المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ما قاسى رسول الله من التعذيب والتكذيب - مختصر تاريخ دمشق - جـ ٢

[ابن منظور]

فهرس الكتاب

- ‌حرف الألف

- ‌ذكر من اسمه أحمد

- ‌أحمد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر قدومه صلى الله عليه وسلم بصرى

- ‌ذكر معرفة أسمائه وأنه خاتم رسل الله

- ‌ذكر معرفة كنيتهونهيه أن يجمع بينها وبين اسمه

- ‌ذكر نسبه والاختلاف فيه

- ‌معرفة أمه وجداته وعمومته ووعماته

- ‌ذكر طهارة مولده وطيب أصله

- ‌ذكر مولده صلى الله عليه وسلمومعرفة من كفله وما كان من أمره قبل أن يوحى إليه

- ‌ما جاء في الكتاب من صفته وبشرت به الأنبياء من بعثته

- ‌إخبار الأحبار والرهبان والكهان بنبوته

- ‌باب صفة خَلقه ومعرفة خُلقه

- ‌باب تطهير قلبه من الغل

- ‌باب عصمة الله بالرسالة عما كان يرتكبه أهل الجهالة

- ‌كيف كان بدء نبوته وبعثه

- ‌ذكر الوقت الذي أوحي فيه إليه ومعرفة أول ما نزل من الوحي

- ‌ذكر ما قاسى رسول الله من التعذيب والتكذيب

- ‌ذكر بعض ما ورد في فضله من القرآن

- ‌ما ورد في اصطفائه على العالمين وانتخابه من المرسلين

- ‌ذكر عروجه إلى السماء واجتماعه بالأنبياء

- ‌باب مختصر من دلائل نبوتهوما طهر من بركته

- ‌ذكر إثبات شفاعته لأهل الكبائر من أمته

- ‌ما ضرب لنفسه من المثل وما ظهر من الإكمال للدين ببعثه

- ‌ذكر إعزازه بالهجرة إلى المدينة

- ‌ذكر حروبه وغزواته وسراياه

- ‌ما ذكر من شجاعته وشدته

- ‌ما روي في فصاحة لسانه ومنطقه وبيانه

- ‌ما عرف من جوده وسخائه وبذله وعطائه

- ‌ما عرف من حسن بشره ووصف من طيب نشره

- ‌ما ذكر من حيائه وظهر من عهده ووفائه

- ‌ما ورد من مزاجه وسعة صدره

- ‌باب جامع في صفة أحواله وأفعاله وأقواله

- ‌ما ورد في شعره وشيبه وخضابه وثيابه

- ‌ذكر تواضعه لربه ورحمته لأمته ورأفته بصحبه

- ‌ذكر تقلله وزهده وتبتله في العبادة

- ‌ذكر بنيه وبناته وأزواجه وسُرَياته

- ‌معرفة عبيده وإمائه وخدمه وكتابه وأمنائه

- ‌أسامة بن زيد بن حارثة

- ‌أسلم ويقال إبراهيم أبو رافع القبطي

- ‌أنسة أبو مسرح

- ‌أيمن بن عبيد بن زيد

- ‌باذام يذكر مع طهمانثوبان بن يجدد أبو عبد الكريم الألهاني

- ‌حنين مولى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكوان يذكر مع طهمان رافع ويقال أبو رافع

- ‌رباح الأسود

- ‌رويفع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أبو أسامة زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي

- ‌زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌سفينة أبو عبد الرحمن ويقال أبو البختري

- ‌سلمان أبو عبد الله الفارسي

- ‌شقران الحبشي واسمه صالح بن عدي

- ‌ضميرة بن أبي ضميرة الحميري

- ‌طهمان مولى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فضالة مولى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌قفيز مولى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌كركرة مولىً للنبي

- ‌كيسان مولى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌مابورا القبطي الخصي

- ‌مدعم من مولدي حسمى

- ‌مهران مولى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ميمون مولى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌نافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌نُفيع ويقال مسروح أبو بكرة

- ‌واقد ويقال له أبو واقد

- ‌هرمز أبو كيسان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌هشام مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌يسار مولى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌أبو الحمراء واسمه هلال بن الحارث السلمي

- ‌أبو سلمى راعي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌أبو صفيةّ مولى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌أبو ضميرة والد ضميرة وزوج أم ضميرة مولى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌أبو عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أبو عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أبو كبشة يقال اسمه سليم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أبو مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌إماؤه صلى الله عليه وسلم

- ‌بركة وتكنى أم أيمن

- ‌خضرة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌رزينة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌رضوى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌سلمى وهي أم رافع مولاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌شيرين أخت مارية القبطية

- ‌ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌أم ضميرة زوج أبي ضميرة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أم عياش خادم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌خدمه صلى الله عليه وسلم

- ‌أنس بن مالك أبو حمزة الأنصاري

- ‌الأسلع بن شريك بن عوف الأعرجي

- ‌أسماء بن حارثة الأسلمي أخو هند بن حارثة

- ‌بلال بن رباح المؤذن أبو عبد الله مولى أبي بكر الصديق

- ‌بكير بن شداخ الليثي ويقال بكر

- ‌ذو مخمر ويقال ذو مخيمر الحبشي

- ‌ربيعة بن كعب أبو فراس الأسلمي

- ‌سعد مولى أبي بكر الصديق

- ‌عبد الله بن مسعود أبو عبد الرحمن الهذلي

- ‌مهاجر مولى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌أبو السمح خادم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌كتابه صلى الله عليه وسلم

- ‌أبان بن سعيد بن العاص الأموي

- ‌أبي بن كعب

- ‌أرقم بن أبي الأرقم المخزومي

- ‌ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري

- ‌حنظلة بن الربيع التميمي الأٌسيدي الكاتب

- ‌خالد بن سعيد بن العاص الأموي

- ‌خالد بن الوليد أبو سليمان المخزومي

- ‌الزبير بن العوام أبو عبد الله الأسدي القرشي

- ‌زيد بن ثابت أبو سعيد الأنصاري الخزرجي

- ‌سجل الكاتب

- ‌سعد بن أبي سرح والمحظوظ عبد الله بن سعد القرشي العامري

- ‌أبو بكر الصديق عبد الله بن عثمان القرشي التيمي

- ‌عبد الله بن أرقم بن أبي الأرقم المخزومي

- ‌عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي العامري

- ‌عبد الله بن زيد بن عبد ربه أبو محمد الأنصاري الخزرجي

- ‌عامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق

- ‌عمر بن الخطاب أبو حفص القرشي العدوي أمير المؤمنين

- ‌عثمان بن عفان بن أبي العاص أبو عمرو الأموي أمير المؤمنين

- ‌علي بن أبي طالب أبو الحسن الهاشمي أمير المؤمنين

- ‌العلاء بن الحضرمي واسم الحضرمي عباد ويقال عبد الله بن عباد

- ‌العلاء بن عقبة

- ‌محمد بن مسلمة الأنصاري

- ‌معاوية بن أبي سفيان أبو عبد الرحمن القرشي الأموي

- ‌المغيرة بن شعبة أبو عيسى الثقفي

- ‌أمناؤه صلى الله عليه وسلم

- ‌عامر بن عبد الله بن الجراح أبو عبيدة القرشي الفهري

- ‌عبد الرحمن بن عوف أبو محمد الزهري

- ‌معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي

- ‌ذكر سلاحه ومركوبه ومعرفة مطعومه ومشروبه

- ‌باب إعلام الله نبيه بتوفيه

- ‌ذكر مرضه وتوفيه وتسمية اليوم الذي قبض فيه

- ‌تاريخ وفاته والخلاف في قدر حياته

- ‌ذكر من حضر غسله ومن غسله وما كفن فيه وصفة قبره

- ‌ذكر موضع قبره واختلافهم في أمره

- ‌باب من زار قبره بعد وفاته كمن زار حضرته قبل وفاته

- ‌ذكر كيفية الصلاة عليه

- ‌ذكر ما أعده الله من الثواب لمن صلى عليه

الفصل: ‌ذكر ما قاسى رسول الله من التعذيب والتكذيب

‌ذكر ما قاسى رسول الله من التعذيب والتكذيب

عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أتت علي ما بين ثلاثين من يوم وليلة مالي طعام آكله إلا شيء يواريه إبط بلال ". عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: " لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل ابن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث الله عز وجل إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت، قال: فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قولك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك بما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا شريك له ".

قال عروة بن الزبير: سألت عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قلت: حدثني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقبل عليه ابن أبي معيط، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة، فلوى ثوبه في عنقه

ص: 94

يخنقه خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر رضي الله عنه فأخذ بمنكبه فدفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال:" أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم ". وعن عروة قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ما اكثر ما رأيت قريشاً أصابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانت تظهره من عداوته؟ فقال: لقد رأيتهم وقد اجتمع أشرافهم يوماً في الحجر، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط، سفه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا وفرق جماعتنا، وسب آلهتنا، فصبرنا منه على أمر عظيم، أو كما قالوا، فبينا هم في ذلك طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل يمشي حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفاً بالبيت فغمزوه ببعض القول، فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمضى فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها، فعرفتها في وجهه، فمضى ثم مر الثالثة، فغمزوه بمثلها فوقف ثم قال: أتسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفسي بيده، لقد جئتكم بالذبح، فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم من رجل إلا وكأنما على رأسه طائر واقع، وحتى إن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليلقاه بأحسن ما يجد من القول حتى أنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم راشداً، فو الله ما أنت بجهول، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم، وما بلغكم عنه، حتى إذا ناداكم بما تكرهون تركتموه. فبينا هم كذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوثبوا إليه وثبة رجل واحد فأطاحوا به يقولون: أنت الذي تقول كذا وكذا، لما كان يبلغهم من عيب آلهتهم ودينهم، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم أنا الذي أقول ذلك، ولقد رأيت رجلاً منهم أخذ بمجامع ردائه، وقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه يبكي دونه ويقول وهو يبكي: ويلكم " أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ". ثم انصرفوا عنه وإن ذلك أكثر ما رأيت قريشاً بلغت منه قط. وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: أكثر ما نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته يوماً، وذرفت عيناه حين ذكر ذلك، قال:

ص: 95

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت، ويده في يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وفي الحجر ثلاثة نفر جلوس: عقبة بن أبي معيط، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، فمر النبي صلى الله عليه وسلم، فلما حاذى بهم أسمعوه بعض ما يكره، فعرف ذلك في وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فدنوت منه حتى وسطته، فكان بيني وبين أبي بكر، وأدخل أصابعه في أصابعي حتى طفنا جميعاً، فلما حاذاهم قال أبو جهل: والله لا نصالحك ما بل بحر صوفة وأنت تنهانا أن نعبد ما كان عبد آباؤنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا ذلك، ثم مضى عنهم، فصنعوا به في الشوط الثالث مثل ذلك، حتى إذا كان الشوط الرابع ناهضوه ووثب أبو جهل يريد أن يأخذ بمجمع ثوبه، فدفعت في صدره، فوقع على استه ودفع أبو بكر بن أمية بن خلف، ودفع النبي صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط، ثم انفرجوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو واقف، ثم قال لهم: أما والله لا تنتهون حتى يجل الله عقابه عاجلاً. قال عثمان: فوالله ما منهم رجل إلا وقد أخذه أفكل وهو يرتعد، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بئس القوم أنتم لنبيكم. ثم انصرف إلى بيته، وتبعناه خلفه حتى إذا انتهى إلى باب بيته وقف على السدة ثم أقبل علينا بوجهه، وقال: أبشروا، فإن الله مظهر دينه، ومتم كلمته، وناصر نبيه، إن هؤلاء الذين ترون ممن يذبح الله بأيديكم عاجلاً. ثم انصرفنا إلى بيوتنا، فو الله لقد رأيتهم قد ذبحهم الله بأيدينا. وعن أبي صخرة جامع بن شداد قال: كان فينا رجل يقال له طارق، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين: أول مرة رأيته بسوق ذي المجاز وقد دميت عرقوباه، وهو على دابة يقول: يا أيها الناس، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، ورجل من خلفه يرميه يقول: لا تسمعوا منه، هذا الكذاب.

قال: قلت: من هذا المقدم؟ قالوا: محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا المؤخر عمه أبو لهب. ثم قدمنا بعد فنزلنا قرب المدينة، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ممن القوم؟ قلنا: من محارب، قال: من أين؟ قلنا: من الزبدة، قال: هل معكم شيء تبيعونه؟ قلنا: نعم، هذا الجمل، قال:

ص: 96

بكم؟ قلنا: بكذا وكذا وسقاً من تمر، قال: فأخذ برسنه ثم دخل المدينة، قلنا: أي شيء صنعنا؟ بعنا جملنا ممن لا نعرفه ومعنا ظعينة في جانب الحائط فقالت: لقد رأيت رجلاً كأن وجهه القمر لن يخيس بكم، أنا ضامنة ثمن البعير. فلما كان الغد جاءنا رجل فقال: أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم يأمركم أن تأكلوا من هذا التمر حتى تشبعوا وتكتالوا حتى تستوفوا. قال: ففعلنا ذلك. قال: ثم دخلت المدينة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يخطب على المنبر، وهو يقول: يا أيها الناس، اليد العلا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك. فضج ناس من الأنصار حول المنبر فقالوا: يا رسول الله هاهنا ناس من بني ثعلبة بن يربوع أصابوا منا دماً في الجاهلية، فأذن لنا بثأرنا، قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعاً بياض إبطيه، وهو يقول: ألا لا تجني أم على ولدها. وعن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ظل الكعبة فقال أبو جهل وناس من قريش، وقد نحرت جزور في ناحية الكعبة، فبعثوا فجاؤوا من سلاها فطرحوه بين كتفيه، فجاءت فاطمة رضي الله عنها فطرحته عنه. فلما انصرف قال: وكان يستحب أن يدعو ثلاثاً. قال: اللهم عليك بقريش ثلاثاً، بأبي جهل بن هاشم، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وبأمية ابن خلف، وعقبة بن ابي معيط. قال عبد الله: فلقد رأيتهم قتلى في قليب بدر. قال أبو إسحاق أحد رواته: ونسيت السابع. وعن قيس بن أبي حازم أنه سمع خباباً يقول: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذٍ متوسد برداً له في ظل الكعبة، وقد بلغ منه المشركون شدة ومشقة، فقلت: يا رسول الله ألا تدعو لنا! قال: فجلس مغضباُ محمراً وجهه فقال: لقد من قبلكم، كان يمشط أحدهم بأمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم

ص: 97

أو عصب، فلا يفتنه ذلك عن دينه، وإن من كان قبلكم يوضع عليه المنشار فيشق باثنين فلا يفتنه ذلك عن دينه ولكنكم تعجلون، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله عز وجل وفي رواية والذئب على غنمه. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فكسرت رباعيته. وأدمي وجهه، فجعل الدم يسيل على وجهه ويقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم عز وجل فأنزل الله عز وجل: " ليس لك من الأمر شيءٌ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ". وعن أبي حازم: أنه سمع سهل بن سعد وهو يسأل عن جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا والله، إني لأعرف من كان يغسل جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كان يسكب الماء. ومما روى قال: كانت فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تغسله وعلي كرم الله وجهه يسكب الماء بالمجن، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها فألصقتها، فاستمسك الدم، وكسرت رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ، وجرح وجهه، وكسرت البيضة على رأسه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين شر جارين؛ عقبة بن أبي معيط وبين أبي لهب، فكان يصبح على بابه الأرجام والفرث، فيدفعها بسية سيفه ويقول: يا معشر قريش، أي مجاورة هذه! وعن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها قالت: اجتمع مشركو قريش في الحجر فقالوا: إذا مر محمد ضربه كل رجل منا ضربة، فسمعتهم فاطمة فدخلت على أبيها فقالت: يا أبه، اجتمع مشركو قريش في الحجر فقالوا: إذا مر محمد ضربه كل رجل منا.

فقال: يا بنية اسكتي، ثم خرج عليهم فدخل المسجد

ص: 98

فرفعوا رؤوسهم ثم نكسوا فأخذ من تراب فرمى بها وجوههم ثم قال: شاهت الوجوه فما أصاب رجلاً منهم إلا قتل يوم بدر. وعن ابن عباس: في قول الله عز وجل: " إنا كفيناك المستهزئين " قال: المستهزئون: الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث الزهري، والأسود بن المطلب أبو زمعة من بني أسد بن عبد العزى، والحارث بن عطيل السهمي والعاص بن وائل، فأتاه جبريل عليه السلام فشكاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراه الوليد أبا عمرو بن المغيرة فأومأ جبريل إلى أبجلة فقال: ما صنعت؟ قال: كفيته، ثم أراه الأسود بن عبد يغوث الزهري فأومأ إلى رأسه قال: ما صنعت؟ قال: كفيته، ثم أراه الحارث بن عطيل السهمي فأومأ إلى رأسه أو قال: إلى بطنه فقال: ما صنعت؟ قال: كفيته، ومر به العاص بن وائل فأومأ إلى أخمصه، قال: ما صنعت؟ قال: كفيته، فأما الوليد بن المغيرة فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبلاً له، فأصاب أبجله فقطعها، وأما الأسود بن المطلب فعمي، ومنهم من يقول: نزل تحت شجرة فجعل يقول: يا بني ألا تدفعوا عني قد قتلت، فجعلوا يقولون: ما نرى شيئاً وجعل يقول: يا بني ألا تمنعون عني قد هلكت ها هوذا، أطعن بالشوك في عيني فجعلوا يقولون: ما نرى شيئاً فلم يزل كذلك حتى عميت عيناه. وأما الأسود بن عبد يغوث الزهري فخرج في رأسه قروح فمات منها، وأما الحارث بن عطيل فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج خرؤه من فيه فمات منها. وأما العاص بن وائل فبينا هو كذلك يوماً إذ دخل في رأسه شبرقة حتى امتلأت فمات منها. وقيل: فركب إلى الطائف على حمار فربض به على شبرقة يعني شوكة فدخلت في أخمص قدمه شوكة فقتلته.

ص: 99