المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - الزواج والطلاق في الإسلام - محمد في التوراة والإنجيل والقرآن

[إبراهيم خليل أحمد]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم للمؤلف

- ‌تقريظ للمغفور له الأستاذ علي حسب الله

- ‌تقريظ للمغفور له الشيخ عبد الحليم محمود علي شيخ الجامع الأزهر السابق:

- ‌تقريظ لفضيلة الشيخ محمد الغزالي السقا

- ‌رؤية مستنيرة لأسرار إسلامي

- ‌استحقاق نسل إسماعيل لحقوق البكورية:

- ‌نص شريعة حق البكورية

- ‌الباب الأول التوراة والإنجيل يتنبآن ببعث الرسول الكريم

- ‌بشارات من التوراة والإنجيل

- ‌ثانياً - من الأنبياء:

- ‌ثالثا - نبوءات من الإنجيل:

- ‌الباب الثاني ما الذي اختلفت عليه أهل الكتاب

- ‌ما حديث الأناجيل عن شخصية المسيح

- ‌المشكلة التي واجهها المسيح في إنجيله:

- ‌موقف الأحبار والكهنة من المسيح:

- ‌الباب الثالث المسيحية وتطويرها

- ‌أسلوب المسيح في بشارته بملكوت الله:

- ‌نظرية بولس في التفكير

- ‌الباب الرابع المسيحيون والتعاليم الكتابية

- ‌اكتشاف مخطوطات قديمة:

- ‌إنجيل برنابا:

- ‌الباب الخامس القرآن الكريم يهدي أهل الكتاب إلى الصراط المستقيم

- ‌جاء المسيح عيسى ابن مريم فماذا وجد

- ‌7 - المسيح والدينونة:

- ‌والآن لنتتبع المنهاج المرسوم:

- ‌هذه هي الحقائق الإلهية الثمنية:

- ‌الباب السادس الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وإيمانه بشخص المسيح عليه السلام

- ‌شهادة الإنجيل

- ‌2 - المسيح عيسى ابن مريم يخضع لناموس الراحة والتعب:

- ‌3 - المسيح عيسى بن مريم يخضع لناموس المؤثران العاطفية:

- ‌4 - المسيح عيسى ابن مريم يلتزم مكانته فلا يتعداها:

- ‌5 - المسيح عيسى ابن مريم جاء غريباً وعاد غريباً:

- ‌6 - المسيح عيسى ابن مريم رسول الله:

- ‌7 - المسيح عيسى ابن مريم نبي الله:

- ‌8 - المسيح عيسى بن مريم رفيع الدرجة عند الله والناس:

- ‌مقارنة بين تعاليم المسيح وتعاليم بولس

- ‌الباب السابع الكتاب المقدس والعقيدة المسيحية

- ‌(ب) تطور اللغة العبرية:

- ‌2 - اللغة العبرية

- ‌(هـ) قواعد اللغة العبرية:

- ‌(ز) السامريون:

- ‌2 - الكتاب المقدس والعهد الجديد

- ‌(ب) إنجيل متى:

- ‌(جـ) إنجيل لوقا:

- ‌(د) إنجيل يوحنا:

- ‌خلاصة القول:

- ‌3 - الكتاب المقدس والأبوكريفا

- ‌اكتشاف الإنجيل:

- ‌موقف الكنيسة من إنجيل برنابا:

- ‌البراهين القاطعة على انتشار إنجيل برنابا قبل الإسلام:

- ‌مخالفة إنجيل برنابا للأناجيل الأربعة:

- ‌التعليق:

- ‌5 - الكتاب المقدس والخط اللاتيني

- ‌6 - الكتاب المقدس والنسخ الخطية

- ‌(ب) العقيدة المسيحية

- ‌2 - الآباء وتطوير المسيحية

- ‌المشكلة التي تعرضت لها الكنيسة

- ‌4 - الفلاسفة وتطوير العقيدة

- ‌5 - الصليب

- ‌(ب) التاريخ السياسي للصليب:

- ‌1 - الشعب اليهودي يمجد مسيح الله:

- ‌2 - الحواريون ينظرون إلى المسيح كابن لله فكيف يتخلى عنه الله

- ‌3 - التباس الحوادث مما ينفي حادث الصلب عن المسيح:

- ‌4 - موقف القرآن الكريم من الصلب:

- ‌6 - براءة الإسلام من الشبهات

- ‌3 - وفي قولهم إن المسيح عيسى ابن مريم أقنوم من الأقانيم الثلاثة:

- ‌الباب الثامن العالم قبل بزوغ الإسلام

- ‌الباب التاسع (أ) العالم في فجر الإسلام

- ‌(ب) التوسع الإسلامي وأثره

- ‌نظرة إلى التاريخ:

- ‌الباب العاشر 1 - لمحة من حياة محمد

- ‌(1) الرجل الكامل في القرآن

- ‌(ب) القرآن وأدب النفس:

- ‌(جـ) عظمة النبوة:

- ‌2 - الزواج والطلاق في الإسلام

- ‌لا رهبانية في الإسلام:

- ‌(ب) الطلاق في الإسلام:

- ‌المراجع

الفصل: ‌2 - الزواج والطلاق في الإسلام

‌2 - الزواج والطلاق في الإسلام

(أ) الزواج في الإسلام:

جاء الإسلام يسوى المرأة بالرجل في كل الحقوق والواجبات، فهي مكلفة بكل ما يكلف به الرجل من العبادات، وهي تبايع الرسول كما يبايعه الرجال سواء بسواء، وهي سيدة نفسها لا تتزوج إلا برضائها، وهي ترث من أبيها كما يرث الرجل، وقد ترث في بعض الأحوال أكثر مما يرث الرجل، إن كان الرجل أباً أو عماً.

ووصل الإسلام في رفع مكانة المرأة وتسويتها بالرجل إلى حد أن يقول القرآن الكريم:

{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} .

وهكذا سوى في الولاية بين الرجل والمرأة، ويدخل فيها ولاية الأخوة والمودة والتعاون المالي والاجتماعي، وولاية النصرة والحرية والسياسة.

هذه هي روح الإسلام وجوهر تعاليمه، ومع هذا فقد حشد المستشرقون والمبشرون كتبهم بالطعن على الإسلام ورسوله مستندين في ذلك إلى ما أباحته الشريعة من حل التزوج بأكثر من واحدة، ولو كانوا يعرفون العربية ويفقهون كتاب الله وقواعده ما استطاعوا أن يلصقوا بالإسلام ما ليس من شيمه.

وما اتفق خصوم الإسلام سيئو النية على شيء كما اتفقوا على خطة التبشير في موضوع الزواج على الخصوص، فكلهم يحسب المقتل الذي يصاب منه الإسلام في هذا الموضوع هو تشويه سمعة رسول الله، وتمثيله لأتباعه في صورة الرجل الشهوان الغارق في لذات الجسد، وهي صورة لا تلائم شرف النبوة ولا يتصف صاحبها بفضيلة الصدق في طلب الإصلاح، ورسالته العامة عن عفاف القلب والروح.

ص: 208

ولقد حاول خصوم الإسلام أن يجعلوا من مبدأ تعدد الزوجات وإباحته في الإسلام سلاحا يحاولون أن يحاربوه به. فكثيرا ما قالوا إن الإسلام يهدر كرامة الزوجة حين يبيح للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة، ويزيد من النسل الذي يؤدي إلى الفقر والعوز.

إن الثابت في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أنه ظل ذا زوجة واحدة حتى بلغ الرابعة والخمسين من عمره، ثم أخذ يعدد زوجاته في فترة امتدت من السنة الثالثة إلى السنة الثامنة من الهجرة، وهذه الفترة هي التي تواصلت فيها الحروم بين المسلمين والمشركين حتى انتهت بفتح مكة. ونتيجة للحروب المستمرة اختل التوازن العددي بين الذكور والإناث في مجتمع المسلمين بالمدينة وأصبح من المحتم إعالة الأرامل واليتامى اللاتي سقط عائلوهن في ميادين الجهاد.

وما كان لمصلح اجتماعي كالنبي صلى الله عليه وسلم أن يهتم فقط بإطعام الأرامل دون الاهتمام بحماية عفتهن وهو أعلم الناس بأن الغريزة الجنسية شيء مغروس في الطبيعة البشرية، وأن إهمال شأنها خليق بأن يؤدي إلى فساد المجتمع.

والغريزة الجنسية هي ما عبر عنها بولس في رسالته إلى أهل رومية في عرض حديثه عن المرأة وارتباطها برجلها وتحررها من رباط الزوجية. وما يتعرض له الأعزب من نوازع نفسية فيقول: "ولكني أرى ناموسا آخر في أعضائي. ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت"؟! ولا نجاة للإنسان إلا بعصمته بالزواج الحلال الطيب، كما بينه الإسلام.

ولقد دافع الفونس اتيين دينيه في كتابه (محمد رسول الله) ةفي رسالته (أشعة خاصة بنور الإسلام) عن مبدأ تعدد الزوجات دفاعا مجيدا، فيقول في مسايرة الطبيعة: لا يتمرد الإسلام على الطبيعة التي لا تغلب، وإنما هو يساير قوانينها ويزاول أزماتها بخلاف ما تفعل الكنيسة من مغالطة الطبيعة ومصادمتها في كثير من شئون الحياة، ومثل ذلك الفرض الذي تفرضه على أبنائها الذين يتخذون الرهبنة، فهم لا يتزوجون، وإنما يعيشون غرباء. فيوصي بولس في رسالته إلى أهل كورنثوس بقوله:"فأريد أن تكونوا بلا هم غير المتزوج يهتم في ما للرب كيف يرضي الرب. وأما المتزوج فيهتم في ما للعالم كيف يرضى امرأته". ثم يحفز المرأة الأرمل على التنكر لطبيعتها وغريزتها الجنسية

ص: 209

فيوصيها بقوله: "المرأة مرتبطة بالناموس ما دام رجلها حياً، ولكن إن مات رجلها فهي حرة لكي تتزوج بمن تريد في الرب فقط ولكنها أكثر غبطة إن لبثت هكذا بحسب رأيي. وأظن أني أنا أيضا عند روح الله".

على أن الإسلام لا يكفيه أن يساير الطبيعة، وألا يتمرد عليه، وإنما هو يدخل على قوانينها ما يجعلها أكثر قبولا وأسهل تطبيقا في إصلاح ونظام ورضاء ميسور مشكور، حتى لقد سمى القرآن لذلك "بالهدى" لأنه المرشد إلى قوم مسالك الحياة، ولأنه الدال على أحسن مقاصد الخير.

والأمثلة العديدة لا تعوزنا، ولكننا للقصد نأخذ بأشهرها، وهو التساهل في سبيل تعدد الزوجات، وهو الموضوع الذي صادف النقد الواسع، والذي جلب للإسلام في نظر أهل الغرب مثالب جمة، ومطاعن كثيرة.

ومما لا شك فيه أن التوحيد في الزوجة هو المثل الأعلى، ولكن ما العمل وهذا الأمر يعارض الطبيعة ويصادم الحقائق، بل هو الحل الذي يستحيل تنفيذه؟

ومن هنا نادى بولس في رسالته إلى تيموثاوس قائلا: "فيجب أن يكون الأسقف بلا لوم بلا امرأة واحدة.. يدبر بيته حسنا، له أولاد في الخضوع بكل وقار. وإنما إن كان أحد لا يعرف أن يدبر بيته فكيف يعتني بكنيسة الله؟! " الأمر الذي يفهم منه ضمنا أن الزواج بأكثر من واحدة كان قائما.

إذن لم يكن للإسلام أمام الأمر الواقع، وهو دين اليسر، إلا أن يستبين أقرب أنواع العلاج فلا يحكم فيه حكما قاطعا ولا يأمر به أمرا باتاً.

والذي فعله الإسلام أول كل شيء أنه أنقص عدد الزوجات الشرعيات وقد كان عند العرب الأقدمين مباحا دون قيد، ثم أشار بعد ذلك بالتوحيد في الزوجة في قوله:

{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} .

وأي رجل في الوجود يستطيع أن يعدل بين زوجاته المتعددات؟! ولذا كان التعدد بهذا الشرط مستحيل التنفيذ. ولكن انظر كيف وضعه الإسلام وضعاً هو غاية في الرقة والدقة واللطف مع الحكمة.

ص: 210

ثم انظر هل حقيقي أن الديانة المسيحية بتقريرها الجبري لفردية الزوجة والتوحيد فيها، وتشددها في تطبيق ذلك قد منعت تعدد الزوجات؟! إن تعدد الزوجات قانون طبيعي، سيبقى ما بقى العالم، ولذلك فإن ما فعلته المسيحية لم يحقق الغرض الذي أرادته، فانعكست الآية معها، وصرنا نشهد الإغراء بجميع أنواعه. على أن نظرية التوحيد في الزوجة. وهي النظرية الآخذة بها المسيحية ظاهرا تنطوي تحتها سيئات متعددة ظهرت على الأخص في ثلاث نتائج واقعية شديدة الخطر جسيمة البلاء، تلك هي: الدعارة، وكثرة العوانس من النساء، والأبناء غير الشرعيين.

ولعل العلم الحديث قد أفصح عن الأهداف الإنسانية والعمرانية التي توخاها الإسلام في تعاليمه بالنسبة إلى سماحه بالزواج من أكثر من واحدة، فقد قرر أساتذة علم الاجتماع أمصال جينز برج ووستر مارك أن تعدد الزوجات كان النظام المتبع في الشعوب المتمدينة في حين كان نظام الزوجة هو النظام المتبع في الشعوب المتأخرة.

وإن الشعوب التي كانت تحرم الزواج بأكثر من واحدة إنما كانت تتبع تقاليد لا تتصل بالدين من قريب أو بعيد، كما أن الشعوب التي أجازت الزواج بأكثر من واحدة إنما أجازته طبقا لما رأت فيه من فوائد اقتصادية أو عمرانية دون نظر كذلك إلى الدين.

فلم يرد في الإنجيل نص صريح يدل على تحريم الزواج بأكثر من واحدة وإن الإسلام في إباحته تعدد الزوجات قد أباحه في حدود عينها لظروف حددها. وبقيود تجعل من العسير الأخذ به إلا في حالات اضطرارية ويكفي لبيان فضل الإسلام وسمو أهدافه أن نقارن مبدأ تعدد الزوجات بالحلول التي يقترحها مفكرو أوروبا وأمريكا اليوم لعلاج المشكلة الاجتماعية التي تنشأ دائما عقب الحروب بوجود عدد كبير من النساء اللاتي لا يجدن الزواج. والحل المفضل لديهم حتى الآن هو إباحة العلاقة الجنسية وحماية الأمومة غير الشرعية. والفرق بين الحلين هو الفرق بين مجتمعين يقوم أحدهما على أقوم المبادئ ويرغب في تأدية واجبه كاملا نحو أفراده، بينما يتجاهل الآخر واجبه نحو صيانة الأسرة، ويتساهل إلى حد بعيد في القيم الأخلاقية التي يجب أن تسود بين الناس.

وهو على كل حال زواج قانوني يكفل للمرأة ولأولادها احترام المجتمع وهو ما لا يكفله لهم الحل الآخر مهما عملت الدولة على كفالة احتياجاتهم المادية.

وبالرغم من عدم تبين البعض لأوجه الحكمة في شرعية الإسلام بتعدد الزوجات. فإنه في الأزمات الإجتماعية التي نشأت بسبب الحرب في كثير من نواحي العالم ما يبين

ص: 211

بجلاء حكمة العلاج الذي وضعه الإسلام لمثل هذه الأزمات صوناً لبناء المجتمع وحماية للمستوى الخلقي، وذلك بمنح المرأة نصف بيت إذا تعذر عليها الحصول على بيت كامل. ونصف البيت هو بيت على كل حال. وهو خير كثيراً من تركها بدون بيت. وتعدد الزوجات الشرعي خير بلا شك من تعدد الزوجات غير الشرعي.

ولا شك أن العالم سيهتدي يوما إلى حكمة تعدد الزوجات. كما سيهتدي إلى حكمة الطلاق، وهو الآخر موضع إنكار شديد.

أما تعدد الزوجات من الناحية الموضوعية فإن الإسلام لم يبتكره. كما أنه لم يستعره، فتعدد الزوجات من حيث هو نظام اجتماعي، وكان مألوفا أزمنة طويلة قبل بزوغ فجر الإسلام على شبه الجزيرة العربية والكتاب المقدس مليء بقصص عن زوجات إبراهيم وسليمان:

"وأرسل داود وتكلم مع أبيجايل ليتخذها له امرأة.. فقامت وسجدت على وجهها إلى الأرض، وقالت: هو ذا أمتك جارية لغسل أرجل عبيد سيدي.. وسارت وراء رسل داود وصارت له امرأة. ثم أخذ داود أخينوعم من يزرعيل فكانتا له كلتاهما امرأتين، فأعطى شاول ميكال ابنته امرأة داود لفلطى بن لايش الذي من حليم".

"فلما سمعت امرأة أوريا أنه قد مات رجلها ندبت بعلها، ولما مضت المناحة أرسل داود وضمها إلى بيته وصارت له امرأة وولدت له ابنا".

"وأحب الملك سليمان نساء غريبة كثيرة مع بنت فرعون من أبيات وعمونيات وأدوميات وصيدونيات وحثيات من الأمم الذين قال عنهم الرب لبني إسرائيل: لا تدخلون إليهم وهو لا يدخلون إليكم لأنهم يميلون قلوبكم وراء آلهتهم. فالتصق سليمان بهؤلاء بالمحبة وكانت له سبعمائة من النساء السيدات وثلاث مائة من السراري، فأمالت نساؤه قلبه

وراء آلهة أخرى فذهب سليمان وراء عشتورث الإلهة الصيدونيين وملكون رجس العمونيين.. وهكذا فعل لجميع نسائه العربيات اللواتي كن يوقدن ويذبحن لآلهتهن".

وأما المصطفى صلى الله عليه وسلم فإن زوجاته بعد السيدة خديجة رضي الله عنها كن في الغالب

ص: 212

من الأرامل ذوات الأولاد لينفي كل شك في الدافع الذي دعا إلى تعدد الزوجات في صدر الإسلام، ويبين أي غرض نبيل قام عليه هذا المبدأ.

وإن التأمل في موقف صدر الإسلام إزاء الأرامل ذوات الأولاد ليجلو لنا بوضوح نظرة الإسلام إلى الزواج واعتباره إياه واجبا على الأفراد نحو المجتمع يقابله واجب على المجتمع نحو الأفراد بتيسير الزواج لمن يجدنه كالأرامل والمطلقات.

وهكذا حرر الإسلام المرأة تحريرا كاملا ورد إليها إنسانيتها، وانتشلها من العبودية إلى طريق العزة والكرامة، فسوى بينها وبين الرجل في جميع الحقوق. وقد علم الله من طبيعة خلقه أنه يمكن أن يعدل الإنسان القادر بين أربع فيؤدي لهن حقوقهن كاملة، أما ما زاد على ذلك فليس في مقدور الإنسان من حيث هو إنسان. فمن خاف عدم العدل، فلا يحل له أن يعدد الزوجات وإن أقدم عليه فهو آثم إثما كبيراً، وكفى بذلك زاجرا للمسلمين! ومن هنا يرى بعض الناس أن تعدد الزوجات يكاد يكون ممتنعا في نظر الدين:

{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} .

فالذي صنعه الإسلام هو تقييد تعدد الزوجات وعدم التشجيع عليه.

وأن إباحة الإسلام الزواج حتى أربع زوجات، هذه الإباحة تعد تقييدا لما كان سائدا قبل الإسلام، إذ كانت البيئة العربية تغلب عليها الإباحية والفوضى في الفروج إلى حد أن الزوج كان يبعث بامرأته إلى من ينكحها لتلد مثله. وهو نكاح الاستطراق.

وكان التقييد بأربع قد قيده بتحذير إلهي: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} مما يتحتم معه من الناحية العملية الاكتفاء بزوجة واحدة.

ويقول العقاد: "قال لنا بعض المستشرقين: إن تسع زوجات لدليل على فرط الميول الجنسية. قلنا إنك لا تصف السيد المسيح بأنه قاصر الجنسية لأنه لم يتزوج قط فلا ينبغي أن تصف محمداً بأنه مفرط الجنسية لأنه جمع بين تسع نساء.

فالنبي صلى الله عليه وسلم أمكنه أن يسوس تسع زوجات ولم يؤثر عنهن خصام أو نزاع إلا مرات تعد على أصابع اليد، فمن أتيح له أن يجمع بين عدد من الزوجات فعليه أن يقتدي به في معاملة زوجاته بالعدل ومعالجة الشئون المنزلية بالأناة وسعة الصدر، وعلى النساء أن يتخذن من زوجات النبي الكثيرات مثالا صالحا يحتذينه من العفة والزهد وتدبير

ص: 213