المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر قدومه صلى الله عليه وسلم بصرى - مختصر تاريخ دمشق - جـ ٢

[ابن منظور]

فهرس الكتاب

- ‌حرف الألف

- ‌ذكر من اسمه أحمد

- ‌أحمد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر قدومه صلى الله عليه وسلم بصرى

- ‌ذكر معرفة أسمائه وأنه خاتم رسل الله

- ‌ذكر معرفة كنيتهونهيه أن يجمع بينها وبين اسمه

- ‌ذكر نسبه والاختلاف فيه

- ‌معرفة أمه وجداته وعمومته ووعماته

- ‌ذكر طهارة مولده وطيب أصله

- ‌ذكر مولده صلى الله عليه وسلمومعرفة من كفله وما كان من أمره قبل أن يوحى إليه

- ‌ما جاء في الكتاب من صفته وبشرت به الأنبياء من بعثته

- ‌إخبار الأحبار والرهبان والكهان بنبوته

- ‌باب صفة خَلقه ومعرفة خُلقه

- ‌باب تطهير قلبه من الغل

- ‌باب عصمة الله بالرسالة عما كان يرتكبه أهل الجهالة

- ‌كيف كان بدء نبوته وبعثه

- ‌ذكر الوقت الذي أوحي فيه إليه ومعرفة أول ما نزل من الوحي

- ‌ذكر ما قاسى رسول الله من التعذيب والتكذيب

- ‌ذكر بعض ما ورد في فضله من القرآن

- ‌ما ورد في اصطفائه على العالمين وانتخابه من المرسلين

- ‌ذكر عروجه إلى السماء واجتماعه بالأنبياء

- ‌باب مختصر من دلائل نبوتهوما طهر من بركته

- ‌ذكر إثبات شفاعته لأهل الكبائر من أمته

- ‌ما ضرب لنفسه من المثل وما ظهر من الإكمال للدين ببعثه

- ‌ذكر إعزازه بالهجرة إلى المدينة

- ‌ذكر حروبه وغزواته وسراياه

- ‌ما ذكر من شجاعته وشدته

- ‌ما روي في فصاحة لسانه ومنطقه وبيانه

- ‌ما عرف من جوده وسخائه وبذله وعطائه

- ‌ما عرف من حسن بشره ووصف من طيب نشره

- ‌ما ذكر من حيائه وظهر من عهده ووفائه

- ‌ما ورد من مزاجه وسعة صدره

- ‌باب جامع في صفة أحواله وأفعاله وأقواله

- ‌ما ورد في شعره وشيبه وخضابه وثيابه

- ‌ذكر تواضعه لربه ورحمته لأمته ورأفته بصحبه

- ‌ذكر تقلله وزهده وتبتله في العبادة

- ‌ذكر بنيه وبناته وأزواجه وسُرَياته

- ‌معرفة عبيده وإمائه وخدمه وكتابه وأمنائه

- ‌أسامة بن زيد بن حارثة

- ‌أسلم ويقال إبراهيم أبو رافع القبطي

- ‌أنسة أبو مسرح

- ‌أيمن بن عبيد بن زيد

- ‌باذام يذكر مع طهمانثوبان بن يجدد أبو عبد الكريم الألهاني

- ‌حنين مولى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكوان يذكر مع طهمان رافع ويقال أبو رافع

- ‌رباح الأسود

- ‌رويفع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أبو أسامة زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي

- ‌زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌سفينة أبو عبد الرحمن ويقال أبو البختري

- ‌سلمان أبو عبد الله الفارسي

- ‌شقران الحبشي واسمه صالح بن عدي

- ‌ضميرة بن أبي ضميرة الحميري

- ‌طهمان مولى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فضالة مولى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌قفيز مولى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌كركرة مولىً للنبي

- ‌كيسان مولى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌مابورا القبطي الخصي

- ‌مدعم من مولدي حسمى

- ‌مهران مولى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ميمون مولى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌نافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌نُفيع ويقال مسروح أبو بكرة

- ‌واقد ويقال له أبو واقد

- ‌هرمز أبو كيسان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌هشام مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌يسار مولى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌أبو الحمراء واسمه هلال بن الحارث السلمي

- ‌أبو سلمى راعي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌أبو صفيةّ مولى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌أبو ضميرة والد ضميرة وزوج أم ضميرة مولى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌أبو عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أبو عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أبو كبشة يقال اسمه سليم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أبو مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌إماؤه صلى الله عليه وسلم

- ‌بركة وتكنى أم أيمن

- ‌خضرة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌رزينة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌رضوى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌سلمى وهي أم رافع مولاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌شيرين أخت مارية القبطية

- ‌ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌أم ضميرة زوج أبي ضميرة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أم عياش خادم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌خدمه صلى الله عليه وسلم

- ‌أنس بن مالك أبو حمزة الأنصاري

- ‌الأسلع بن شريك بن عوف الأعرجي

- ‌أسماء بن حارثة الأسلمي أخو هند بن حارثة

- ‌بلال بن رباح المؤذن أبو عبد الله مولى أبي بكر الصديق

- ‌بكير بن شداخ الليثي ويقال بكر

- ‌ذو مخمر ويقال ذو مخيمر الحبشي

- ‌ربيعة بن كعب أبو فراس الأسلمي

- ‌سعد مولى أبي بكر الصديق

- ‌عبد الله بن مسعود أبو عبد الرحمن الهذلي

- ‌مهاجر مولى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌أبو السمح خادم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌كتابه صلى الله عليه وسلم

- ‌أبان بن سعيد بن العاص الأموي

- ‌أبي بن كعب

- ‌أرقم بن أبي الأرقم المخزومي

- ‌ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري

- ‌حنظلة بن الربيع التميمي الأٌسيدي الكاتب

- ‌خالد بن سعيد بن العاص الأموي

- ‌خالد بن الوليد أبو سليمان المخزومي

- ‌الزبير بن العوام أبو عبد الله الأسدي القرشي

- ‌زيد بن ثابت أبو سعيد الأنصاري الخزرجي

- ‌سجل الكاتب

- ‌سعد بن أبي سرح والمحظوظ عبد الله بن سعد القرشي العامري

- ‌أبو بكر الصديق عبد الله بن عثمان القرشي التيمي

- ‌عبد الله بن أرقم بن أبي الأرقم المخزومي

- ‌عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي العامري

- ‌عبد الله بن زيد بن عبد ربه أبو محمد الأنصاري الخزرجي

- ‌عامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق

- ‌عمر بن الخطاب أبو حفص القرشي العدوي أمير المؤمنين

- ‌عثمان بن عفان بن أبي العاص أبو عمرو الأموي أمير المؤمنين

- ‌علي بن أبي طالب أبو الحسن الهاشمي أمير المؤمنين

- ‌العلاء بن الحضرمي واسم الحضرمي عباد ويقال عبد الله بن عباد

- ‌العلاء بن عقبة

- ‌محمد بن مسلمة الأنصاري

- ‌معاوية بن أبي سفيان أبو عبد الرحمن القرشي الأموي

- ‌المغيرة بن شعبة أبو عيسى الثقفي

- ‌أمناؤه صلى الله عليه وسلم

- ‌عامر بن عبد الله بن الجراح أبو عبيدة القرشي الفهري

- ‌عبد الرحمن بن عوف أبو محمد الزهري

- ‌معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي

- ‌ذكر سلاحه ومركوبه ومعرفة مطعومه ومشروبه

- ‌باب إعلام الله نبيه بتوفيه

- ‌ذكر مرضه وتوفيه وتسمية اليوم الذي قبض فيه

- ‌تاريخ وفاته والخلاف في قدر حياته

- ‌ذكر من حضر غسله ومن غسله وما كفن فيه وصفة قبره

- ‌ذكر موضع قبره واختلافهم في أمره

- ‌باب من زار قبره بعد وفاته كمن زار حضرته قبل وفاته

- ‌ذكر كيفية الصلاة عليه

- ‌ذكر ما أعده الله من الثواب لمن صلى عليه

الفصل: ‌ذكر قدومه صلى الله عليه وسلم بصرى

‌ذكر قدومه صلى الله عليه وسلم بصرى

عن أبي موسى قال: خرج أبو طالب إلى الشام، وخرج معه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش. فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم، فخرج إليهم الراهب، وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت. قال: فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين. فقال له أشياخ من قريش: ما علمك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجرة ولا حجر إلا خر ساجداً، ولا يسجدن لنبيٍ، وإني أعرفه، خاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة.

ثم رجع، فصنع لهم طعاماً، فلما أتاهم به وكان في رعية الإبل، فقال: أرسلوا إليه، فأقبل وعليه غمامة تظله، فقال: انظروا إليه، عليه غمامة، فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوا إلى فيء الشجرة، فلما جلي مال فيء الشجرة عليه فقال: انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه. قال: فبينا هو قائم عليهم، وهو يناشدهم ألا يذهبوا به إلى الروم، فإن الروم إن رأوه عرفوه بالصفة فقتلوه، فالتفت فإذا هو بسبعة نفر قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم، فقال: ما جاء بكم؟ قالوا: جئنا أن هذا النبي خارجٌ في هذا الشهر، فلم يبق طريق إلا بعث إليها ناسٌ، وإنا أخبرنا خبره، بعثنا إلى طريقك هذا فقال لهم: هل خلفتم خلفكم أحداً هو خير منكم؟ قالوا: لا إنا أخبرنا خبره بطريقك هذا، قال: أفرأيتم أمراً أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده؟ قالوا: لا، قال: فتابعوه، وأقاموا معه، قال: فأتاهم فقال: أنشدكم بالله أيكم وليه؟ قالوا:

ص: 6

أبو طالب، فلم يزل يناشده حتى رده وبعث معه أبو بكر بلالاً وزوده الراهب من الكعك والزيت.

وشب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي طالب يكلؤه الله ويحفظه، ويحوطه من أمور الجاهلية ومعايبها لما يريد به من كرامته، وهو على دين قومه، حتى بلغ أن كان رجلاً أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقاً، وأكرمهم مخالطة، وأحسنهم جواراً، وأعظمهم حلماً وأمانة، وأصدقهم حديثاً، وأبعدهم من الفحش والأذى، ما رؤي ملاحياً ولا ممارياً أحداً، حتى سماه قومه الأمين لما جمع الله من الأمور الصالحة فيه، فلقد كان الغالب عليه بمكة الأمين. وكان أبو طالب يحفظه ويحوطه، ويعضده وينصره إلى أن مات.

قال ابن إسحاق: وكان أبو طالب هو الذي إليه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد جده، فكان إليه ومعه. ثم إن أبا طالب خرج في ركب إلى الشام تاجراً. فلما تهيأ للرحيل وأجمع السير هب له رسول الله صلى الله عله وسلم فأخذ بومام ناقته وقال: يا عم، إلى من تكلني؟ لا أب لي ولا أم لي، فرق له أبو طالب وقال: والله لأخرجن به معي، ولا يفارقني ولا أفارقه أبداً. أو كما قال.

قال: فخرج به معه، فلما نززلوا بظل شجرة قريباً

ص: 7

منه، فنظر إلى الغمامة حتى أظلت الشجرة، وتهرصت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها. فلما رأى ذلك بحيرى نزل من صومعته وقد أمر بذلك الطعام فصنع، ثم أرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاماً يا معشر قريش، وأنا أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم وحركم وعبدكم فقال له رجل منهم: يا بحيرى، إن لك اليوم لشأناً، ما كنت تصنع هذا فيما مضى، وقد كنا نمر بك كثيراً فما شأنك اليوم؟ فقال له بحيرى: صدقت، وقد كان ما تقول، ولكنكم ضيفٌ، وقد أحببت أن أكرمكم واصنع لكم طعاماً تأكلون منه كلكم.

فاجتمعوا إليه، وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم، لحداثة سنه، في رحال القوم تحت الشجرة. فلما نظر بحيرى في القوم لم يرى الصفة التي يعرف ويجد عنده، قال: يا معشر قريش، لا يتخلف أحدٌ منكم عن طعامي هذا، قالوا له: يا بحيرى، ما تخلف عنك أحدٌ ينبغي له أن يأتيك إلا غلام هو أحدث القوم سناً تخلف في رحالهم. قال: فلا تفعلوا، ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم، فقال رجل من قريش مع القوم: واللات والعزى إن هذا للؤم بنا، يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن الطعام من بيننا! ثم قام إليه فاحتضنه ثم أقبل به حتى أجلسه مع القوم، فلما رآه بحيرى جعل يلحظه لحظاً شديداً، وينظر إلى أشياء من جسده، قد كان يجدها عنده في صفته، حتى إذا فرغ القوم من الطعام وتفرقوا قام بحيرى فقال له: يا غلام، أسألك باللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه، وإنما قال بحيرى ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: لا تسلني باللات والعزى شيئاً، فو الله ما أبغضت بغضهما شيئاً فقال له بحيرى: فبالله إلا أخبرتني عما أسألك عنه؟ فقال: سلني عما بدا لك. فجعل يسأله عن أشياء من حاله من نومه وهيئته وأموره، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده. فلما فرغ منه أقبل على عمه أبي طالب فقال له: ما هذا الغلام منك؟ فقال: ابني، فقال له بحيرى؟ ما هو بابنك، ما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حياً. قال: فما فعل

ص: 8

أبوه؟ قال: مات وأمه حبلى به، قال: ارجع بابن أخيك إلى بلده وأحذر عليه اليهود، فو الله إن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شراً، فإنه كائن لابن أخيك هذا شان، فأسرع به إلى بلاده، فخرج به عمه أبو طالب سريعاً حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام.

فزعموا فيما يتحدث الناس أن زبيراً وتماماً ودريساً وهم نفر من أهل الكتاب قد كانوا رأوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبي طالب أشياء، فأرادوه، فردهم عنه بحيرى وذكرهم الله وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته وأنهم إن أجمعوا لما أرادوا لم يخلصوا إليه حتى عرفوا ما قال لهم وصدقوه بما قال فتركوه وانصرفوا.

وذكر أبو الحسن الوارق: أنه قدم مع أبي طالب لعشر ليالٍ خلون من شهر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة من الفيل، وقدم الشام مع ميسرة لأربع عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة خمس وعشرين من الفيل، وكان الراهب الذي أخبر به في هذه القدمة اسمه نسطور الراهب.

روت نفيسة بنت منية أخت يعلى بن منية قالت: لما بلغ رسول صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين سنة قال له أبو طالب: أنا رجل لا مال لي، وقد اشتد الزمان علينا، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام، وخديجة بنت خويلد تبعث رجالاً من قومك في عيراتها، فلو جئتها فعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك، وبلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له فأرسلت إليه في ذلك وقالت: أنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلاً من قومك. قال أبو طالب: هذا رزقٌ قد ساقه الله إليك، فخرج مع غلامها ميسرة، وجعل عمومته يوصون به أهل العير، حتى قدما بصرى من الشام فنزلا في ظل شجرة، فقال نسطور الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبيٌ ثم قال لميسرة: أفي عينيه حمرة؟ قال: نعم، لا تفارقه. قال: هو نبيٌ، وهو آخر الأنبياء.

ص: 9

ثم باع سلعته، فوقع بينه وبين رجل تلاحٍ فقال له: آخذه باللات والعزى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حلفت بهما قط، وإني لأمر فأعرض عنهما، فقال الرجل: القول قولك، ثم قال لميسرة: هذا والله نبيٌ، تجده أحبارنا مبعوثاً في كتبهم.

وكان ميسرة إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظلان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشمس فوعى ذلك كله. وكان الله قد ألقى عليه المحبة من ميسرة فكان كأنه عبد.

وباعوا تجارتهم وربحوا ضعف ما كانوا يربحون، فلما رجعوا فكانوا بمر الظهران قال ميسرة: يا محمد، انطلق إلى خديجة وأخبرها بما صنع الله لها على وجهك، فإنها تعرف لك ذلك، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل مكة في ساعة الظهيرة وخديجة في علية لها فرأت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بعيره وملكان يظلان عليه، فأرته نساءها، فعجبن لذلك، ودخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرها بما ربحوا في وجههم، فسرت بذلك. فلما دخل ميسرة أخبرته بما رأت فقال ميسرة: قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشام، وأخبرها بما قال الراهب نسطور وبما قال الآخر الذي خالفه في البيع. وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجارتها فربحت ضعف ما كانت تربح، وأضعفت له ضعف ما سمت له.

ص: 10