الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما المسنون فهو ما أثيب فاعله، ولم يذم تاركه، والسنة في اللغة الطريقة والسيرة. وإذا أطلقت في الشرع، فإنما يراد بها ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وندب إليه قولا وفعلا مما لم ينطق به الكتاب العزيز.
وأما المكروه فهو ضد المندوب، وهو لغة ضد المحبوب، وشرعا ما مدح تاركه، ولم يعاقب فاعله. ومنه ما نهى عنه الشارع لرجحان تركه على فعله كالصوم في السفر إذا وجدت المشقة في الصوم، ونحو ذلك.
وأما المكروه فهو في عرف المتأخرين ما نهي عنه نهي تنزيه. ويطلق على الحرام أيضا، وهو كثير في كلام المتقدمين كالإمام أحمد، وغيره كقول الإمام أحمد أكره المتعة والصلاة في المقابر، وهما محرمان، وقد ورد المكروه بمعنى الحرام في قوله تعالى:{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} 1.
وأما الحرام، فهو ضد الحلال، وهو ما حرمه الله في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من ترك الواجبات وفعل المحرمات. وأصل التحريم في اللغة المنع، ومنه قوله تعالى:{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ} 2. وحده شرعا ما ذم فاعله، ولو قولا كالغيبة والنميمة، ونحوهما مما يحرم التلفظ به، أو عمل القلب كالنفاق والحقد ونحوهما.
(تحية المسجد وقت الكراهية)
وأما قوله إذا دخل الرجل المسجد وقت النهي هل يترك التحية على أحاديث النهي
…
إلخ؟ فهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء، وفيها عن أحمد روايتان: إحداهما أنه لا يصلي التحية وقت النهي، وهو المذهب الذي عليه أكثر الأصحاب، وهو قول أصحاب الرأي لعموم النهي. والثانية يجوز
1 سورة الإسراء آية: 38.
2 سورة القصص آية: 12.
وهو قول الشافعي، وهو اختيار الشيخ تقي الدين، لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين"1 وهو حديث صحيح، وهو يخص أحاديث العموم. وأهل هذا القول حملوا أحاديث النهي على ما لا سبب له، وأما ذوات الأسباب كركعتي الطواف، وتحية المسجد، وإعادة الصلاة إذا صلاها في رحله، وإعادة صلاة الفجر إذا صلاها في رحله ثم حضر الجماعة وهم يصلون، ونحو ذلك، فهذا يفعل في أوقات النهي لأدلة دلت على ذلك، وهي تخص عموم النهي، وكما أن الصلاة وقت الخطبة منهي عنها باتفاق العلماء، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر من دخل المسجد والإمام يخطب أن يصلي ركعتين، وليتجوز فيهما.
وهذا نظير قوله في أبي قتادة: إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين، فقد نهى عن الجلوس قبل الصلاة، وذلك أمر بالصلاة إذ لم يقل أحد أنه إذا دخل عقيب صلاة العصر يقوم قائما إلى غروب الشمس. ومما يبين رجحان هذا القول أن المانعين من فعل التحية وقت النهي أجازوا ما هو مثلها، فإن مذهب الإمام أحمد أن ركعتي الطواف تفعل في أوقات النهي، وكذلك المعادة مع إمام الحي إذا أقيمت، وهو في المسجد يصليها معهم في وقت النهي.
وكذلك قضاء الفوائت تفعل في وقت النهي، وكذلك صلاة الجنازة تفعل في الوقتين الطويلين من أوقات النهي، هذا مذهب أحمد في هذه المسائل فما كان جوابهم ودليلهم على جوازه، فهو دليل من أجاز تحية المسجد في هذه الأوقات، فإن قوله: صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين"2 أمر عام لجميع الأوقات فإذا قال منازعوهم: أحاديث النهي تخص
1 البخاري: الجمعة (1167)، ومسلم: صلاة المسافرين وقصرها (714)، والترمذي: الصلاة (316)، والنسائي: المساجد (730)، وأبو داود: الصلاة (467)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1013) ، وأحمد (5/ 295،5/ 303،5/ 305،5/ 311)، والدارمي: الصلاة (1393).
2 البخاري: الجمعة (1167)، ومسلم: صلاة المسافرين وقصرها (714)، والترمذي: الصلاة (316)، والنسائي: المساجد (730)، وأبو داود: الصلاة (467)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1013) ، وأحمد (5/ 295،5/ 303،5/ 305،5/ 311)، والدارمي: الصلاة (1393).