الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ه
ـ
حرف الهاء
هـ: الْهَاءُ مِنَ الْحُرُوفِ الْحَلْقِيَّةِ وَهِيَ: الْعَيْنُ وَالْحَاءُ وَالْهَاءُ وَالْخَاءُ وَالْغَيْنُ وَالْهَمْزَةُ، وَهِيَ أَيضاً مِنَ الْحُرُوفِ الْمَهْمُوسَةِ وَهِيَ: الْهَاءُ وَالْحَاءُ وَالْخَاءُ وَالْكَافُ وَالشِّينُ وَالسِّينُ وَالتَّاءُ وَالصَّادُ وَالثَّاءُ وَالْفَاءُ، قَالَ: وَالْمَهْمُوسُ حَرْفٌ لانَ فِي مَخْرجه دُونَ المَجْهور، وَجَرَى مَعَ النَّفَس فَكَانَ دُونَ الْمَجْهُورِ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ.
فصل الألف
أبه: أَبَهَ لَهُ يَأْبَهُ أَبْهاً وأَبِهَ لَهُ وَبِهِ أَبَهاً: فَطِنَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَبِهَ لِلشَّيْءِ أَبَهاً نسِيه ثُمَّ تفطَّنَ لَهُ. وأَبَّهَ الرجلَ: فَطَّنه، وأَبَّهه: نبَّهه؛ كِلَاهُمَا عَنْ كُرَاعٍ، وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ. الْجَوْهَرِيُّ: مَا أَبَهْتُ للأَمر آبَهُ أَبْهاً، وَيُقَالُ أَيضاً: مَا أَبِهْتُ لَهُ بِالْكَسْرِ آبَهُ أَبَهاً مِثْلَ نَبِهْتُ نَبَهاً. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وآبَهْتُه أَعلمته؛ وأَنشد لأُمية:
إذْ آبَهَتْهم وَلَمْ يَدْرُوا بفاحشةٍ،
…
وأَرْغَمَتْهم وَلَمْ يَدْروا بِمَا هَجَعُوا
وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رضي الله عنها، فِي التعوُّذ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ: أَشَيءٌ أَوْهَمْتُه لَمْ آبَهْ لَهُ أَو شَيءٌ ذَكَّرْتُه إِيَّاهُ
أَي لَا أَدري أَهو شَيْءٌ ذكَرَه النَّبِيُّ وَكُنْتُ غَفَلْتُ عَنْهُ فَلَمْ آبَهْ لَهُ، أَو شيءٌ ذَكَّرْتُه إِيَّاهُ وَكَانَ يَذْكُرُهُ بعدُ. والأُبَّهَة: الْعَظَمَةُ وَالْكِبْرُ. وَرَجُلٌ ذُو أُبَّهَةٍ أَي ذُو كِبْرٍ وَعَظَمَةٍ. وتَأَبَّه فلانٌ عَلَى فُلَانٍ تأَبُّهاً إِذَا تَكَبَّرَ وَرَفَعَ قَدْرَهُ عَنْهُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِرُؤْبَةَ:
وطامِح مِنْ نَخَوَةِ التَّأَبُّهِ
وَفِي كَلَامِ
عَلِيٍّ، عليه السلام: كمْ منْ ذِي أُبَّهَةٍ قَدْ جعَلتُه حَقِيرًا
؛ الأُبَّهةُ، بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ لِلْبَاءِ: الْعَظَمَةُ وَالْبَهَاءُ. وَفِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ: إِذَا لَمْ يَكُنِ المَخْزوميُّ ذَا بَأْوٍ وأُبَّهَةٍ لَمْ يُشْبِهْ قَوْمَهُ
؛ يُرِيدُ أَنَّ بَنِي مَخْزُومٍ أَكثرُهم يَكُونُونَ هَكَذَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَر ذِي طِمْرَين لَا يُؤبَهُ لَهُ
أَي لَا يُحْتَفَلُ بِهِ لِحَقَارَتِهِ. وَيُقَالُ للأَبَحِّ: أَبَهُّ، وَقَدْ بَهَّ يَبَهُّ أَي بَحَّ يَبَحُّ.
أته: التَّأَتُّهُ مُبْدَلٌ مِنَ التَّعَتُّه.
أره: هَذِهِ تَرْجَمَةٌ لَمْ يُتَرْجِمْ عليها سِوَى ابْنِ الأَثير وأَورد فِيهَا حَدِيثَ
بِلَالٍ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، أَمَعَكم شَيْءٌ مِنَ الإِرَةِ
أَي القَدِيد، وَقِيلَ: هُوَ أَن يُغْلَى اللَّحْمُ بِالْخَلِّ ويُحْمَلَ فِي الأَسفار، وسيأْتي هَذَا وَغَيْرُهُ فِي مواضعه.
أقه: الأَقْهُ: القَأْهُ وَهُوَ الطاعَةُ كأَنه مَقْلُوبٌ مِنْهُ.
أله: الإِلَهُ: اللَّهُ عز وجل، وَكُلُّ مَا اتُّخِذَ مِنْ دُونِهِ مَعْبُودًا إلَهٌ عِنْدَ مُتَّخِذِهِ، وَالْجَمْعُ آلِهَةٌ. والآلِهَةُ: الأَصنام، سُمُّوا بِذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِمْ أَن الْعِبَادَةَ تَحُقُّ لَهَا، وأَسماؤُهم تَتْبَعُ اعْتِقَادَاتِهِمْ لَا مَا عَلَيْهِ الشَّيْءُ فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ بَيِّنُ الإِلَهةِ والأُلْهانيَّةِ: وَفِي حَدِيثِ
وُهَيْب بْنِ الوَرْد: إِذَا وَقَعَ الْعَبْدُ فِي أُلْهانيَّة الرَّبِّ، ومُهَيْمِنِيَّة الصِّدِّيقين، ورَهْبانِيَّةِ الأَبْرار لَمْ يَجِدْ أَحداً يأْخذ بِقَلْبِهِ
أَي لَمْ يَجِدْ أَحداً يُعْجِبُهُ وَلَمْ يُحِبَّ إلَّا اللَّهَ سُبْحَانَهُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ مأْخوذ مِنْ إلَهٍ، وَتَقْدِيرُهَا فُعْلانِيَّة، بِالضَّمِّ، تَقُولُ إلَهٌ بَيِّنُ الإِلَهيَّة والأُلْهانِيَّة، وأَصله من أَلِهَ يَأْلَهُ إذا تَحَيَّر، يُرِيدُ إِذَا وَقَعَ الْعَبْدُ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ وصَرَفَ وَهْمَه إِلَيْهَا، أَبْغَضَ النَّاسَ حَتَّى لَا يَمِيلُ قَلْبُهُ إِلَى أَحد. الأَزهري: قَالَ اللَّيْثُ بَلَغَنَا أَن اسْمَ اللَّهِ الأَكبر هُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ وَحْدَهُ «1» : قَالَ: وَتَقُولُ الْعَرَبُ للهِ مَا فَعَلْتُ ذَاكَ، يُرِيدُونَ والله ما فعلت. وقال الْخَلِيلُ: اللَّهُ لَا تُطْرَحُ الأَلف مِنْ الِاسْمِ إِنَّمَا هُوَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ عَلَى التَّمَامِ؛ قَالَ: وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الأَسماء الَّتِي يَجُوزُ مِنْهَا اشْتقاق فِعْلٍ كَمَا يَجُوزُ فِي الرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ. وَرَوَى الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه سأَله عَنِ اشْتِقَاقِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي اللُّغَةِ فَقَالَ: كَانَ حَقُّهُ إلاهٌ، أُدخلت الأَلف وَاللَّامُ تَعْرِيفًا، فَقِيلَ أَلإِلاهُ، ثُمَّ حَذَفَتِ الْعَرَبُ الْهَمْزَةَ اسْتِثْقَالًا لَهَا، فَلَمَّا تَرَكُوا الْهَمْزَةَ حَوَّلوا كَسْرَتَهَا فِي اللَّامِ الَّتِي هِيَ لَامُ التَّعْرِيفِ، وَذَهَبَتِ الْهَمْزَةُ أَصلًا فَقَالُوا أَلِلاهٌ، فحرَّكوا لَامَ التَّعْرِيفِ الَّتِي لَا تَكُونُ إلَّا سَاكِنَةً، ثُمَّ الْتَقَى لَامَانِ مُتَحَرِّكَتَانِ فأَدغموا الأُولى فِي الثَّانِيَةِ، فَقَالُوا اللَّهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عز وجل: لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي
؛ مَعْنَاهُ لكنْ أَنا، ثُمَّ إِنَّ الْعَرَبَ لَمَّا سَمِعُوا اللَّهُمَّ جَرَتْ فِي كَلَامِ الْخَلْقِ تَوَهَّمُوا أَنه إِذَا أُلقيت الأَلف وَاللَّامُ مِنَ اللَّهِ كَانَ الْبَاقِي لَاهُ، فَقَالُوا لاهُمَّ؛ وأَنشد:
لاهُمَّ أَنتَ تَجْبُرُ الكَسِيرَا،
…
أَنت وَهَبْتَ جِلَّةً جُرْجُورا
وَيَقُولُونَ: لاهِ أَبوك، يُرِيدُونَ اللَّهِ أَبوك، وَهِيَ لَامُ التَّعَجُّبِ؛ وأَنشد لِذِي الإِصبع:
لاهِ ابنُ عَمِّي ما يَخافُ
…
الحادثاتِ مِنَ العواقِبْ
قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: وَقَدْ قَالَتِ الْعَرَبُ بِسْمِ اللَّهِ، بِغَيْرِ مَدَّة اللَّامِ وَحَذْفِ مَدَّة لاهِ؛ وأَنشد:
أَقْبَلَ سَيْلٌ جاءَ مِنْ أَمر اللهْ،
…
يَحْرِدْ حَرْدَ الجَنَّةِ المُغِلَّه
وأَنشد:
لَهِنَّكِ مِنْ عَبْسِيَّةٍ لَوسِيمةٌ،
…
عَلَى هَنَواتٍ كاذبٍ مَنْ يَقُولُها
إِنَّمَا هُوَ للهِ إنَّكِ، فَحَذَفَ الأَلف وَاللَّامَ فَقَالَ لاهِ: إِنَّكِ، ثُمَّ تَرَكَ هَمْزَةَ إِنَّكِ فَقَالَ لَهِنَّك؛ وَقَالَ الْآخَرُ:
أَبائِنةٌ سُعْدَى، نَعَمْ وتُماضِرُ،
…
لَهِنَّا لمَقْضِيٌّ عَلَيْنَا التَّهاجُرُ
يَقُولُ: لاهِ إنَّا، فَحَذَفَ مَدَّةِ لاهِ وَتَرَكَ هَمْزَةَ إِنَّا كَقَوْلِهِ:
لاهِ ابنُ عَمِّكَ والنَّوَى يَعْدُو
(1). قوله [إلا هو وحده] كذا في الأَصل المعوّل عليه، وفي نسخة التهذيب: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ والله وحده انتهى. ولعله إلا الله وحده
وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ لَهِنَّك: أَرادَ لإِنَّك، فَأَبْدَلَ الْهَمْزَةَ هَاءً مِثْلَ هَراقَ الماءَ وأَراق، وأَدخل اللَّامَ فِي إِنَّ لِلْيَمِينِ، وَلِذَلِكَ أَجابها بِاللَّامِ فِي لَوَسِيمَةٌ. قَالَ أَبو زَيْدٍ: قَالَ لِيَ الْكِسَائِيُّ أَلَّفت كِتَابًا فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ فَقُلْتُ لَهُ: أَسمعتَ الحمدُ لاهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ فَقَالَ: لَا، فَقُلْتُ: اسمَعْها. قَالَ الأَزهري: وَلَا يَجُوزُ فِي الْقُرْآنِ إلَّا الحمدُ للهِ بمدَّةِ اللَّامِ، وإِنما يقرأُ مَا حَكَاهُ أَبو زَيْدٍ الأَعرابُ وَمَنْ لَا يَعْرِفُ سُنَّةَ الْقُرْآنِ. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: فَاللَّهُ أَصله إلاهٌ، قَالَ اللَّهُ عز وجل: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ
. قَالَ: وَلَا يَكُونُ إلَهاً حَتَّى يَكُونَ مَعْبُوداً، وَحَتَّى يكونَ لِعَابِدِهِ خَالِقًا وَرَازِقًا ومُدبِّراً، وَعَلَيْهِ مُقْتَدِرًا فَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَيْسَ بِإِلَهٍ، وإِن عُبِدَ ظُلْماً، بَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ ومُتَعَبَّد. قَالَ: وأَصل إلَهٍ وِلاهٌ، فَقُلِبَتِ الْوَاوُ هَمْزَةً كَمَا قَالُوا للوِشاح إشاحٌ وللوِجاحِ وَهُوَ السِّتْر إِجاحٌ، وَمَعْنَى ولاهٍ أَن الخَلْقَ يَوْلَهُون إِلَيْهِ فِي حَوَائِجِهِمْ، ويَضْرَعُون إِلَيْهِ فِيمَا يُصِيبُهُمْ، ويَفْزَعون إِلَيْهِ فِي كُلِّ مَا يَنُوبُهُمْ، كَمَا يَوْلَهُ كُلُّ طِفْل إِلَى أُمه. وَقَدْ سَمَّتِ الْعَرَبُ الشَّمْسَ لَمَّا عَبَدُوهَا إلاهَةً. والأُلَهةُ: الشمسُ الحارَّةُ؛ حكي عَنْ ثَعْلَبٍ، والأَلِيهَةُ والأَلاهَةُ والإِلاهَةُ وأُلاهَةُ، كلُّه: الشمسُ اسْمٌ لَهَا؛ الضَّمُّ فِي أَوَّلها عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ قَالَتْ مَيَّةُ بِنْتُ أُمّ عُتْبَة «2» بن الحرث كَمَا قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ:
تروَّحْنا مِنَ اللَّعْباءِ عَصْراً،
…
فأَعْجَلْنا الإِلَهةَ أَن تَؤُوبا
«3» . عَلَى مثْل ابْنِ مَيَّة، فانْعَياه،
…
تَشُقُّ نَواعِمُ البَشَر الجُيُوبا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقِيلَ هُوَ لِبِنْتِ عَبْدِ الحرث اليَرْبوعي، وَيُقَالُ لِنَائِحَةِ عُتَيْبة بن الحرث؛ قَالَ: وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ هُوَ لأُمِّ الْبَنِينَ بِنْتِ عُتيبة بن الحرث تَرْثِيهِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَرَوَاهُ ابْنُ الأَعرابي أُلاهَةَ، قَالَ: وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ فأَعجلنا الأَلاهَةَ يُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ. غَيْرُهُ: وَتَدْخُلُهَا الأَلف وَاللَّامُ وَلَا تَدْخُلُهَا، وَقَدْ جَاءَ عَلَى هَذَا غَيْرُ شَيْءٍ مِنْ دُخُولِ لَامِ الْمَعْرِفَةِ الاسمَ مَرَّة وسُقوطها أُخرى. قَالُوا: لَقِيتُهُ النَّدَرَى وَفِي نَدَرَى، وفَيْنَةً والفَيْنَةَ بَعْدَ الفَيْنة، ونَسْرٌ والنَّسْرُ اسمُ صَنَمٍ، فكأَنهم سَمَّوْها الإِلَهة لِتَعْظِيمِهِمْ لَهَا وَعِبَادَتِهِمْ إِيَّاهَا، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُعَظِّمُونها ويَعْبُدُونها، وَقَدْ أَوْجَدَنا اللهُ عز وجل ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ حِينَ قَالَ: وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ. ابْنُ سِيدَهْ: والإِلاهَةُ والأُلُوهة والأُلُوهِيَّةُ الْعِبَادَةُ. وَقَدْ قُرِئَ: وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ
،
وقرأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ويَذَرَك وإِلاهَتَك
، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، أَي وَعِبَادَتَكَ؛ وَهَذِهِ الأَخيرة عِنْدَ ثَعْلَبٍ كأَنها هِيَ الْمُخْتَارَةُ، قَالَ: لأَن فِرْعَوْنَ كَانَ يُعْبَدُ وَلَا يَعْبُدُ، فَهُوَ عَلَى هَذَا ذُو إلاهَةٍ لَا ذُو آلِهة، وَالْقِرَاءَةُ الأُولى أَكثر والقُرّاء عَلَيْهَا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَوِّي مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قِرَاءَتِهِ: وَيَذَرَكَ وإِلاهَتَك
، قولُ فِرْعَوْنَ: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى، وَقَوْلُهُ: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي؛ ولهذا قَالَ سُبْحَانَهُ: فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى؛ وَهُوَ الَّذِي أَشار إِليه الْجَوْهَرِيُّ بِقَوْلِهِ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ يُعْبَدُ.
وَيُقَالُ: إلَه بَيِّنُ الإِلَهةِ والأُلْهانِيَّة. وَكَانَتِ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَدْعُونَ مَعْبُودَاتِهِمْ مِنَ الأَوثان والأَصنام آلِهَةً، وَهِيَ
(2). قوله [أم عتبة] كذا بالأصل عتبة في موضع مكبراً وفي موضعين مصغراً
(3)
. قوله [عصراً والإلهة] هكذا رواية التهذيب، ورواية المحكم: قسراً وإلهة
جَمْعُ إِلَاهَةٍ؛ قَالَ اللَّهُ عز وجل: وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ
، وَهِيَ أَصنام عَبَدَها قَوْمُ فِرْعَوْنَ مَعَهُ. وَاللَّهُ: أَصله إلاهٌ، عَلَى فِعالٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، لأَنه مأَلُوه أَي مَعْبُودٌ، كَقَوْلِنَا إمامٌ فِعَالٌ بِمَعْنَى مَفْعول لأَنه مُؤْتَمّ بِهِ، فَلَمَّا أُدخلت عَلَيْهِ الأَلف وَاللَّامُ حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ تَخْفِيفًا لِكَثْرَتِهِ فِي الْكَلَامِ، وَلَوْ كَانَتَا عِوَضًا مِنْهَا لَمَا اجْتَمَعَتَا مَعَ المعوَّض مِنْهُ فِي قَوْلِهِمُ الإِلاهُ، وَقُطِعَتِ الْهَمْزَةُ فِي النِّدَاءِ لِلُزُومِهَا تَفْخِيمًا لِهَذَا الِاسْمِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَسَمِعْتُ أَبا عَلِيٍّ النَّحْوِيَّ يَقُولُ إِن الأَلف وَاللَّامَ عِوَضٌ مِنْهَا، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ اسْتِجَازَتُهُمْ لِقَطْعِ الْهَمْزَةِ الْمَوْصُولَةِ الدَّاخِلَةِ عَلَى لَامِ التَّعْرِيفِ فِي الْقَسَمِ وَالنِّدَاءِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: أَفأَللهِ لَتفْعَلَنّ وَيَا أَللَّهُ اغْفِرْ لِي، أَلا تَرَى أَنها لَوْ كَانَتْ غَيْرَ عِوَضٍ لَمْ تُثْبَتْ كَمَا لَمْ تُثْبَتْ فِي غَيْرِ هَذَا الِاسْمِ؟ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَيضاً أَن يَكُونَ لِلُزُومِ الْحَرْفِ لأَن ذَلِكَ يُوجِبُ أَن تُقْطَعَ هَمْزَةُ الَّذِي وَالَّتِي، وَلَا يَجُوزُ أَيضاً أَن يكون لأَنها هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَإِنْ كَانَتْ مَوْصُولَةً كَمَا لَمْ يَجُزْ فِي ايْمُ اللَّهِ وايْمُن اللَّهِ الَّتِي هِيَ هَمْزَةُ وَصْلٍ، فَإِنَّهَا مَفْتُوحَةٌ، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَيضاً أَن يَكُونَ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، لأَن ذَلِكَ يُوجِبُ أَن تُقْطَعَ الْهَمْزَةُ أَيضاً فِي غَيْرِ هَذَا مِمَّا يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُمْ لَهُ، فَعَلِمْنَا أَن ذَلِكَ لِمَعْنًى اخْتُصَّتْ بِهِ لَيْسَ فِي غَيْرِهَا، وَلَا شَيْءَ أَولى بِذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْ أَن يَكُونَ المُعَوَّضَ مِنَ الْحَرْفِ الْمَحْذُوفِ الَّذِي هُوَ الْفَاءُ، وَجَوَّزَ سِيبَوَيْهِ أَن يَكُونَ أَصله لَاهَا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ: وَلَوْ كَانَتَا عِوَضًا مِنْهَا لَمَا اجْتَمَعَتَا مَعَ المعوَّض عَنْهُ فِي قَوْلِهِمِ الإِلَهُ، قَالَ: هَذَا رَدٌّ عَلَى أَبي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ لأَنه كَانَ يَجْعَلُ الأَلف وَاللَّامَ فِي اسْمِ الْبَارِي سُبْحَانَهُ عِوَضًا مِنَ الْهَمْزَةِ، وَلَا يَلْزَمُهُ مَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ مِنْ قَوْلِهِمِ الإِلَهُ، لأَن اسْمَ اللَّهِ لَا يَجُوزُ فِيهِ الإِلَهُ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا مَحْذُوفَ الْهَمْزَةِ، تَفَرَّد سُبْحَانَهُ بِهَذَا الِاسْمِ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، فَإِذَا قِيلَ الإِلاه انْطَلَقَ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَعَلَى مَا يُعْبَدُ مِنَ الأَصنام، وَإِذَا قُلْتَ اللَّهُ لَمْ يَنْطَلِقْ إِلَّا عَلَيْهِ سبحانه وتعالى، وَلِهَذَا جَازَ أَن يُنَادَى اسْمُ اللَّهِ، وَفِيهِ لَامُ التَّعْرِيفِ وَتُقْطَعُ هَمْزَتُهُ، فَيُقَالُ يَا أَللَّهُ، ولا يجوز يا لإِلهُ عَلَى وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، مَقْطُوعَةً هَمْزَتُهُ وَلَا مَوْصُولَةً، قَالَ: وَقِيلَ فِي اسْمِ الْبَارِي سُبْحَانَهُ إِنَّهُ مأْخوذ من أَلِهَ يَأْلَه إذا تَحَيَّرَ، لأَن الْعُقُولَ تَأْلَهُ فِي عَظَمَتِهِ. وأَلِهَ يَأْلَه أَلَهاً أَي تَحَيَّرَ، وأَصله وَلِهَ يَوْلَهُ وَلَهاً. وَقَدْ أَلِهْتُ عَلَى فُلَانٍ أَي اشْتَدَّ جَزَعِي عَلَيْهِ، مِثْلُ وَلِهْتُ، وَقِيلَ: هُوَ مأْخوذ مَنْ أَلِهَ يَأْلَهُ إِلَى كَذَا أَي لجأَ إِلَيْهِ لأَنه سُبْحَانَهُ المَفْزَعُ الَّذِي يُلْجأُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ أَمر؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَلِهْتَ إلينا والحَوادِثُ جَمَّةٌ
وقال آخَرُ:
أَلِهْتُ إِلَيْهَا والرَّكائِبُ وُقَّف
والتَّأَلُّهُ: التَّنَسُّك والتَّعَبُّد. والتأْليهُ: التَّعْبيد؛ قَالَ:
لِلَّهِ دَرُّ الغَانِياتِ المُدَّهِ
…
سَبَّحْنَ واسْتَرْجَعْنَ مِنْ تأَلُّهِي
ابْنُ سيدة: وقالوا يَا أَلله فقَطَعُوا، قَالَ: حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ، وَهَذَا نَادِرٌ. وَحَكَى ثَعْلَبٌ أَنهم يَقُولُونَ: يَا اللَّهُ، فَيَصِلُونَ وَهُمَا لُغَتَانِ يَعْنِي الْقَطْعَ وَالْوَصْلَ؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
إنِّي إِذَا مَا حَدَثٌ أَلَمَّا
…
دَعَوْت: يَا اللَّهُمَّ يَا اللَّهُمَّا
فَإِنَّ الْمِيمَ الْمُشَدَّدَةَ بَدَلٌ مِنْ يَا، فَجَمَعَ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ؛ وَقَدْ خففها الأَعشى فقال:
كحَلْفَةٍ مِنْ أَبي رَباحٍ
…
يَسْمَعُها لاهُمَ الكُبارُ «1»
. وَإِنْشَادُ الْعَامَّةِ:
يَسْمَعُها لاهُهُ الكُبارُ
قَالَ: وأَنشده الْكِسَائِيُّ:
يَسْمَعُها اللَّهُ وَاللَّهُ كُبَارُ «2»
. الأَزهري: أَما إِعْرَابُ اللَّهُمَّ فَضَمُّ الْهَاءِ وَفَتْحُ الْمِيمِ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ النَّحْوِيِّينَ فِي اللَّفْظِ، فأَما الْعِلَّةُ وَالتَّفْسِيرُ فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ النَّحْوِيُّونَ، فَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَى اللَّهُمَّ يَا أَللهُ أُمَّ بِخَيْرٍ، وقال الزَّجَّاجُ: هَذَا إِقْدَامٌ عَظِيمٌ لأَن كُلَّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الْهَمْزِ الَّذِي طُرِحَ فأَكثر الْكَلَامِ الإِتيان بِهِ. يُقَالُ: وَيْلُ أُمِّه ووَيْلُ امِّهِ، والأَكثر إِثْبَاتُ الْهَمْزَةِ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ هَذَا الْقَائِلُ لَجَازَ اللَّهُ أُومُمْ واللهُ أُمَّ، وَكَانَ يَجِبُ أَن يُلْزِمَهُ يَا لأَن الْعَرَبَ تَقُولُ يَا أَللَّهُ اغْفِرْ لَنَا، وَلَمْ يَقُلْ أَحد مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا اللَّهُمَّ، وَلَمْ يَقُلْ أَحد يَا اللَّهُمَّ، قَالَ اللَّهُ عز وجل: قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
؛ فَهَذَا الْقَوْلُ يَبْطُلُ مِنْ جِهَاتٍ: إِحْدَاهَا أَن يَا لَيْسَتْ فِي الْكَلَامِ، والأُخرى أَن هَذَا الْمَحْذُوفَ لَمْ يُتَكَلَّمْ بِهِ عَلَى أَصله كَمَا تُكُلِّمَ بِمِثْلِهِ، وأَنه لَا يُقَدَّمُ أَمامَ الدُّعاء هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ أَن الضَّمَّةَ الَّتِي هِيَ فِي الْهَاءِ ضَمَّةُ الْهَمْزَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي أُمَّ وَهَذَا مُحَالٌ أَن يُتْرَكَ الضمُّ الَّذِي هُوَ دَلِيلٌ عَلَى نِدَاءِ الْمُفْرَدِ، وأَن يُجْعَلَ فِي اسْمِ اللَّهِ ضمةُ أُمَّ، هَذَا إِلْحَادٌ فِي اسْمِ اللَّهِ؛ قَالَ: وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ أَن قَوْلَنَا هَلُمَّ مِثْلُ ذَلِكَ أَن أَصلها هَلْ أُمَّ، وَإِنَّمَا هِيَ لُمَّ وَهَا التَّنْبِيهُ، قال: وقال الْفَرَّاءُ إِنَّ يَا قَدْ يُقَالُ مَعَ اللَّهُمَّ فَيُقَالُ يَا أَللهم؛ وَاسْتَشْهَدَ بِشِعْرٍ لَا يَكُونُ مِثْلُهُ حُجَّةً:
وَمَا عليكِ أَن تَقُولِي كُلَّما
…
صَلَّيْتِ أَو سَبَّحْت: يَا أَللَّهُمَا،
ارْدُدْ عَلَيْنَا شَيْخَنَا مُسَلَّما
قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: وَقَالَ الخليل وسيبويه وَجَمِيعُ النَّحْوِيِّينَ الْمَوْثُوقِ بِعِلْمِهِمُ اللَّهُمَّ بِمَعْنَى يَا أَلله، وَإِنَّ الْمِيمَ الْمُشَدَّدَةَ عِوَضٌ مِنْ يَا، لأَنهم لَمْ يَجِدُوا يَا مَعَ هَذِهِ الْمِيمِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَوَجَدُوا اسْمَ اللَّهِ مُسْتَعْمَلًا بِيَا إِذَا لَمْ يَذْكُرُوا الْمِيمَ فِي آخِرِ الْكَلِمَةِ، فَعَلِمُوا أَن الْمِيمَ فِي آخِرِ الْكَلِمَةِ بِمَنْزِلَةِ يَا فِي أَولها، وَالضَّمَّةُ الَّتِي هِيَ فِي الْهَاءِ هِيَ ضَمَّةُ الِاسْمِ الْمُنَادَى الْمُفْرَدِ، وَالْمِيمُ مَفْتُوحَةٌ لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ الْمِيمِ قَبْلَهَا؛ الْفَرَّاءُ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ إِذَا طَرَحَ الْمِيمَ يَا أَللَّهُ اغْفِرْ لِي، بِهَمْزَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَا اللَّهُ بِغَيْرِ هَمْزٍ، فَمَنْ حَذَفَ الْهَمْزَةَ فَهُوَ عَلَى السَّبِيلِ، لأَنها أَلف وَلَامٌ مِثْلُ لام الحرث مِنَ الأَسماء وأَشباهه، وَمَنْ هَمَزَهَا تَوَهَّمَ الْهَمْزَةَ مِنَ الْحَرْفِ إِذْ كَانَتْ لَا تَسْقُطُ مِنْهُ الْهَمْزَةُ؛ وأَنشد:
مُبارَكٌ هُوَّ وَمَنْ سَمَّاهُ،
…
عَلَى اسْمكَ، اللَّهُمَّ يَا أَللهُ
قَالَ: وَكَثُرَتِ اللَّهُمَّ فِي الْكَلَامِ حَتَّى خُفِّفَتْ مِيمُهَا فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: الْعَرَبُ تَقُولُ يَا أَلله اغْفِرْ لِي، ويَلّله اغْفِرْ لِي، قَالَ: وَسَمِعْتُ الْخَلِيلَ يَقُولُ يَكْرَهُونَ أَن يَنْقُصُوا مِنْ هَذَا الِاسْمِ شَيْئًا يَا أَلله أَي لَا يَقُولُونَ يَلَهُ. الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا
؛ ذَكَرَ سِيبَوَيْهِ أَن اللَّهُمَّ كَالصَّوْتِ وأَنه لَا يُوصَفُ، وأَن رَبَّنَا مَنْصُوبٌ عَلَى نِدَاءٍ آخَرَ؛ الأَزهري:
(1). قوله [من أبي رباح] كذا بالأَصل بفتح الراء والباء الموحدة ومثله في البيضاوي، إلا أن فيه حلقة بالقاف، والذي في المحكم والتهذيب كحلفة من أبي رياح بكسر الراء وبياء مثناة تحتية، وبالجملة فالبيت رواياته كثيرة
(2)
. وقوله:
يَسْمَعُهَا اللَّهُ وَاللَّهُ كُبَارُ
كذا بالأَصل ونسخة من التهذيب
وأَنشد قُطْرُب:
إِني إِذا مَا مُعْظَمٌ أَلَمّا
…
أَقولُ: يَا اللَّهُمَّ يَا اللَّهُمّا
قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ الْفَرَّاءِ وأَبي الْعَبَّاسِ فِي اللَّهُمَّ إِنه بِمَعْنَى يَا أَلله أُمَّ إِدخالُ الْعَرَبِ يَا عَلَى اللَّهُمَّ؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَلا لَا بارَكَ اللهُ فِي سُهَيْلٍ،
…
إِذا مَا اللهُ بَارَكَ فِي الرجالِ
إِنما أَراد اللَّهُ فقَصَر ضَرُورَةً. والإِلاهَةُ: الْحَيَّةُ الْعَظِيمَةُ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، وهي الهِلالُ. وإِلاهَةُ: اسْمُ مَوْضِعٍ بِالْجَزِيرَةِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
كَفَى حَزَناً أَن يَرْحَلَ الركبُ غُدْوةً،
…
وأُصْبِحَ فِي عُلْيا إِلاهَةَ ثاوِيا
وَكَانَ قَدْ نَهَسته حَيَّةٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ بَعْضُ أَهل اللُّغَةِ الرِّوَايَةُ: وأُتْرَكَ فِي عُلْيَا أُلاهَةَ، بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، قَالَ: وَهِيَ مَغارَةُ سَمَاوَة كَلْب؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لأَن بِهَا دُفِنَ قَائِلُ هَذَا الْبَيْتِ، وَهُوَ أُفْنُونٌ التَّغْلَبيّ، وَاسْمُهُ صُرَيْمُ بْنُ مَعْشَرٍ «1»؛ وَقَبْلَهُ:
لَعَمْرُكَ، مَا يَدْري الفَتى كَيْفَ يَتَّقي،
…
إِذا هُوَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ اللهُ واقِيَا
أمه: الأَمِيهَة: جُدَرِيّ الْغَنَمِ، وَقِيلَ: هُوَ بَثْرٌ يَخْرُج بِهَا كالجُدَرِيّ أَو الحَصْبَةِ، وَقَدْ أُمِهَتِ الشاةُ تُؤْمَهُ أَمْهاً وأَمِيهَةً؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا قَوْلُ أَبي عُبَيْدَةَ، وَهُوَ خطأٌ لأَن الأَمِيهَةَ اسمٌ لَا مَصْدَرٌ، إِذ لَيْسَتْ فَعِيلة مِنْ أَبنية الْمَصَادِرِ. وَشَاةٌ أَمِيهَةٌ: مأْمُوهَة؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
طَبِيخُ نُحازٍ أَو طَبِيخُ أَمِيهَةٍ
…
صَغِيرُ العِظامِ، سَيِءُ القِشْمِ، أَمْلَطُ
يَقُولُ: كَانَتْ أُمُّهُ حَامِلَةً بِهِ وَبِهَا سُعال أَو جُدَرِيّ فَجَاءَتْ بِهِ ضاوِيّاً، والقِشْمُ هُوَ اللَّحْمُ أَو الشَّحْمُ. ابْنُ الأَعرابي: الأَمهُ النِّسْيَانُ، والأَمَهُ الإِقْرارُ، والأَمَهُ الجُدَرِيُّ. قَالَ الزَّجَّاجُ:
وقرأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وادَّكَرَ بعد أَمَهٍ
، قال: والأَمَهُ النسيانُ. وَيُقَالُ: قَدْ أَمِهَ، بِالْكَسْرِ، يَأْمَهُ أَمَهاً؛ هَذَا الصَّحِيحُ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَكَانَ
أَبو الْهَيْثَمِ يقرأُ: بَعْدَ أَمَهٍ، وَيَقُولُ: بَعْدَ أَمْهٍ خطأٌ.
أَبو عُبَيْدَةَ: أَمِهْتُ الشيءَ فأَنا آمُهُه أَمْهاً إِذا نَسِيتَهُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَمِهْتُ، وكنتُ لَا أَنْسَى حَدِيثاً،
…
كَذَاكَ الدَّهْرُ يُودِي بالعُقُولِ
قَالَ: وادَّكَرَ بَعْدَ أَمْه؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: هُوَ الإِقرار، وَمَعْنَاهُ أَن يُعَاقَبَ ليُقِرَّ فإِقراره بَاطِلٌ. ابْنُ سِيدَهْ: الأَمَهُ الإِقرار وَالِاعْتِرَافُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
الزُّهْرِيِّ: مَنِ امْتُحِنَ فِي حَدٍّ فأَمِهَ ثُمَّ تَبَرَّأَ فَلَيْسَتْ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ، فإِن عُوقِبَ فأَمِهَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ حَدٌّ إِلا أَن يَأْمَه مِنْ غَيْرِ عُقُوبَةٍ.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَلَمْ أَسمع الأَمَهَ الإِقرارَ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: قَالَ هِيَ لُغَةٌ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ، قَالَ: وَيُقَالُ أَمَهْتُ إِليه فِي أَمر فأَمَهَ إِليَّ أَي عَهِدْتُ إِليه فعَهِدَ إِليَّ. الْفَرَّاءُ: أُمِهَ الرجلُ، فَهُوَ مَأْموهٌ، وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ عَقْلُهُ مَعَهُ.
(1). قوله [وَاسْمُهُ صُرَيْمُ بْنُ مَعْشَرٍ] أي ابن ذهل بن تيم بن عمرو بن تغلب، سأل كاهناً عن موته فأخبر أنه يموت بمكان يقال له ألاهة، وكان افنون قد سار في رهط إلى الشام فأتوها ثم انصرفوا فضلوا الطريق فاستقبلهم رجل فسألوه عن طريقهم فقال: خذوا كذا وكذا فإذا عنت لكم الألاهة وهي قارة بالسماوة وضح لكم الطريق. فلما سمع افنون ذكر الألاهة تطير وقال لأصحابه: إني ميت، قالوا: ما عليك بأس، قال: لست بارحاً. فنهش حماره ونهق فسقط فقال: إني ميت، قالوا: ما عليك بأس، قال: ولم ركض الحمار؟ فأرسلها مثلًا ثم قال يرثي نفسه وهو يجود بها:
ألا لست في شيء فروحاً معاويا
…
ولا المشفقات يتقين الجواريا
فلا خير فيما يكذب المرء نفسه
…
وتقواله للشيء يا ليت ذا ليا
لعمرك إلخ. كذا في ياقوت لكن قوله وهي قارة مخالف للأصل في قوله وهي مغارة
الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ فِي الدُّعَاءِ عَلَى الإِنسان آهَةً وأَمِيهَةً. التَّهْذِيبُ: وَقَوْلُهُمْ آهَةً وأَمِيهَةً، الآهَةُ مِنَ التَّأَوُّهِ والأَمِيهَةُ الجُدَري. ابْنُ سِيدَهْ: الأُمَّهَةُ لُغَةٌ فِي الأُمِّ. قَالَ أَبو بَكْرٍ: الْهَاءُ فِي أُمَّهة أَصلية، وَهِيَ فُعَّلَة بِمَنْزِلَةِ تُرَّهَةٍ وأُبَّهةٍ، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بالأُمَّهَةِ مَنْ يَعْقِلُ وبالأُمِّ مَا لَا يَعْقِلُ؛ قَالَ قُصَيٌّ:
عَبْدٌ يُنادِيهِمْ بِهالٍ وَهَبِ،
…
أُمَّهَتي خِنْدِفُ، والْياسُ أَبي
حَيْدَرَةٌ خَالِيَ لَقِيطٌ، وعَلِي،
…
وحاتِمُ الطائِيُّ وَهّابُ المِئِي
وَقَالَ زُهَيْرٌ فِيمَا لَا يَعْقِلُ:
وإِلَّا فإِنَّا، بالشَّرَبَّةِ فاللِّوَى،
…
نُعَقِّرُ أُمّاتِ الرِّباعِ ونَيْسِرُ
وَقَدْ جَاءَتِ الأُمَّهَةُ فِيمَا لَا يَعْقِلُ؛ كُلُّ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ جِنِّي، وَالْجَمْعُ أُمَّهات وأُمّات. التَّهْذِيبُ: وَيُقَالُ فِي جَمْعِ الأُمِّ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّينَ أُمَّاتٌ، بِغَيْرِ هَاءٍ؛ قَالَ الرَّاعِي:
كانتْ نَجائِبُ مُنْذِرٍ ومُحَرِّقٍ
…
أُمّاتِهِنَّ، وطَرْقُهُنَّ فَحِيلا
وأَما بَناتُ آدَمَ فَالْجَمْعُ أُمَّهاتٌ؛ وَقَوْلُهُ:
وإِنْ مُنِّيتُ أُمّاتِ الرِّباعِ
وَالْقُرْآنُ الْعَزِيزُ نَزَلَ بأُمَّهات، وَهُوَ أَوضح دَلِيلٍ عَلَى أَن الْوَاحِدَةَ أُمَّهَةٌ. وتَأَمَّهَ أُمّاً: اتخدها كأَنه عَلَى أُمَّهَةٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا يُقَوِّي كَوْنَ الْهَاءِ أَصلًا، لأَن تَأَمَّهْتُ تَفَعَّلْتُ بِمَنْزِلَةِ تَفَوَّهْتُ وتنَبَّهْت. التَّهْذِيبُ: والأُمّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَصل كُلِّ شَيْءٍ واشْتقاقه مِنَ الأَمِّ، وَزِيدَتِ الْهَاءُ فِي الأُمَّهاتِ لِتَكُونَ فَرْقًا بَيْنَ بَنَاتِ آدَمَ وَسَائِرِ إِناث الْحَيَوَانِ، قَالَ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَصح الْقَوْلَيْنِ، قَالَ الأَزهري: وأَما الأُمُّ فَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمُ الأَصل أُمَّةٌ، وَرُبَّمَا قَالُوا أُمَّهةٌ، قَالَ: والأُمَّهةُ أَصل قَوْلِهِمْ أُمٌّ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأُمَّهَةُ الشَّبابِ كِبْرُه وتِيهُهُ.
أنه: الأَنِيهُ: مِثْلُ الزَّفِير، والآنِهُ كالآنِحِ. وأَنَهَ يَأْنِهُ أَنْهاً وأُنُوهاً: مِثْلُ أَنَح يَأْنِحُ إِذا تَزَحَّرَ مِنْ ثِقَلٍ يَجِدُه، وَالْجَمْعُ أُنَّةٌ مِثْلُ أُنَّحٍ؛ وأَنشد لِرُؤْبَةَ يَصِفُ فَحْلًا.
رَعّابَةٌ يُخْشِي نُفوسَ الأُنَّهِ،
…
بِرَجْسِ بَهْباهِ الهَدِيرِ البَهْبَهِ
أَي يَرْعَبُ النُّفوسَ الذينَ يَأْنِهُونَ. ابْنُ سِيدَهْ: الأَنِيهُ الزَّحْرُ عِنْدَ المسأَلة. وَرَجُلٌ آنةٌ: حاسِدٌ. وَيُقَالُ: رَجُلٌ نافِسٌ ونَفِيسٌ وآنِهٌ وَحَاسِدٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ مِنْ أَنَهَ يَأْنِهُ وأَنَحَ يَأْنِحُ أَنِيهاً وأَنِيحاً.
أوه: الآهَةُ: الحَصْبَةُ. حَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنْ أَبي خَالِدٍ فِي قَوْلِ النَّاسِ آهَةٌ وماهَةٌ: فالآهَةُ مَا ذَكَرْنَاهُ، والماهَةُ الجُدَرِيُّ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَلف آهَةٍ وَاوٌ لأَن الْعَيْنَ وَاوًا أَكثر مِنْهَا يَاءً. وآوَّهْ وأَوَّهُ وآووه، بالمدّ وواوينِ، وأَوْهِ، بِكَسْرِ الْهَاءِ خَفِيفَةٌ، وأَوْهَ وآهِ، كُلُّهَا: كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا التحزُّن. وأَوْهِ مِنْ فُلَانٍ إِذا اشتدَّ عَلَيْكَ فَقْدُه، وأَنشد الْفَرَّاءُ فِي أَوْهِ:
فأَوْهِ لِذكْراها إِذا مَا ذَكَرتُها،
…
وَمِنْ بُعْدِ أَرْضٍ بَيْنَنَا وسماءٍ
وَيُرْوَى: فأَوِّ لِذِكراها، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَيُرْوَى: فآهِ لِذِكْرَاهَا؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُ هَذَا الْبَيْتِ:
فأَوْهِ عَلَى زِيارَةِ أُمِّ عَمْروٍ
…
فكيفَ مَعَ العِدَا، وَمَعَ الوُشاةِ؟
وَقَوْلُهُمْ عِنْدَ الشِّكَايَةِ: أَوْهِ مِنْ كَذَا، سَاكِنَةُ الْوَاوِ، إِنما هُوَ تَوَجُّعٌ، وَرُبَّمَا قَلَبُوا الْوَاوَ أَلفاً فَقَالُوا: آهِ مِنْ كَذَا وَرُبَّمَا شَدَّدُوا الْوَاوَ وَكَسَرُوهَا وَسَكَّنُوا الْهَاءَ، قَالُوا: أَوِّهْ مِنْ كَذَا، وَرُبَّمَا حَذَفُوا الْهَاءَ مَعَ التَّشْدِيدِ فَقَالُوا: أَوِّ مِنْ كَذَا، بِلَا مدٍّ. وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: آوَّهْ، بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ وَفَتْحِ الْوَاوِ سَاكِنَةُ الْهَاءِ، لِتَطْوِيلِ الصَّوْتِ بِالشِّكَايَةِ. وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ بأَوْهِ فِي حَدِيثِ
أَبي سَعِيدٍ فَقَالَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، عِنْدَ ذَلِكَ: أَوْهِ عَيْنُ الرِّبا.
قَالَ ابْنُ الأَثير: أَوْهِ كَلِمَةٌ يَقُولُهَا الرَّجُلُ عِنْدَ الشِّكَايَةِ وَالتَّوَجُّعِ، وَهِيَ سَاكِنَةُ الْوَاوِ مَكْسُورَةُ الْهَاءِ، قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَفْتَحُ الْوَاوَ مَعَ التَّشْدِيدِ، فَيَقُولُ أَوَّهْ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَوَّهْ لفِراخِ محمدٍ مِنْ خَلِيفَةٍ يُسْتَخْلَفُ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَرُبَّمَا أَدخلوا فِيهِ التَّاءَ فَقَالُوا أَوَّتاه، يُمَدُّ وَلَا يُمَدُّ. وَقَدْ أَوَّهَ الرجلُ تأْويهاً وتَأَوَّه تأَوُّها إِذا قَالَ أَوَّه، وَالِاسْمُ مِنْهُ الآهَةُ، بِالْمَدِّ، وأَوَّه تأْويهاً. وَمِنْهُ الدُّعَاءُ عَلَى الإِنسان: آهَةً لَهُ وأَوَّةً لَهُ، مشدَّدة الْوَاوِ، قَالَ: وَقَوْلُهُمْ آهَةً وأَمِيهةً هُوَ التَّوَجُّعُ. الأَزهري: آهِ هُوَ حِكَايَةُ المُتَأَهِّه فِي صَوْتِهِ، وَقَدْ يَفْعَلُهُ الإِنسان شَفَقَةً وَجَزَعًا؛ وأَنشد:
آهِ مِنْ تَيَّاكِ آهَا
…
تَرَكَتْ قَلْبِي مُتاها
وَقَالَ ابْنُ الأَنباري: آهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وآهٍ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وأَهَّةً مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وأَوَّهْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، بِالتَّشْدِيدِ وَالْقَصْرِ. ابْنُ الْمُظَفَّرِ: أَوَّهَ وأَهَّهَ إِذا تَوَجَّعَ الْحَزِينُ الْكَئِيبُ فَقَالَ آهِ أَو هاهْ عِنْدَ التَّوَجُّعِ، وأَخرج نَفَسه بِهَذَا الصَّوْتِ ليتفرَّج عَنْهُ بَعْضُ مَا بِهِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ تأَوَّهَ آهًا وآهَةً. وَتَكُونُ هاهْ فِي مَوْضِعِ آهِ مِنَ التَّوَجُّعِ؛ قَالَ المُثَقِّبُ العَبْدِي:
إِذا مَا قمتُ أَرْحَلُها بليلٍ،
…
تأَوَّهُ آهَةَ الرجلِ الحزينِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنه وَضَعَ الِاسْمَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ أَي تأَوَّهَ تأَوُّهَ الرَّجُلِ، قِيلَ: وَيُرْوَى تَهَوَّهُ هاهَةَ الرَّجُلِ الْحَزِينِ. قَالَ: وَبَيَانُ الْقَطْعِ أَحسن، وَيُرْوَى أَهَّةَ مِنْ قَوْلِهِمْ أَهَّ أَي تَوَجُّعٌ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
وإِن تَشَكَّيْتُ أَذَى القُرُوحِ،
…
بأَهَّةٍ كأَهَّةِ المَجْرُوحِ
وَرَجُلٌ أَوَّاهٌ: كَثِيرُ الحُزنِ، وَقِيلَ: هُوَ الدَّعَّاءُ إِلى الْخَيْرِ، وَقِيلَ: الْفَقِيهُ، وَقِيلَ: المؤْمن، بِلُغَةِ الْحَبَشَةِ، وَقِيلَ: الرَّحِيمُ الرَّقِيقُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ
، وَقِيلَ: الأَوّاهُ هُنَا المُتَأَوِّهُ شَفَقاً وفَرَقاً، وَقِيلَ: الْمُتَضَرِّعُ يَقِينًا أَي إِيقاناً بالإِجابة وَلُزُومًا لِلطَّاعَةِ؛ هَذَا قَوْلُ الزَّجَّاجِ، وَقِيلَ: الأَوَّاهُ المُسَبّحُ، وَقِيلَ: هُوَ الْكَثِيرُ الثَّنَاءِ. وَيُقَالُ: الأَوَّاهُ الدَّعَّاءُ. وَرُوِيَ
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنه قَالَ: الأَوَّاهُ الدَّعَّاءُ.
وَقِيلَ: الْكَثِيرُ الْبُكَاءِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
اللَّهُمَّ اجْعَلني مُخْبِتاً أَوَّاهاً مُنِيباً
؛ الأَوَّاهُ: المُتَأَوِّهُ المُتَضَرِّع. الأَزهري: أَبو عمرو ظبية مَوْؤُوهة ومأْووهة، وَذَلِكَ أَنَّ الْغَزَالَ إِذا نَجَا مِنَ الْكَلْبِ أَو السَّهْمِ وَقَفَ وَقْفَةً، ثُمَّ قَالَ أَوْهِ، ثُمَّ عَدا.
أهه: الأَهَّةُ: التَّحَزُّنُ. وَقَدْ أَهَّ أَهّاً وأَهَّةً. وَفِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ: أَهّاً أَبا حَفْص
؛ قَالَ: هِيَ كَلِمَةُ تأَسُّفٍ، وَانْتِصَابُهَا عَلَى إِجرائها مُجْرَى الْمَصَادِرِ كأَنه قَالَ أَتَأَسَّفُ تأَسُّفاً، قَالَ: وأَصل الْهَمْزَةِ وَاوٌ، وَتَرْجَمَ ابْنُ الأَثير وَاهٍ. وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ:
مَنِ ابْتُليَ فَصَبر فَواهاً وَاهًا
قِيلَ: مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ التَّلَهُّفُ، وَقَدْ تُوضَعُ مَوْضِعَ الإِعجاب بِالشَّيْءِ، يُقَالُ: وَاهًا لَهُ.
وَقَدْ تَرِدُ بِمَعْنَى التَّوَجُّع، وَقِيلَ: التوجعُ يُقَالُ فِيهِ آهًا، قَالَ: وَمِنْهُ حَدِيثُ
أَبي الدَّرْدَاءِ مَا أَنكرتم مِنْ زَمَانِكُمْ فِيمَا غَيَّرتُمْ مِنْ أَعمالكم، إِن يَكُنْ خَيْرًا فَوَاهًا وَاهًا، وإِن يَكُنْ شَرّاً فَآهًا آهًا
؛ قَالَ: والأَلف فِيهَا غَيْرُ مَهْمُوزَةٍ، قَالَ: وإِنما ذَكَرْتُهَا فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ لِلَفْظِهَا.
أيه: إِيهِ: كلمةُ اسْتِزادة واسْتِنْطاقٍ، وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْكَسْرِ، وَقَدْ تُنَوَّنُ. تَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذا اسْتَزَدته مِنْ حَدِيثٍ أَو عَمَلٍ: إِيهِ، بِكَسْرِ الْهَاءِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه أَنشد شِعْرَ أُمية بْنِ أَبي الصَّلْتِ فَقَالَ عِنْدَ كُلِّ بَيْتٍ إِيهِ
؛ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: فإِن وَصَلْتَ نوَّنت فَقُلْتَ إِيهٍ حَدِّثْنا، وإِذا قُلْتَ إِيهاً بِالنَّصْبِ فإِنما تأْمره بِالسُّكُوتِ، قَالَ اللَّيْثُ: هِيهِ وهِيهَ، بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ، فِي مَوْضِعِ إِيه وإيهَ. ابْنُ سِيدَهْ: وإِيهِ كَلِمَةُ زَجْرٍ بِمَعْنَى حَسْبُكَ، وتنوَّن فَيُقَالُ إِيهاً. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: إِيهٍ حَدِّثْ؛ وأَنشد لِذِي الرُّمَّةِ:
وَقَفْنا فَقُلْنَا: إِيهِ عَنْ أُمِّ سالِمٍ
…
وَمَا بالُ تَكْليم الديارِ البَلاقِع؟
أَراد حدِّثْنا عَنْ أُم سَالِمٍ، فَتَرَكَ التَّنْوِينَ فِي الْوَصْلِ وَاكْتَفَى بِالْوَقْفِ؛ قَالَ الأَصمعي: أَخطأَ ذُو الرُّمَّةِ إِنما كَلَامُ العرب إِيهٍ، وقال يَعْقُوبُ: أَراد إِيهٍ فأَجراه فِي الْوَصْلِ مُجْراه فِي الْوَقْفِ، وَذُو الرُّمَّةِ أَراد التَّنْوِينَ، وإِنما تَرَكَهُ لِلضَّرُورَةِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالصَّحِيحُ أَن هَذِهِ الأَصوات إِذا عَنَيْتَ بِهَا الْمَعْرِفَةَ لَمْ تُنَوِّنْ، وإِذا عَنَيْتَ بِهَا النَّكِرَةَ نَوَّنْتَ، وإِنما اسْتَزَادَ ذُو الرُّمَّةِ هَذَا الطَّلَل حَدِيثًا مَعْرُوفًا، كأَنه قَالَ حَدِّثْنا الحديثَ أَو خَبِّرْنا الخبرَ؛ وقال بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: إِذا نَوَّنْتَ فَقُلْتَ إِيهٍ فكأَنك قُلْتَ اسْتِزَادَةً، كأَنك قُلْتَ هاتِ حَدِيثًا مَّا، لأَن التَّنْوِينَ تَنْكِيرٌ، وإِذا قُلْتَ إِيه فَلَمْ تُنَوِّنْ فكأَنك قُلْتَ الِاسْتِزَادَةَ، فَصَارَ التَّنْوِينُ عَلَمَ التَّنْكِيرِ وَتَرْكُهُ عَلَمَ التَّعْرِيفِ؛ وَاسْتَعَارَ الحَذْلَمِيُّ هَذَا للإِبل فَقَالَ:
حَتَّى إِذا قالتْ لَهُ إِيهٍ إِيهْ
وإِن لَمْ يَكُنْ لَهَا نُطْقٌ كأَنَّ لَهَا صَوْتًا يَنْحُو هَذَا النَّحْوِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو بَكْرٍ السَّرَّاجُ فِي كِتَابِهِ الأُصول فِي بَابِ ضَرُورَةِ الشَّاعِرِ حِينَ أَنشد هَذَا الْبَيْتَ: فَقُلْنَا إِيهِ عَنْ أُم سَالِمٍ، قَالَ: وَهَذَا لَا يُعْرَفُ إِلا مُنَوَّنًا فِي شَيْءٍ مِنَ اللُّغَاتِ، يُرِيدُ أَنه لَا يَكُونُ مَوْصُولًا إِلا مُنَوَّنًا، أَبو زَيْدٍ: تَقُولُ فِي الأَمر إِيهِ افْعَلْ، وَفِي النَّهْيِ: إِيهاً عَنِّي الآنَ وإِيهاً كُفَّ. وَفِي حَدِيثِ
أُصَيْلٍ الخُزَاعِيِّ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تركتَ مَكَّةَ؟ فَقَالَ: تَرَكْتُهَا وَقَدْ أَحْجَنَ ثُمَامُها وأَعْذَقَ إِذْخِرُها وأَمْشَر سَلَمُها، فَقَالَ: إِيهاً أُصَيْلُ دَع القُلوبَ تَقِرُّ
أَي كُفَّ وَاسْكُتْ. الأَزهري: لَمْ يُنَوِّنْ ذُو الرّمَّةِ فِي قَوْلِهِ إِيهٍ عَنْ أُمِّ سَالِمٍ، قَالَ: لَمْ يُنَوِّنْ وَقَدْ وصَل لأَنه نَوَى الْوَقْفَ، قَالَ: فإِذا أَسْكَتَّهُ وكفَفْتَهُ قلتَ إِيهاً عَنَّا، فإِذا أَغْرَيْتَهُ بِالشَّيْءِ قُلْتَ وَيْهاً يَا فلانُ، فإِذا تَعَجَّبْتَ مِنْ طِيب شَيْءٍ قلتَ وَاهًا مَا أَطْيبهُ وَحُكِيَ أَيضاً عَنِ اللَّيْثِ: إِيهِ وإِيهٍ فِي الِاسْتِزَادَةِ والاسْتنطاق وإِيهِ وإِيهاً فِي الزَّجْر، كَقَوْلِكَ إِيهِ حَسْبُكَ وإِيهاً حَسْبُكَ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ تَرِدُ الْمَنْصُوبَةُ بِمَعْنَى التَّصْدِيقِ وَالرِّضَا بِالشَّيْءِ. وَمِنْهُ حَدِيثُ
ابْنِ الزبر لما قيل لَهُ يَا ابْنَ ذاتِ النِّطاقَيْنِ فَقَالَ: إِيهاً والإِلهِ
أَي صدَّقْتُ ورضيتُ بِذَلِكَ، وَيُرْوَى: إِيهِ، بِالْكَسْرِ، أَي زِدْنِي مِنْ هَذِهِ المَنْقَبَةِ، وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ: إِيهِ وهِيهِ، عَلَى البَدَلِ، أَي حدِّثْنَا، الْجَوْهَرِيُّ: إِذا أَسكتَّه وكَفَفْتَهُ قلتَ إِيهاً عَنَّا؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ قولَ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ: