الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني ما الذي اختلفت عليه أهل الكتاب
؟
إن العداوة القائمة بين العرب وإسرائيل عداوة قديمة قدم الزمن، فمنابتها منذ عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام، وجذورها تتأصل في قلب السيدة الأولي في تاريخ الإيمان وهي السيدة سارة، وسهام هذه العداوة موجهة إلى السيدة الوديعة المطمئنة، التي شاء القدر أن تصير لها جاريه، وهي السيدة هاجر.
لقد أردت سارة ابناً لإبراهيم، وهي المرأة العاقر، فأدخلت إبراهيم على هاجر جاريتها، فحملت هاجر، وولدت إسماعيل، وظنت هاجر أنها أصبحت حرة تشارك السيدة سارة قلب إبراهيم عليه السلام، لكن سارة سرعان ما امتعضت، وصرخت إلى سيدنا إبراهيم قائلة:"ظلمي عليك، أنا دفعت جاريتي إلى حضنك، فلما رأت أنها حبلى صغرت في عينيها، يقضي الرب بيني وبينك"
ولم يجد سيدنا إبراهيم عليه السلام إلا التسليم لإرادة زوجته سارة، فقال لها:"هوذا جاريتك في يدك، افعلي بها ما يحسن في عينيك، فأذلتها ساراى فهربت من وجهها"
وتوارث الإسرائيليون هذه العداوة من جبل إلى جبل حتى كان عهد الحواريين، فقال بولس المدعو رسولاً لشيعة النصارى:"ماذا يقول الكتاب؟ اطرد الجارية وابنها، لأنه لا يرث ابن الجارية مع ابن الحرة. إذن أيها الإخوة لسنا أولاد جارية، بل أولاد حرة".
وتوارث الإسرائيليون هذه العداوة وتأصلت في نفوسهم، وأثمرت غروراً وعنجهية، فظنوا في أنفسهم أنهم (شعب الله المختار) وأن بقية الخلق هم الأمم الذين لا يرقون إلى مرتبة الإنسانية، فهم عبيد الأرض، وهم الأرقاء هم حثالة الخلق، هذا ظنهم وهذا افتراؤهم، وبئس ما يفترون!
وجاء لبنبي الكريم بالبشرى والرحمة للعالمين. فقال: قال الله تعالى:
فأكرم الله سبحانه وتعالى الإنسان بالعزة والكرامة.
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}
أكرم الله المجتمع ببناء سليم:
{إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}
وفي هذا البناء السليم الخير والرفاهية والسلام.
واعلك أيها القارئ استطعت أن تدرك أن الإسلام يبني الإنسان بكرامة، ويبني الإنسانية بعزة بالتعاون الاشتراكي، ويؤلف بين القلوب في خشية الله وإجلاله:
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}
وهنا نتساءل: ما الذي يختلف عليه أهل الكتاب؟
والرد على هذا يكمن في البحث العلمي الذي قام به العلامة البريطاني البروفسور توينبى: من بحث مستند إلى التاريخ الزمني وتاريخ التوراة والإنجيل معبراً عن رأيه بقوله: "إن النفسية التي تدمغ اليهودي أساسها خطيئتهم القاتلة التي ارتكبوها في حق أنفسهم، إذ كانوا في سالف العصور الشعب الوحيد الذي بلغ مكانة روحانية سامية بفضل اعتناقه وحدانية الله، وبلغوا مكانة روحية سامية دون بقية الشعوب، لكن اليهود بعد أن زودهم الله بهذه الحقيقة المطلقة الخالدة، وأودع فيهم فراسة روحانية لا تبارى، تركوا العنان لأنانيتهم فاستهواهم سراب دنيوي خادع، إذ توهموا أن السمو الروحي الذي
بلغوه إنما خلعه الله عليهم وحدهم بموجب عقد أبدي يجعل منهم شعب الله المختار".
وبذلك تردوا في خطأ مميت، ولعل هذه المفاهيم الخاطئة كانت سبباً في غضب الله عليهم حتى قال ذو العزة والجلال:
وهنا أيضاً نتساءل عن الدافع الذي قاد اليهود إلى اعتبار أنفسهم شعب الله المختار، وإلى سيطرة تلك النفسية المميزة عليهم؟
ويكمن الرد على هذا التساؤل في الأحداث التي جلبها اليهود على أنفسهم فمنذ القدم قال لهم خليفة موسى عليه السلام يشوع بن نون - وهو يدخل أرض فلسطين: "بهذا تعلمون أن الله الحي في وسطكم، وطرداً يطرد من أمامكم الكنعانيين، والحثيين، والحويين، والفرزيين، والجرجاشيين، والأموريين، واليبوسيين".
قال لهم يسوع: "إن الله سيحارب عنكم، وينتزع أرضا من أهلها ويورثها لكم".
وسكن بنو إسرائيا أرض فلسطين منذ خروجهم من مصر سنة 1375 ق. م. ومازالت تلك الشعوب في وسطهم. ومنذ تلك اللحظات الأولى بدت فيهم رغبة قاتلة لمنهضة الشعوب حولهم، ومناهضة الإمبراطوريات التي تكونت في الشرق الأوسط، وذلك بالعدوان على جيرانهم من الأمم الأخرى.
ولهذا عمد البابليون إلى اقتلاعهم من فلسطين، ونقلهم إلى بابل في عهد نبوخذ نصر، وفي سنة 722 ق. م غزا سرجون الثاني ملك أشور فلطسين، ودمر هيكل سليمان، وسبى الإسرائيليين إلى بابل ونينوي، وداس مقدساتهم. ولا غرابة بعد ذلك في ضياع أصول التوراة والأنبياء والمزامير.
فلما انقضى أجل الإمبراطورية الأشورية بقيام إمبراطورية فارسية أسسها قورش، سمح لهم الفاتح الجديد بالعودة إلى فلسطين، ولم يطل بهم المقام إذ استولت روما على فلسطين في عهد بومباي العاهل الروماني سنة 53 ق. م، فخضعوا للإمبراطورية
الرومانية في بادئ الأمر، لكن سرعان ما تألبوا، وعادوا جيرانهم، وتعدوا عليهم العداون الأثيم، مما اضطر جيرانيهم إلى سحقهم، وتشتيتهم في بقاع الأرض.
وهنا يتجلى الخطأ الذي تردوا فيه، لقد ظنوا أنهم امتلكوا الأرض بقوتهم واقتدارهم، ونسوا الله الذي أراد أن يورثها لهم، فلما عاندوا وتمردوا سلمهم للهزيمة والسحق، وأنذرهم نبيهم إرمياً بهذا القول:"ويعبر أمم كثيرة في هذه المدينة ويقول الواحد لصاحبه: لماذا فعل الرب مثل هذا لهذه المدينة العظيمة؟ فيقولون: من أجل أنهم تركوا عهد الرب إلههم، وسجدوا لآلهة أخرى وعبدوها".
لقد أنذرهم ذلك النبي 722 ق. م. بهذا المصير، ولم يرع بنو إسرائيل الحق ولا الأمانة، فكان قول الله عنهم:
ولما تبين لليهود عقم العنف في تحقيق غاياتهم في السيطرة ركنوا إلى الخيال يستلهمونه حل مشكلة الحفاظ على كيانهم المهدد بالزوال، فكان أن بث الأحبار في نفوس اليهود أنهم شعب الله المختار، وأن العالم يتألف من أشتات الناس مقدراً لهم الخضوع لسيطرتهم في نهاية المطاف.
وأخذوا يتشبثون بأهداب الآمال العريضة في مولد ملك من نسل داود، يخلصهم من نير الرومان، ويتسلط على الأرض، ويمتلكون معه، ويقيم لهم إمبراطورية كونية قاعدتها أورشليم "بيت المقدس" ويجعل منهم العنصر الحاكم، وأطلقوا على المخلص المرتقب اسم المسيح، والمسيح لقب ظهر في التوراة يوم مسح شاول بن قيس ملكاً على إسرائيل، ففي يوم تتويجه صبوا على رأسه ذهناً، ومسحوه به، وبهذا سمي مسيح الله، أي الذي مسحه الله بدهن الابتهاج، كعلامة الرضا والتأييد، وأطلقوا على المسيح بن مريم المخلص، أي يسوع، وهي كلمة يونانية تفيد معنى: المخلص، وكلمة يسوع مع تحوير بسيط نطقها نحن المسلمين عيسى.