الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فشتان بين سماحة الإسلام وبين دعوة النصرانية للرهبنة:
"وأقول لكم إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنى وتزوج بأخرى يزني، والذي يتزوج بمطلقة يزني. قال له تلاميذه: إن كان هذا أمر الرجل مع المرأة فلا يوافق أن يتزوج. فقال لهم: ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أعطى لهم، لأنه يوجد خصيان ولدوا هكذا من بطون أمهاتهم، ويوجد خصيان خصاهم الناس، ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكون السموات. من استطاع أن يقبل فليقبل".
(ب) الطلاق في الإسلام:
إن خصوم الإسلام من المبشرين والمستشرقين يعتبرون الطلاق وصمة في جبين الإسلام.
ولقد أباح الله الطلاق للمسلمين لأنه قد تدعو إليه الضرورة القصوى، أما حيث لا ضرورة فسماه النبي صلى الله عليه وسلم أبغض الحلال إلى الله، كما أن المسلمين اتفقوا على النهي عنه عند استقامة الزوجين، فمنهم من قال إنه نهي كراهة، ومنهم من قال: نهي تحريم.. وقد نهى الرسول عنه في قوله: "لا ضرر ولا ضرار".
أما الطلاق بسبب فلم يرفضه أحد، ولكن اختلفوا في بيان الأسباب، قال ابن عابدين: وأما الطلاق فالأصل فيه الحظر أي الحرمة، والإباحة للحاجة إلى الخلاص، فإذا كان بلا سبب أصلا لم يكن فيه حاجة إلى الخلاص بل يكون حمقاً وسفاهة رأي ومجرد كفران للنعمة وإيقاع الأذى بالزوجة وبأهلها وأولادها. ولذا قالوا إلى سببه الحاجة إلى الخلاص عند تباين الأخلاق وعروض البغضاء الموجبة عدم إقامة حدود الله تعالى، فحيث تجرد عن الحاجة المبيحة له شرعا يبقى على أصله من الخطر، ولذا قال تعالى:
{فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} .
أي لا تطلبوا الفراق.
والطلاق في الإسلام، كما هو معلوم، حق من حقوق الزوج.
أما غير المسلمين، فمنهم من لم يجوز الطلاق أصلا إلا للزنى، كالأمة الإنجليزية، فأيهما اقترفه كافة للآخر أن يرفع الأمر إلى المحكمة ليفصل القاضي بينهما، أما أهل الولايات المتحدة بأمريكا فكانوا على هذه السنة، ثم وجدوا أن هناك أسبابا أخرى يتحتم معها الطلاق، ولكن لا فرقة عندهم إلا بقضاء قاض.
ولابد لجميعهم - يوماً - أن يرجعوا إلى ما قرره الإسلام من الأسباب. حقا إن الشريعة الإسلامية لم توقف تنفيذ الطلاق على حكم الحاكم، وبعض الناس يرون أن الأول أعدل، لأن فيه محاسبة الرجل والمرأة ما يعملان، فلم يخل السبيل للرجل يفعل ما يريد، ولكن دين الإسلام أقوى ركنا وأحكم وضعاً وأبعد مرمى، فلم يفعل ذلك إلا لحكمة صالحة ذلك أن في تعليق الطلاق على حكم القاضي بثبوت الزنى أقبح تشهير للمقترف، وأشنع سبة تنفر من مرتكبه القلوب، وتشوه سمعته في المجتمع.
ولا مجال للكثير من القول في الطلاق. فالواقع أن الشكوى ترتفع من الإجراءات نفسها لا من المبدأ ذاته، ويكفي أن نتأمل الآيتين الكريمتين:
هذا، والديانة المسيحية لم تمنع الطلاق، وغاية ما ورد في الإنجيل أن "من طلق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزني، ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني" وذهبت المسيحية إلى أن توصي المرأة بعدم مفارقة زوجها أو تصالحه إذا فارقته: "وأما المتزوجون فأوصيهم لا أنا بل الرب ألا تفارق المرأة رجلها وإن فارقته فلتلبث غير متزوجة أو لتصالح رجلها ولا يترك الرجل امرأته" وذهبت المسيحية إلى حد الترغيب في التبتل للحد من المشاكل والمضايقات: "وأما العذارى فليس عندي أمر من الرب فيهن ولكنني أعطي رأيا كمن رحمه الرب أن يكون أميناً، فأظن أن هذا حسن بسبب الضيق الحاضر. إنه حسن للإنسان أن يكون هكذا".
وتنادى بعدم الانفصال: "أنت مرتبط بامرأة فلا تطلب الانفصال".
وفي حالة الانفصال لا يجوز للمنفصل أن يتزوج: "أنت منفصل عن امرأة فلا تطلب امرأة".
وهذا المذهب تأخذ به الكنيسة الكاثوليكية وتتشدد به فيه.
وكل ما ذهب إليه المسيحية من تقنين أو تشريع فهي لم تتعرض لحكم الطلاق أصلا.
وكان الطلاق قبل الإسلام منتشرا في جميع أمم الشرق، لا فرق بين يهودي أو مسيحي أو وثني، وكذا بين الرومانيين، فلقد اعتبر قانون "الموائد الاثنتي عشرة" الطلاق جائزاً. ولعل الرومانيين في أخريات أمرهم أصلحوا كثيراً من شأن المرأة وأنصفوها. فإنهم بإجازتهم الطلاق إنما أرادوا حماية إنسانية المرأة، لأن الرجل في القرون الأولى كان لابد له أن يقتل امرأته عقابا لها على بعض الجرائم كالسكر. فكانت عند الرجل كالأمة، كما أنها إذا طلبت من زوجها الطلاق اعتبر ذلك منها قحة ونشوزا يخول له عقوبتها.
ويقول الأمير على في كتابة "سر الإسلام" إن المعتزلة لا يجوزون وقوع الطلاق إلا بحكم القاضي الشرعي العادل، فلابد أن يمتحن الأسباب بلا تحيز فيوقع الطلاق أو يرفضع حسبما يراه صالحا. وهو ما يتجه التفكير إليه الآن في بلادنا.
ومن هنا يظهر أن من طوائف الإسلام من يعلقون الطلاق بحكم القاضي، فلا يصح عندهم وقوع الطلاق من الزوج إلا بعد محاسبته وامتحان الأسباب التي يبديها للتفرقة. وإن من أكبر الدلائل على بغض الشرع الطلاق أن جعل للرجل أن يسترجع امرأته في الطلقة الأولى والثانية، حتى يتروى ويتدبر ويرجع إليه رشده، حتى إذا طلق الثالثة وجبت عقوبته بعدم جواز الرجعة حتى تتزوج غيره، لما تبين من أنه سفيه الرأي ضعيف العزم.