المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٢٠

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ قياس عقد التأمين على عقد المضاربة:

- ‌ قياس عقد التأمين على ضمان المجهول وضمان ما لم يجب:

- ‌ قياس عقد التأمين على ضمان خطر الطريق

- ‌قياس عقد التأمين على نظام التقاعد:

- ‌ قياس التأمين على نظام العواقل في الإسلام:

- ‌ قياس التأمين على عقد الحراسة:

- ‌ قياس التأمين على الإيداع:

- ‌ قياس التأمين على ما عرف بقضية تجار البز مع الحاكة

- ‌ التأمين فيه مصلحة

- ‌الفتاوى

- ‌ الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر

- ‌ للمسافر سفر قصر أن يفطر في سفره سواء كان ماشيا، أو راكبا

- ‌ طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوة الكفار إلى الإسلام

- ‌ حكم الشعر والغناء والموسيقى

- ‌ محدثات الأمور وما معناها

- ‌ دعاء ختم القرآن لشيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌نداء جاه النبي والرسول صلى الله عليه وسلم عند النهوض من المجلس، أو نداء رضا الوالدين

- ‌ كيف نرد على القائلين بأن (الله في كل مكان)

- ‌ تحية المسجد

- ‌ الفرق بين السحر والعين

- ‌ انحناء الرأس لمسلم عند التحية

- ‌ إبليس من الجن، أو من الملائكة

- ‌ لماذا سمي الدين الإسلامي (بالإسلام)

- ‌ حكم النذر في الإسلام

- ‌ القراءة في كتاب دلائل الخيرات

- ‌ الطرق التي يدخل بها الشيطان على الإنسان

- ‌ الاجتماع في دعاء ختم القرآن

- ‌ هل ترى ليلة القدر عيانا

- ‌ تفسير قوله تعالى: {إِلَّا اللَّمَمَ}

- ‌بيان التوحيد والتحذير من الشرك

- ‌ توحيد الربوبية

- ‌ توحيد الألوهية:

- ‌ توحيد الأسماء والصفات:

- ‌ بيان الشرك:

- ‌حدوث الشرك في العالم وسببه:

- ‌ظهور الشرك في هذه الأمة:

- ‌معنى الشهادة في اللغة وفي اصطلاح الفقهاء

- ‌مباحث السنة عند الأصوليين

- ‌تعريف السنة في اللغة والاصطلاح:

- ‌أنواع السنة

- ‌منزلة السنة من القرآن من حيث الرتبة

- ‌منزلة السنة من القرآن من جهة ما ورد فيها من أحكام

- ‌خصوصيات الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌دلالة فعل الرسول صلى الله عليه وسلمعلى الحكم الشرعي

- ‌تقسيم السنة من حيث وصولها إلينا

- ‌الاحتجاج بالحديث المرسل

- ‌آراء العلماء في الاحتجاج بالحديث المرسل

- ‌خبر الواحد الصحيح إذا خالف القياس

- ‌خبر الواحد الصحيح إذا نسيه الراوي أو عمل بخلافه

- ‌الاحتجاج بخبر الواحد الصحيح فيما تعم به البلوى

- ‌ المراجع

- ‌توطئة

- ‌موضوع الرسالة:

- ‌النص المحقق

- ‌التحذير من التعامل بالربا وبيان سوء عاقبته

- ‌مقابلة مع سماحة الرئيس العامأجرتها صحيفة الراية السودانية

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر

يديه حذو أذنيه أو منكبيه، ويكبر تكبيرة الإحرام ناويا في نفسه صلاة الجنازة، ثم يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، ويقرأ سورة الفاتحة، ثم يرفع يديه ويكبر، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، والأحسن أن تكون بالصيغة التي يصلي عليه بها بعد التشهد في صلاة الفريضة أو النافلة، ثم يرفع يديه ويكبر، ثم يدعو للميت وللمسلمين والمسلمات فيقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا؛ إنك تعلم متقلبنا ومثوانا، إنك على كل شيء قدير. اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان. اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، وقد وردت أدعية أخرى في الصلاة على الجنازة فارجع إليها في بلوغ المرام ومنتقى الأخبار وغيرهما من كتب الحديث، ثم يرفع يديه ويكبر التكبيرة الرابعة، ثم يسلم.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو

عضو

نائب رئيس اللجنة

الرئيس

عبد الله بن قعود

عبد الله بن غديان

عبد الرزاق عفيفي

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

ص: 149

فتوى برقم 1653 وتاريخ 22/ 8 / 1397 هـ

السؤال: ما‌

‌ الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر

من حيث التعريف والأحكام؟

الجواب: الشرك الأكبر أن يجعل الإنسان لله ندا، إما في أسمائه وصفاته، فيسميه بأسماء الله ويصفه بصفاته، قال الله تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1)

(1) سورة الأعراف الآية 180

ص: 149

ومن الإلحاد في أسمائه تسمية غيره باسمه المختص به، أو وصفه بصفته كذلك، وإما أن يجعل له ندا في العبادة بأن يضرع إلى غيره تعالى من شمس، أو قمر، أو نبي، أو ملك، أو ولي مثلا بقربة من القرب صلاة، أو نذرا، أو استغاثة به في شدة، أو مكروه، أو استعانة به في جلب مصلحة، أو دعاء ميت، أو غائب لتفريج كربة، أو تحقيق مطلوب، أو نحو ذلك مما هو من اختصاص الله سبحانه فكل هذا وأمثاله عبادة لغير الله واتخاذ لشريك مع الله، قال الله تعالى {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (1) وأمثالها من آيات توحيد العبادة كثير.

وإما أن يجعل لله ندا في التشريع، بأن يتخذ مشرعا له سوى الله، أو شريكا لله في التشريع، يرتضي حكمه ويدين به في التحليل والتحريم عبادة وتقربا وقضاء وفي الفصل في الخصومات، أو يستحله، وإن لم يره دينا وفي هذا يقول تعالى في اليهود والنصارى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (2) وأمثال هذا من الآيات والأحاديث التي جاءت في الرضا بحكم سوى حكم الله، أو الإعراض عن التحاكم إلى حكم الله والعدول عنه إلى التحاكم إلى قوانين وضعية، أو عادات قبلية، أو نحو ذلك.

فهذه الأنواع الثلاثة هي الشرك الأكبر الذي يرتد به فاعله، أو معتقده عن ملة الإسلام فلا يصلى عليه إذا مات، ولا يدفن في مقابر المسلمين

(1) سورة الكهف الآية 110

(2)

سورة التوبة الآية 31

ص: 150

ولا يورث عنه ماله، بل يكون لبيت مال المسلمين، ولا تؤكل ذبيحته ويحكم بوجوب قتله ويتولى ذلك ولي أمر المسلمين إلا أنه يستتاب قبل قتله، فإن تاب قبلت توبته، ولم يقتل وعومل معاملة المسلمين.

أما الشرك الأصغر فكل ما نهى عنه الشرع مما هو ذريعة إلى الشرك الأكبر ووسيلة للوقوع فيه وجاء في النصوص تسميته شركا، كالحلف بغير الله، فإنه مظنة الانحدار إلى الشرك الأكبر، ولهذا نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال «ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله، أو ليصمت (1)» ، بل سماه شركا، روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من حلف بغير الله فقد أشرك (2)» رواه أحمد والترمذي والحاكم بإسناد جيد؛ لأن الحلف بغير الله فيه غلو وفيه تعظيم غير الله، وقد ينتهي ذلك التعظيم بمن حلف بغير الله إلى الشرك الأكبر.

ومن أمثلة الشرك الأصغر ما يجري على ألسنة كثير من المسلمين من قولهم: ما شاء الله وشئت، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأرشد من قاله إلى أن يقول:«ما شاء الله وحده، أو ما شاء الله، ثم شئت (3)» ؛ سدا لذريعة الشرك الأكبر من إسناد شريك لله في إرادة حدوث الكونيات ووقوعها، وفي معنى ذلك قولهم: توكلت على الله وعليك، وقولهم: لولا صياح الديك أو البط لسرق المتاع، ومن أمثلة ذلك الرياء اليسير في أفعال العبادات وأقوالها، كأن يطيل في الصلاة أحيانا ليراه الناس، أو يرفع صوته بالقراءة، أو الذكر أحيانا ليسمعه الناس فيحمدوه. روى الإمام أحمد بإسناد حسن، قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر (4)» (الرياء). أما إذا كان لا يأتي بأصل العبادة إلا رياء ولولا ذلك ما صلى، ولا صام، ولا يذكر الله، ولا قرأ القرآن فهو مشرك شركا أكبر وهو من المنافقين الذين قال الله

(1) صحيح البخاري الأدب (6108)، صحيح مسلم الأيمان (1646)، سنن الترمذي النذور والأيمان (1534)، سنن النسائي الأيمان والنذور (3766)، سنن أبو داود الأيمان والنذور (3249)، سنن ابن ماجه الكفارات (2094)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 142)، موطأ مالك النذور والأيمان (1037)، سنن الدارمي النذور والأيمان (2341).

(2)

صحيح البخاري الأدب (6108)، صحيح مسلم الأيمان (1646)، سنن الترمذي النذور والأيمان (1535)، سنن النسائي الأيمان والنذور (3766)، سنن أبو داود الأيمان والنذور (3251)، سنن ابن ماجه الكفارات (2101)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 87)، موطأ مالك النذور والأيمان (1037)، سنن الدارمي النذور والأيمان (2341).

(3)

سنن ابن ماجه الكفارات (2117).

(4)

مسند أحمد بن حنبل (5/ 428).

ص: 151

فيهم: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (1){مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} (2) إلى أن قال: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} (3){إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} (4) وصدق فيهم قوله تعالى في الحديث القدسي «أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه (5)» رواه مسلم في صحيحه.

والشرك الأصغر، لا يخرج من ارتكس فيه من ملة الإسلام ولكنه أكبر الكبائر بعد الشرك الأكبر؛ ولذا قال عبد الله بن مسعود: لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا، وعلى هذا فمن أحكامه أن يعامل معاملة المسلمين فيرثه أهله، ويرثهم حسب ما ورد بيانه في الشرع، ويصلى عليه إن مات، ويدفن في مقابر المسلمين، وتؤكل ذبيحته إلى أمثال ذلك من أحكام الإسلام، ولا يخلد في النار إن دخلها كسائر مرتكبي الكبائر عند أهل السنة والجماعة خلافا للخوارج والمعتزلة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو

عضو

نائب رئيس اللجنة

الرئيس

عبد الله بن قعود

عبد الله بن غديان

عبد الرزاق عفيفي

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

(1) سورة النساء الآية 142

(2)

سورة النساء الآية 143

(3)

سورة النساء الآية 145

(4)

سورة النساء الآية 146

(5)

صحيح مسلم الزهد والرقائق (2985)، سنن ابن ماجه الزهد (4202)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 301).

ص: 152

فتوى برقم 1711 وتاريخ 29/ 12 / 1397 هـ

السؤال الأول: مسلم يشهد أن لا إله إلا الله أن محمدا رسول الله

ص: 152

ويقول في دعائه: اللهم أعطني كذا وكذا من خيري الدنيا والآخرة بجاه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أو ببركة الرسول، أو بحرمة المصطفى، أو بجاه الشيخ التيجاني، أو ببركة الشيخ عبد القادر، أو بحرمة الشيخ السنوسي فما الحكم؟

الجواب: من توسل إلى الله في دعائه بجاه النبي، أو حرمته، أو بركته، أو بجاه غيره من الصالحين، أو حرمته، أو بركته فقال: اللهم بجاه نبيك، أو حرمته، أو بركته أعطني مالا وولدا، أو أدخلني الجنة وقني عذاب النار مثلا فليس بمشرك شركا يخرج من الإسلام لكنه ممنوع سدا لذريعة الشرك وإبعادا للمسلم من فعل شيء يفضي إلى الشرك، ولا شك أن التوسل بجاه الأنبياء والصالحين وسيلة من وسائل الشرك التي تفضي إليه على مر الأيام على ما دلت عليه التجارب وشهد له الواقع، وقد جاءت أدلة كثيرة في الكتاب والسنة تدل دلالة قاطعة على أن سد الذرائع إلى الشرك والمحرمات من مقاصد الشريعة، من ذلك قوله تعالى:{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1)، فنهى سبحانه المسلمين عن سب آلهة المشركين التي يعبدونها من دون الله مع أنها باطلة لئلا يكون ذلك ذريعة إلى سب المشركين الإله الحق سبحانه انتصارا لآلهتهم الباطلة جهلا منهم وعدوانا، ومنها نهيه صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد خشية أن تعبد ومنها تحريم خلو الرجل بالمرأة الأجنبية وتحريم إبداء المرأة زينتها للرجال الأجانب وتحريم خروجها من بيتها متعطرة، وأمر الرجال بغض البصر عن زينة النساء وأمر النساء أن يغضضن من أبصارهن؛ لأن ذلك ذريعة إلى الافتتان بها ووسيلة إلى الوقوع في الفاحشة قال الله تعالى:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (2){وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} (3).

(1) سورة الأنعام الآية 108

(2)

سورة النور الآية 30

(3)

سورة النور الآية 31

ص: 153

الآية. وثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1)» ، ولأن التوسل بالجاه والرحمة ونحوهما في الدعاء عبادة والعبادة توقيفية، ولم يرد في الكتاب، ولا في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه ما يدل على هذا التوسل، فعلم أنه بدعة، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2)» .

السؤال الثاني: مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقول عند قيامه، أو قعوده: يا رسول الله، أو يا أبا القاسم، أو يا شيخ عبد القادر ونحو ذلك من الاستعانة فما الحكم؟

الجواب: نداء الإنسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو غيره كعبد القادر الجيلاني، أو أحمد التيجاني عند القيام، أو القعود والاستعانة بهم في ذلك، أو نحوه لجلب نفع، أو دفع ضر نوع من أنواع الشرك الأكبر الذي كان منتشرا في الجاهلية الأولى وبعث الله رسله عليهم الصلاة والسلام ليقضوا عليه وينقذوا الناس منه ويرشدوهم إلى توحيد الله سبحانه وإفراده بالعبادة والدعاء وذلك أن الاستعانة فيما وراء الأسباب العادية لا تكون إلا بالله تعالى؛ لأنها عبادة فمن صرفها لغيره تعالى فهو مشرك، وقد أرشد الله عباده إلى ذلك فعليهم أن يقولوا:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (3) وقال {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (4). ويبين لهم أنه وحده بيده دفع الضر وكشفه وإسباغ النعمة وإفاضة الخير على عباده وحفظ ذلك عليهم، لا مانع لما أعطى، ولا يعطب لما منعه، ولا راد لما قضى وهو على كل شيء قدير. قال تعالى {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (5){وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (6).

(1) صحيح البخاري الجنائز (1390)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531)، سنن النسائي المساجد (703)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 121)، سنن الدارمي الصلاة (1403).

(2)

صحيح مسلم الأقضية (1718)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 180).

(3)

سورة الفاتحة الآية 5

(4)

سورة الجن الآية 18

(5)

سورة يونس الآية 106

(6)

سورة يونس الآية 107

ص: 154

وقال تعالى {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (1){إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (2) وقال {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} (3){وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} (4) وقال {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (5). فسمى تعالى دعاء غيره في هذه الآيات كفرا وشركا به وأخبر أنه لا أضل ممن يدعو غيره سبحانه وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن عباس رضي الله عنهما: «إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله (6)» ، وقال عليه الصلاة والسلام:«الدعاء مخ العبادة (7)» .

السؤال الثالث: مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقول إذا رأى شيئا ساقطا ويحب أن هذا الشيء لا يصيبه ضرر إذا وقع، يقول: يا رسول الله، أو يا شيخ أحمد التيجاني فهل هذا اللفظ يعد شركا بالله، أو أنها ألفاظ لا تضر صاحبها ويجب على المسلم أن يتلفظ بها، ولا يعد من المشركين، ولا يحبط عمله؟ نرجو منكم إفتاءنا كي نتبين مع الدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

الجواب:

إن الله تعالى وحده هو الحفيظ العليم فمن أحب ألا يصيبه

(1) سورة فاطر الآية 13

(2)

سورة فاطر الآية 14

(3)

سورة الأحقاف الآية 5

(4)

سورة الأحقاف الآية 6

(5)

سورة المؤمنون الآية 117

(6)

سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2516)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 308).

(7)

سنن الترمذي الدعوات (3371).

ص: 155

ضرر إذا سقط، أو خاف أن ينزل به، أو بأحد من خواصه وأقربائه بلاء في أي حال من الأحوال فيلجأ إلى الله الذي بيده ملكوت كل شيء والذي يعلم السر وأخفى فيرفع إليه حاجته ويدعوه تضرعا وخفية ليحفظه من البلاء عند سقوطه وفي نومه ويقظته وفي كل حال من أحواله ويكشف عنه السوء وكل ما أصابه من البأساء والضراء قال الله تعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (1) وقال {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (2). وقال {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (3)، ومن استهواه الشيطان فصرفه عن دعاء الله إلى دعاء غيره من الأنبياء وسائر الصالحين، أو الجن والشياطين لحفظه من شر يخشاه على نفسه، أو على خواصه وأقربائه فقد أشرك مع الله إلها آخر يرجو نفعه ويخشى بأسه ويركن إليه في تحقيق رغباته وحاجاته فمأواه جهنم وبئس المصير، مع ذلك لا يستطيعون أن يدفعوا عنه ضرا، أو يقضوا له حاجة، أو يحققوا له غاية. قال الله تعالى:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} (4){وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (5) وقال سبحانه {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} (6)

(1) سورة البقرة الآية 186

(2)

سورة الأعراف الآية 55

(3)

سورة غافر الآية 60

(4)

سورة سبأ الآية 22

(5)

سورة سبأ الآية 23

(6)

سورة الإسراء الآية 56

ص: 156