الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتلفت الثياب فيها، انتهى.
ولم يحك صاحب الإنصاف إثبات الجائحة في الإجارة عن غير الشيخ تقي الدين إلا ما حكاه عن أبي الفضل في الحمام، وقد ذكر الشيخ عن اختياره أنه خلاف ما رآه عن أحمد. والذي نعتمده في المسألة الصلح إن تيسر، وإلا لم نحكم بوضع شيء من الأجرة، كما هو قول جمهور العلماء. والفرق بين الثمرة والأجرة أن المعقود عليه في شراء الثمرة هو عين الثمرة، والمعقود عليه في الإجارة منافع الأرض؛ ولهذا لو تركها المستأجر معطلة، فلم ينتفع بها لزمته الأجرة لتلف المنافع تحت يده. فالمعقودعليه في الإجارة نفع الأرض، فالتالف غير المعقود عليه. قال في الاختيارات لما ذكر إثبات الجائحة في أجرة الأرض: وبعض الناس يظن أن هذا خلاف ما في المغني من الإجماع، وهو غلط؛ فإن الذي في المغني أن نفس الزرع إذا تلف يكون من ضمان المستأجر صاحب الزرع، لا يكون كالثمرة المشتراة، فهذا ما فيه خلاف، وإنما الخلاف في نفس أجرة الأرض، ونقص قيمتها، فيكون كما لو انقطع الماء عن الرحى.
[طلق زوجته وأقر أنها خرجت من العدة قبل مرضه]
وأما الذي طلق زوجته، وأقر أنها خرجت من العدة قبل مرضه، فإنه يعمل بقوله، ولا يقبل قولها: أنه واقعها بعد ذلك، إلا ببينة والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه
مسائل سئل عنها الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين)
رحمه الله تعالى.
[دخل إليه مدينان ليدفعا إليه ماله عليهما ثم وجد نقصا]
(الأولى): رجل دخل إليه مدينان ليدفعا إليه ماله عليهما، فأخرج أحدهما عشرة دراهم، وقال: هذه هي التي عندي لك، خذها لتحسبها، فقال: ضعها
وقال الآخر كذلك، وأمره أن يضعها على دراهم الأول، أو إلى جنبها، فأخذهما صاحب الحق جميعا، وحسبهما، فوجد نقصا، لا يدري من أيهما، فما الحكم في ذلك؟
(فأجاب رحمه الله تعالى) بأن له على كل منهما اليمين أنه دفع إليه حقه تاما، وليس له إلا ذلك، لأنه فرط في خلطهما، فلم تكن الدعوة على إنسان بعينه، بل عليهما جميعا، وهي لا تسمع إلا على معين.
[موافقة الرسول ظاهرا وباطنا]
(الثانية): ما معنى قول الحموية: أما الذين وافقوه ببواطنهم، وعجزوا عن إقامة الظواهر، أو الذين وافقوه بظواهرهم، وعجزوا عن تحقيق البواطن، أو الذين وافقوه ظاهرا وباطنا بحسب الإمكان، لا بد للمنحرفين عن سنته أن يعتقدوا فيهم نقصا يذمونهم به، ويسمونهم بأسماء مكذوبة، وإن اعتقدوا صدقها كقول الرافضة: من لم يبغض أبا بكر، وعمر، فقد أبغض عليا.
(فأجاب رحمه الله تعالى): لما ذكر قبل ذلك: أن السنة هي ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتقادا واقتصادا وقولا وعملا، ثم ذكر التابعين له على بصيرة، الذين هم أولى الناس به في المحيا والممات، باطنا وظاهرا، ثم ذكر الفريق الذين وافقوه ببواطنهم وعجزوا عن إقامة الظواهر، فهم الذين وافقوه اعتقادا وعجزوا عن إقامة القول والعمل، كالدعوة إلى الله -سبحانه-، وطائفة وافقوه في الظواهر وعجزوا عن تحقيق البواطن على ما هي عليه من الفرق بين الحق والباطل بقلوبهم، ففيهم نقص من هذا الوجه، وفريق وافقوه ظاهرا، وباطنا، بحسب الإمكان، لكنهم دون الأولين التابعين له على بصيرة، اعتقادا واقتصادا قولا وعملا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
[إطلاق الإمامة على من ليس قرشي]
(الثالثة): إن قال بعض الجهال: إن من شرط الإمام أن يكون قرشيا، ولم يقل عارضيا، يشير إلى أنه قد ادعاها من ليس من أهلها، يعني شيخ
الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- ومن قام معه وبعده بما دعا إليه، وأيضا: إن البغاة تحل دماؤهم دون أموالهم، وقد استحل الأموال، والدماء من العلماء وغيرهم، فما الجواب؟ أفدنا وفقك الله للصواب.
(الجواب) وبالله التوفيق: إذا قال بعض الجهال ذلك فقل له: ولم يقل تركيًا، فإذا زال هذا الأمر عن قريش، فلو رجع إلى الاختيار لكان العرب أولى به من الترك؛ لأنهم أفضل من الترك؛ ولهذا ليس التركي كفوا للعربية، فلو تزوج تركي بعربية كان لمن لم يرض من الأولياء فسخ هذا النكاح، وهذا الذي يعظمه الناس تركي لا قرشي، وهم أخذوها بغيا على قريش. ومحمد بن عبد الوهاب رحمه الله ما ادعى إمامة الأمة، وإنما هو عالم، ودعا إلى هدى، وقاتل عليه، ولم يلقب في حياته بالإمام، ولا عبد العزيز بن محمد بن سعود، ما كان أحد منهما يسمى إماما في حياته، وإنما حدث تسمية من تولى إماما بعد موتهما.
وأيضا، فالألقاب أمرها سهل، وهذا من صار واليا في صنعاء سمي إماما، وصاحب مقط يسمى إماما. وقتال الشيخ محمد بن عبد الوهاب من قاتله ليس لكونهم بغاة، وإنما قاتلهم على ترك الشرك، وإزالة المنكرات، وعلى إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والذين قاتلهم الصديق والصحابة لأجل منع الزكاة، لم يفرقوا بينهم وبين المرتدين في القتل وأخذ الأموال.
قال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية -رحمه الله تعالى-*: كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة، فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين بعض شرائعه، كما قاتل الصديق والصحابة مانعي الزكاة، وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم
…
إلى أن قال:
* انظر "السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية" ص 60. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]
فأيما طائفة امتنعت عن بعض الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحج، أو عن التزام تحريم الدماء والأموال أو الخمر أو الزنى والميسر، أو عن التزام جهاد الكفار، وغير ذلك من واجبات الدين، ومحرماته التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها، التي يكفر الجاحد لوجوبها، فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها لوجوبها، وإن كانت مقرة بها، وهذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء
…
إلى أن قال: وهؤلاء عند المحققين من العلماء ليسوا بمنزلة البغاة الخارجين على الإمام، أو الخارجين عن طاعته كأهل الشام مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ فإن أولئك خارجون عن طاعة إمام معين، أو خارجون عليه لإزالة ولايته، وأما المذكورون فهم خارجون عن الإسلام بمنزلة مانعي الزكاة، انتهى.
وأيضا، فالمشار إليهم في السؤال، لا نقول: إنهم معصومون، بل يقع منهم أشياء تخالف الشرع، ولولا ما يحدث من المخالفات، لم يسلط عليهم عدوهم، لكن عوقبوا بأن سلط عليهم من هم خير منهم وأحسن.
"إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني" والذي أدركنا من سيرة هذه الطائفة المشار إليها ما بقي منها إلا الاسم {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 1. واحتجاج بعض الناس بقول بعض العلماء: يباح الدعاء في الخطبة لمعين، ولم يقولوا: يسن، وأيضا فالدعاء حسن، يُدعَى له بأن الله يصلحه، ويسدده، ويصلح به، وينصره على الكفار، وأهل الفساد، وما في الخطب من الثناء، والمدح بالكذب الواجب على ولي الأمر، أولا- البداءة برعيته بإلزامهم شرائع الإسلام، وإزالة المنكرات، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، فهذا أهم وأوجب من جهاد العدو الكافر، وهذا مما يستعان به على جهاد الكفار، لما روي: "إنما تقاتلون من تقاتلون بأعمالكم" وولي
1 سورة البقرة آية: 213.