الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[إذا منع التعامل بالدراهم أو قلت قيمتها]
ما قولكم، رفع الله قدركم، وأدام فضلكم، فيما إذا غلت، أو رخصت الدراهم المُتَعَامَل بها بين الناس، فما قولكم فيمن باع إلى أجل بعشرة دراهم، وهي قيمة الدينار وقت العقد، فلما حل الأجل، وإذا الدراهم المذكورة بعدُ ما هي قيمة الدينار صارت نصف قيمته أو عكسه، هل للبائع على المشتري دراهمه المسماة أو قيمتهن وقت العقد، أو قيمتهن وقت حلول الأجل، فيما إذا أخر المطالبة لغيبة أو مَطْل أو غير ذلك؟ وهل حكم القَرْض حكم ثمن المبيع الذي في الذمة أم لا؟ وما معنى كلام الناظم في قوله:
والنص بالقيمة في بطلانها
…
لا في ازدياد القدر أو نقصانها
بل إن غلت فالمثل فيها أحرى
…
كذا عشرين صار عشرا
ما الحكم في ذلك؟ أفتونا مأجورين، أثابكم الله الجنة بمنه وكرمه، آمين.
الحمد لله
{الجواب، والله أعلم بالصواب} : قد ذكر الأصحاب -رحمهم الله تعالى- أنه إذا وقع البيع بنقد معين كدراهم مكسرة أو مغشوشة أو فلوس، ثم حرمها السلطان فمنع المعاملة بها قبل قبض البائع لها -لم يلزم البائعَ قبضُها، بل له الطلب بقيمتها يوم العقد، وكذا لو أقرضه نقدا أو فلوسا، فحرم السلطان المعاملة بذلك، فرده المقترض، لم يلزم المقرضَ قبولُه، ولو كان باقيا بعينه لم يتغير، وله الطلب بقيمة ذلك يوم القرض، وتكون من غير جنس النقد؛ إن أفضى إلى ربا الفضل، ووجه رد القيمة فيما ذكرنا.
أما في مسألة البيع، فلأنها من ضمان المشتري حتى يقبضها البائع، وقد بقيت بيد المشتري، فلم يلزم البائعَ قبولُها.
وأما في مسألة القرض، فلأنها بقيت في ملك المقترض، فلم يملك ردها، وإنما يملك القيمة -والحالة هذه- على المذهب فيما إذا منع السلطان المعاملة بها خاصة، أما إذا زادت قيمتها، أو نقصت مع بقاء التعامل بها وعدم تحريم السلطان لها، فيرد مثلها، سواء غلت، أو رخصت، أو كسدت، هذا حاصل المذهب في المسألة عند أكثر الأصحاب.
وقال شيخ الإسلام تقي الدين رحمه الله: قياس القرض فيما تقدم جميع الديون من بدل المتلف والمغصوب، والصداق، والصلح عن القصاص، والكتابة، قال: وكذا نص أحمد في جميع الديون.
قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله سئل عن رجل له على رجل دراهم مكسرة، فسقطت المكسرة أو فلوس، قال: يكون له عليه قيمتها من الذهب. انتهى.
وقال الشيخ -أيضا-: وقد نصوا في القرض على أن الدراهم المكسرة إذا مُنِعَ التعاملُ بها، فالواجب القيمة، فيخرج في سائر المتلفات، كذلك في الغصب والقرض؛ فإنه معلوم أنه ليس المراد عيب الشيء المعين، فإنه ليس هو المستحق، وإنما المراد عيب النوع، والأنواع لا يُعْقَل عيبُها إلا نقصان قيمتها.
فإذا أقرضه، أو غصبه طعاما، فنقصت قيمته -فهو نقص النوع، فلا يُجْبَر على أخذه ناقصا، فيرجع إلى القيمة، وهذا هو العدل؛ فإن المالين إنما يتماثلان؛ إذا استوت قيمتهما، وأما مع اختلاف القيمة فلا تماثل، فعيب الدين إفلاس المدين، وعيب العين المعينة خروجها عن الكمال بالنقص، وأما الأنواع فلا عيب فيها بالحقيقة، وإنما نقصانها كعيبها. انتهى.
فالحاصل أن الأصحاب إنما أوجبوا رد قيمة ما ذُكِرَ في القرض والثمن
المعين، خاصة فيما إذا منع السلطان التعامل بها فقط، ولم يَرَوْا رد القيمة في غير القرض والثمن المعين، وكذا لم يُوجِبوا ردَّ القيمة -والحالة هذه- فيما إذا كسدت بغير تحريم السلطان لها، ولا فيما إذا غلت، أو رخصت.
وأما الشيخ تقي الدين فأوجب رد القيمة في القرض والثمن المعين، وكذلك سائر الديون فيما إذا كسدت مطلقا، وكذلك إذا نقصت القيمة فيما ذكر، وفي جميع المثليات، والله سبحانه وتعالى أعلم.
سلمكم الله، وعافاكم، ووفقكم، وحماكم 1، ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم "وأنا الحاشر، يحشر الناس على قدمي"2. وفي لفظ: "على عقبي"؟ وما يظهر لكم في رجل أخذ من آخر مجيديات فضة مضاربة، واشترى بها عروض وبهائم، وباعها بريالات النقد الرابح اليوم، وظهر ربح بينهما، هل يدفع المضارب إلى الدافع ريالات بثمن المجيديات، أم لا يدفع له إلا مجيديات أو ذهب مما لا يجري فيه الربا؟ أفتونا مأجورين، أثابكم الله جزيل الثواب بمَنِّه وكرمه، آمين.
* * *
أجاب شيخنا مفتي الديار النجدية الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) أمتعنا الله به. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
[معنى قوله: (وأنا الحاشر يحشر الناس على قدمي)]
قوله صلى الله عليه وسلم: "لي خمسة أسماء"، وذكر منها "الحاشر 3 الذي يحشر الناس على قدمي" قوله:(قدمي) روي بتخفيف الياء على الإفراد، وتشديدها على التثنية، وفي رواية:"على عقبي"
1 في هامش الأصل: السؤال بخط محمد بن مانع.
2 البخاري: المناقب (3532)، ومسلم: الفضائل (2354)، والترمذي: الأدب (2840) ، وأحمد (4/ 80،4/ 84)، ومالك: الجامع (1891)، والدارمي: الرقاق (2775).
3 في هامش الأصل قال: وفي النهاية في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم: وأنا الحاشر الذي يحشر الناس خلفه وعلى ملته دون ملة غيره.