الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذي طلق زوجته، وأقر أنها خرجت من العدة قبل مرضه، فإنه يعمل بقوله، ولا يقبل قولها، إن واقعها بعد ذلك إلا ببينة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
[قسمة الوقف على مستحقيه]
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الله بن مانع إلى جناب الشيخ المكرم عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) سلمه الله تعالى.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وموجب الخط إبلاغ جنابك الشريف جزيل السلام، والسؤال عن الحال، لازلت محروسا في خير، وعافية، وغير ذلك.
ما قولك -رفع الله قدرك- في ريع عقار وقف، انتقل من طبقة إلى طبقة أرضا، أو نخلا، من مزارعة أو مساقاة، أو أجرة بعد ظهور الثمرة، ومتى تستحق الطبقة الثانية لذلك، وهل بين من كان يستحقها بوصف، أو مقابلة عمل فرق؟ أفتونا مأجورين.
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
(وبعد): فالجواب -وبالله التوفيق-: الكلام في هذه المسألة كالكلام في الحمل، في أنه يتجدد حقه من الوقف بوضعه، لا قبله من ثمر وزرع، كتجدد حق المشتري، هذا هو المشهور في المذهب. ومن المعلوم أنه إذا بيعت أرض، وفيها زرع كبر، ونحوه، أنه للبائع ما لم يشترطه المشتري، فهكذا حكم الحمل المستحق للوقف بعد وضعه.
قال في المغني: ومن وقف على أولاده، وأولاد غيره، وفيهم حمل، لم يستحق شيئا قبل انفصاله.
قال أحمد في رواية جعفر بن محمد فيمن وقف نخلا على قوم: وما توالدوا، ثم ولد مولود، فإن كان النخل قد أُبِّرت، فليس له فيه شيء، وهو للأول، وإن لم تكن قد أبرت فهو معهم. وإنما قال ذلك لأنها قبل التأبير تتبع الأصل في البيع، وهذا الموجود يستحق نصيبه، فيتبعه حصته من الثمر، كما لو اشترى ذلك النصيب من الأصل، وبعد التأبير لا تتبع الأصل، ويستحقها من كان له الأصل، فكانت للأول لأن الأصل كان كله له، فاستحق ثمرته، كما لو باع هذا النصيب منها، ولم يستحق المولود منها شيئا، كالمشتري، وهكذا الحكم في سائر ثمر الشجر الظاهر، فإن المولود لا يستحق منه شيئا، ويستحق مما ظهر بعد ولادته، وإن كان الوقف أرضا، فيها زرع، يستحقه البائع -فهو للأول، وإن كان مما يستحقه المشتري فللمولود حصته منه لأن المولود يتجدد استحقاقه للأصل كتجدد ملك المشتري فيه. انتهى كلامه.
وهذا التعليل الذي علل به ظاهر في أن حكم الطبقة الثانية حكم الحمل، وهذا واضح، ولله الحمد.
قال في الإنصاف: تجدد حق الحمل بوضعه من ثمر، وزرع كمشتر، نقله المروذي، وجزم به في المغني والشرح والحارثي، وقال: ذكره الأصحاب في الأولاد، وقدمه في الفروع. ونقل جعفر: يستحق من زرع قبل بلوغه الحصاد، ومن نخل لم يُؤَبَّر، فإن بلغ الزرع الحصاد، وأُبِّر النخل -لم يستحق شيئا
…
إلى أن قال: قال في الفروع: ويشبه الحمل إن قدم إلى تغير موقوف عليه فيه، أو خرج منه إلى بلد موقوف عليه فيه، نقله يعقوب، قال: وقياسه
من نزل في مدرسة ونحوه.
قال ابن عبد القوي: ولقائل أن يقول: ليس كذلك، لأن واقف المدرسة ونحوها، جعل ريع الوقف في السنة كالجعل على اشتغال من هو في المدرسة عاما، فينبغي أن يستحق بقدر عمله من السنة من ريع الوقف في السنة لئلا يفضي أن يحضر الإنسان شهرا -مثلا- فيأخذ مغل جميع الوقف ويحضر غيره باقي السنة بعد ظهور الثمرة، فلا يستحق شيئا؛ وهذا يأباه مقتضى الوقوف ومقاصدها. انتهى.
قال الشيخ تقي الدين: يستحق بحصته من مغله، وقال: من جعله كالولد فقد أخطأ، وللورثة من المغل بقدر ما باشر مورثهم، انتهى.
قال في القواعد الفقهية: واعلم أن ما ذكرناه في استحقاق الموقوف عليه هاهنا إنما هو إذا كان استحقاقه بصفة محضة مثل كونه ولدا، أو فقيرا، ونحوه.
أما إن كان استحقاقه الوقف عوضا عن عمل، وكان المغل كالأجرة، فيقسط على جميع السنة، كالمقاسمة القائمة مقام الأجرة، حتى من مات في أثنائه استحق بقسطه، وإن لم يكن الزرع قد وجد، وبنحو ذلك أفتى الشيخ تقي الدين. انتهى.
فظهر من كلامهم أن من كان استحقاقه بصفة ككونه ولدا فقيرا ونحو ذلك، أن حكمه في الاستحقاق من زرع الأرض الموقوفة، وثمر الشجر الموقوف حكم المشتري، هذا هو المعمول به في المذهب.
وأما من كان استحقاقه في مقابلة عمل ففيه الخلاف كما تقدم، فصاحب الفروع قاس هذه المسألة قبلها، فقال: وقياسه من نزل في مدرسة ونحوه، وتبعه في الإقناع وغيره، وكلام الشيخ تقي الدين وابن عبد القوي وابن رجب بخلاف ذلك، والعمل به أولى، إن شاء الله تعالى.
وأما إن كان الوقف مؤجرا، فالذي ظهر لنا من كلامهم أن الأجرة تقسط على جميع السنة، فمن مات من المستحقين في أثناء السنة، فله من الأجرة بقدر ما مضى من السنة، وهو صريح في كلام بعضهم، كما قال ابن رجب -رحمه الله تعالى- في أثناء كلام له، قال: كما نقول في الوقف إذا انتقل إلى البطن الثاني، ولم تنفسخ إجارته، إنهم يستحقون الأجرة من يوم الانتقال، انتهى.
فهذا على القول بأنها لا تنفسخ بموت المؤجر من الطبقة الأولى، وعلى القول الثاني الذي هو الصحيح عند ابن رجب، وصححه -أيضا- الشيخ تقي الدين، وصوبه في الإنصاف، أنها تنفسخ، فإن المنافع تنتقل للطبقة الثانية، فتكون الأجرة لهم من حين انتقل الوقف إليهم. قال ابن رجب -أيضا- في أثناء كلام له: ومن أمثلة ذلك الوقف، إذا زرع فيه أهل البطن الأول، أو من حين أجروه، ثم انتقل إلى البطن الثاني، والزرع قائم. فإن قيل: أن الإجارة لا تنفسخ، وللبطن الثاني حصتهم من الأجرة، فالزرع يبقى لمالكه بالأجرة السابقة. وإن قيل بالانفساخ -وهو المذهب الصحيح- فهو كزرع المستأجر بعد انقضاء المدة، إذا كان بقاؤه بغير تفريط من المستأجر فيبقى بالأجرة إلى أوان أخذه. وقد نص عليه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في رواية مُهَنَّا في مسألة الإجارة المنقضية، وأفتى به في الوقف الشيخ تقي الدين، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.