الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله تعالى:
{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ} .
وقد بين الحقيقة في قوله:
مقارنة بين تعاليم المسيح وتعاليم بولس
لقد كان المسيح عليه السلام رسول الله، جاء ليحقق إرادة الله وينادي بما نادى به الرسول الكريم:
ونطق بذلك خليفة المسيح بطرس إذ قال: "بالحق أنا أجد أن الله لا يقبل الوجوه، بل في كل أمة الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده".
لقد جاء المسيح بطريقته الخاصة التي ميزت تعاليمه الباهرة ومباحثه الدينية بطابع السمو والبساطة حتى يفهمها لأول وهلة - الزارع، والصانع والمثقف، والأمي، والرجل، والمرأة - دون أدنى إجهاد للذهن، وها هو ذا يبسط تعاليمه لهذه الحقيقة التي قالها الله تعالى:
فيورد قصة مشهورة، هي قصة السامري الصالح، وتتلخص هذه القصة في استفسار من ناموسي - وهو الذي يسير وفق تعاليم التوراة تماماً - فيسأل: كيف يرث الحياة الأبدية؟ فيرد عليه المسيح عيسى ابن مريم بقوله: إن الدين هو حياة وقوة وليس مجرد تعاليم تحفظ. الدين هو أن يعيش المرء في إطار أحكام الشرع لا يتعدى أوامر الله ولا يقترف نواهيه. ونطق المسيح برده المشهور عقب إيراد القصة، وتتلخص في:
1 -
كاهن يمر بالجريح الذي سطا عليه اللصوص من قطاع الطريق فيعبر الكاهن دون أن يقدم مساعدة.
2 -
لاوى يمر كذلك دون أن يقدم أية مساعدة، وهذان من رجال الدين وعبورهما دون تقديم أية خدمة ينفي قوة الدين فيهما.
3 -
سامري (وبين السامرين والإسرائيليين عداوة قديمة في كل شأن من شئون حياتهم) هذا السامري لم يكن في امتياز اليهود من ناحية الوحدانية ومن ناحية أنهم شعب الله المختار، ومع هذا قدم إسعافات طبية، ومعونة مالية، وأخذه إلى أقرب فندق للعناية به. وعهنا يشير المسيح عيسى ابن مريم إلى أن الغاية العظمى من الدين - هي كمحبة الله - ينبغي أن تكون محبة القريب. ومن هذا القريب؟ إنه ذلك الغريب الذي وقع بين قطاع الطريق.
وها هي ذي القصة، نوردها بنصها:"وإذا ناموسى قام ليجربه قائلا: يا معلم، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟ فقال له: ما هو مكتوب في الناموس، كيف تقرأ؟ فأجاب وقال: تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قدرتك، ومن كل فكرك، وقريبك مثل نفسك، فقال له: بالصواب أجبت. افعل هذا فتحيا."
"وأما هو فإذ أراد أن يبرر نفسه قال ليسوع: ومن هو قريي؟
"فأجاب يسوع وقال: إنسان كان نازلا من أورشليم إلى أريحا فوقع بين لصوص، فعروه وجرحوه، ومضوا وتركوه بين حي وميت، فعرض أن كاهناً نزل في تلك الطريق فرآه وجاز مقابلة، وكذلك لاوى إذ أيضا صار عند المكان جاء ونظر وجاز مقابله. ولكن سامرياً مسافراً جاء إليه، ولما رآه تحنن، وتقدم وضمد جراحاته، وصب عليها زيتاً وخمراً، وأركبه على دابته، وأتى به إلى فندق، واعتنى به، وفي
الغد لما مضى أخرج دينارين، وأعطاهما لصاحب الفندق، وقال له: اعتن به، ومهما أنفقت أكثر فعند رجوعي أوفيك: فأي الثلاثة ترى صار قريباً للذي وقع بين اللصوص؟ يقال: الذي صنع معه الرحمة. فقال له يسوع: اذهب أنت أيضاً واصنع هكذا".
هذا هو أسلوب المسيح!
أما أسلوب بولس المدعو رسولا فهكذا: "فإني إذ كنت حراً من الجميع استعبدت نفسي نفسي للجميع، لأربح الأكثرين، فصرت لليهودي كيهودي، لأربح اليهودي، وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس، وللذين بلا ناموس كأني بلا ناموسن مع أني لست بلا ناموس لله، بل تحت ناموس للمسيح، لأربح الذين بلا ناموس، صرت للضعفاء كضعيف، لأربح الضعفاء، صرت للكل كل شيء لأخلص على كل حال".
لعلك أيها القارئ تلمس في هذا الأسلوب عمق بولس في المسائل الفلسفية والمباحث العلمية، مما لم يرو قط عن المسيح، ولعلك تتبين أيضاً الفلسفة التي تتخلل مباحث رسائله، وهي ضرب من فلسفة أرسطا طاليس التي كانت شائعة في أوائل القرن الوسطى في أوربا.
والحقيقة التي لا ريب فيها أن بولس كان على جانب كبير من معرفة الفلسفة اليونانية، وسمو المدارك، وقوة الحجة، وشدة العارضة، وجلاء البيان، وقد رأى بعضهم أن مباحثه الفلسفية عن الجسد والنس من الوجهة الدينية من أسمى ما كتب الباحثون الدينيون، فمن قوله:"ويحى أنا الإنسان الشقي! من ينقذني من جسد هذا الموت؟ ".
هذه الفلسفة في كتابات بولس، التي لم ترو قط عن المسيح، تجعلني أشك في أن الانجيل من وحي الله، وذلك لاختلاف أسلوب الكتابة ما بين السهولة المطلقة والفلسفة العميقة. وفي هذا يقول الله تعالى ليؤكد إعجاز القرآن الكريم:
وليت الأمر اقتصر على هذا، بل إن كتاباته أصبحت مبادئ يؤمن بها فأي تناقض بين نداء المسيح بالسلام كما أوردت في القصة آنفة الذكر ونداء بولس في رسالته إلى أهل غلاطية:"أطرد الجارية وابنها، لأنه لا يرث ابن الجارية مع ابن الحرة. إذن أيها الإخوة لسنا أولاد جارية بل أولاد حرة".
ولا ريب في أن ما تعانية أمريكا اليوم من التفرقة العنصرية - وهي الدولة المسيحية اللاتينية - إنما هو وليد الإيمان بمثل هذه المبادئ التي تناقض إرادة الله القائل:
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} .
وقول المسيح: "أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم".
وقد كتبت جريدة الأخبار بتاريخ 22/1/1962 في صحيفة 6 عمود 6 حادثاً يندى له جبين مدينة عصر الصواريخ، هذا الحادث يتلخص في طرد وكيل الخارجية الأمريكية من مطعم المطار لأنه زنجي.
أهذه هي المسيحية التي نادى بها المسيح؟ إن المسيح وصى بمحبة القريب مثل محبة الله، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود ولا لأسو على أحمر - إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، صدق رسول الله.