الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
د-
قياس عقد التأمين على ضمان المجهول وضمان ما لم يجب:
نذكر فيما يلي كلام بعض الفقهاء السابقين في ذلك ونتبعه ببيان فقهاء العصر ووجه الاستدلال لهذا القياس على الجواز مع المناقشة:
أما كلام الفقهاء السابقين، فقال السرخسي:
باب ضمان ما يبايع به الرجل: قال رحمه الله وإذا قال الرجل لرجل بايع فلانا فما بايعته به من شيء فهو علي فهو جائز على ما قال؛ لأنه أضاف الكفالة إلى سبب وجوب المال على الأصيل وقد بينا أن ذلك صحيح، والجهالة في المكفول به لا تمنع صحة الكفالة لكونها مبنية على التوسع، ولأن جهالة عينها لا تبطل شيئا من العقود وإنما الجهالة المفضية إلى المنازعة هي التي تؤثر في العقود وهذه الجهالة لا تفضي إلى المنازعة؛ لأن توجه المطالبة على الكفيل بعد المبايعة وعند ذلك ما بايعه به معلوم ويستوي إن وقت لذلك وقتا أو لم يوقت إلا أن في الموقت يراعى وجود المبايعة في ذلك الوقت حتى إذا قال ما بايعته به اليوم فباعه غدا لا يجب على الكفيل شيء من ذلك لأن هذا التقييد مفيد في حق الكفيل، ولكن إذا كرر مبايعته في اليوم فذلك كله على الكفيل؛ لأن حرف ما يوجب العموم وإذا لم يوقت فذلك على جميع العمر وإذا بايعته مرة بعد مرة فذلك كله على الكفيل ولا يخرج نفسه من الكفالة لوجود الحرف الموجب للتعميم في كلامه، ويستوي إن بايعه بالنقود أو بغير النقود؛ لأنه قال ما بايعته به من شيء وهو يجمع كل ذلك. انتهى المقصود (1).
وقال ابن جزي: ويجوز ضمان المال المعلوم اتفاقا والمجهول خلافا
(1) المبسوط 20/ 50.
للشافعي ويجوز - الضمان بعد وجوب الحق اتفاقا وقبل وجوبه خلافا لشريح القاضي وسحنون والشافعي. (1).
وقال النووي: ويشترط في المضمون كونه ثابتا وصحح القديم ضمان ما سيجب، والمذهب صحة ضمان الدرك بعد قبض الثمن، وهو أن يضمن للمشتري الثمن إن خرج المبيع مستحقا أو معيبا أو ناقصا لنقص الصنجة، وكونه لازما، لا كنجوم كتابة، ويصح ضمانه الثمن في مدة الخيار في الأصح وضمان الجعل كالرهن به، وكونه معلوما في الجديد، والإبراء من المجهول باطل في الجديد إلا من إبل الدية ويصح ضمانها في الأصح، ولو قال ضمنت مالك على زيد من درهم إلى عشرة فالأصح صحته، وأنه يكون ضامنا لعشرة. قلت: الأصح لتسعة، والله أعلم.
وقال ابن قدامة: ولا كون الحق معلوما ولا واجبا إذا كان مآله إلى الوجوب فلو قال ضمنت لك ما على فلان أو ما تداينه به صح (2).
قال في الحاشية: قوله: " ولا كون الحق معلوما " يعني إذا كان مآله إلى العلم "ولا واجبا إذا كان مآله الوجوب " فلو قال: ضمنت لك ما على فلان أو ما تداينه به صح هذا المذهب، وبه قال أبو حنيفة ومالك؛ وقال الثوري والليث وابن أبي ليلى والشافعي وابن المنذر: لا يصح؛ لأنه التزام مال فلم يصح مجهولا كالثمن، ولنا قوله تعالى:{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} (3) وحمل البعير غير معلوم؛ لأن حمل البعير
(1) قوانين الأحكام الشرعية 353.
(2)
المقنع 2/ 113.
(3)
سورة يوسف الآية 72
يختلف باختلافه، وعموم قوله عليه الصلاة والسلام:«الزعيم غارم (1)» ، ومن ضمان ما لم يجب ضمان السوق وهو أن يضمن ما يلزم التاجر من دين وما يقتضيه من عين مضمونة قاله الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى، وقال: تجوز كتابته والشهادة به لمن لم ير جوازه؛ لأنه محل اجتهاد قال: وأما الشهادة على العقود المحرمة على وجه الإعانة عليها فحرام، واختار صحة ضمان حارس ونحوه وتجار حرب ما يذهب من البلد أو البحر وأن غايته ضمان ما لم يجب وضمان المجهول كضمان السوق وهو أن يضمن الضامن ما يجب على التجار للناس من الديون وهو جائز عند أكثر العلماء كمالك وأبي حنيفة وأحمد وقال: الطائفة الواحدة الممتنعة من أهل الحرب التي ينصر بعضها بعضا تجري مجرى الشخص الواحد في معاهدتهم إذا شورطوا على أن تجارهم يدخلون دار الإسلام بشرط أن لا يأخذوا للمسلمين شيئا وما أخذوه كانوا ضامنين في أموالهم جاز (2).
وأما كلام الفقهاء المعاصرين في توجيه الاستدلال والمناقشة - فقالوا: الضامن يجب عليه أداء ما ضمنه مع أنه مجهول من حيث المبدأ فكذلك التأمين يجب على المؤمن أن يدفع للمستأمن قيمة ما ضمنه بعد وقوع الخطر، وإن كان مجهولا من حيث المبدأ.
والجواب عن هذا يمكن أن يقال: لا يصح قياس عقد التأمين على ضمان المجهول وما لم يجب، ومنه ضمان السوق؛ لأنه قياس مع الفارق وبيان ذلك من وجوه:
(1) أخرجه أبو داود الطيالسي والبيهقي وأحمد وابن عدي والترمذي وتمام في الفوائد. وسنده صحيح
(2)
حاشية المقنع 2/ 113 وما بعدها.