصَدِّق اللهَ ويُصدق الْمُؤْمِنِينَ، وأَدخل اللام للإِضافة، فأَما قول بَعْضُهُمْ: لَا تجِدُه مُؤْمِنًا حَتَّى تجِدَه مؤمنَ الرِّضا مؤمنَ الْغَضَبِ أَي مؤمِناً عندَ رِضَاهُ مُؤْمِنًا عِنْدَ غَضَبِهِ. وَفِي حَدِيثِ

أَنس: أَن النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: المؤمنُ مَن أَمِنَه الناسُ، والمسلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسانه ويَدِه، والمُهاجِرُ مَنْ هَجَر السُّوءَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يدخلُ رجلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جارُهُ بوائقَه.

وَفِي الْحَدِيثِ

عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَتى رجلٌ رسولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وقال: مَنِ المُهاجرُ؟ فَقَالَ: مَنْ هجَر السيئاتِ، قَالَ: فمَن المؤمنُ؟ قَالَ: مَنِ ائْتَمَنه النَّاسُ عَلَى أَموالِهم وأَنفسهم، قَالَ: فَمَن المُسلِم؟ قَالَ: مَن سلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لسانِه وَيَدِهِ، قَالَ: فمَن المجاهدُ؟ قَالَ: مَنْ جاهدَ نفسَه.

قَالَ النَّضْرُ: وَقَالُوا لِلْخَلِيلِ مَا الإِيمانُ؟ قَالَ: الطُّمأْنينةُ، قَالَ: وَقَالُوا لِلْخَلِيلِ تَقُولُ أَنا مؤمنٌ، قَالَ: لَا أَقوله، وَهَذَا تَزْكِيَةٌ. ابْنُ الأَنباري: رَجُلٌ مُؤمِنٌ مُصَدِّقٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ. وآمَنْت بِالشَّيْءِ إِذَا صَدَّقْت بِهِ؛ وقال الشَّاعِرُ:

ومِنْ قَبْل آمَنَّا، وَقَدْ كانَ قَوْمُنا

يُصلّون للأَوثانِ قبلُ، مُحَمَّدًا

مَعْنَاهُ وَمِنْ قبلُ آمَنَّا مُحَمَّدًا أَي صدَّقناه، قَالَ: والمُسلِم المُخْلِصُ لله الْعِبَادَةَ. وَقَوْلُهُ عز وجل فِي قِصَّةِ مُوسَى، عليه السلام: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ

؛ أَراد أَنا أوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ بأَنّك لَا تُرَى فِي الدُّنْيَا. وَفِي الْحَدِيثِ:

نَهْرانِ مؤمنانِ ونَهْرانِ كافرانِ: أَما المؤمنانِ

ص: 24

فالنيلُ والفراتُ، وأَما الْكَافِرَانِ فدِجْلةُ ونهْرُ بَلْخ

، جَعَلَهُمَا مؤمنَيْن عَلَى التَّشْبِيهِ لأَنهما يفيضانِ عَلَى الأَرضِ فيَسقِيانِ الحَرْثَ بلا مَؤُونةٍ، وَجَعَلَ الآخَرَيْنِ كافِرَيْن لأَنهما لَا يسقِيانِ وَلَا يُنْتَفَعُ بهما إلا بمؤونة وكُلفةٍ، فَهَذَانِ فِي الخيرِ والنفعِ كالمُؤْمِنَيْنِ، وَهَذَانِ فِي قلَّة النَّفْعِ كالكافِرَين. وَفِي الْحَدِيثِ:

لَا يَزْني الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ

؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ النَّهْي وَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ الْخَبَرِ، والأَصلُ حذْفُ الْيَاءِ مِنْ يَزْني أَي لَا يَزْنِ المؤمنُ وَلَا يَسْرِقْ وَلَا يَشْرَبْ، فَإِنَّ هَذِهِ الأَفعال لَا تليقُ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَقِيلَ: هُوَ وعيدٌ يُقْصَدُ بِهِ الرَّدْع، كَقَوْلِهِ عليه السلام:

لَا إيمانَ لمنْ لا أمانة له

،

والمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الناسُ مِنْ لِسانِه ويدِه

، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا يَزْني وَهُوَ كاملُ الإِيمانِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَن الْهَوَى يُغطِّي الإِيمانَ، فصاحِبُ الهَوى لَا يَزني إِلَّا هَوَاهُ وَلَا ينْظُر إِلَى إِيمَانِهِ النَّاهِي لَهُ عَنِ ارتكابِ الْفَاحِشَةِ، فكأَنَّ الإِيمانَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ قد انْعَدم، قال: وَقَالَ

ابْنُ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما: الإِيمانُ نَزِهٌ، فإِذا أَذْنَبَ العبدُ فارَقَه

؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

إِذَا زَنَى الرجلُ خرجَ مِنْهُ الإِيمانُ فَكَانَ فوقَ رأْسه كالظُّلَّةِ، فإِذا أَقْلَع رجَع إِلَيْهِ الإِيمانُ

، قَالَ: وكلُّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْمَجَازِ ونَفْي الكمالِ دُونَ الْحَقِيقَةِ وَرَفْعِ الإِيمان وإِبْطالِه. وَفِي حَدِيثِ الْجَارِيَةِ:

أَعْتِقْها فَإِنَّهَا مُؤمِنةٌ

؛ إِنَّمَا حكَمَ بإيمانِها بمُجرَّد سُؤاله إِيَّاهَا: أَين اللَّهُ؟ وإشارَتِها إِلَى السَّمَاءِ، وَبُقُولِهِ لَهَا: مَنْ أَنا؟ فأَشارت إِلَيْهِ وَإِلَى السَّمَاءِ، يَعْنِي أَنْتَ رسولُ اللَّهِ، وَهَذَا الْقَدْرُ لَا يَكْفِي فِي ثُبُوتِ الإِسلام والإِيمان دُونَ الإِقرار بالشهادَتَيْن والتبرِّي مِنْ سَائِرِ الأَديان، وَإِنَّمَا حَكَمَ عليه السلام بِذَلِكَ لأَنه رَأَى مِنْهَا أَمارة الإِسلام وكوْنَها بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَتَحْتَ رِقِّ المُسْلِم، وَهَذَا الْقَدْرُ يَكْفِي علَماً لِذَلِكَ، فَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا عُرِضَ عَلَيْهِ الإِسلامُ لَمْ يُقْتَصَرْ مِنْهُ عَلَى قَوْلِهِ إِنِّي مُسْلِمٌ حَتَّى يَصِفَ الإِسلامَ بِكَمَالِهِ وشرائِطه، فَإِذَا جَاءَنَا مَنْ نَجْهَل حالَه فِي الْكُفْرِ والإِيمان فَقَالَ إِنِّي مُسْلِم قَبِلْناه، فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ أَمارةُ الإِسلامِ مِنْ هَيْئَةٍ وشارةٍ ودارٍ كَانَ قبولُ قَوْلِهِ أَولى، بَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بالإِسلام وإنْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا. وَفِي حَدِيثِ

عُقْبة بْنِ عَامِرٍ: أَسْلم الناسُ وآمَنَ عمرُو بْنُ الْعَاصِ

؛ كأَنَّ هَذَا إشارةٌ إِلَى جماعةٍ آمَنوا مَعَهُ خَوْفًا مِنَ السَّيْفِ وأنَّ عَمْراً كَانَ مُخْلِصاً فِي إِيمَانِهِ، وَهَذَا مِنَ الْعَامِّ الَّذِي يُرادُ بِهِ الْخَاصُّ. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَا مِنْ نبيٍّ إلَّا أُعْطِيَ منَ الآياتِ مَا مثلُه آمَنَ عَلَيْهِ البَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وحْياً أَوْحاهُ اللهُ إِليَ

أَي آمَنوا عِنْدَ مُعايَنة مَا آتَاهُمْ مِنَ الآياتِ والمُعْجِزات، وأَراد بالوَحْيِ إعْجازَ الْقُرْآنِ الَّذِي خُصَّ بِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ المُنزَّلة كَانَ مُعْجِزاً إِلَّا الْقُرْآنُ. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَنْ حَلَف بالأَمانةِ فَلَيْسَ مِنَّا

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُشْبِهُ أَن تَكُونَ الكراهةُ فِيهِ لأَجل أَنه أُمِر أَن يُحْلَفَ بأَسماءِ اللَّهِ وصفاتِه، والأَمانةُ أَمرٌ مِنْ أُمورِه، فنُهُوا عَنْهَا مِنْ أَجل التَّسْوِيَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَسماء اللَّهِ، كَمَا نُهوا أَن يحلِفوا بِآبَائِهِمْ. وَإِذَا قَالَ الحالفُ: وأَمانةِ اللَّهِ، كَانَتْ يَمِينًا عِنْدَ أَبي حَنِيفَةَ، والشافعيُّ لَا يعدُّها يَمِينًا. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دينَكَ وأَمانتَكَ

أَي أَهلك ومَنْ تُخَلِّفُه بَعْدَكَ مِنْهُمْ، ومالَكَ الَّذِي تُودِعُه وتستَحْفِظُه أَمِينَك ووكِيلَكَ. والأَمينُ: القويُّ لأَنه يُوثَقُ بقوَّتِه. وناقةٌ أَمون: أَمينةٌ وثِيقةُ الخَلْقِ، قَدْ أُمِنَتْ أَن تَكُونَ ضَعِيفَةً، وَهِيَ الَّتِي أُمِنتْ العِثَارَ والإِعْياءَ، وَالْجَمْعُ أُمُنٌ، قَالَ: وَهَذَا فعولٌ جَاءَ فِي مَوْضِعِ

ص: 25

مَفْعولةٍ، كَمَا يُقَالُ: نَاقَةٌ عَضوبٌ وحَلوبٌ. وآمِنُ المالِ: مَا قَدْ أَمِنَ لنفاسَتِه أَن يُنْحَرَ، عنَى بِالْمَالِ الإِبلَ، وَقِيلَ: هُوَ الشريفُ مِنْ أَيِّ مالٍ كانَ، كأَنه لَوْ عَقَلَ لأَمِنَ أَن يُبْذَل؛ قَالَ الحُوَيْدرة:

ونَقِي بآمِنِ مالِنا أَحْسابَنا،

ونُجِرُّ فِي الهَيْجا الرِّماحَ وندَّعي

. قولُه: ونَقِي بآمِنِ مالِنا «3» . أَي ونَقِي بخالِصِ مالِنا، نَدَّعي نَدْعُو بأَسمائنا فَنَجْعَلُهَا شِعاراً لَنَا فِي الْحَرْبِ. وآمِنُ الحِلْم: وَثِيقُه الَّذِي قَدْ أَمِنَ اخْتِلاله وانْحِلاله؛ قَالَ:

والخَمْرُ لَيْسَتْ منْ أَخيكَ، ولكنْ

قَدْ تَغُرُّ بآمِنِ الحِلْمِ

ويروى: تَخُون بثامِرِ الحِلْمِ أَي بتامِّه. التَّهْذِيبُ: والمُؤْمنُ مِن أَسماءِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي وَحَّدَ نفسَه بِقَوْلِهِ: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ، وَبِقَوْلِهِ: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ، وَقِيلَ: المُؤْمِنُ فِي صِفَةِ اللَّهِ الَّذِي آمَنَ الخلقَ مِنْ ظُلْمِه، وَقِيلَ: المُؤْمن الَّذِي آمَنَ أَوْلياءَه عذابَه، قَالَ: قَالَ ابْنُ الأَعرابي قَالَ الْمُنْذِرِيُّ سَمِعْتُ أَبا الْعَبَّاسِ يَقُولُ: المُؤْمنُ عِنْدَ الْعَرَبِ المُصدِّقُ، يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُصدّق عبادَه الْمُسْلِمِينَ يومَ الْقِيَامَةِ إِذَا سُئلَ الأُمَمُ عَنْ تَبْلِيغِ رُسُلِهم، فَيَقُولُونَ: مَا جَاءَنَا مِنْ رسولٍ وَلَا نَذِيرٍ، ويكذِّبون أَنبياءَهم، ويُؤْتَى بأُمَّة مُحَمَّدٍ فيُسْأَلون عَنْ ذَلِكَ فيُصدِّقونَ الماضِينَ فيصدِّقُهم اللَّهُ، ويصدِّقهم النبيُّ مُحَمَّدٌ، صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَكَيْفَ إِذا

جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً، وَقَوْلُهُ: وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ

؛ أَي يصدِّقُ المؤْمنين؛ وَقِيلَ: المُؤْمن الَّذِي يَصْدُق عبادَه، مَا وَعَدَهم، وكلُّ هَذِهِ الصِّفَاتِ لِلَّهِ عز وجل لأَنه صَدَّق بِقَوْلِهِ مَا دَعَا إِلَيْهِ عبادَه مِنْ تَوْحِيدٍ، وكأَنه آمَنَ الخلقَ مِنْ ظُلْمِه وَمَا وَعَدَنا مِنَ البَعْثِ والجنَّةِ لِمَنْ آمَنَ بِهِ، والنارِ لِمَنْ كفرَ بِهِ، فَإِنَّهُ مصدِّقٌ وعْدَه لَا شَرِيكَ لَهُ. قَالَ ابْنُ الأَثير: فِي أَسماء اللَّهِ تَعَالَى المُؤْمِنُ، هُوَ الَّذِي يَصْدُقُ عبادَه وعْدَه فَهُوَ مِنَ الإِيمانِ التصديقِ، أَو يُؤْمِنُهم فِي الْقِيَامَةِ عذابَه فَهُوَ مِنَ الأَمانِ ضِدِّ الْخَوْفِ. الْمُحْكَمِ: المُؤْمنُ اللهُ تَعَالَى يُؤْمِنُ عبادَه مِنْ عذابِه، وَهُوَ الْمُهَيْمِنُ؛ قَالَ الْفَارِسِيُّ: الهاءُ بدلٌ مِنَ الْهَمْزَةِ وَالْيَاءُ مُلْحِقةٌ ببناء مُدَحْرِج؛ وقال ثَعْلَبٌ: هُوَ المُؤْمِنُ المصدِّقُ لعبادِه، والمُهَيْمِنُ الشاهدُ عَلَى الشَّيْءِ القائمُ عَلَيْهِ. والإِيمانُ: الثِّقَةُ. وَمَا آمنَ أَن يَجِدَ صَحابةً أَي مَا وَثِقَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَا كادَ. والمأْمونةُ مِنَ النِّسَاءِ: المُسْتراد لِمِثْلِهَا. قَالَ ثَعْلَبٌ: فِي الْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ

مَا آمَنَ بِي مَن باتَ شَبْعانَ وجارُه جائعٌ

؛ مَعْنَى مَا آمَنَ بِي شديدٌ أَي يَنْبَغِي لَهُ أَن يُواسيَه. وآمينَ وأَمينَ: كلمةٌ تُقَالُ فِي إثْرِ الدُّعاء؛ قَالَ الْفَارِسِيُّ: هِيَ جملةٌ مركَّبة مِنْ فعلٍ وَاسْمٍ، مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لِي، قَالَ: ودليلُ ذَلِكَ

أَن مُوسَى، عليه السلام، لَمَّا دَعَا عَلَى فِرْعَوْنَ وأَتباعه فَقَالَ: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ، قَالَ هَارُونُ، عليه السلام: آمِينَ

، فطبَّق الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَى آمينَ كَذَلِكَ يكونُ، وَيُقَالُ: أَمَّنَ الإِمامُ تأْميناً إِذَا قَالَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أُمِّ الكِتاب آمِينَ، وأَمَّنَ فلانٌ تأْميناً. الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِ الْقَارِئِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ آمينَ: فِيهِ لُغَتَانِ: تَقُولُ الْعَرَبُ أَمِينَ بِقَصْرِ الأَلف، وآمينَ بِالْمَدِّ، والمدُّ أَكثرُ، وأَنشد فِي لغة مَنْ قَصَر:

(3). قَوْلُهُ [وَنَقِي بِآمِنِ مَالِنَا] ضبط في الأَصل بكسر الميم، وعليه جرى شارح القاموس حيث قال هو كصاحب، وضبط في متن القاموس والتكملة بفتح الميم

ص: 26

تباعَدَ منِّي فُطْحُلٌ، إِذْ سأَلتُه

أَمينَ، فزادَ اللهُ ما بيْننا بُعْدا

وروى ثَعْلَبٌ فُطْحُل، بِضَمِّ الْفَاءِ وَالْحَاءِ، أَرادَ زادَ اللهُ مَا بَيْنَنَا بُعْداً أَمين؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:

سَقَى اللَّهُ حَيّاً بَيْنَ صارةَ والحِمَى،

حِمَى فَيْدَ صَوبَ المُدْجِناتِ المَواطرِ

أَمِينَ ورَدَّ اللهُ رَكْباً إليهمُ

بِخَيْرٍ، ووَقَّاهُمْ حِمامَ المقادِرِ

وَقَالَ عُمَر بْنُ أَبي رَبِيعَةَ فِي لُغَةِ مَنْ مدَّ آمينَ:

يَا ربِّ لَا تَسْلُبَنِّي حُبَّها أَبَداً،

ويرْحمُ اللهُ عَبْداً قَالَ: آمِينا

قَالَ: وَمَعْنَاهُمَا اللهمَّ اسْتَجِبْ، وَقِيلَ: هُوَ إيجابٌ ربِّ افْعَلْ قَالَ: وَهُمَا مَوْضُوعَانِ فِي مَوْضِعِ اسْمِ الاستحابةِ، كَمَا أَنَّ صَهْ موضوعٌ موضعَ سُكوتٍ، قَالَ: وحقُّهما مِنَ الإِعراب الوقفُ لأَنهما بِمَنْزِلَةِ الأَصْواتِ إِذَا كَانَا غيرَ مُشْتَقَّيْنِ مِنْ فعلٍ، إِلَّا أَن النُّونَ فُتِحت فِيهِمَا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَلَمْ تُكسر النونُ لِثِقَلِ الْكَسْرَةِ بَعْدَ الْيَاءِ، كَمَا فَتَحُوا أَينَ وكيفَ، وتشديدُ الْمِيمِ خطأٌ، وَهُوَ مبنيٌّ عَلَى الْفَتْحِ مِثْلَ أَينَ وَكَيْفَ لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: قَالَ أَحمد بْنُ يَحْيَى قَوْلُهُمْ آمِينَ هُوَ عَلَى إشْباع فتحةِ الْهَمْزَةِ، ونشأَت بَعْدَهَا أَلفٌ، قَالَ: فأَما قَوْلُ أَبي الْعَبَّاسِ إنَّ آمِينَ بِمَنْزِلَةِ عاصِينَ فَإِنَّمَا يريدُ بِهِ أَن الْمِيمَ خَفِيفَةٌ كصادِ عاصِينَ، لَا يُريدُ بِهِ حقيقةَ الْجَمْعِ، وَكَيْفَ ذلك وقد حكي عن الْحَسَنِ، رحمه الله، أَنه قَالَ: آمِينَ اسمٌ مِنْ أَسماء اللَّهِ عز وجل، وأَين لَكَ فِي اعْتِقَادِ مَعْنَى الْجَمْعِ مَعَ هَذَا التَّفْسِيرِ؟ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: آمِينَ اسْمٌ مِنْ أَسماء اللَّهِ؛ قَالَ الأَزهري: وَلَيْسَ يَصِحُّ كَمَا قَالَهُ عِنْدَ أَهل اللُّغَةِ أَنه بِمَنْزِلَةِ يَا اللَّهُ وأَضمر اسْتَجِبْ لِي، قَالَ: وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لرُفِعَ إِذَا أُجْرِي وَلَمْ يَكُنْ مَنْصُوبًا. وَرَوَى

الأَزهري عَنْ حُمَيْد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّه أُمِّ كُلْثومٍ بِنْتِ عُقبة فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ، قَالَتْ: غُشِيَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عوفٍ غَشيةَ ظَنُّوا أَنَّ نفْسَه خَرَجَتْ فِيهَا، فَخَرَجَتِ امرأَته أُم كُلْثُومٍ إِلَى الْمَسْجِدِ تسْتَعين بِمَا أُمِرَتْ أَن تسْتَعينَ بِهِ مِنَ الصَّبْرِ والصَّلاةِ، فَلَمَّا أَفاقَ قَالَ: أَغُشِيَ عليَّ؟ قَالُوا: نعمْ، قَالَ: صدَقْتُمْ، إِنَّهُ أَتاني مَلَكانِ فِي غَشْيَتِي فَقَالَا: انْطلِقْ نحاكِمْكَ إِلَى الْعَزِيزِ الأَمين، قَالَ: فانطَلَقا بِي، فلقِيَهُما مَلَكٌ آخرُ فَقَالَ: وأَين تُرِيدانِ بِهِ؟ قَالَا: نُحَاكِمُهُ إِلَى الْعَزِيزِ الأَمين، قَالَ: فارْجِعاه فَإِنَّ هَذَا مِمَّنْ كتَب اللَّهُ لَهُمُ السعادةَ وَهُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتهم، وسَيُمَتِّعُ اللَّهُ بِهِ نبيَّه مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: فَعَاشَ شَهْرًا ثُمَّ ماتَ.

والتَّأْمينُ: قولُ آمينَ. وَفِي حَدِيثِ

أَبي هُرَيْرَةَ: أَن النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: آمِينَ خاتَمُ ربِّ الْعَالَمِينَ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ

؛ قَالَ أَبو بَكْرٍ: مَعْنَاهُ أَنه طابَعُ اللَّهِ عَلَى عبادِه لأَنه يَدْفعُ بِهِ عَنْهُمُ الْآفَاتِ والبَلايا، فَكَانَ كخاتَم الْكِتَابِ الَّذِي يَصُونه وَيَمْنَعُ مِنْ فسادِه وإِظهارِ مَا فِيهِ لِمَنْ يُكْرَهُ عِلْمُهُ بِهِ ووُقوفَه عَلَى مَا فِيهِ.

وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنه قَالَ: آمينَ درجةٌ فِي الجنَّة

؛ قَالَ أَبو بَكْرٍ: مَعْنَاهُ أَنها كلمةٌ يكتَسِبُ بِهَا قائلُها دَرَجَةً فِي الْجَنَّةِ. وَفِي حَدِيثِ

بِلَالٍ: لَا تسْبِقْني بآمينَ

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُشْبِهُ أَن يَكُونَ بلالٌ كَانَ يقرأُ الفاتحةَ فِي السَّكتةِ الأُولى مِنْ سكْتَتَي الإِمام، فَرُبَّمَا يَبْقَى عَلَيْهِ مِنْهَا شيءٌ وَرَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، قَدْ فرَغ مِنْ قراءتِها، فاسْتَمْهَلَه بِلَالٌ فِي التأْمينِ بِقَدْرِ مَا يُتِمُّ فِيهِ قراءةَ بقيَّةِ السُّورَةِ حَتَّى يَنَالَ بركةَ موافَقتِه فِي التّأْمين.

ص: 27

أنن: أَنَّ الرجلُ مِنَ الْوَجَعِ يَئِنُّ أَنيناً، قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

يَشْكو الخِشاشَ ومَجْرى النَّسْعَتَين، كَمَا

أَنَّ المرِيضُ، إِلَى عُوَّادِه، الوَصِبُ

والأُنانُ، بِالضَّمِّ: مِثْلُ الأَنينِ؛ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ حَبْناء يُخَاطِبُ أَخاه صَخْرًا:

أَراكَ جَمَعْتَ مسْأَلةً وحِرْصاً،

وَعِنْدَ الفَقْرِ زَحّاراً أُنانا

وَذَكَرَ السِّيرَافِيُّ أَن أُناناً هُنَا مِثْلُ خُفافٍ وَلَيْسَ بِمَصْدَرٍ فَيَكُونُ مِثْلَ زَحّار فِي كَوْنِهِ صِفَةً، قَالَ: والصِّفتان هُنَا واقِعتان مَوْقِعَ الْمَصْدَرِ، قال: وكذلك التأْنانُ؛ وقال:

إنَّا وجَدْنا طَرَدَ الهَوامِلِ

خَيْرًا مِنَ التَّأْنانِ والمَسائِلِ

«1» . وعِدَةِ العامِ وعامٍ قابِلِ

مَلْقوحةً فِي بَطْنِ نابٍ حائلِ

. مَلْقُوحَةً: منصوبةٌ بالعِدَة، وَهِيَ بِمَعْنَى مُلْقَحَةً، وَالْمَعْنَى أَنها عِدةٌ لَا تَصِحُّ لأَن بطنَ الْحَائِلِ لَا يَكُونُ فِيهِ سَقْبٌ مُلْقَحة. ابن سيدة: أَنَّ الرجلُ يَئِنُّ أَنّاً وأَنيناً وأُناناً وأَنَّةً تأَوَّه. التَّهْذِيبُ: أَنَّ الرجلُ يَئِنُّ أَنيناً وأَنَتَ يأْنِتُ أَنيتاً ونأَتَ يَنْئِتُ نَئِيتاً بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَرَجُلٌ أَنّانٌ وأُنانٌ وأُنَنةٌ: كثيرُ الأَنين، وَقِيلَ: الأُنَنةُ الكثيرُ الْكَلَامِ والبَثِّ والشَّكْوَى، وَلَا يُشْتَقُّ مِنْهُ فِعْلٌ، وَإِذَا أَمرت قُلْتَ: إينِنْ لأَن الْهَمْزَتَيْنِ إِذَا التَقَتا فَسَكَنَتِ الأَخيرة اجْتَمَعُوا عَلَى تَلْيينِها، فأَما فِي الأَمر الثَّانِي فَإِنَّهُ إِذَا سَكَنَتِ الْهَمْزَةُ بَقِيَ النونُ مَعَ الْهَمْزَةِ وَذَهَبَتِ الْهَمْزَةُ الأُولى. وَيُقَالُ للمرأَة: إنِّي، كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ اقْرِرْ، وللمرأَة قِرِّي، وامرأَة أنّانةٌ كَذَلِكَ. وَفِي بَعْضِ وَصَايَا الْعَرَبِ: لَا تَتّخِذْها حَنَّانةً وَلَا مَنّانةً وَلَا أَنّانةً. وَمَا لَهُ حانَّةٌ وَلَا آنّةٌ أَي مَا لَه ناقةٌ وَلَا شاةٌ، وَقِيلَ: الحانّةُ الناقةُ والآنّةُ الأَمَةُ تَئِنّ مِنَ التَّعَبِ. وأَنَّتِ القوسُ تَئِنُّ أَنيناً: أَلانت صوتَها ومَدّته؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ؛ وأَنشد قَوْلَ رُؤْبَةَ:

تِئِنُّ حينَ تجْذِبُ المَخْطوما،

أَنين عَبْرَى أَسْلَمت حَميما

. والأُنَنُ: طائرٌ يَضْرِبُ إِلَى السَّواد، لَهُ طَوْقٌ كَهَيْئَةِ طَوْق الدُّبْسِيّ، أَحْمَرُ الرِّجْلين والمِنْقار، وَقِيلَ: هُوَ الوَرَشان، وَقِيلَ: هُوَ مِثْلُ الْحَمَامِ إِلَّا أَنه أَسود، وصوتُه أَنِينٌ: أُوهْ أُوهْ. وإنَّه لَمِئنّةٌ أَن يَفْعَلَ ذَلِكَ أَي خَليقٌ، وَقِيلَ: مَخْلَقة مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الإِثنان وَالْجَمْعُ وَالْمُؤَنَّثُ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ مَئِنّةٌ فَعِلَّةً، فَعَلَى هَذَا ثلاثيٌّ. وأَتاه عَلَى مَئِنّةِ ذَلِكَ أَي حينهِ ورُبّانِه. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ مَسْعُودٍ: إِنَّ طُولَ الصلاةِ وقِصَرَ الخُطْبةِ مَئِنّةٌ مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ

أَي بيانٌ مِنْهُ. أَبو زَيْدٍ: إِنَّهُ لَمَئِنّةٌ أَن يفعل ذلك، وأَنتما وَإِنَّهُنَّ لَمَئِنّةٌ أَن تَفْعَلُوا ذَلِكَ بِمَعْنَى إِنَّهُ لخَليق أَن يَفْعَلَ ذَلِكَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

ومَنْزِل مِنْ هَوَى جُمْلٍ نَزَلْتُ بِهِ،

مَئِنّة مِنْ مَراصيدِ المَئِنّاتِ

بِهِ تَجَاوَزَتُ عَنْ أُولى وكائِده،

إِنِّي كَذَلِكَ رَكّابُ الحَشِيّات

. أَول حِكَايَةٍ «2» . أَبو عَمْرٍو: الأَنّةُ والمَئِنّة والعَدْقةُ

(1). قوله [إنا وجدنا إلخ] صوّب الصاغاني زيادة مشطور بين المشطورين وهو:

بين الرسيسين وبين عاقل

(2)

. قوله [أول حكاية] هكذا في الأَصل

ص: 28

والشَّوْزَب وَاحِدٌ؛ وَقَالَ دُكَيْن:

يَسْقِي عَلَى درّاجةٍ خَرُوسِ،

مَعْصُوبةٍ بينَ رَكايا شُوسِ،

مَئِنّةٍ مِنْ قَلَتِ النُّفوسِ

يُقَالُ: مَكَانٍ مِنْ هلاكِ النُّفُوسِ، وقولُه مَكَانٍ مِنْ هَلَاكِ النُّفُوسِ تفسيرٌ لِمَئِنّةٍ، قَالَ: وكلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنه بِمَنْزِلَةِ مَظِنَّة، والخَروسُ: البَكْرةُ الَّتِي لَيْسَتْ بِصَافِيَةِ الصوتِ، والجَروسُ، بِالْجِيمِ: الَّتِي لَهَا صَوْتٌ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ الأَصمعي سأَلني شُعْبَةُ عَنْ مَئِنَّة فَقُلْتُ: هُوَ كَقَوْلِكَ عَلامة وخَليق، قَالَ أَبو زَيْدٍ: هُوَ كَقَوْلِكَ مَخْلَقة ومَجْدَرة؛ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي أَن هَذَا مِمَّا يُعْرَف بِهِ فِقْهُ الرَّجُلِ ويُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَيْهِ، قَالَ: وكلُّ شيءٍ دلَّكَ عَلَى شيءٍ فَهُوَ مَئِنّةٌ لَهُ؛ وأَنشد لِلْمَرَّارِ:

فَتَهامَسوا سِرّاً فَقَالُوا: عَرِّسوا

مِنْ غَيْر تَمْئِنَةٍ لِغَيْرِ مُعَرِّسِ

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالَّذِي رَوَاهُ أَبو عُبَيْدٍ عَنِ الأَصمعي وأَبي زَيْدٍ فِي تَفْسِيرِ المَئِنّة صحيحٌ، وَأَمَّا احْتِجاجُه برأْيه ببَيْت الْمَرَّارِ فِي التَّمْئِنَة للمَئِنَّة فَهُوَ غَلَطٌ وسهوٌ، لأَن الميمَ فِي التَّمْئِنة أَصليةٌ، وَهِيَ فِي مَئِنّةٍ مَفْعِلةٌ لَيْسَتْ بأَصلية، وسيأْتي تَفْسِيرُ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ مأَن. اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ مَئِنَّةٌ أَن يَفْعَلَ ذَلِكَ ومَظِنَّة أَن يَفْعَلَ ذَلِكَ؛ وأَنشد:

إنَّ اكتِحالًا بالنَّقِيّ الأَمْلَجِ،

ونَظَراً فِي الحاجِبِ المُزَجَّجِ

مَئِنَّةٌ منَ الْفِعَالِ الأَعْوجِ

فكأَن مَئِنّةً، عِنْدَ اللِّحْيَانِيِّ، مبدلٌ الهمزةُ فِيهَا مِنَ الظَّاءِ فِي المَظِنَّة، لأَنه ذَكَرَ حُرُوفًا تُعاقِب فِيهَا الظاءُ الهمزةَ، مِنْهَا قولُهم: بيتٌ حسَنُ الأَهَرَةِ والظَّهَرةِ. وَقَدْ أَفَرَ وظَفَر أَي وثَب. وأَنَّ الماءَ يؤُنُّه أَنًّا إِذَا صبَّه. وَفِي كَلَامِ الأَوائل: أُنَّ مَاءً ثُمَّ أَغْلِه أَي صُبَّه وأَغْلِه؛ حَكَاهُ ابْنُ دُرَيْدٍ، قَالَ: وَكَانَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ يَرْوِيهِ أُزّ مَاءً ويزعُمُ أَنَّ أُنَّ تصحيفٌ. قَالَ الْخَلِيلُ فِيمَا رَوَى عَنْهُ اللَّيْثُ: إنَّ الثقيلةُ تَكُونُ منصوبةَ الأَلفِ، وتكونُ مكسورةَ الأَلف، وَهِيَ الَّتِي تَنْصِبُ الأَسماء، قَالَ: وَإِذَا كَانَتْ مُبتَدأَةً لَيْسَ قَبْلَهَا شيءٌ يُعْتمد عَلَيْهِ، أَو كَانَتْ مستأْنَفَةً بَعْدَ كَلَامٍ قَدِيمٍ ومَضَى، أَو جَاءَتْ بَعْدَهَا لامٌ مؤكِّدَةٌ يُعْتمد عَلَيْهَا كُسِرَتْ الأَلفُ، وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ تُنْصَب الأَلف. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي إنَّ: إِذَا جَاءَتْ بَعْدَ الْقَوْلِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَتْ حِكَايَةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا القولُ وَمَا تصرَّف مِنْهُ فَهِيَ مَكْسُورَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ تَفْسِيرًا لِلْقَوْلِ نَصَبَتْها وَذَلِكَ مِثْلَ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل: وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً

؛ وَكَذَلِكَ الْمَعْنَى استئنافٌ كأَنه قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ العزَّة لله جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ

، كسَرْتَها لأَنها بَعْدَ الْقَوْلِ عَلَى الْحِكَايَةِ، قَالَ: وأَما قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِنَّكَ فتحْتَ الأَلفَ لأَنها مفسِّرة لِمَا وَمَا قَدْ وَقَعَ عَلَيْهَا القولُ فنصبَها وموضعُها نصبٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْكَلَامِ: قَدْ قُلْتُ لَكَ كَلَامًا حسَناً أَنَّ أَباكَ شريفٌ وأَنك عاقلٌ، فتحتَ أَنَّ لأَنها فسَّرت الْكَلَامَ والكلامُ منصوبٌ، وَلَوْ أَردْتَ تكريرَ الْقَوْلِ عَلَيْهَا كسَرْتَها، قَالَ: وَقَدْ تَكُونُ إنَّ بَعْدَ الْقَوْلِ مَفْتُوحَةً إِذَا كَانَ الْقَوْلُ يُرافِعُها، منْ ذَلِكَ أَن تَقُولَ: قولُ عَبْدِ اللَّهِ مُذُ اليومِ أَن النَّاسَ خَارِجُونَ، كَمَا تَقُولُ: قولُكَ مُذ اليومِ كلامٌ لَا يُفْهم. وَقَالَ اللَّيْثُ: إِذَا وَقَعَتْ إنَّ عَلَى الأَسماء وَالصِّفَاتِ فَهِيَ مُشَدِّدَةٌ، وَإِذَا

ص: 29

وَقَعَتْ عَلَى فعلٍ أَو حرفٍ لَا يَتَمَكَّنُ فِي صِفةٍ أَو تصريفٍ فخفِّفْها، تَقُولُ: بَلَغَنِي أَن قَدْ كَانَ كَذَا وَكَذَا، تخفِّف مِنْ أَجل كَانَ لأَنها فِعْلٌ، وَلَوْلَا قَدْ لَمْ تَحْسُنْ عَلَى حَالٍ مِنَ الْفِعْلِ حَتَّى تَعْتَمِدَ عَلَى مَا أَو عَلَى الْهَاءِ كَقَوْلِكَ إِنَّمَا كَانَ زَيْدٌ غَائِبًا، وبلَغني أَنه كَانَ أَخو بَكْرٍ غَنِيّاً، قَالَ: وَكَذَلِكَ بَلَغَنِي أَنه كَانَ كَذَا وَكَذَا، تُشَدِّدُها إِذَا اعتمدَتْ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُكَ: إنْ رُبَّ رَجُلٍ، فَتُخَفِّفُ، فَإِذَا اعتمدَتْ قُلْتَ: إِنَّهُ رُبَّ رَجُلٍ، شدَّدْت وَهِيَ مَعَ الصِّفَاتِ مُشَدَّدَةٌ إنَّ لَكَ وإنَّ فِيهَا وإنَّ بِكَ وأَشباهها، قَالَ: وَلِلْعَرَبِ لُغَتَانِ فِي إنَّ المشدَّدة: إِحْدَاهُمَا التَّثْقِيلُ، والأُخرى التَّخْفِيفُ، فأَما مَن خفَّف فَإِنَّهُ يَرْفَعُ بِهَا إِلَّا أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهل الْحِجَازِ يخفِّفون وَيَنْصِبُونَ عَلَى توهُّم الثَّقِيلَةِ، وقرئَ:

وأنْ كُلًّا لَمَّا ليُوفّينّهم

؛ خَفَّفُوا وَنَصَبُوا؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ فِي تَخْفِيفِهَا مَعَ الْمُضْمَرِ:

فلوْ أَنْكِ فِي يَوْمِ الرَّخاءِ سأَلْتِني

فِراقَك، لَمْ أَبْخَلْ، وأَنتِ صديقُ

وأَنشد الْقَوْلَ الْآخَرَ:

لقد عَلِمَ الضَّيفُ والمُرْمِلون،

إِذَا اغْبَرَّ أُفْقٌ وهَبَّتْ شَمَالًا،

بأَنَّكَ ربيعٌ وغَيْثٌ مَرِيعٌ،

وقِدْماً هناكَ تكونُ الثِّمالا

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ الْكِسَائِيُّ فِي قَوْلِهِ عز وجل: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ

؛ كُسِرَتْ إِنَّ لِمكان اللَّامِ الَّتِي اسْتَقْبَلَتْهَا فِي قَوْلِهِ لَفي، وَكَذَلِكَ كلُّ مَا جاءَك مِنْ أَنَّ فَكَانَ قَبْلَهُ شيءٌ يَقَعُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْصُوبٌ، إِلَّا مَا استقبَله لامٌ فَإِنَّ اللَّامَ تُكْسِره، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ انَّ إِلَّا فَهِيَ مَكْسُورَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، اسْتَقبَلَتْها اللَّامُ أَو لَمْ تَسْتَقْبِلْهَا كَقَوْلِهِ عز وجل: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ

؛ فَهَذِهِ تُكْسر وَإِنْ لَمْ تَسْتَقْبِلْهَا لامٌ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَتْ جَوَابًا ليَمين كَقَوْلِكَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لقائمٌ، فَإِذَا لَمْ تأْتِ بِاللَّامِ فَهِيَ نصبٌ: واللهِ أَنَّكَ قَائِمٌ، قَالَ: هَكَذَا سَمِعْتُهُ مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ: وَالنَّحْوِيُّونَ يَكْسِرُونَ وَإِنْ لَمْ تَسْتَقْبِلْهَا اللامُ. وَقَالَ أَبو طَالِبٍ النَّحْوِيُّ فِيمَا رَوَى عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ: أَهل الْبَصْرَةِ غَيْرَ سِيبَوَيْهِ وذَوِيه يَقُولُونَ الْعَرَبُ تُخَفِّف أَنَّ الشَّدِيدَةَ وتُعْمِلها؛ وأَنشدوا:

ووَجْهٍ مُشْرِقِ النَّحْر،

كأَنْ ثَدْيَيْه حُقَّانِ

أَراد كأَنَّ فخفَّف وأَعْمَلَ، قَالَ: وَقَالَ الْفَرَّاءُ لَمْ نَسْمَعِ العربَ تخفِّف أَنَّ وتُعْمِلها إِلَّا مَعَ المَكْنيّ لأَنه لَا يتبيَّن فِيهِ إِعْرَابٌ، فأَما فِي الظَّاهِرِ فَلَا، وَلَكِنْ إِذَا خَفَّفوها رفَعُوا، وأَما مَنْ خفَّف

وإنْ كُلًّا لمَا ليُوَفِّيَنَّهم

، فإنهم نصبوا كُلًّا بِلَيُوَفِّيَنَّهم كأَنه قَالَ: وإنْ ليُوفِّينَّهم كُلًّا، قَالَ: وَلَوْ رُفِعت كلٌّ لصلَح ذَلِكَ، تَقُولُ: إنْ زيدٌ لقائمٌ. ابْنُ سِيدَهْ: إنَّ حَرْفُ تأْكيد. وَقَوْلُهُ عز وجل: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ

، أَخبر أَبو عَلِيٍّ أَن أَبا إسحق ذَهَبَ فِيهِ إِلَى أَنَّ إنَّ هُنَا بِمَعْنَى نَعَمْ، وَهَذَانِ مرفوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وأَنَّ اللامَ فِي لَساحران داخلةٌ عَلَى غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وأَن تَقْدِيرَهُ نَعَمْ هَذَانِ هُمَا ساحِران، وَحُكِيَ عَنْ أَبي إسحق أَنه قَالَ: هَذَا هُوَ الَّذِي عِنْدِي فِيهِ، وَاللَّهُ أَعلم. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ بيَّن أَبو عليٍّ فسادَ ذَلِكَ فغَنِينا نَحْنُ عَنْ إِيضَاحِهِ هُنَا. وَفِي التَّهْذِيبِ: وأَما قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ

، فإنَّ أبا إسحق النَّحْوِيَّ اسْتَقْصى مَا قَالَ فِيهِ النَّحْوِيُّونَ فحَكَيْت كَلَامَهُ. قَالَ: قرأَ المدنيُّون وَالْكُوفِيُّونَ إِلَّا عَاصِمًا: إنَّ هَذَانِ لَساحِران، وَرُوِيَ

عَنْ عَاصِمٍ أَنه قرأَ: إنْ هَذَانِ

، بِتَخْفِيفِ إنْ، وَرُوِيَ

عَنِ الْخَلِيلِ: إنْ هَذَانِ

ص: 30

لساحِران

، قَالَ: وقرأَ

أَبو عَمْرٍو إِنَّ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ

، بِتَشْدِيدِ إِنَّ ونصْبِ هَذَيْنِ، قال أَبو إسحق: والحجةُ فِي إِنَّ هَذَانِ لساحِران، بِالتَّشْدِيدِ وَالرَّفْعِ، أَن أَبا عُبَيْدَةَ رَوَى عَنْ أَبي الْخَطَّابِ أَنه لغةٌ لكنانةَ، يَجْعَلُونَ أَلفَ الِاثْنَيْنِ فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، يَقُولُونَ: رأَيت الزَّيْدَانَ، وَرَوَى أَهلُ الْكُوفَةِ وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ: أَنها لغة لبني الحرث بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: وَقَالَ النَّحْوِيُّونَ القُدَماء: هَاهُنَا هاءٌ مُضْمَرَةٌ، الْمَعْنَى: إِنَّهُ هذانِ لساحِران، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ فِي مَعْنَى نعَمْ كَمَا تَقَدَّمَ؛ وأَنشدوا لِابْنِ قَيْسِ الرُّقَيَّات:

بَكَرَتْ عليَّ عواذِلي

يَلْحَيْنَنِي وأَلومُهُنَّهْ

ويَقُلْنَ: شَيْبٌ قدْ علّاكَ،

وَقَدْ كَبِرْتَ، فقلتُ: إنَّهْ

. أَي إِنَّهُ قَدْ كَانَ كَمَا تَقُلْن؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَهَذَا اختصارٌ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ يُكتفى مِنْهُ بِالضَّمِيرِ لأَنه قَدْ عُلِم مَعْنَاهُ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي هَذَا: إِنَّهُمْ زَادُوا فِيهَا النونَ فِي التَّثْنِيَةِ وَتَرَكُوهَا عَلَى حَالِهَا فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ، كَمَا فعَلوا فِي الَّذِينَ فَقَالُوا الَّذِي، فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ، قَالَ: فَهَذَا جَمِيعُ مَا قَالَ النَّحْوِيُّونَ فِي الْآيَةِ؛ قال أَبو إسحق: وأَجودُها عِنْدِي أَن إِنَّ وَقَعَتْ مَوْقِعَ نَعَمْ، وأَن اللَّامَ وَقَعتْ موقِعَها، وأَنّ الْمَعْنَى نعَمْ هَذَانِ لَهُمَا سَاحِرَانِ، قَالَ: وَالَّذِي يَلِي هَذَا فِي الجَوْدَة مذهبُ بني كنانة وبَلْحَرِث بن كَعْبٍ، فأَما قراءةُ أَبي عَمْرٍو فَلَا أُجيزُها لأَنها خلافُ الْمُصْحَفِ، قَالَ: وأَستحسن قراءةَ عَاصِمٍ وَالْخَلِيلِ إنْ هَذَانِ لَساحِران. وَقَالَ غيرُه: الْعَرَبُ تَجْعَلُ الْكَلَامَ مُخْتَصَرًا مَا بعْدَه عَلَى إنَّه، وَالْمُرَادُ إِنَّهُ لَكَذَلِكَ، وَإِنَّهُ عَلَى مَا تَقُولُ، قَالَ: وأَما قَوْلُ الأَخفش إنَّه بِمَعْنَى نَعَمْ فَإِنَّمَا يُراد تأْويله لَيْسَ أَنه مَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ لِذَلِكَ، قَالَ: وَهَذِهِ الْهَاءُ أُدْخِلت لِلسُّكُوتِ. وَفِي حَدِيثِ

فَضالة بْنِ شَريك: أَنه لقِيَ ابنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: إِنَّ نَاقَتِي قَدْ نَقِبَ خفُّها فاحْمِلْني، فَقَالَ: ارْقَعْها بجِلدٍ واخْصِفْها بهُلْبٍ وسِرْ بِهَا البَرْدَين، فَقَالَ فَضالةُ: إِنَّمَا أَتَيْتُك مُسْتَحْمِلًا لَا مُسْتَوْصِفاً، لَا حَمَلَ اللَّهُ نَاقَةً حمَلتْني إِليك فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّ وراكِبَها

أَي نعَمْ مَعَ رَاكِبِهَا. وَفِي حَدِيثِ

لَقيط بْنِ عَامِرٍ: وَيَقُولُ رَبُّكَ عز وجل وَإِنَّهُ

أَي وَإِنَّهُ كَذَلِكَ، أَو إِنَّهُ عَلَى مَا تَقُولُ، وَقِيلَ: إنَّ بِمَعْنَى نَعَمْ وَالْهَاءُ لِلْوَقْفِ، فأَما قَوْلُهُ عز وجل: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ

، وإِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ

، وَنَحْوُ ذَلِكَ فأَصله إنَّنا وَلَكِنْ حُذِفَت إِحْدَى النُّونَين مِنْ إنَّ تَخْفِيفًا، وَيَنْبَغِي أَن تكونَ الثانيةَ مِنْهُمَا لأَنها طرَفٌ، وَهِيَ أَضعف، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُبْدِلُ هَمْزَتَها هَاءً مَعَ اللَّامِ كَمَا أَبدلوها فِي هَرَقْت، فَتَقُولُ: لَهِنَّك لَرَجُلُ صِدْقٍ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَيْسَ كلُّ الْعَرَبِ تَتَكَلَّمُ بِهَا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

أَلا يَا سَنا بَرْقٍ عَلَى قُنَنِ الحِمَى،

لَهِنّكَ مِنْ بَرْقٍ عليَّ كَرِيمُ

وحِكى ابْنُ الأَعرابي: هِنّك وواهِنّك، وَذَلِكَ عَلَى الْبَدَلِ أَيضاً. التَّهْذِيبُ فِي إِنَّمَا: قَالَ النَّحْوِيُّونَ أَصلها مَا مَنَعت إنَّ مِنَ الْعَمَلِ، وَمَعْنَى إِنَّمَا إثباتٌ لِمَا يُذْكَرُ بَعْدَهَا ونفيٌ لِمَا سِوَاهُ كَقَوْلِهِ:

وَإِنَّمَا يُدافعُ عَنْ أَحسابهم أَنا ومِثْلي

الْمَعْنَى: مَا يُدافع عَنْ أَحسابِهم إِلَّا أَنا أَو مَنْ هُوَ مِثْلي، وأَنَّ: كَإِنَّ فِي التأْكيد، إِلَّا أَنها تَقَعُ مَوْقِعَ الأَسماء وَلَا تُبْدَل همزتُها هَاءً، وَلِذَلِكَ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَيْسَ أَنَّ كإنَّ، إنَّ كالفِعْلِ، وأَنَ

ص: 31

كالاسْمِ، وَلَا تَدْخُلُ اللامُ مَعَ الْمَفْتُوحَةِ؛ فأَما قِرَاءَةُ

سَعِيدِ بْنِ جُبيَر: إلَّا أَنهم ليأْكلون الطَّعَامَ

، بِالْفَتْحِ، فَإِنَّ اللَّامَ زَائِدَةٌ كَزِيَادَتِهَا فِي قَوْلِهِ:

لَهِنَّك فِي الدُّنْيَا لبَاقيةُ العُمْرِ

الْجَوْهَرِيُّ: إنَّ وأَنَّ حَرْفَانِ يَنْصِبَانِ الأَسماءَ وَيَرْفَعَانِ الأَخبارَ، فالمكسورةُ مِنْهُمَا يُؤكَّدُ بِهَا الخبرُ، وَالْمَفْتُوحَةُ وَمَا بَعْدَهَا فِي تأْويل الْمَصْدَرِ، وَقَدْ يُخَفَّفان، فَإِذَا خُفِّفتا فَإِنْ شئتَ أَعْمَلْتَ وَإِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْمِلْ، وَقَدْ تُزادُ عَلَى أَنَّ كافُ التَّشْبِيهِ، تَقُولُ: كأَنه شمسٌ، وَقَدْ تُخَفَّفُ أَيضاً فَلَا تعْمَل شَيْئًا؛ قَالَ:

كأَنْ ورِيداهُ رِشاءَا خُلُب

وَيُرْوَى: كأَنْ ورِيدَيْهِ؛ وَقَالَ آخَرُ:

ووَجْهٍ مُشْرِقِ النحرِ،

كأَنْ ثَدْياه حُقَّانِ

وَيُرْوَى ثَدْيَيْه، عَلَى الإِعمال، وَكَذَلِكَ إِذَا حذفْتَها، فَإِنْ شِئْتَ نَصَبْتَ، وَإِنْ شِئْتَ رَفَعْتَ، قَالَ طَرَفَةُ:

أَلا أَيُّهَذا الزاجِرِي أَحْضُرَ الوغَى،

وأَن أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ، هَلْ أَنتَ مُخْلدي؟

يُرْوَى بِالنَّصْبِ عَلَى الإِعمال، والرفْعُ أَجود. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ، قَالَ النَّحْوِيُّونَ: كأَنَّ أَصلُها أَنَّ أُدخِلَ عَلَيْهَا كافُ التَّشْبِيهِ، وَهِيَ حرفُ تَشْبِيهٍ، والعربُ تَنْصِبُ بِهِ الاسمَ وَتَرْفَعُ خبرَه، وقال الْكِسَائِيُّ: قَدْ تَكُونُ كأَنَّ بِمَعْنَى الْجَحْدِ كَقَوْلِكَ كأَنك أميرُنا فتأْمُرُنا، مَعْنَاهُ لستَ أَميرَنا، قَالَ: وكأَنَّ أُخرى بِمَعْنَى التَّمَنِّي كَقَوْلِكَ كأَنك بِي قَدْ قلتُ الشِّعْرَ فأُجِيدَه، مَعْنَاهُ لَيْتَني قَدْ قلتُ الشِّعْرَ فأُجيدَه، وَلِذَلِكَ نُصِب فأُجيدَه، وَقِيلَ: تَجِيءُ كأَنَّ بِمَعْنَى الْعِلْمِ والظنِّ كَقَوْلِكَ كأَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وكأَنك خارجٌ؛ وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: سَمِعْتُ الْعَرَبَ تُنشِد هَذَا الْبَيْتَ:

ويومٍ تُوافينا بوَجْهٍ مُقَسَّمٍ،

كأَنْ ظَبْيَةً تَعْطُو إِلَى ناضِرِ السَّلَمْ

وكأَنْ ظَبْيَةٍ وكأَنْ ظَبْيَةٌ، فَمَنْ نَصَبَ أَرادَ كأَنَّ ظَبْيَةً فَخَفَّفَ وأَعْمَل، ومَنْ خفَض أَراد كظَبْيَةٍ، ومَن رَفَعَ أَراد كأَنها ظبْيَةٌ فخفَّفَ وأَعْمَل مَعَ إضمارِ الكِناية؛ الْجَرَّارُ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه أَنشد:

كأمَّا يحْتَطِبْنَ عَلَى قَتادٍ،

ويَسْتَضْحِكْنَ عَنْ حَبِّ الغَمامِ

. قَالَ: يُرِيدُ كأَنما فَقَالَ كأَمَّا، وَاللَّهُ أَعلم. وإنِّي وإنَّني بِمَعْنًى، وَكَذَلِكَ كأَنِّي وكأَنَّني ولكنِّي وَلَكِنَّنِي لأَنه كثُر اسْتِعْمَالُهُمْ لِهَذِهِ الْحُرُوفِ، وَهُمْ قَدْ يَسْتَثْقِلون التَّضْعِيفَ فَحَذَفُوا النُّونَ الَّتِي تَلي الْيَاءَ، وَكَذَلِكَ لَعَلِّي ولَعَلَّني لأَن اللَّامَ قَرِيبَةٌ مِنَ النُّونِ، وَإِنْ زِدْتَ عَلَى إنَّ مَا صارَ للتَّعيين كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ

، لأَنه يُوجِبُ إثْباتَ الْحُكْمِ لِلْمَذْكُورِ ونَفْيَه عَمَّا عَدَاهُ. وأَنْ قَدْ تَكُونُ مَعَ الْفِعْلِ الْمُسْتَقْبَلِ فِي مَعْنَى مصدرٍ فتَنْصِبُه، تَقُولُ: أُريد أَنْ تقومَ، وَالْمَعْنَى أُريد قيامَك، فَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ ماضٍ كَانَتْ مَعَهُ بِمَعْنَى مصدرٍ قَدْ وقَع، إِلَّا أَنها لَا تَعْمَل، تَقُولُ: أَعْجَبَني أَن قُمْتَ وَالْمَعْنَى أَعجبني قيامُك الَّذِي مَضَى، وأَن قَدْ تَكُونُ مخفَّفة عَنِ المشدَّدة فَلَا تَعْمَلُ، تَقُولُ: بَلَغَني أَنْ زيدٌ خارجٌ؛ وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها

؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُهُ فَلَا

ص: 32

تَعْمَلُ يريدُ فِي اللَّفْظِ، وأَما فِي التَّقْدِيرِ فَهِيَ عاملةٌ، وَاسْمُهَا مقدَّرٌ فِي النيَّة تَقْدِيرُهُ: أَنه تِلْكُمْ الْجَنَّةُ. ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَفعل كَذَا مَا أَنَّ فِي السَّمَاءِ نجْماً؛ حَكَاهُ يَعْقُوبُ وَلَا أَعرف مَا وجهُ فتْح أَنَّ، إِلَّا أَن يَكُونَ عَلَى توهُّم الْفِعْلِ كأَنه قَالَ: مَا ثَبَتَ أَنَّ فِي السَّمَاءِ نجْماً، أَو مَا وُجد أَنَّ فِي السَّمَاءِ نجْماً. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: مَا أَنَّ ذَلِكَ الجَبَل مكانَه، وَمَا أَنَّ حِراءً مكانَه، وَلَمْ يُفَسِّرْهُ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَقَالُوا لَا أَفْعَله مَا أَنَّ فِي السَّمَاءِ نجْمٌ، وَمَا عَنَّ فِي السَّمَاءِ نجْمٌ أَي مَا عَرَضَ، وَمَا أَنَّ فِي الفُرات قَطْرةٌ أَي مَا كَانَ فِي الفُراتِ قطرةٌ، قَالَ: وَقَدْ يُنْصَب، وَلَا أَفْعَله مَا أَنَّ فِي السَّمَاءِ سَمَاءً، قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: مَا كانَ وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ عَلَى الْمَعْنَى. وكأَنَّ: حرفُ تشْبيهٍ إِنَّمَا هُوَ أَنَّ دَخَلَتْ عَلَيْهَا الْكَافُ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: إِنْ سأَل سائلٌ فَقَالَ: مَا وَجْهُ دُخُولِ الْكَافِ هَاهُنَا وَكَيْفَ أَصلُ وضْعِها وَتَرْتِيبِهَا؟ فالجوابُ أَن أَصلَ قَوْلِنَا كأَنَّ زَيْدًا عمرٌو إِنَّمَا هُوَ إنَّ زَيْدًا كعمْرو، فَالْكَافُ هُنَا تشبيهٌ صريحٌ، وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ فكأَنك قُلْتَ: إنَّ زَيْدًا كائنٌ كعمْرو، وَإِنَّهُمْ أَرادُوا الاهتمامَ بِالتَّشْبِيهِ الَّذِي عَلَيْهِ عقَدُوا الجملةَ، فأَزالُوا الْكَافَ مِنْ وسَط الْجُمْلَةِ وَقَدَّمُوهَا إِلَى أَوَّلها لإِفراطِ عنايَتهم بِالتَّشْبِيهِ، فَلَمَّا أَدخلوها عَلَى إنَّ مِنْ قَبْلِها وَجَبَ فتحُ إنَّ، لأَنَّ الْمَكْسُورَةَ لَا يتقدَّمُها حرفُ الْجَرِّ وَلَا تَقَعُ إلَّا أَولًا أَبداً، وبقِي مَعْنَى التَّشْبِيهِ الَّذِي كانَ فِيهَا، وَهِيَ مُتوسِّطة بحالِه فِيهَا، وَهِيَ مُتَقَدِّمَةٌ، وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: كأَنَّ زَيْدًا عمرٌو، إِلَّا أَنَّ الكافَ الآنَ لمَّا تقدَّمت بطَل أَن تَكُونَ معلَّقةً بفعلٍ وَلَا بشيءٍ فِي مَعْنَى الْفِعْلِ، لأَنها فارَقَت الموضعَ الَّذِي يُمْكِنُ أَن تتعلَّق فِيهِ بِمَحْذُوفٍ، وَتَقَدَّمَتْ إِلَى أَوَّل الْجُمْلَةِ، وَزَالَتْ عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ مُتَعَلِّقَةً بخبرِ إنَّ الْمَحْذُوفِ، فَزَالَ مَا كَانَ لَهَا مِنَ التعلُّق بِمَعَانِي الأَفعال، وَلَيْسَتْ هُنَا زَائِدَةٌ لأَن مَعْنَى التَّشْبِيهِ موجودٌ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تقدَّمت وأُزِيلت عَنْ مَكَانِهَا، وَإِذَا كَانَتْ غَيْرَ زَائِدَةٍ فَقَدْ بَقي النظرُ فِي أنَّ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَيْهَا هَلْ هِيَ مَجْرُورَةٌ بِهَا أَو غَيْرُ مَجْرُورَةٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فأَقوى الأَمرين عَلَيْهَا عِنْدِي أَن تَكُونَ أنَّ فِي قَوْلِكَ كأَنك زيدٌ مَجْرُورَةً بِالْكَافِ، وَإِنْ قُلْتَ إنَّ الكافَ فِي كأَنَّ الْآنَ لَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بِفِعْلٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ بمانعٍ مِنَ الجرِّ فِيهَا، أَلا تَرَى أَن الْكَافَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، لَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بِفِعْلٍ وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ جَارَّةٌ؟ ويُؤَكِّد عِنْدَكَ أَيضاً هُنَا أَنها جَارَّةٌ فتْحُهم الْهَمْزَةَ بَعْدَهَا كَمَا يفْتحونها بَعْدَ العَوامِل الْجَارَّةِ وَغَيْرِهَا، وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: عجِبتُ مِن أَنك قَائِمٌ، وأَظنُّ أَنك مُنْطَلِقٌ، وبلغَني أَنك كريمٌ، فَكَمَا فُتِحَتْ أَنَّ لوقوعِها بَعْدَ الْعَوَامِلِ قَبْلَهَا موقعَ الأَسماء كَذَلِكَ فُتِحَتْ أَيضاً فِي كأَنك قَائِمٌ، لأَن قَبْلَهَا عَامِلًا قَدْ جرَّها؛ وأَما قَوْلُ الرَّاجِزِ:

فبادَ حَتَّى لَكأَنْ لمْ يَسْكُنِ،

فاليومَ أَبْكي ومَتى لمْ يُبْكنِي «3»

. فَإِنَّهُ أَكَّد الْحَرْفَ بِاللَّامِ؛ وَقَوْلُهُ:

كأَنَّ دَريئةً، لَمَّا التَقَيْنا

لنَصْل السيفِ، مُجْتَمَعُ الصُّداعِ

أَعْمَلَ مَعْنَى التَّشْبِيهِ فِي كأَنَّ فِي الظَّرْفِ الزَّمانيّ الَّذِي هُوَ لَمَّا التَقَيْنا، وَجَازَ ذَلِكَ فِي كأَنَّ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى التَّشْبِيهِ، وَقَدْ تُخَفَّف أَنْ ويُرْفع مَا بَعْدَهَا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

أَنْ تقْرآنِ عَلَى أَسْماءَ، وَيحَكُما

منِّي السلامَ، وأَنْ لا تُعْلِما أَحَدا

(3). قوله [لكأن لم يسكن] هكذا في الأَصل بسين قبل الْكَافُ

ص: 33

قَالَ ابْنُ جِنِّي: سأَلت أَبا عَلِيٍّ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، لِمَ رَفَع تَقْرآنِ؟ فَقَالَ: أَراد النُّونَ الثَّقِيلَةَ أَي أَنكما تقْرآن؛ قَالَ أَبو عَلِيٍّ: وأَوْلى أَنْ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ الْفِعْلَ بِلَا عِوَض ضَرُورَةً، قَالَ: وَهَذَا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ بعضُ الصَّنعة فَهُوَ أَسهلُ مِمَّا ارْتَكَبَهُ الْكُوفِيُّونَ، قَالَ: وقرأْت عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَحمد بْنِ يَحْيَى فِي تَفْسِيرِ أَنْ تقْرآنِ، قَالَ: شبَّه أَنْ بِمَا فَلَمْ يُعْمِلها فِي صِلَتها، وَهَذَا مَذْهَبُ البَغْداديّين، قَالَ: وَفِي هَذَا بُعْدٌ، وَذَلِكَ أَنَّ أَنْ لَا تَقَعَ إِذَا وُصلت حَالًا أَبداً، إِنَّمَا هِيَ للمُضيّ أَو الِاسْتِقْبَالِ نَحْوَ سَرَّني أَن قَامَ، ويُسرُّني أَن تَقُومَ، وَلَا تَقُولُ سَرَّني أَن يَقُومَ، وَهُوَ فِي حَالِ قِيَامٍ، وَمَا إِذَا وُصِلت بِالْفِعْلِ وَكَانَتْ مَصْدَرًا فَهِيَ لِلْحَالِ أَبداً نَحْوَ قَوْلِكَ: مَا تقومُ حسَنٌ أَي قيامُك الَّذِي أَنت عَلَيْهِ حَسَنٌ، فيَبْعُد تشبيهُ واحدةٍ مِنْهُمَا بالأُخرى، ووُقوعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَوْقِعَ صَاحِبَتِهَا، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَنصب بِهَا مُخَفَّفَةً، وَتَكُونُ أَنْ فِي مَوْضِعِ أَجْل. غَيْرُهُ: وأَنَّ المفتوحةُ قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى لَعَلَّ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: إئتِ السوقَ أَنك تَشْتَرِي لَنَا سَويقاً أَي لَعَلَّكَ، وَعَلَيْهِ وُجِّه قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ

؛ إِذْ لَوْ كَانَتْ مَفْتُوحَةً عَنْهَا لَكَانَ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُمْ، قَالَ الْفَارِسِيُّ: فسأَلتُ عَنْهَا أَبا بَكْرٍ أَوانَ الْقِرَاءَةِ فَقَالَ: هُوَ كَقَوْلِ الإِنسان إنَّ فُلَانًا يَقْرأُ فَلَا يَفْهم، فَتَقُولُ أَنتَ: وَمَا يُدْريك أَنه لَا يَفْهَمُ «1» . وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ:

لَعَلَّهَا إِذَا جاءَت لَا يؤْمنون

؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَالَ حُطائِط بْنُ يعْفُر، وَيُقَالُ هُوَ لدُريد:

أَريني جَواداً مَاتَ هَزْلًا، لأَنَّني

أَرى مَا تَرَيْنَ، أَو بَخيلًا مُخَلَّدا

وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَنشده أَبو زَيْدٍ لِحَاتِمٍ قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ: وَقَدْ وَجَدْتُهُ فِي شِعْرِ مَعْن بْنِ أَوس المُزَني؛ وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:

أَعاذِلَ، مَا يُدريكِ أَنَّ مَنِيَّتي

إِلَى ساعةٍ فِي الْيَوْمِ، أَو فِي ضُحى الغَدِ؟

أَي لَعَلَّ مَنِيَّتِي؛ وَيُرْوَى بَيْتُ جَرِيرٍ:

هَلَ انْتُمْ عَائِجُونَ بِنا لأَنَّا

نَرَى العَرَصاتِ، أَو أَثَرَ الخِيامِ

قَالَ: ويدُلك عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْتُ فِي أَنَّ فِي بَيْتِ عَدِيٍّ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، وَمَا يُدْريك لَعَلَّ الساعةَ تَكُونُ قَرِيبًا. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وتُبْدِل مِنْ هَمْزَةِ أَنَّ مَفْتُوحَةً عَيْنًا فَتَقُولُ: علمتُ عَنَّكَ مُنْطَلِقٌ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:

قَالَ الْمُهَاجِرُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ الأَنصارَ قَدْ فَضَلونا، إِنَّهُمْ آوَوْنا وفَعَلوا بِنَا وفَعَلوا، فَقَالَ: تَعْرفون ذَلِكَ لَهُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فإنَّ ذَلِكَ

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ مَقْطُوعَ الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ إنَّ اعْتِرَافَكُمْ بِصَنِيعِهِمْ مُكافأَةٌ مِنْكُمْ لَهُمْ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ:

مَنْ أُزِلَّتْ إِلَيْهِ نِعمةٌ فليُكافِئْ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يجِدْ فَليُظهِر ثَنَاءً حسَناً، فإنَّ ذَلِكَ

؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

أَنه قَالَ لِابْنِ عُمَرَ فِي سِيَاقِ كلامٍ وَصَفه بِهِ: إنَّ عبدَ اللَّهِ، إنَّ عَبْدَ اللَّهِ

، قَالَ: وَهَذَا وأَمثاله مِنِ اخْتِصَارَاتِهِمُ الْبَلِيغَةِ وَكَلَامِهِمُ الْفَصِيحِ. وَأَنَّى

أَنَّى: كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا كَيْفَ وأَين. التَّهْذِيبُ: وأَما إنْ الخفيفةُ فَإِنَّ

الْمُنْذِرِيَّ رَوَى عَنِ ابْنِ الزَّيْدي عَنْ أَبي زَيْدٍ أَنه قَالَ: إنْ تَقَعُ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ مَوْضعَ مَا، ضَرْبُ قَوْلِهِ: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ

؛ مَعْنَاهُ: مَا مِن أَهل الْكِتَابِ، وَمِثْلُهُ: لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ

؛

_________

(1)

. قوله [إِنَّ فُلَانًا يَقْرَأُ فَلَا يَفْهَمُ فَتَقُولُ أَنْتَ وَمَا يُدْرِيكَ أَنه لَا يَفْهَمُ] هكذا في الأَصل المعوَّل عليه بيدنا بثبوت لا في الكلمتين

ص: 34

أَي مَا كُنَّا فَاعِلِينَ، قَالَ: وَتَجِيءُ إنْ فِي مَوْضِعِ لَقَدْ، ضَرْبُ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا

؛ الْمَعْنَى: لقَدْ كَانَ مِنْ غَيْرِ شكٍّ مِنَ الْقَوْمِ، وَمِثْلُهُ: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ

، وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ

؛ وَتَجِيءُ إنْ بِمَعْنَى إذْ، ضَرْبُ قَوْلِهِ: اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

؛ الْمَعْنَى إذْ كُنْتُمْ مُؤْمنين، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ

؛ مَعْنَاهُ إذْ كُنْتُمْ، قَالَ: وأَنْ بِفَتْحِ الأَلف وَتَخْفِيفِ النُّونِ قَدْ تَكُونُ فِي مَوْضِعِ إذْ أَيضاً، وإنْ بخَفْض الأَلف تَكُونُ موضعَ إِذَا، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل: لَا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا

؛ مَنْ خَفضَها جعلَها فِي مَوْضِعِ إِذَا، ومَنْ فَتَحَهَا جَعَلَهَا فِي مَوْضِعِ إذْ عَلَى الْوَاجِبِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ

؛ مَنْ خَفَضَهَا جَعَلَهَا فِي مَوْضِعِ إِذَا، وَمَنْ نَصَبَهَا فَفِي إِذْ. ابْنُ الأَعرابي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى

؛ قَالَ: إنْ فِي مَعْنَى قَدْ، وقال أَبو الْعَبَّاسِ: الْعَرَبُ تَقُولُ إنْ قَامَ زِيدٌ بِمَعْنَى قَدْ قَامَ زَيْدٌ، قَالَ: وَقَالَ الْكِسَائِيُّ سَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَهُ فظَنَنْتُه شَرْطاً، فسأَلتهم فَقَالُوا: نُرِيدُ قَدْ قَامَ زَيْدٌ وَلَا نُرِيدُ مَا قَامَ زيد. وقال الْفَرَّاءُ: إِنِ الخفيفةُ أُمُّ الْجَزَاءِ، وَالْعَرَبُ تُجازِي بِحُرُوفِ الِاسْتِفْهَامِ كُلِّهَا وتَجْزمُ بِهَا الْفِعْلَيْنِ الشرطَ والجزاءَ إلَّا الأَلِفَ وهَلْ فَإِنَّهُمَا يَرْفعَانِ مَا يَلِيهِمَا. وَسُئِلَ ثعلبٌ: إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لامرأَته إِنْ دَخلتِ الدارَ إِنْ كَلَّمْتِ أَخاكِ فأَنتِ طالقٌ، مَتَى تَطْلُق؟ فَقَالَ: إِذَا فَعَلَتْهما جَمِيعًا، قِيلَ لَهُ: لِمَ؟ قَالَ: لأَنه قَدْ جَاءَ بِشَرْطَيْنِ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ قَالَ لَهَا أَنتِ طالقٌ إِنِ احْمَرّ البُسْرُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ مسأَلةُ مُحَالٍ لأَن البُسْرَ لَا بُدّ مِنْ أَن يَحْمَرّ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ قَالَ أَنت طالِقٌ إِذَا احْمَرَّ البُسْرُ؟ قَالَ: هَذَا شَرْطٌ صَحِيحٌ تطلُقُ إِذَا احْمرَّ البُسْرُ، قَالَ الأَزهري: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا أُثْبِت لَنَا عَنْهُ: إِنْ قَالَ الرَّجُلُ لامرأَته أَنتِ طالقٌ إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُعْلَم أَنه لَا يُطَلِّقُها بِمَوْتِهِ أَو بموتِها، قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ، وَلَوْ قَالَ إِذَا لَمْ أُطَلِّقْك وَمَتَى مَا لَمْ أُطَلِّقْك فأَنت طَالِقٌ، فسكتَ مدَّةً يُمْكِنُهُ فِيهَا الطَّلَاقُ، طَلُقَت؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: إنْ بِمَعْنَى مَا فِي النَّفْيِ ويُوصل بِهَا مَا زَائِدَةٌ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

مَا إنْ يَكادُ يُخلِّيهمْ لِوِجْهَتِهمْ

تَخالُجُ الأَمْرِ، إنَّ الأَمْرَ مُشْتَرَكُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ تُزَادُ إنْ بَعْدَ مَا الظَّرْفِيَّةِ كَقَوْلِ المَعْلوط بْنِ بَذْلٍ القُرَيْعيّ أَنشده سِيبَوَيْهِ:

ورجِّ الْفَتَى للْخَيْر، مَا إنْ رأَيْتَه

عَلَى السِّنِّ خَيْرًا لَا يَزالُ يَزِيدُ

وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: إِنَّمَا دخَلت إنْ عَلَى مَا، وَإِنْ كَانَتْ مَا هَاهُنَا مَصْدَرِيَّةً، لِشَبَهَها لَفْظًا بِمَا النَّافِيَةِ الَّتِي تُؤكَّد بأَنْ، وشَبَهُ اللَّفْظِ بَيْنَهُمَا يُصَيِّر مَا المصدريةَ إِلَى أَنها كأَنها مَا الَّتِي مَعْنَاهَا النفيُ، أَلا تَرَى أَنك لَوْ لَمْ تَجْذِب إِحْدَاهُمَا إِلَى أَنها كأَنها بِمَعْنَى الأُخرى لَمْ يَجُزْ لَكَ إلحاقُ إنْ بِهَا؟ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وقولُهم افْعَل كَذَا وَكَذَا إِمَّا لَا، أَلْزَموها مَا عِوَضًا، وَهَذَا أَحْرى إِذْ كَانُوا يَقُولُونَ آثِراً مَا، فيُلْزمون مَا، شبَّهوها بِمَا يَلْزَم مِنَ النُّونَاتِ فِي لأَفعلنّ، واللامِ فِي إِنْ كَانَ لَيَفْعل، وَإِنْ كَانَ ليْس مِثْلَه، وإنَّما هُوَ شَاذٌّ، ويكونُ الشرطَ نَحْوَ إنْ فعلتَ فعلتُ. وَفِي حَدِيثِ بَيْعِ الثَّمَرِ:

إِمَّا لَا فَلَا تبَايَعُوا حَتَّى يَبْدُوَ صلَاحُه

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذِهِ كَلِمَةٌ تَرِدُ فِي

ص: 35

المُحاورَات كَثِيرًا، وَقَدْ جاءَت فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْحَدِيثِ، وأَصلها إنْ وَمَا وَلَا، فأُدْغِمت النونُ فِي الْمِيمِ، وَمَا زائدةٌ فِي اللَّفْظِ لَا حُكمَ لَهَا، وَقَدْ أَمالت العربُ لَا إِمَالَةً خَفِيفَةً، والعوامُّ يُشْبِعون إمالَتها فتَصيرُ أَلفُها يَاءً، وَهِيَ خطأٌ، وَمَعْنَاهَا إنْ لَمْ تَفعلْ هَذَا فلْيَكن هَذَا، وأَما إنْ الْمَكْسُورَةُ فَهُوَ حرفُ الْجَزَاءِ، يُوقِع الثانيَ مِنْ أَجْل وُقوع الأَوَّل كَقَوْلِكَ: إنْ تأْتني آتِك، وَإِنْ جِئْتني أَكْرَمْتُك، وَتَكُونُ بِمَعْنَى مَا فِي النَّفْيِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ

؛ ورُبَّما جُمِع بَيْنَهُمَا للتأْكيد كَمَا قَالَ الأَغْلَبُ العِجْليُّ:

مَا إنْ رَأَينا مَلِكاً أَغارا

أَكْثَرَ مِنْهُ قِرَةً وقَارا

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إنْ هنا زائدةٌ وليست نَفْيًا كَمَا ذَكَرَ، قَالَ: وَقَدْ تَكُونُ فِي جَوَابِ الْقَسَمِ، تَقُولُ: وَاللَّهِ إنْ فعلتُ أَي مَا فَعَلْتُ، قَالَ: وأَنْ قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى أَي كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا

؛ قَالَ: وأَن قَدْ تَكُونُ صِلةً لِلَمَّا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ

؛ وَقَدْ تَكُونُ زَائِدَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ

؛ يُرِيدُ وَمَا لهُم لَا يعذِّبُهُم اللَّهُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ إنَّها تكونُ صِلَةً لِلَمّا وَقَدْ تَكُونُ زَائِدَةً، قَالَ: هَذَا كلامٌ مكرَّر لأَنَّ الصلةَ هِيَ الزائدةُ، وَلَوْ كَانَتْ زَائِدَةً فِي الْآيَةِ لَمْ تَنْصِب الفعلَ، قَالَ: وَقَدْ تكونُ زَائِدَةً مَعَ مَا كَقَوْلِكَ: مَا إنْ يقُومُ زَيْدٌ، وَقَدْ تَكُونُ مُخَفَّفَةً مِنَ الْمُشَدَّدَةِ فَهَذِهِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يدخُلَ اللامُ فِي خَبَرِهَا عِوَضًا مِمَّا حُذِفَ مِنَ التَّشْدِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ

؛ وإنْ زيدٌ لأَخوك، لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بإنْ الَّتِي بِمَعْنَى مَا لِلنَّفْيِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: اللامُ هُنَا دَخَلَتْ فَرْقًا بَيْنَ النَّفْيِ والإِيجاب، وإنْ هَذِهِ لَا يَكُونُ لَهَا اسمٌ وَلَا خَبَرٌ، فقولُه دَخَلَتِ اللامُ فِي خَبَرِهَا لَا مَعْنَى لَهُ، وَقَدْ تدخُلُ هَذِهِ اللامُ مَعَ المَفعول فِي نَحْوِ إنْ ضَرَبْتُ لزَيداً، وَمَعَ الْفَاعِلِ فِي قَوْلِكَ إِنْ قَامَ لزيدٌ، وَحَكَى ابْنُ جِنِّي عَنْ قُطْرُبٍ أَن طَيِّئاً تَقُولُ: هِنْ فَعَلْتَ فعلتُ، يُرِيدُونَ إنْ، فيُبْدِلون، وَتَكُونُ زَائِدَةً مَعَ النَّافِيَةِ. وَحَكَى ثَعْلَبٌ: أَعْطِه إنْ شَاءَ أَي إِذَا شَاءَ، وَلَا تُعْطِه إنْ شاءَ، مَعْنَاهُ إِذَا شَاءَ فَلَا تُعْطِه. وأَنْ تَنْصب الأَفعال المضارِعة مَا لَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى أَنَّ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وقولُهم أَمَّا أَنت مُنْطلِقاً انْطلقْتُ مَعَك إِنَّمَا هِيَ أَنْ ضُمّت إِلَيْهَا مَا، وَهِيَ مَا لِلتَّوْكِيدِ، ولَزِمَت كَرَاهِيَةَ أَن يُجْحِفوا بِهَا لِتَكُونَ عِوَضًا مِنْ ذَهاب الْفِعْلِ، كَمَا كَانَتِ الهاءُ والأَلفُ عِوَضًا فِي الزّنادقةِ واليَماني مِنَ الْيَاءِ؛ فأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:

تعَرَّضَتْ لِي بمكانٍ حِلِّ،

تَعَرُّضَ المُهْرَةِ فِي الطِّوَلِّ،

تَعَرُّضاً لَمْ تأْلُ عَنْ قَتْلًا لِي

فَإِنَّهُ أَراد لَمْ تأْلُ أَن قَتْلًا أَي أَنْ قَتَلَتْني، فأَبدل العينَ مَكَانَ الْهَمْزَةِ، وَهَذِهِ عَنْعنةُ تميمٍ، وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي مَوْضِعِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَراد الْحِكَايَةَ كأَنه حَكَى النصبَ الَّذِي كَانَ مُعْتَادًا فِي قَوْلِهَا فِي بَابِهِ أَي كَانَتْ تَقُولُ قَتْلًا قَتْلًا أَي أَنا أَقْتُلُه قَتْلًا، ثُمَّ حَكَى مَا كَانَتْ تَلَفَّظُ بِهِ؛ وَقَوْلُهُ:

إِنِّي زَعيمٌ يَا نُوَيْقَةُ،

إنْ نجَوْتِ مِنَ الرَّزاح،

أَنْ تَهْبِطينَ بلادَ قَوْمٍ

يَرْتَعُون مِنَ الطِّلاح

. قَالَ ثَعْلَبٌ: قَالَ الْفَرَّاءُ هَذِهِ أَن الدائرةُ يَلِيهَا الْمَاضِي

ص: 36

وَالدَّائِمُ فتَبْطُل عَنْهُمَا، فَلَمَّا وَلِيها الْمُسْتَقْبَلُ بَطَلَتْ عَنْهُ كَمَا بَطَلَتْ عَنِ الْمَاضِي وَالدَّائِمِ، وَتَكُونُ زَائِدَةً مَعَ لَمَّا الَّتِي بِمَعْنَى حِينَ، وَتَكُونُ بِمَعْنَى أَي نَحْوَ قَوْلِهِ: وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا

؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا لأَنها تأْتي ليُعبَّر بِهَا وَبِمَا بَعْدَهَا عَنْ مَعْنَى الْفِعْلِ الَّذِي قَبْلُ، فالكلامُ شديدُ الحاجةِ إِلَى مَا بَعْدَهَا ليُفَسَّر بِهِ مَا قَبْلَهَا، فَبِحَسَبِ ذَلِكَ امْتَنَعَ الوقوفُ عَلَيْهَا، ورأَيت فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُحْكَمِ وأَنْ نِصْفُ اسمٍ تمامُه تَفْعَل، وَحَكَى ثَعْلَبٌ أَيْضًا: أَعْطِه إِلَّا أَن يشاءَ أَي لَا تُعْطِه إِذَا شَاءَ، وَلَا تُعْطِه إِلَّا أَن يشاءَ، مَعْنَاهُ إِذَا شَاءَ فأَعْطِه. وَفِي حَدِيثِ رُكوبِ الهَدْيِ:

قَالَ لَهُ ارْكَبْها، قَالَ: إِنَّهَا بَدنةٌ، فَكَرَّرَ عَلَيْهِ القولَ فَقَالَ: ارْكَبْها وإنْ

أَي وَإِنْ كَانَتْ بَدنةً. التَّهْذِيبُ: لِلْعَرَبِ فِي أَنا لغاتٌ، وأَجودها أَنَّك إِذَا وقفْتَ عَلَيْهَا قُلْتَ أَنا بِوَزْنِ عَنَا، وَإِذَا مضَيْتَ عَلَيْهَا قُلْتَ أَنَ فعلتُ ذَلِكَ، بِوَزْنِ عَنَ فَعَلْتُ، تُحَرِّكُ النُّونَ فِي الْوَصْلِ، وَهِيَ سَاكِنَةٌ منْ مثلِه فِي الأَسماء غَيْرِ الْمُتَمَكِّنَةِ مِثْلِ مَنْ وكَمْ إِذَا تحرَّك مَا قَبْلَهَا، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ أَنا فَعَلْتُ ذَلِكَ فيُثْبِتُ الأَلفَ فِي الْوَصْلِ وَلَا يُنوِّن، وَمِنْهُمْ مَن يُسَكِّنُ النونَ، وَهِيَ قَلِيلَةٌ، فَيَقُولُ: أَنْ قلتُ ذَلِكَ، وقُضاعةُ تمُدُّ الأَلفَ الأُولى آنَ قلتُه؛ قَالَ عَدِيٌّ:

يَا لَيْتَ شِعْري آنَ ذُو عَجَّةٍ،

مَتى أَرَى شَرْباً حَوالَيْ أَصيصْ؟

وَقَالَ العُدَيْل فِيمَنْ يُثْبِت الأَلفَ:

أَنا عَدْلُ الطِّعانِ لِمَنْ بَغاني،

أَنا العَدْلُ المُبَيّنُ، فاعْرِفوني

وأَنا لَا تَثنيةَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ إِلَّا بنَحْن، وَيَصْلُحُ نحنُ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ ثَنَّوا أَنْت فَقَالُوا أَنْتُما وَلَمْ يُثَنُّوا أَنا؟ فَقِيلَ: لمَّا لَمْ تُجِزْ أَنا وأَنا لرجلٍ آخرَ لَمْ يُثَنُّوا، وأَما أَنْتَ فَثَنَّوْه بأَنْتُما لأَنَّك تُجِيزُ أَن تَقُولَ لِرَجُلٍ أَنتَ وأَنتَ لآخرَ مَعَهُ، فَلِذَلِكَ ثُنِّيَ، وأَما إنِّي فتَثْنيتُه إنَّا، وَكَانَ فِي الأَصل إنَّنا فكثُرت النوناتُ فحُذِفت إِحْدَاهَا، وَقِيلَ إنَّا، وَقَوْلُهُ عز وجل: إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ

«1» الْمَعْنَى إنَّنا أَو إنَّكم، فَعُطِفَ إِيَّاكُمْ عَلَى الِاسْمِ فِي قَوْلِهِ إنَّا عَلَى النُّونِ والأَلف كَمَا تَقُولُ إِنِّي وإيَّاك، مَعْنَاهُ إِنِّي وإنك، فافْهمه؛ وقال: إِنَّا اقْتَسَمْنا خُطَّتَيْنا بَعْدَكم، فحَمَلْت بَرَّةَ واحْتَمَلت فَجارِ إنَّا تثنيةُ إِني فِي الْبَيْتِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وأَما قَوْلُهُمْ أَنا فَهُوَ اسمٌ مكنيٌّ، وَهُوَ للمتكَلِّم وحْدَه، وَإِنَّمَا يُبْنى عَلَى الْفَتْحِ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَن الَّتِي هِيَ حرفٌ نَاصِبٌ لِلْفِعْلِ، والأَلفُ الأَخيرةُ إِنَّمَا هِيَ لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ فِي الْوَقْفِ، فَإِنْ وُسِّطت سَقَطت إِلَّا فِي لُغَةٍ رديئةٍ كَمَا قَالَ:

أَنا سَيْفُ العَشيرةِ، فاعْرفوني

جَمِيعًا، قَدْ تَذَرَّيْتُ السَّنامَا

وَاعْلَمْ أَنه قَدْ يُوصل بِهَا تاءُ الْخِطَابِ فيَصيرانِ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ مِنْ غَيْرِ أَن تَكُونَ مُضَافَةً إِلَيْهِ، تَقُولُ: أَنت، وَتَكْسِرُ للمؤَنث، وأَنْتُم وأَنْتُنَّ، وَقَدْ تدخلُ عَلَيْهِ كافُ التَّشْبِيهِ فَتَقُولُ: أَنتَ كأَنا وأَنا كأَنتَ؛ حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الْعَرَبِ، وكافُ التَّشْبِيهِ لَا تتَّصِلُ بِالْمُضْمَرِ، وَإِنَّمَا تَتَّصِلُ بالمُظهر، تَقُولُ: أَنتَ كزيدٍ، وَلَا تَقُولُ: أَنت كِي، إِلَّا أَن الضَّمِيرَ المُنْفَصل عِنْدَهُمْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ المُظْهَر، فَلِذَلِكَ حَسُنَ وفارقَ المُتَّصِل. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَنَ اسْمُ الْمُتَكَلِّمِ، فَإِذَا وَقفْت أَلْحَقْتَ

(1). الآية

ص: 37

أَلفاً لِلسُّكُوتِ، مَرْويّ عَنْ قُطْرُبٍ أَنه قَالَ: فِي أَنَ خمسُ لُغَاتٍ: أَنَ فعلتُ، وأَنا فعلْتُ، وآنَ فَعلتُ، وأَنْ فَعَلْتُ، وأَنَهْ فَعَلْتُ؛ حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ جِنِّي، قَالَ: وَفِيهِ ضَعْفٌ كَمَا تَرَى، قَالَ ابْنُ جِنِّي: يَجُوزُ الْهَاءُ فِي أَنَهْ بَدَلًا مِنَ الأَلف فِي أَنا لأَن أَكثر الِاسْتِعْمَالِ إِنَّمَا هُوَ أَنا بالأَلف وَالْهَاءِ قِبَلَه، فَهِيَ بَدَلٌ مِنَ الأَلف، وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ الهاءُ أُلْحِقَتْ لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ كَمَا أُلحقت الأَلف، وَلَا تَكُونُ بَدَلًا مِنْهَا بَلْ قَائِمَةً بِنَفْسِهَا كَالَّتِي فِي كتابِيَة وحسابِيَة، ورأَيت فِي نُسْخَةٍ مِنَ الْمُحْكَمِ عَنِ الأَلف الَّتِي تَلْحَقُ فِي أَنا لِلسُّكُوتِ: وَقَدْ تحذفُ وإثباتُها أَحْسَنُ. وأَنْتَ: ضميرُ المخاطَب، الاسمُ أَنْ وَالتَّاءُ علامةُ المخاطَب، والأُنثى أَنْتِ، وَتَقُولُ فِي التَّثْنِيَةِ أَنْتُما، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَيْسَ بتثنيةِ أَنْتَ إِذْ لَوْ كَانَ تثنيتَه لَوَجَبَ أَن تَقُولَ فِي أَنْتَ أَنْتانِ، إِنَّمَا هُوَ اسمٌ مصوغٌ يَدُلُّ عَلَى التَّثْنِيَةِ كَمَا صيغَ هَذَانِ وَهَاتَانِ وكُما مِنْ ضرَبْتُكما وهُما، يدلُّ عَلَى التَّثْنِيَةِ وَهُوَ غيرُ مُثَنًّى، عَلَى حَدِّ زَيْدٍ وَزَيْدَانِ. وَيُقَالُ: رَجُلٌ أُنَنَةٌ قُنَنَةٌ أَي بليغ.

أنبجن: فِي الْحَدِيثِ:

ائْتُوني بأَنْبِجانِيَّةِ أَبي جَهْمٍ

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: المحفوظُ بِكَسْرِ الْبَاءِ، وَيُرْوَى بِفَتْحِهَا، يُقَالُ: كساءٌ أَنْبِجانيّ، مَنْسُوبٌ إِلَى مَنْبِج الْمَدِينَةِ الْمَعْرُوفَةِ، وَهِيَ مَكْسُورَةُ الْبَاءِ ففُتحَت فِي النَّسَبِ، وأُبدلت الميمُ هَمْزَةً، وَقِيلَ: إِنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إِلَى مَوْضِعٍ اسْمُهُ أَنْبِجان، قَالَ: وَهُوَ أَشبه لأَن الأَولَ فِيهِ تعسُّف، وَهُوَ كِساءٌ مِنَ الصُّوف لَهُ خَمَلٌ وَلَا علمَ لَهُ، وَهِيَ مِنْ أَدْوَنِ الثِّيَابِ الْغَلِيظَةِ، وَإِنَّمَا بَعثَ الخميصةَ إِلَى أَبي جَهْمٍ لأَنه كَانَ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، خَمِيصَةً ذاتَ أَعلامٍ، فَلَمَّا شَغَلَتْه فِي الصَّلَاةِ قَالَ: رُدُّوها عَلَيْهِ وأْتُوني بأَنْبِجانيَّته، وَإِنَّمَا طَلَبها مِنْهُ لِئَلَّا يُؤَثِّرَ رَدُّ الهديَّةِ فِي قلْبِه، وَالْهَمْزَةُ فِيهَا زائدةٌ، فِي قَوْلٍ.

أنتن: الأَزهري: سَمِعْتُ بَعْضَ بَنِي سُلَيم يَقُولُ كَمَا انْتني «2» . يقولُ انْتَظِرْني فِي مكانك.

أهن: الإِهانُ: عُرْجُونُ الثَّمرةِ، وَالْجَمْعُ آهِنَة وأُهُنٌ. اللَّيْثُ: هُوَ العُرْجونُ، يَعْنِي مَا فَوْقَ الشَّمَارِيخِ، وَيُجْمَعُ أُهُناً، والعددُ ثلاثةُ آهِنةٍ؛ قَالَ الأَزهري: وأَنشدني أَعرابي:

مَنَحْتَني، يَا أَكرمَ الفِتْيان،

جَبّارةً ليستْ مِنَ العَيْدان

حَتَّى إِذَا مَا قلتُ أَلآنَ الْآنْ،

دَبَّ لَهَا أَسْودُ كالسِّرْحان،

بِمِخْلَبٍ، يَخْتَذِمُ الإِهان

وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلْمُغِيرَةِ بْنِ حَبْناء:

فَمَا بَيْنَ الرَّدَى والأَمْن إِلَّا

كَمَا بينَ الإِهانِ إِلَى العَسِيب.

أون: الأَوْنُ: الدَّعَةُ والسكينةُ والرِّفْقُ. أُنْتُ بِالشَّيْءِ أَوْناً وأُنْتُ عَلَيْهِ، كِلَاهُمَا: رَفَقْت. وأُنْتُ فِي السَّيْرِ أَوْناً إِذَا اتّدَعْت وَلَمْ تَعْجَل. وأُنْتُ أَوْناً: تَرَفّهْت وتوَدَّعْت: وَبَيْنِي وَبَيْنَ مَكَّةَ عشرُ ليالٍ آيناتٌ أَي وادعاتٌ، الياءُ قَبْلَ النُّونِ. ابْنُ الأَعرابي: آنَ يَؤُونُ أَوْناً إِذَا اسْتَراحَ؛ وأَنشد:

غَيَّر، يَا بنتَ الحُلَيْسِ، لَوْني

مَرُّ اللَّيالي، واخْتِلافُ الجَوْنِ،

وسَفَرٌ كانَ قليلَ الأَوْنِ

أَبو زَيْدٍ: أُنْتُ أَؤُونُ أَوْناً، وَهِيَ الرَّفاهية والدَّعَةُ، وَهُوَ آئنٌ مِثَالُ فاعِلٍ أَي وادعٌ رافِهٌ. وَيُقَالُ: أُنْ

(2). قوله [كما انتني] هكذا بضبط الأَصل

ص: 38

عَلَى نَفْسِكَ أَي ارْفُقْ بِهَا فِي السَّيْرِ واتَّدِعْ، وَتَقُولُ لَهُ أَيضاً إِذَا طاشَ: أُنْ عَلَى نفسِك أَي اتَّدِعْ. وَيُقَالُ: أَوِّنْ عَلَى قَدْرِك أَي اتَّئِدْ عَلَى نحوِك، وَقَدْ أَوَّنَ تأْويناً. والأَوْنُ: المَشْيُ الرُّوَيْدُ، مُبَدَّلٌ مِنَ الهَوْنِ. ابْنُ السِّكِّيتِ: أَوِّنُوا فِي سَيْرِكم أَي اقْتَصِدوا، مِنَ الأَوْنِ وَهُوَ الرِّفْقُ. وَقَدْ أَوَّنْتُ أَي اقْتَصَدْتُ. وَيُقَالُ: رِبْعٌ آئنٌ خيرٌ مِنْ عَبٍّ حَصْحاصٍ. وتأَوَّنَ فِي الأَمر: تَلَبَّث. والأَوْنُ: الإِعياءُ والتَّعَبُ كالأَيْنِ. والأَوْنُ: الجمَل. والأَوْنانِ: الخاصِرتان والعِدْلان يُعْكَمانِ وجانِبا الخُرج. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الأَوْنُ العِدْل والخُرْجُ يُجْعل فِيهِ الزادُ؛ وأَنشد:

وَلَا أَتَحَرَّى وُدَّ مَنْ لَا يَوَدُّني،

وَلَا أَقْتَفي بالأَوْنِ دُونَ رَفِيقي

. وَفَسَّرَهُ ثَعْلَبُ بأَنه الرِّفْقُ والدَّعَةُ هُنَا. الْجَوْهَرِيُّ: الأَوْنُ أَحدُ جانِبَي الخُرج. وَهَذَا خُرْجٌ ذُو أَوْنَين: وَهُمَا كالعِدْلَيْنِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ وَهُوَ مِنْ أَبيات الْمَعَانِي:

وخَيْفاء أَلْقَى الليثُ فِيهَا ذِراعَه،

فَسَرَّتْ وساءتْ كلَّ ماشٍ ومُصْرِمِ

تَمَشَّى بِهَا الدَّرْماءُ تَسْحَبُ قُصْبَها،

كأَنْ بطنُ حُبْلى ذاتِ أَوْنَينِ مُتْئِمِ

. خَيْفاء: يَعْنِي أَرضاً مُخْتَلِفَةَ أَلوان النباتِ قَدْ مُطِرت بِنَوْءِ الأَسدِ، فسَرَّت مَنْ لَهُ ماشِيةٌ وساءَت مَنْ كَانَ مُصْرِماً لَا إبِلَ لَهُ، والدَّرْماءُ: الأَرْنَب، يَقُولُ: سَمِنَت حَتَّى سَحَبَت قُصْبَها كأَنّ بَطْنَها بطنُ حُبْلى مُتْئِمٍ. وَيُقَالُ: آنَ يَؤُونُ إِذَا اسْتَرَاحَ. وخُرْجٌ ذُو أَوْنَينِ إِذَا احْتَشى جَنْباه بالمَتاعِ. والأَوانُ: العِدْلُ. والأَوانانِ: العِدْلانِ كالأَوْنَينِ؛ قَالَ الرَّاعِي:

تَبِيتُ، ورِجْلاها أَوانانِ لاسْتِها،

عَصاها اسْتُها حَتَّى يكلَّ قَعودُها

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ قِيلَ الأَوانُ عَمُودٌ مِنْ أَعْمِدة الخِباء. قَالَ الرَّاعِي: وأَنشد الْبَيْتَ، قَالَ الأَصمعي: أقامَ اسْتَها مُقامَ العَصا، تدفعُ البعيرَ باسْتِها لَيْسَ مَعَهَا عَصَا، فَهِيَ تُحرِّك اسْتَها عَلَى البعيرِ، فقولُه عَصَاهَا اسْتُها أَي تُحرِّك حِمارَها باسْتِها، وَقِيلَ: الأَوانانِ اللِّجامانِ، وَقِيلَ: إناءَانِ مَمْلُوءَانِ عَلَى الرَّحْل. وأَوَّنَ الرجلُ وتَأَوَّنَ: أَكَلَ وَشَرِبَ حَتَّى صَارَتْ خاصِرتاه كالأَوْنَيْنِ. ابْنُ الأَعرابي: شرِبَ حَتَّى أَوَّنَ وَحَتَّى عَدَّنَ وَحَتَّى كأَنَّه طِرافٌ. وأَوَّنَ الحِمارُ إِذَا أَكلَ وشربَ وامْتَلأَ بطنُه وامتدَّت خاصِرتاه فَصَارَ مِثْلَ الأَوْن. وأَوَّنَت الأَتانُ: أَقْرَبَت؛ قَالَ رُؤْبَةُ:

وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصاً ربَّ الفَلَقْ

سِرّاً، وَقَدْ أَوَّنَ تأْوِينَ العُقُقْ

. التَّهْذِيبُ: وصفَ أُتُناً وَرَدَتِ الْمَاءَ فشَرِبت حَتَّى امتلأَت خَواصِرُها، فَصَارَ الماءُ مثلَ الأَوْنَيْنِ إِذَا عُدلا عَلَى الدَّابَّةِ. والتَّأَوُّنُ: امْتِلاءُ البَطْنِ، ويُريدُ جمعَ العَقوقِ، وَهِيَ الحاملُ مِثْلُ رَسُولٍ ورُسُل. والأَوْنُ: التَّكَلُّفُ للنَّفَقة. والمَؤُونة عِنْدَ أَبي عَلِيٍّ مَفْعُلةٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنها فَعُولة مِنْ مأَنْت. والأَوانُ والإِوانُ: الحِينُ، وَلَمْ يُعلَّ الإِوانُ لأَنه لَيْسَ بِمَصْدَرٍ. اللَّيْثُ: الأَوانُ الحينُ والزمانُ، تَقُولُ: جَاءَ أَوانُ البَردِ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

هَذَا أَوانُ الجِدِّ إذْ جَدَّ عُمَرْ

ص: 39

الكسائي قَالَ: أَبو جَامِعٍ هَذَا إوانُ ذَلِكَ، والكلامُ الفتحُ أَوانٌ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: أَتَيتُه آئِنةً بَعْدَ آئنةٍ «1» . بِمَعْنَى آوِنة؛ وأَما قَوْلُ أَبي زَيْدٍ:

طَلَبُوا صُلْحَنا، ولاتَ أَوانٍ،

فأَجَبْنا: أَن لَيْسَ حينَ بَقَاءٍ

. فَإِنَّ أَبا الْعَبَّاسِ ذَهَبَ إِلَى أَن كسرة أَوان ليس إِعْرَابًا وَلَا عَلَماً لِلْجَرِّ، وَلَا أَن التَّنْوِينَ الَّذِي بَعْدَهَا هُوَ التَّابِعُ لِحَرَكَاتِ الإِعراب، وَإِنَّمَا تَقْدِيرُهُ أَنّ أَوانٍ بِمَنْزِلَةِ إِذْ فِي أَنَّ حُكْمَه أَن يُضاف إِلَى الْجُمْلَةِ نَحْوَ قَوْلِكَ جِئْتُ أَوانَ قَامَ زَيْدٍ، وأَوانَ الحَجّاجُ أَميرٌ أَي إِذْ ذاكَ كَذَلِكَ، فَلَمَّا حَذَفَ المضافَ إِلَيْهِ أَوانَ عَوّض مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ تَنْوِينًا، وَالنُّونُ عِنْدَهُ كَانَتْ فِي التَّقْدِيرِ سَاكِنَةً كَسُكُونِ ذَالِ إذْ، فَلَمَّا لَقِيها التنوينُ سَاكِنًا كُسِرت النُّونُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ كَمَا كُسِرت الذالُ مِنْ إِذْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَجَمْعُ الأَوان آوِنةٌ مِثْلَ زَمَانٍ وأَزْمِنة، وأَما سِيبَوَيْهِ فَقَالَ: أَوان وأَوانات، جَمَعُوهُ بِالتَّاءِ حِينَ لَمْ يُكسَّر هَذَا عَلَى شُهْرةٍ آوِنةً، وَقَدْ آنَ يَئينُ؛ قال سِيبَوَيْهِ: هُوَ فَعَلَ يَفْعِل، يَحْمِله عَلَى الأَوان؛ والأَوْنُ الأَوان يُقَالُ: قَدْ آنَ أَوْنُك أَي أَوانك. قال يَعْقُوبُ: يُقَالُ فلانٌ يصنعُ ذَلِكَ الأَمر آوِنةً إِذَا كَانَ يَصْنعه مِرَارًا ويدَعه مِرَارًا؛ قَالَ أَبو زُبيد:

حَمّال أثقالِ أَهلِ الوُدِّ، آوِنةً،

أُعْطِيهمُ الجَهْدَ مِنِّي، بَلْهَ مَا أَسَعُ

وَفِي الْحَدِيثِ:

مَرَّ النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، برجُل يَحْتَلِب شَاةً آوِنةً فَقَالَ دعْ داعِيَ اللَّبَنِ

؛ يَعْنِي أَنه يحْتَلِبها مَرَّةً بَعْدَ أُخرى، وَدَاعِيَ اللَّبَنِ هُوَ مَا يَتْرُكُهُ الحالبُ مِنْهُ فِي الضَّرْعِ وَلَا يَسْتَقْصيه لِيَجْتَمِعَ اللبنُ فِي الضَّرع إِلَيْهِ، وَقِيلَ: إِنَّ آوِنة جَمْعُ أَوانٍ وَهُوَ الْحِينُ وَالزَّمَانُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

هَذَا أَوانُ قطَعَتْ أَبْهَري.

والأَوانُ: السَّلاحِفُ؛ عَنْ كُرَاعٍ، قَالَ: وَلَمْ أَسمع لَهَا بِوَاحِدٍ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

وبَيَّتُوا الأَوانَ فِي الطِّيّاتِ

الطِّيّات: المنازِلُ. والإِوانُ والإِيوانُ: الصُّفَّةُ الْعَظِيمَةُ، وَفِي الْمُحْكَمِ: شِبْهُ أَزَجٍ غَيْرُ مسْدود الْوَجْهِ، وَهُوَ أَعجمي، وَمِنْهُ إيوانُ كِسْرى؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

إِيوَانُ كِسْرى ذِي القِرى والرَّيحان

. وَجَمَاعَةُ الإِوان أُوُنٌ مِثْلَ خِوان وخُوُن، وَجَمَاعَةُ الإِيوان أَواوِينُ وإيواناتٌ مِثْلَ دِيوان ودَواوين، لأَن أَصله إوّانٌ فأُبدل مِنْ إِحْدَى الواوَين يَاءٌ؛ وأَنشد:

شَطَّتْ نَوى مَنْ أَهْلُه بالإِيوان

. وجماعةُ إيوانِ اللِّجامِ إيواناتٌ. والإِوانُ: مِنْ أَعْمِدة الْخِبَاءِ؛ قَالَ: كلُّ شيءٍ عَمَدْتَ بِهِ شَيْئًا فَهُوَ إِوَانٌ لَهُ؛ وأَنشد بَيْتُ الرَّاعِي أَيضاً:

تبيتُ ورِجْلاها إِوانانِ لاسْتِها

. أَي رِجْلاها سَنَدان لاسْتها تَعْتَمِدُ عَلَيْهِمَا. والإِوانةُ: ركيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ؛ عَنِ الْهِجْرِيِّ، قَالَ: هِيَ بالعُرْف قُرْبٌ وَشْحى والوَرْكاء والدَّخول؛ وأَنشد:

فإنَّ عَلَى الإِوانةِ، مِنْ عُقَيْلٍ،

فَتًى، كِلْتا اليَدَين لَهُ يَمينُ.

أين: آنَ الشيءُ أَيناً: حانَ، لُغَةٌ فِي أَنى، وَلَيْسَ بِمَقْلُوبٍ عَنْهُ لِوُجُودِ المصدر؛ وقال:

أَلَمَّا يَئِنْ لِي أَنْ تُجَلَّى عمايَتي،

وأُقْصِرَ عَنْ ليْلى؟ بَلى قَدْ أَنى لِيا

(1). قوله [آئنة بعد آئنة] هكذا بالهمز في التكملة، وفي القاموس بالياء

ص: 40

فجاء باللغتين جميعاً. وقالوا: آنَ أَيْنُك وإينُك وَآنَ آنُك أَي حانَ حينُك، وآنَ لَكَ أَن تَفْعَلَ كَذَا يَئينُ أَيْناً؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ، أَي حانَ، مِثْلَ أَنى لَكَ، قَالَ: وَهُوَ مقلوبٌ مِنْهُ. وَقَالُوا: الْآنَ فَجَعَلُوهُ اسْمًا لِزَمَانِ الْحَالِ، ثُمَّ وَصَفُوا للتوسُّع فَقَالُوا: أَنا الآنَ أَفعل كَذَا وَكَذَا، والأَلف وَاللَّامَ فِيهِ زَائِدَةٌ لأَنَّ الاسمَ مَعْرِفَةٌ بِغَيْرِهِمَا، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْرِفَةٌ بِلَامٍ أُخرى مقدَّرة غَيْرِ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ. ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ ابْنُ جِنِّي قَوْلُهُ عز وجل: قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ

؛ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَن اللَّامَ فِي الْآنَ زَائِدَةٌ أَنها لَا تَخْلُو مِنْ أَن تكونَ لِلتَّعْرِيفِ كَمَا يظنُّ مخالفُنا، أَو تَكُونَ زَائِدَةٌ لِغَيْرِ التَّعْرِيفِ كَمَا نَقُولُ نَحْنُ، فَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنها لِغَيْرِ التَّعْرِيفِ أَنَّا اعْتَبَرْنَا جميعَ مَا لامُه لِلتَّعْرِيفِ، فَإِذَا إسقاطُ لامِه جَائِزٌ فِيهِ، وَذَلِكَ نَحْوَ رَجُلٍ وَالرَّجُلِ وَغُلَامٍ وَالْغُلَامِ، وَلَمْ يَقُولُوا افْعَلْه آنَ كَمَا قَالُوا افعَلْه الآنَ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَن اللامَ فِيهِ لَيْسَتْ لِلتَّعْرِيفِ بَلْ هِيَ زَائِدَةٌ كَمَا يُزاد غيرُها مِنَ الْحُرُوفِ، قَالَ: فَإِذَا ثَبتَ أَنها زائدةٌ فَقَدْ وَجَبَ النظرُ فِيمَا يُعَرَّف بِهِ الْآنَ فَلَنْ يَخْلُوَ مِنْ أَحد وُجُوهِ التَّعْرِيفِ الْخَمْسَةِ: إِمَّا لأَنه مِنَ الأَسماء المُضْمَرة أَو مِنَ الأَسماء الأَعلام، أَو مِنَ الأَسماء المُبْهَمة، أَو مِنَ الأَسماء الْمُضَافَةِ، أَوْ مِنَ الأَسماء المُعَرَّفة بِاللَّامِ، فمُحالٌ أَن تَكُونَ مِنَ الأَسماء الْمُضْمَرَةِ لأَنها مَعْرُوفَةٌ مَحْدُودَةٌ وَلَيْسَتِ الْآنَ كَذَلِكَ، ومُحالٌ أَن تَكُونَ مِنَ الأَسماء الأَعْلام لأَن تِلْكَ تخُصُّ الْوَاحِدَ بعَيْنه، وَالْآنَ تقعَ عَلَى كلِّ وقتٍ حَاضِرٍ لَا يَخُصُّ بعضَ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ، وَلَمْ يَقُلْ أَحدٌ إِنَّ الْآنَ مِنَ الأَسماء الأَعلام، ومُحالٌ أَيضاً أَنْ تَكُونَ مِنْ أَسماء الإِشارة لأَن جَمِيعَ أَسماء الإِشارة لَا تَجِدُ فِي واحدٍ مِنْهَا لامَ التَّعْرِيفِ، وَذَلِكَ نَحْوَ هَذَا وَهَذِهِ وَذَلِكَ وَتِلْكَ وَهَؤُلَاءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وذهب أَبو إسحق إِلَى أَن الْآنَ إِنَّمَا تَعَرُّفه بالإِشارة، وأَنه إِنَّمَا بُنِيَ لِمَا كَانَتِ الأَلف واللام فيه لغير عهد مُتَقَدِّمٍ، إِنَّمَا تقولُ الْآنَ كَذَا وَكَذَا لِمَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَكَ مَعَهُ ذِكْر الْوَقْتِ الْحَاضِرِ، فأَما فَسَادُ كَوْنِهِ مِنْ أَسماء الإِشارة فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكرُه، وأَما مَا اعْتَلَّ بِهِ مِنْ أَنه إِنَّمَا بُنيَ لأَن الأَلف واللام فيه لغير عهدٍ متقَدِّمٍ ففاسدٌ أَيضاً، لأَنا قَدْ نَجِدُ الأَلف وَاللَّامَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَسماء عَلَى غَيْرِ تقدُّم عهْد، وَتِلْكَ الأَسماء مَعَ كَوْنِ اللَّامِ فِيهَا مَعارف، وَذَلِكَ قَوْلُكَ يَا أَيها الرجلُ، ونظَرْتُ إِلَى هَذَا الْغُلَامِ، قَالَ: فَقَدْ بطلَ بِمَا ذكَرْنا أَن يَكُونَ الآنَ مِنَ الأَسماء الْمُشَارِ بِهَا، ومحالٌ أَيضاً أَن تَكُونَ مِنَ الأَسماء المتعَرِّفة بالإِضافة لأَننا لَا نُشَاهِدُ بَعْدَهُ اسْمًا هُوَ مُضَافٌ إِلَيْهِ، فَإِذَا بَطَلَت واسْتَحالت الأَوجه الأَربعة المقَدَّم ذكرُها لَمْ يَبْقَ إِلَّا أَن يَكُونَ معرَّفاً بِاللَّامِ نَحْوَ الرَّجُلِ وَالْغُلَامِ، وَقَدْ دَلَّتِ الدلالةُ عَلَى أَن الْآنَ لَيْسَ مُعَرَّفاً بِاللَّامِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي فِيهِ، لأَنه لَوْ كَانَ مَعرَّفاً بِهَا لجازَ سُقوطُها مِنْهُ، فلزومُ هَذِهِ اللَّامِ لِلْآنَ دليلٌ عَلَى أَنها لَيْسَتْ لِلتَّعْرِيفِ، وَإِذَا كَانَ مُعَرَّفاً بِاللَّامِ لَا محالَةَ، واستَحال أَن تكونَ اللَّامُ فِيهِ هِيَ الَّتِي عَرَّفَتْه، وَجَبَ أَن يَكُونَ مُعَرَّفاً بِلَامٍ أُخرى غَيْرِ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي فِيهِ بِمَنْزِلَةِ أَمْسِ فِي أَنه تَعَرَّف بِلَامٍ مُرَادَّةٍ، وَالْقَوْلُ فِيهِمَا واحدٌ، وَلِذَلِكَ بُنِيَا لتضمُّنهما مَعْنَى حَرْفِ التَّعْرِيفِ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَهَذَا رأْيُ أَبي عَلِيٍّ وَعَنْهُ أَخَذْتُه، وَهُوَ الصوابُ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا الْآنَ آنُكَ، كَذَا قرأْناه فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ بِنَصْبِ الآنَ ورفعِ آنُك، وَكَذَا الآنَ حدُّ الزمانَيْن، هَكَذَا قرأْناه أَيضاً بِالنَّصْبِ، وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: اللَّامُ فِي قَوْلِهِمُ الآنَ حَدُّ الزَّمَانَيْنِ بِمَنْزِلَتِهَا فِي قَوْلِكَ الرجلُ أَفضلُ مِنَ المرأَة

ص: 41

أَي هَذَا الجنسُ أَفضلُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، فَكَذَلِكَ الْآنَ، إِذَا رَفَعَه جَعَلَه جنسَ هَذَا المُسْتَعْمَلِ فِي قَوْلِهِمْ كنتُ الْآنَ عِنْدَهُ، فَهَذَا مَعْنَى كُنتُ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْحَاضِرِ بعْضُه، وَقَدْ تَصَرَّمَتْ أَجزاءٌ مِنْهُ عِنْدَهُ، وبُنيت الْآنَ لتَضَمُّنها مَعْنَى الْحَرْفِ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: أَتَيْتُه آئِنَةً بَعْدَ آئِنَةٍ بِمَعْنَى آوِنةٍ. الْجَوْهَرِيُّ: الْآنَ اسمٌ لِلْوَقْتِ الَّذِي أَنت فِيهِ، وَهُوَ ظَرْف غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ، وَقَع مَعْرِفةً وَلِمَ تدخُل عَلَيْهِ الأَلفُ واللامُ لِلتَّعْرِيفِ، لأَنَّه لَيْس لَهُ مَا يَشْرَكُه، وربَّما فَتَحوا اللامَ وحَذَفوا الهمْزَتَيْنِ؛ وأَنشد الأَخفش:

وَقَدْ كُنْتَ تُخْفِي حُبَّ سَمْراءَ حِقْبَةً،

فَبُحْ، لانَ منْها، بِالَّذِي أَنتَ بائِحُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قولُه حَذَفوا الهمزَتَين يَعْنِي الهمزةَ الَّتِي بَعْد اللامِ نَقَلَ حَرَكَتَهَا عَلَى اللامِ وحَذَفها، ولمَّا تَحَرَّكَت اللامُ سَقَطَتْ همزةُ الوَصْلِ الداخلةُ على اللام؛ وقال جَرِيرٌ:

أَلانَ وَقَدْ نَزَعْت إِلَى نُمَيْرٍ،

فَهَذَا حينَ صِرْت لَهُمْ عَذابا

. قَالَ: ومثْلُ البيتِ الأَوَّل قولُ الآخَر:

أَلا يَا هِنْدُ، هِنْدَ بَني عُمَيْرٍ،

أَرَثٌّ، لانَ، وَصْلُكِ أَم حَديدُ؟

وَقَالَ أَبو المِنْهالِ:

حَدَبْدَبَى بَدَبْدَبَى منْكُمْ، لانْ،

إنَّ بَني فَزارَةَ بنِ ذُبيانْ

قَدْ طرقَتْ ناقَتُهُمْ بإنْسانْ

مُشَنَّإٍ، سُبْحان رَبِّي الرحمنْ

أَنا أَبو المِنْهالِ بَعْضَ الأَحْيانْ،

لَيْسَ عليَّ حَسَبي بِضُؤْلانْ

. التَّهْذِيبُ: الْفَرَّاءُ الْآنَ حرفٌ بُنِيَ عَلَى الأَلف وَاللَّامِ وَلَمْ يُخْلَعا مِنْهُ، وتُرِك عَلَى مَذْهَب الصفةِ لأَنَّه صفةٌ فِي الْمَعْنَى وَاللَّفْظِ كَمَا رأَيتهم فَعَلوا بِالَّذِي وَالَّذِينَ، فَتَرَكوهما عَلَى مَذْهَبِ الأَداةِ والأَلفُ واللامُ لَهُمَا غَيْرُ مفارِقَةٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

فإِن الأُلاء يَعْلَمُونَكَ مِنْهُمْ،

كَعِلْمِ مَظْنُولٍ مَا دُمْتَ أَشعرا «2»

. فأَدْخلَ الأَلف وَاللَّامَ عَلَى أُولاء، ثُمَّ تَرَكَها مَخْفُوضَةً فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ أَن تدخُلَها الأَلف وَاللَّامُ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:

وإنِّي حُبِسْتُ اليومَ والأَمْسِ قَبْلَه

بِبابِكَ، حَتَّى كادَتِ الشمسُ تَغْربُ

فأَدخَلَ الأَلفَ وَاللَّامَ عَلَى أَمْسِ ثُمَّ تَرَكَهُ مَخْفُوضًا عَلَى جِهَةِ الأُلاء؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:

وجُنَّ الخازِبازِ بِهِ جُنوناً

فمثلُ الْآنَ بأَنها كَانَتْ مَنْصُوبَةً قَبْلَ أَن تُدْخِلَ عَلَيْهَا الأَلفَ وَاللَّامَ، ثُمَّ أَدْخَلْتَهما فَلَمْ يُغَيِّراها، قَالَ: وأَصلُ الْآنَ إِنَّمَا كَانَ أَوَان، فحُذِفَت مِنْهَا الأَلف وغُيِّرت واوُها إِلَى الأَلف كَمَا قَالُوا فِي الرَّاحِ الرَّياح؛ قَالَ أَنشد أَبو القَمْقام:

كأَنَّ مكاكِيَّ الجِواءِ غُدَيَّةً،

نَشاوَى تَساقَوْا بالرَّياحِ المُفَلْفَلِ

فَجَعَلَ الرَّياحَ والأَوانَ مرَّة عَلَى جِهَةٍ فَعَلٍ، وَمَرَّةً عَلَى جِهَةِ فَعالٍ، كَمَا قَالُوا زَمَن وزَمان، قَالُوا: وَإِنْ شِئْتَ جعلتَ الْآنَ أَصلها مِنْ قولِه آنَ لَكَ أَن تفعلَ، أَدخَلْتَ عَلَيْهَا الأَلفَ وَاللَّامَ ثُمَّ تركتَها عَلَى مَذْهَبِ فَعَلَ، فأَتاها النصبُ مِنْ نَصْبِ فعَل، وهو وجهٌ

(2). قوله [فان الألاء إلخ] هكذا في الأَصل

ص: 42

جَيِّدٌ كَمَا قَالُوا:

نَهى رسولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، عَنْ قِيلَ وقالَ

، فَكَانَتَا كَالِاسْمَيْنِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَلَوْ خَفَضْتَهما عَلَى أَنهما أُخْرِجتا مِنْ نِيَّةِ الْفِعْلِ إِلَى نِيَّةِ الأَسماء كَانَ صَوَابًا؛ قَالَ الأَزهري: سَمِعْتُ الْعَرَبَ يَقُولُونَ: مِنْ شُبَّ إِلَى دُبَّ، وبعضٌ: مِنْ شُبٍّ إِلَى دُبٍّ، وَمَعْنَاهُ فعَل مُذْ كَانَ صَغِيرًا إِلَى أَن دَبّ كَبِيرًا. وَقَالَ الْخَلِيلُ: الْآنَ مبنيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، تَقُولُ نحنُ مِنَ الآنَ نَصِيرُ إِلَيْكَ، فَتُفْتَحُ الآنَ لأَنَّ الأَلفَ وَاللَّامَ إِنَّمَا يدخُلانِ لعَهْدٍ، والآنَ لَمْ تعْهَدْه قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ، فَدَخَلَتِ الأَلف وَاللَّامُ للإِشارة إِلَى الْوَقْتِ، وَالْمَعْنَى نحنُ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ نفعلُ؛ فَلَمَّا تضمَّنَت مَعْنًى هَذَا وجَب أَن تَكُونَ مَوْقُوفَةً، ففُتِحَت لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَهُمَا الأَلف وَالنُّونُ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَنكر الزجاجُ مَا قَالَ الْفَرَّاءُ أَنَّ الآنَ إِنَّمَا كَانَ فِي الأَصل آنَ، وأَن الأَلف وَاللَّامَ دَخَلَتَا عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ وَقَالَ: مَا كَانَ عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ نَحْوَ قَوْلِكَ قَامَ، إِذَا سَمَّيْتَ بِهِ شَيْئًا، فجعلتَه مَبْنِيًّا عَلَى الْفَتْحِ لَمْ تدخُلْه الأَلفُ وَاللَّامُ، وَذَكَرَ قولَ الْخَلِيلِ: الآنَ مبنيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ عز وجل: الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ

؛ فِيهِ ثلاثُ لُغاتٍ: قالُوا الْآنَ

، بِالْهَمْزِ وَاللَّامُ سَاكِنَةٌ،

وَقَالُوا أَلانَ

، مُتَحَرِّكَةُ اللَّامِ بِغَيْرِ هَمْزٍ وتُفْصَل، قَالُوا مِنْ لانَ، وَلُغَةٌ ثَالِثَةٌ

قَالُوا لانَ جئتَ بِالْحَقِّ

، قَالَ: والآنَ منصوبةُ النُّونِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهَا حرفٌ خافضٌ كَقَوْلِكَ مِنَ الآنَ، وَذَكَرَ ابْنُ الأَنباري الْآنَ فَقَالَ: وانتصابُ الْآنَ بِالْمُضْمَرِ، وعلامةُ النَّصْبِ فِيهِ فتحُ النُّونِ، وأَصلُه الأَوانُ فأُسقِطَت الأَلف الَّتِي بَعُدَ الْوَاوِ وجُعِلَت الواوُ أَلفاً لِانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، قَالَ: وَقِيلَ أَصله آنَ لَكَ أَن تفعلَ، فسُمِّي الوقتُ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي وتُرِك آخرُه عَلَى الْفَتْحِ، قَالَ: وَيُقَالُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ أَنا لَا أُكلِّمُك مِنَ الآنَ يَا هَذَا، وَعَلَى الْجَوَابِ الأَول مِنَ الآنِ؛ وأَنشد ابْنُ صَخْرٍ:

كأَنهما ملآنِ لَمْ يَتَغَيَّرا،

وَقَدْ مَرَّ للدارَين مِن بعدِنا عَصْرُ

وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: هَذَا أَوانُ الآنَ تَعْلم، وَمَا جئتُ إلَّا أَوانَ الآنَ أَي مَا جِئْتُ إِلَّا الْآنَ، بِنَصْبِ الْآنَ فِيهِمَا.

وسأَل رجلٌ ابنَ عُمَرَ عَنْ عُثْمَانَ قَالَ: أَنشُدك اللهَ هَلْ تعْلم أَنه فرَّ يَوْمَ أُحُد وَغَابَ عَنْ بدرٍ وَعَنْ بَيْعةِ الرِّضْوَانِ؟ فَقَالَ ابنُ عُمَرَ: أَما فِرارُه يَوْمَ أُحُد فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل يَقُولُ: وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ؛ وأَما غَيْبَتُه عَنْ بدرٍ فَإِنَّهُ كَانَتْ عِنْدَهُ بنتُ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَكَانَتْ مَرِيضَةً وَذَكَرَ عُذْرَه فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: اذهبْ بِهَذِهِ تَلآنَ مَعَك

؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ الأُمَويّ قَوْلُهُ تَلآنَ يُرِيدُ الْآنَ، وَهِيَ لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ، يَزِيدُونَ التاءَ فِي الْآنِ وَفِي حينٍ وَيَحْذِفُونَ الْهَمْزَةَ الأُولى، يُقَالُ: تَلآن وتَحين؛ قَالَ أَبو وَجْزَةَ:

العاطِفون تحينَ مَا مِنْ عاطِفٍ،

والمُطْعِمونَ زمانَ مَا مِنْ مُطْعِم

. وَقَالَ آخَرُ:

وصَلَّيْنا كَمَا زَعَمَت تَلانا

. قَالَ: وَكَانَ الْكِسَائِيُّ والأَحمر وغيرُهما يَذْهَبُونَ إِلَى أَن الرِّوَايَةَ العاطفونَة فَيَقُولُ: جَعَلَ الْهَاءَ صِلَةً وَهُوَ وَسَطُ الْكَلَامِ، وَهَذَا لَيْسَ يُوجد إِلَّا عَلَى السَّكْتِ، قَالَ: فحَدَّثتُ بِهِ الأُمَويَّ فأَنكره، قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَهُوَ عِنْدِي عَلَى مَا قَالَ الأُمَويُّ وَلَا حُجَّةَ لِمَنِ احْتَجَّ

ص: 43

بالكتاب فِي قَوْلِهِ: وَلاتَ حِينَ مَناصٍ، لأَن التَّاءَ منفصلةٌ مِنْ حِينٍ لأَنهم كَتَبُوا مِثْلَهَا مُنْفَصِلًا أَيضاً مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَن يُفْصَل كقوله: يَا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ، واللامُ مُنْفَصِلَةٌ مِنْ هَذَا. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالنَّحْوِيُّونَ عَلَى أَن التَّاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلاتَ حِينَ فِي الأَصل هاءٌ، وَإِنَّمَا هِيَ وَلاهْ فَصَارَتْ تَاءً للمرورِ عَلَيْهَا كالتاءَاتِ المؤَنثة، وأَقاوِيلُهم مَذْكُورَةٌ فِي تَرْجَمَةٍ لَا بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ. قَالَ أَبو زَيْدٍ: سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ مَرَرْتُ بزيدِ اللَّانَ، ثقَّلَ اللامَ وَكَسَرَ الدَّالَّ وأَدْغم التَّنْوِينَ فِي اللَّامِ. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ

أَبي ذَرٍّ: أَما آنَ لِلرَّجُلِ أَن يَعْرف مَنزِله

أَي أَما حانَ وقرُبَ، تَقُولُ مِنْهُ: آنَ يَئينُ أَيْناً، وَهُوَ مِثْلُ أَنَى يَأْني أَناً، مقلوبٌ مِنْهُ. وآنَ أَيْناً: أَعيا. أَبو زَيْدٍ: الأَيْنُ الإِعْياء وَالتَّعَبُ. قَالَ أَبو زَيْدٍ: لَا يُبْنى مِنْهُ فِعْلٌ وَقَدْ خُولِفَ فِيهِ، وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: لَا فِعْل لِلأَين الَّذِي هُوَ الإِعياء. ابْنُ الأَعرابي: آنَ يَئِينُ أَيْناً مِنَ الإِعياء؛ وأَنشد:

إنَّا ورَبِّ القُلُص الضَّوامِرِ

إِنَّا أَي أَعْيَينا. اللَّيْثُ: وَلَا يشتَقُّ مِنْهُ فِعْل إلَّا فِي الشِّعْر؛ وَفِي قَصِيدِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:

فِيهَا عَلَى الأَيْنِ إِرْقالٌ وتَبْغيلُ

الأَيْنُ: الإِعياء وَالتَّعَبُ. ابْنُ السِّكِّيتِ: الأَيْنُ والأَيْمُ الذَّكَر مِنَ الْحَيَّاتِ، وَقِيلَ: الأَينُ الحيَّةُ مِثْلَ الأَيمِ، نُونُهُ بدلٌ مِنَ اللَّامِ. قَالَ أَبو خَيْرَةَ: الأُيونُ والأُيومُ جَمَاعَةٌ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: والأَينُ والأَيم أَيضاً الرَّجُلُ والحِمل. وأَيْنَ: سُؤَالٌ عَنْ مكانٍ، وَهِيَ مُغْنية عَنِ الْكَلَامِ الْكَثِيرِ وَالتَّطْوِيلِ، وَذَلِكَ أَنك إِذَا قُلْتَ أَيْنَ بَيْتُك أَغناك ذَلِكَ عَنْ ذِكْر الأَماكن كُلِّهَا، وَهُوَ اسمٌ لأَنك تَقُولُ مِنْ أَينَ؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ مُؤَنثة وَإِنْ شِئْتَ ذكَّرْت، وَكَذَلِكَ كلُّ مَا جَعَلَهُ الكتابُ اسْمًا مِنَ الأَدوات والصِّفات، التأْنيثُ فِيهِ أَعْرَفُ والتذكيرُ جائز؛ فأَما قَوْلُ حُمَيد بْنِ ثَوْرٍ الْهِلَالِيِّ:

وأَسماء، مَا أَسماءُ لَيْلَةَ أَدْلَجَتْ

إِلَيَّ، وأَصحابي بأَيْنَ وأَيْنَما

. فَإِنَّهُ جَعَلَ أَينَ عَلَمًا للبُقْعة مُجَرَّدًا مِنْ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ، فمنَعَها الصَّرْفَ لِلتَّعْرِيفِ والتأْنيث كأُنَى، فتكونُ الفتحةُ فِي آخِرِ أَين عَلَى هَذَا فتحةَ الجرِّ وَإِعْرَابًا مِثْلَهَا فِي مررْتُ بأَحْمَدَ، وَتَكُونُ مَا عَلَى هَذَا زَائِدَةً وأَينَ وَحْدَهَا هِيَ الِاسْمُ، فَهَذَا وجهٌ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ ركَّب أَينَ مَعَ مَا، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ فَتَحَ الأُولى مِنْهَا كَفَتْحَةِ الْيَاءِ مِنْ حَيَّهَلْ لَمَّا ضُمَّ حَيَّ إِلَى هَلْ، والفتحةُ فِي النُّونِ عَلَى هَذَا حادثةٌ لِلتَّرْكِيبِ وَلَيْسَتْ بِالَّتِي كَانَتْ فِي أَيْنَ، وَهِيَ اسْتِفْهَامٌ، لأَن حَرَكَةَ التَّرْكِيبِ خَلَفَتْها ونابَتْ عَنْهَا، وَإِذَا كَانَتْ فتحةُ التَّرْكِيبِ تؤَثر فِي حَرَكَةِ الإِعراب فتزيلُها إِلَيْهَا نَحْوَ قَوْلِكَ هَذِهِ خمسةٌ، فتُعْرِب ثُمَّ تَقُولُ هَذِهِ خمْسةَ عشَر فتخلُف فتحةُ التَّرْكِيبِ ضمةَ الإِعراب عَلَى قُوَّةِ حَرَكَةِ الإِعراب، كَانَ إبدالُ حَرَكَةِ الْبِنَاءِ مِنْ حَرَكَةِ الْبِنَاءِ أَحرى بِالْجَوَازِ وأَقرَبَ فِي الْقِيَاسِ. الْجَوْهَرِيُّ: إِذَا قلتَ أَين زَيْدٌ فَإِنَّمَا تسأَلُ عَنْ مَكَانِهِ. اللَّيْثُ: الأَينُ وقتٌ مِنَ الأَمْكِنة «1» . تَقُولُ: أَينَ فلانٌ فَيَكُونُ مُنْتَصِبًا فِي الْحَالَاتِ كُلِّهَا مَا لَمْ تَدْخُلْه الأَلف وَاللَّامُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَينَ وَكَيْفَ حَرْفَانِ يُسْتَفْهَم بِهِمَا، وَكَانَ حقُّهما أَن يَكُونَا مَوْقوفَين، فحُرِّكا لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ ونُصِبا وَلَمْ يُخْفَضا مِنْ أَجل الْيَاءِ، لأَن الْكَسْرَةَ مَعَ الْيَاءِ تَثْقُل والفتحةُ أَخفُّ. وقال الأَخفش

(1). قوله [الأَين وَقْتٌ مِنَ الأَمكنة] كذا بالأَصل

ص: 44