الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أماراتها وكان الصحابة رضي الله عنهم يستدلون عليها بعلامات ولكن عدم رؤيتها لا يمنع حصول فضلها لمن قامها إيمانا واحتسابا؛ فالمسلم ينبغي له أن يجتهد في تحريها في العشر الأواخر من رمضان كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم طلبا للأجر والثواب فإذا صادف قيامه إيمانا واحتسابا هذه الليلة نال أجرها، وإن لم يعلمها قال صلى الله عليه وسلم:«من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه (1)» وفي رواية أخرى «من قامها ابتغاءها، ثم وقعت له غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر (2)» (صحيح البخاري - 4/ 221)(وصحيح مسلم 760).
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن من علاماتها طلوع الشمس صبيحتها لا شعاع لها وكان أبي بن كعب يقسم على أنها ليلة سبع وعشرين ويستدل بهذه العلامة، والراجح أنها متنقلة في ليالي العشر كلها وأوتارها أحرى وليلة سبع وعشرين آكد الأوتار في ذلك، ومن اجتهد في العشر كلها في الصلاة والقرآن والدعاء وغير ذلك من وجوه الخير أدرك ليلة القدر بلا شك وفاز بما وعد الله من قامها إذا فعل ذلك إيمانا واحتسابا والله ولي التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
(1) صحيح البخاري الصوم (1901)، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (760)، سنن الترمذي الصوم (683)، سنن النسائي الصيام (2202)، سنن أبو داود الصلاة (1372)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 241)، سنن الدارمي الصوم (1776).
(2)
صحيح البخاري الأدب (6049)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 318)، سنن الدارمي الصوم (1781).
السؤال الرابع: ما
تفسير قوله تعالى: {إِلَّا اللَّمَمَ}
(1)؟
الجواب:
تفسير قوله تعالى في سور النجم: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} (2){الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} (3). الآية.
(1) سورة النجم الآية 32
(2)
سورة النجم الآية 31
(3)
سورة النجم الآية 32
ومحل السؤال هنا هو قوله تعالى: {إِلَّا اللَّمَمَ} (1) ونفيد بأن علماء التفسير رحمهم الله اختلفوا في تفسير ذلك، وذكروا أقوالا في معناه أحسنها قولان:
أحدهما: أن المراد به ما يلم به الإنسان من صغائر الذنوب؛ كالنظرة والاستماع لبعض ما لا يجوز من محقرات الذنوب وصغائرها ونحو ذلك.
وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة من السلف. واحتجوا على ذلك بقوله سبحانه في سورة النساء: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} (2).
قالوا: فالمراد بالسيئات المذكورة في هذه الآية هي صغائر الذنوب وهي اللمم؛ لأن كل إنسان يصعب عليه التحرز من ذلك.
فمن رحمة الله سبحانه أن وعد المؤمنين بغفران ذلك لهم إذا اجتنبوا الكبائر، ولم يصروا على الصغائر. وأحسن ما قيل في تعريف الكبائر: إنها المعاصي التي فيها حد في الدنيا؛ كالسرقة والزنا والقذف وشرب المسكر، أو فيها وعيد في الآخرة بغضب من الله، أو لعنة أو نار؛ كالربا والغيبة والنميمة والسب والشتم، ومما يدل على غفران الصغائر، واجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة: فزنا العين النظر، وزنا اللسان الكلام، وزنا الأذن الاستماع، وزنا اليد البطش. وزنا الرجل الخطى، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك، أو يكذبه (3)» .
(1) سورة النجم الآية 32
(2)
سورة النساء الآية 31
(3)
صحيح البخاري الاستئذان (6243)، صحيح مسلم القدر (2657)، سنن أبو داود النكاح (2152)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 536).
ومن الأدلة على وجوب الحذر من الصغائر والكبائر جميعا، وعدم الإصرار عليها قوله سبحانه:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (1){أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (2) القول الثاني: أن المراد باللمم هو ما يلم به الإنسان من المعاصي، ثم يتوب إلى الله من ذلك كما في، الآية السابقة، وهي قوله تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} (3) وقوله سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (4). وما جاء في معنى ذلك من الآيات الكريمات وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون (5)» .
ولأن كل إنسان معرض للخطأ، والتوبة النصوح يمحو الله بها الذنوب وهي المشتملة على الندم على ما وقع من المعصية والإقلاع منها والعزيمة الصادقة على ألا يعود إليها خوفا من الله سبحانه وتعظيما له ورجاء مغفرته.
ومن تمام التوبة إذا كانت المعصية تتعلق بحق الآدميين؛ كالسرقة والغصب والقذف والضرب والسب والغيبة ونحو ذلك، أن يعطيهم حقوقهم أو يستحلهم منها إلا إذا كانت المعصية غيبة وهي الكلام في العرض ولم يتيسر استحلال صاحبها حذرا من وقوع شر أكثر فإنه يكفي في ذلك أن يدعو بظهر الغيب وأن يذكره بما يعلم من صفاته
(1) سورة آل عمران الآية 135
(2)
سورة آل عمران الآية 136
(3)
سورة آل عمران الآية 135
(4)
سورة النور الآية 31
(5)
سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2499)، سنن ابن ماجه الزهد (4251)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 198).
الطيبة، وأعماله الحسنة في الأماكن التي اغتابه فيها ولا حاجة إلى إخباره بغيبته إذا كان يخشى الوقوع في شر أكثر.
وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما فيه رضاه، وأن يحفظنا وإياكم من كل سوء، وأن يمن علينا جميعا بالاستقامة على دينه والسلامة من أسباب غضبه والتوبة إليه سبحانه من جميع ما يخالف شرعه، إنه جواد كريم.
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد