المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نظرية بولس في التفكير - محمد في التوراة والإنجيل والقرآن

[إبراهيم خليل أحمد]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم للمؤلف

- ‌تقريظ للمغفور له الأستاذ علي حسب الله

- ‌تقريظ للمغفور له الشيخ عبد الحليم محمود علي شيخ الجامع الأزهر السابق:

- ‌تقريظ لفضيلة الشيخ محمد الغزالي السقا

- ‌رؤية مستنيرة لأسرار إسلامي

- ‌استحقاق نسل إسماعيل لحقوق البكورية:

- ‌نص شريعة حق البكورية

- ‌الباب الأول التوراة والإنجيل يتنبآن ببعث الرسول الكريم

- ‌بشارات من التوراة والإنجيل

- ‌ثانياً - من الأنبياء:

- ‌ثالثا - نبوءات من الإنجيل:

- ‌الباب الثاني ما الذي اختلفت عليه أهل الكتاب

- ‌ما حديث الأناجيل عن شخصية المسيح

- ‌المشكلة التي واجهها المسيح في إنجيله:

- ‌موقف الأحبار والكهنة من المسيح:

- ‌الباب الثالث المسيحية وتطويرها

- ‌أسلوب المسيح في بشارته بملكوت الله:

- ‌نظرية بولس في التفكير

- ‌الباب الرابع المسيحيون والتعاليم الكتابية

- ‌اكتشاف مخطوطات قديمة:

- ‌إنجيل برنابا:

- ‌الباب الخامس القرآن الكريم يهدي أهل الكتاب إلى الصراط المستقيم

- ‌جاء المسيح عيسى ابن مريم فماذا وجد

- ‌7 - المسيح والدينونة:

- ‌والآن لنتتبع المنهاج المرسوم:

- ‌هذه هي الحقائق الإلهية الثمنية:

- ‌الباب السادس الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وإيمانه بشخص المسيح عليه السلام

- ‌شهادة الإنجيل

- ‌2 - المسيح عيسى ابن مريم يخضع لناموس الراحة والتعب:

- ‌3 - المسيح عيسى بن مريم يخضع لناموس المؤثران العاطفية:

- ‌4 - المسيح عيسى ابن مريم يلتزم مكانته فلا يتعداها:

- ‌5 - المسيح عيسى ابن مريم جاء غريباً وعاد غريباً:

- ‌6 - المسيح عيسى ابن مريم رسول الله:

- ‌7 - المسيح عيسى ابن مريم نبي الله:

- ‌8 - المسيح عيسى بن مريم رفيع الدرجة عند الله والناس:

- ‌مقارنة بين تعاليم المسيح وتعاليم بولس

- ‌الباب السابع الكتاب المقدس والعقيدة المسيحية

- ‌(ب) تطور اللغة العبرية:

- ‌2 - اللغة العبرية

- ‌(هـ) قواعد اللغة العبرية:

- ‌(ز) السامريون:

- ‌2 - الكتاب المقدس والعهد الجديد

- ‌(ب) إنجيل متى:

- ‌(جـ) إنجيل لوقا:

- ‌(د) إنجيل يوحنا:

- ‌خلاصة القول:

- ‌3 - الكتاب المقدس والأبوكريفا

- ‌اكتشاف الإنجيل:

- ‌موقف الكنيسة من إنجيل برنابا:

- ‌البراهين القاطعة على انتشار إنجيل برنابا قبل الإسلام:

- ‌مخالفة إنجيل برنابا للأناجيل الأربعة:

- ‌التعليق:

- ‌5 - الكتاب المقدس والخط اللاتيني

- ‌6 - الكتاب المقدس والنسخ الخطية

- ‌(ب) العقيدة المسيحية

- ‌2 - الآباء وتطوير المسيحية

- ‌المشكلة التي تعرضت لها الكنيسة

- ‌4 - الفلاسفة وتطوير العقيدة

- ‌5 - الصليب

- ‌(ب) التاريخ السياسي للصليب:

- ‌1 - الشعب اليهودي يمجد مسيح الله:

- ‌2 - الحواريون ينظرون إلى المسيح كابن لله فكيف يتخلى عنه الله

- ‌3 - التباس الحوادث مما ينفي حادث الصلب عن المسيح:

- ‌4 - موقف القرآن الكريم من الصلب:

- ‌6 - براءة الإسلام من الشبهات

- ‌3 - وفي قولهم إن المسيح عيسى ابن مريم أقنوم من الأقانيم الثلاثة:

- ‌الباب الثامن العالم قبل بزوغ الإسلام

- ‌الباب التاسع (أ) العالم في فجر الإسلام

- ‌(ب) التوسع الإسلامي وأثره

- ‌نظرة إلى التاريخ:

- ‌الباب العاشر 1 - لمحة من حياة محمد

- ‌(1) الرجل الكامل في القرآن

- ‌(ب) القرآن وأدب النفس:

- ‌(جـ) عظمة النبوة:

- ‌2 - الزواج والطلاق في الإسلام

- ‌لا رهبانية في الإسلام:

- ‌(ب) الطلاق في الإسلام:

- ‌المراجع

الفصل: ‌نظرية بولس في التفكير

ضد نظام الحكم"، وبناء عليه أصدر بيلاطس حكمة بالإعدام وهو كاره له، وكان الصليب من طريق الإعدام الرومانية. ووضع الجنود تاجاً من الشوك على رأس المسيح استهزاء به، كما نقشوا على صليبه باللغات الآرامية واليونانية عيسى الناصري ملك اليهود"

Nazarathean Rex Ioudaeorum

لقد خاب الحواريون في زعمهم في المسيح حتى انبرى لهم بولس المدعو رسولاً، ورأى أن يجمع شتات الفكر في عقيدة يكرز بها ويبشر؛ فكان أن اعتبر شخصية عيسى عليه السلام ملكاً مخلصاً، ولعله استقى هذا الاعتبار من الديانة السائدة في تلكم الأيام، وهذه الفكرة قديمة قدم التاريخ.

‌نظرية بولس في التفكير

لقد أنشأ بولس لاهوتاً لا نجد له إلا أسانيد غامضة أشد الغموض في أقوال المسيح. وكانت العوامل التي أوحت إليه بالأسس التي قام عليها ذلك اللاهوت هي انقباض نفسه، وندمه على اضطهاده للمسحيين الأولين، والصورة التي استحال إليها المسيح في خياله عند المحاكمة وعند الصلب.

ولعله قد تأثر بالفلسفة الأفلاطونية والرواقية في نبذهما للمادة والجسم واعتبارهما شراًَ وخبثاً.

ولعله تذكر السنة اليهودية مستقاة من شريعة موسى في التضحية الفدائية وما ينهجه في هذا المقام أصحاب الديانات الوثنية للتكفير عن خطايا البشر.

أما هذه الأسس فأهمها "أن كل ابن أنثى يرث خطية آدم، وأن لا شيء ينجيه من العذاب الأبدي إلا موت ابن الله ليكفر بموته عن خطيئته". "لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات الذي ليس له اضطرار كل يوم مثل رؤساء الكهنة أن يقدم ذبائح أولا عن خطايا نفسه عن خطايا الشعب، لأنه فعل هذا مرة واحدة إذ قدم نفسه. فإن الناموس يقيم أناساًَ بهم ضعف رؤساء كنهة. وأما كلمة القسم التي بعد الناموس فتقيم ابناً مكملاً إلى الأبد".

ص: 95

لقد كان اليهود والأقدمون يشتركون مع الكنعانيين والمؤابين والفينيقيبن والفرطاجنيين وغيرهم من الشعوب في عادة التضحية بطفل، بل بطفل محبوب لاسترضاء السماء الغضبي.

ثم اصبح في الإمكان على توالي الأيام أن يستبدل الطفل مجرم محكوم عليه بالإعدام. وكان البابليون يلبسون هذه التضحية أثواباً ملكية، لكي يمثل ابن الملك، ثم يجلد ويعدم شنقاً.

ومثل هذه الأعمال كانت تحدث في رودس Rhodes في عيد كرونس Cronus، وأكبر الظن أن التضحية بحمل أو جدى في عيد الفصح ليست إلا تخفيفاً لهذه التضحية البشرية اقتضاه تقدم المدينة، وفي ذلك يقول فرازر Frazer: وفي يوم الكفارة كان كاهن اليهود الأعظم يضع كلتا يديه على جدي حي، ويعترف فوق رأسه بجميع ما ارتكبه بنو إسرائيل من مظالم، حتى إذا ما حنل الحيوان خطايا الشعب على هذا النحو أطلقه في البرية".

وهذه الفكرة كانت أكثر قبولاً لدى الوثنيين منها لدى اليهود. ولقد كانت مصر وآسيا الصغرى وبلاد اليونان تؤمن بالآلهة من زمن بعيد. تؤمن باوزوريس وأتيس وديونشيس Osiris، Attis، Dionysus وديونشيس هذه ماتت لتفتدي بموتها بني البشر، وكانت ألقاب سوتر المنقذ Soter Savior واليوتريس المنجمي Eleatherios Deliverer تطلق على هذه الآلهة، وكان لفظ كريوس الرب Kyrios Lord الذي أطلقه بولس على المسيح هو اللفظ الذي تطلقه الطقوس اليونانية السورية علة ديونشيس Dionysus.

ولم يكن في وسع غير اليهود. أهل أنطاكية وسواها من المدن اليونانية الذين لم يعرفوا عيسى بجسمه - أن يؤمنوا به إلا كما آمنوا بآلهتهم المنقذين، ولهذا ناداهم بولس بقوله:"هو ذا سر أقوله لكم"، ثم يستطرد فيقول:"الذين أراهم أيضاً نفسه ببراهين كثيرة بعد ما تألم وهو يظهر لهم أربعين يوماً ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله".

ص: 96

لقد كانت فكرة "انتقال القديس" بجسمه حياً إلى السماء من الأفكار الشائعة المألوفة بين اليهود، فقد رووها عن موسى وأخنوخ وإيليا. وهكذا اختفى بنفس الطريقة الخفية التي ظهر بها "وأخرجهم خارجاً إلى بيت عنيا. ورفع يديه وباركهم، وفيما يباركهم انفرد عنهم وأصعد إلى السماء".

التعليق:

في سفر التثنية تأكيد أن الأبناء لا يقتلون عن الآباء: "ولا يقتل الآباء عن الأولاد، ولا يقتل الأولاد عن الآباء كل إنسان بخطيته يقتل".

وجاء أيضاً في طفر التثنية أن المعلق على خسبة ملعون من الله، "وإذا كان على إنسان خطية حقها الموت فقتل وعلقته على خشبة فلا تبت جثته على الخشبة، بل تدفنه في ذلك اليوم، لأن المعلق ملعون من الله، فلا تنجس أرضك التي يعطيك الرب إلهك".

ويقول الله سبحانه وتعالى:

{وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}

ولقد كشف القناع عن هذه الحقائق السير آرثر فندلاى في كتابه (صخرة الحق) في صحيفة 45، فذكر ستة عشر إلهاً ملكاً مخلصاً عرفوا قبل مجئ المسيح. وهؤلاء أيضا في تواضعهم وحبهم لبني قومهم ماتوا لأجل خطايا العالم، وسمى كل واحد من هؤلاء إلهاً مخلصاً، وأعطى لقب المسيح، وهذه هي أسماؤهم:

ص: 97

1 -

أوزوريس مصر 1700 ق. م.

2 -

بعل بابل 1200 ق. م.

3 -

أتيس فرجيا 1170 ق. م.

4 -

ثاموس طوريا 1160 ق. م.

5 -

ديونسيوس اليونان 1100 ق. م.

6 -

كرشنا الهند 1000 ق. م.

7 -

هيوس أوربا 834 ق. م.

8 -

أندرا التبت 725 ق. م.

9 -

بالي آسيا 725 ق. م.

10 -

أياو نيبال 622 ق. م.

11 -

الستيس فيريا 600 ق. م

12 -

كويكس لكوت المكسيك 587 ق. م.

13 -

وتيبا ترفانسكور 552 ق. م.

14 -

برومثيوس اليونان 547 ق. م.

15 -

كورينوس روما 506 ق. م.

16 -

مذرا الفرس 400 ق. م.

ويقول السير آرثر فندلاى في متابه (الكون المنشور) : "إن أول إله مخلص قرأنا عنه هو أوزوريس الذي ظهر في مصر في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، وكان أميراً مصلحاً، فظن أنه إله، لأن الآلهة - كما يعتقدون - تلبس لباس ذوي الشرف الرفيع. ولما ظهر شبحه بعد الممات ظنوا ان الآلهة سمحت بالحياة، وأنها لم تعد غاضبة على الشعب الذي كان يرزخ في خطاياه وآثامه، وأنها رفعت عنه غضبها ولعنتها التي كتبت عليه بسبب آثامه وخطاياه".

وبهذا كان ظهور الفداء بعد الموت معناه أنه قهر الموت، وفتح أبواب السماء للمؤمنين، وبذا عمل أوزوريس على "أن يتواضع ويصير مطيعاً حتى الموت".

ولا عجب أن بولس مؤسس المسيحية يتحدث عن المسيح عليه السلام بقوله: "إنه تواضع حتى الموت، موت الصليب"

ومن هذه الزاوية بدأ بولس يكرز برسالته

ص: 98

بقوله: "لأني لم أعزم شيئاً بينكم إلا المسيح وإياه مصلوباً" وفي هذا تطابق بين أوزوريس الذي أصبح مخلصاً وفادياً ووسيطاً للفراعنة، ومنهم يتقبل كل الحب والتقدير في عبادتهم وسجودهم له، وبين المسيح كزعمهم المخلص والفادي والوسيط.

والحقيقة التي لا ريب فيها هي: ظهر المسيح عليه السلام في عهد الإمبراطور الروماني أو غسطس سنة 14 م، عقب فراغ طويل المدى من الجدب الديني لبني إسرائيل، وذلك تأديباً لهم إذ تركهم الله سبحانه وتعالى بلا راع يرعاهم ويهديهم سواء السبيل، فقد قال الله في محكم آياته:

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ....}

ويقول أيضاً:

{أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ}

وقال عنهم إيليا نبي العهد القديم: "قتلوا أنبياءك، وهدموا مذابحك

" وقال عنهم المسيح "يا أورشليم، يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء والمرسلين".

وقد حقت عليهم غضبة الله حيث قال تعالى:

{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}

فأصبحوا فترة من الزمن بلا نبي ولا رسول، هذه الفترة تطلق عليها الكنيسة "فترة الصمت المطلق".

وبالإضافة إلى هذا الجدب الديني بالنسبة لإسرائيل كان العالم الروماني يشعر نوع من الفراغ أو الجدب الديني كذلك، فالرومان أنفسهم بدءوا - ولا سيما المتعلمون -

ص: 99

يناقشون الوثنية، ويناقشون تقديس الأباطرة والأديان المحلية سواء أكانت يونانية أو لاتينية.

وقد اتجهوا إلى الآراء التي بادى بها الرواقيون. وحتى هذه الفلسفات أخذت تتضاءل أمام بحثهم عن حقيقة الوجود وحقيقة الله. وفي هذا الفراغ الديني الهائل لم يجد الرومانيون - وهو سلدة العلم - وسيلة سوى الاتجاه شطر العقائد الدينية المختلفة المستوردة من الشرق، مثل ديانة سبيل من آسيا الصغرى وديانة متراس من فارس، وديانة إيزيس من مصر، وأخيراً المسيحية التي نبتت في فلسطين.

يقول السير آرثر فندلاي في كتابه (الكون المنشور) صحيفة 119: "ترتبط خمسة أسماء بالتغيرات الفكرية الهامة في العالم وهي:

1 -

كرشنا 2 - بوذا 3 - كونفشيوس 4 - سقراط 5 - عيسى.

"ومع ذلك لم يترك واحد من هؤلاء أية كتابة شخصية، وإنما تركوا أفكارهم لكي تسجلها الأجيال التالية

ويجب أن يعلم كل إنسان أنه لا توزجد وثيقة اصلية واحدة متعلقة بحياة عيسى".

ثم يستطرد فيقول: "إن الإناجيل لا تعتبر سجلات تاريخية، فأولها "مرقس" كتب حوالي سنة 70 م و"لوقا" كتب بين سنة 80 وسنة 95، و"متى" كتب حوالي سنة 100، و"يوحنا" حوالي سنة 110. وليس للأخير قيمة تستحق الذكر في سرد الحوادث الأكيدة، ويظهر أن كل محتوياته لعب فيها خيال الكاتب دوراً بعيداً. ثم جاءت بعد ذلك ترجمة الأناجيل من اللغة الآرامية الشرقية إلى اللغة اليونانية. فاللغة اللاتينية الغربية. وهنا حدثت أخطاء كثيرة، إذ أن الكلمة الآرامية الواحدة قد يكون لها 6، أو 7 معان مختلفة".

ويقول أيضاً سير آرثر فندلاى في كتابه (صخرة الحق) ص 59: "إن الأناجيل الحالية لم تستقر إلا في القرن الرابع الميلادي عقب مجمع قرطاجنة عندما تقرر أي الكتابات يحتفظ بها، وأيها يرفض ويستبعد. وقبل ذلك التاريخ سنة 397م لم يكن هناك شيء اسمه العهد الجديد الذي نعرفه اليوم. ويعلل أحد رجال الكنيسة القديس آريرونيوس اختبار أربعة أناجيل في القرن الثاني بأن الأرض لها أربعة أركان".

ص: 100

ويسترسل السير آرثر فندلاى في كتابه (صخرة الحق) صحيفة 76 فيقول: "اكتشف لوحة أثرية في بابل ت تثبيت أن إلهم بعل كان يتصف بنفس الصفات التي أدلحقت بعيسى، وأن هذه اللوحة كتبت قبل العصر المسيحي بمئات السنين حوالي 1200 سنة". ثم وازن على ضوئها بين المبادئ البابلية والمبادئ المسيحية:

المبادئ البابلية مقتبسة من اللوحة الأثرية.... المبادئ المسيحية من البابين 27و 28 من إنجيل متى

1 -

أخذ بعل أسيراً.... 1 - أخذ عيسى أسيراً

2 -

حوكم بعل في قاعة المحكمة.... 2 - حوكم عيسى في قاعة بيلاطس

3 -

ضرب بعل.... 3 - جلد عيسى

4 -

أخذ بعل إلى الجبل.... 4 - أخذ المسيح إلى الجمجمة

5 -

أطلق سراح مجرمان أخذ معه مجرمان.... 5 - أطلق سراح مجرم (بارباس) وأخذ معه مجرمان

6 -

بعد أخذ بعل تهدمت المدينة.... 6 - بعد موت عيسى تحطم الهيكل وخرج الموتى ودخلوا المدينة

7 -

أخذت ملابس بعل.... 7 - اقتسم الجنود ملابسه واقترعوا على لباسه

8 -

ذهب بعل إلى الجبل، واختفى من الحياة.... 8 - خروج عيسى من القبر وذهب إلى عالم الأموات

9 -

ذهبت امرأة تبكي عند القبر.... 9 - ذهبت مريم المجدلية تبكي عند قبر عيسى

10 -

عاد بعل إلى الحياة ثانية.... 10 - ارتفع عيسى من القبر حياً

وبنى المسيحيون على فكرة بنوة عيسى فكرة أنه المخلص الوحيد للبشرية من ذنوبها، وفي هذا بالطبع كثير من الأخطاء والمعارضة للقوانين الكونية، وإذ أن المسئولية الشخصية اعتمدتها كل القوانين. بل إن العلم ينادي بذلك أيضاً.

ص: 101

فعلم الميكانيكا يقول: "لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار، ومضاد له في الإتجاة"

وعلم الطبيعية يقول: "كل جسم يشع كمية من الإشعاع بمقدار ما يمكنه أن يستقبل"

فلا يمكن إذن أن يتحمل إنسان نتيجة عمل إنسان آخر

ولهذا جاء القرآن الكريم موضحاً ما لم يفهمه الناس من الإنجيل فقال صريحاً.

{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}

{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}

ويقول السير آرثر فندلاى أيضاً في متابه (الكون المنشور) في صحيفة 157 مقارناً المسيحية بالوثنية الفرعونية وتماماً مثلما كان يردد المصريون:

"لما كان أوزوريوس يحيا حقاً فسوف أحيا"

"لما كان أوزوريس لن يموت فلن أموت".

هذه العبارات نفسها يرددها المسيحيون الأولون والمتأخرون بقولهم: "لما كان المسيح يحيا حقاً فسوف أحيا. ولما كان المسيح لن يموت فلن أموت"

وللتأكيد من هذا كله أنظر إلى: (يوحنا 6: 32 - 59، 1 كورنثوس 15: 1 - 58) تجد صدق التشابه في المقارنة التي أتى بها السير آرثر فندلاى والتي دونت في العهد الجديد.

ويسترسل السير آرثر فندلاى فيقول:

"نفس العباران التي قيلت لأوزوريس نسبت إلى المسيح، ولما أضيف اسم عيسى إلى قائمة الآلهة المخلصين أصبحت كل القصص التي قيلت عن الآلهة الوثنية تقال بالمثل تماماً عن عيسى ومن تلك:

1 -

قصة الولادة من العذراء.

ص: 102

2 -

قصة المحاكمة قبل الموت، وطريقة الإعدام، وطريقة القيامة، وطريقة الصعود.

3 -

قصة القيامة بالجسد.

"تلكم القصص التي كانت تتكرر في المعابد القيدمة صيغت في ألفاظ، وركزت حول المسيح عيسى بدلاً من أوزوريس الفراعنة، وبعل البابليين، وبرومثيوس اليونانيين، أو أي واحد من الآلهة الآخرين".

ثم ينتهي بذكر رأيه فيقول في كتابه (الكون المنشور) ص 184:

"لا يعتبر عيسى إلهاً أو مخلصاً، وإنما هو رسول من الله، خدم في حياته القصيرة في علاج المرضى، وبشر بالحياة الأخرى، وعلم بأن الحياة الدنيا ما هي إلا إعداد لحياة أخرى، للملكوت الإلهي، لحياة أفضل لكل من يعمل صالحاً".

ثم يؤكد براءة عيسى من شبهات المسيحية في أكثر من موضع، فيقول في الكتاب نفسه بصحيفة 117:

"إن بولس هو الذي وضع أساس الدين الذي يسمى الدين المسيحي

الدين الذي ولد طفلاً عملاقاً متكاملاً في مجمع نيقية سنة 325 م بأمر الإمبراطور قسطنطين"

ويقول العلامة روى ديسكون سميث في كتابه (ضوء على البعث) صحيفة 321.

"لا يوجد متدين مهمت كان مذهبة أو فرقته يعتقد أن الله العظيم قد أرسل ابنه الوحيد إلى هذه البشرية التي لا توازي - في مجموعها منذ بدء الخلق إلى نهايته - كوكباً من الكواكب المتناهية في الصغر لكي يعاني موتاً وحشياً فوق الصليب، لترضيه النقمة الإلهية على البشرية، ولكي يساعد جلالته على أن يغفر للبشرية، على شرط أن تعلن البشرية اعترافها بهذا العمل الهمجي الذي لا يستسغيه عقل ألا وهو الفداء.

"وإذا كان الله قد أذن بالصلب لأجل ترضيته فإنه يكون مشتركاً في الذنب مع السفاكين الذين يكونون قد قاموا بمهمة إلهية. لماذا لا نعتقد أن الله - والمستقبل امامه

ص: 103

كتاب مفتوح - قد سمح بتضحية رسوله لأنه تنبأ بالنتائج العظيمة من أن هذه الحادثة سوف تكون سبباً في حد ذاته في انتشار الإنجيل؟ ".

لقد كان الصلب خدعة كبرى بات الإنسان أن يحل طلسمها. وهي عديمة التأثير على جلال الله بين غير المسيحيين، عديمة التأثير على عدالة الله وضبط قوانينه، تلك لقوانين التي تنص على مسئولية الفرد وحده عن عمله وجزائه عليه.

{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}

ويقف القرآن الكريم كالعملاق، ليحسم هذه الفرية بقوله تعالى:

{وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}

ص: 104