الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر تقلله وزهده وتبتله في العبادة
عن عائشة قالت: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم مرتين حتى مات. وعنها قالت: إن كان ليمر بنا الشهر ونصف الشهر ما توقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار لمصباح ولا لغيره. قال: قلت: سبحان الله! فبأي شيء كنتم تعيشون؟ قالت: بالماء والتمر، كان لنا نسوة جيران من الأنصار لهن منائح، فربما أهدوا إلينا منها شيئاً. وفي رواية أخرى قالت: والله، لقد كان يأتي على آل محمد شهر ما نختبز فيه. قال: فقلت: يا أم المؤمنين، فما كان يأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان لنا جيران من الأنصار جزاهم الله خيراً، كان لهم شيء من لبن يهدون منه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعنها قالت: كان يأتي على آل محمد الشهر ما يوقدون فيه ناراً، إنما هو التمر والماء، إلا أن يؤتى باللحم. وعن عائشة قالت: لقد أهدى لنا أبو بكر رجل شاة لحم، فإني لأقطعنها أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلمة البيت، فقلت لها: هلا أسرجتم؟ فقالت: لو كان لنا ما نسرج به لأكلناه.
وعن عائشة قالت: لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي إلا شطر من شعير فكلته ففني، فليتني لم اكله. وقالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما خلف ديناراً ولا درهماً ولا شاة ولا بعيراً. وعنها قالت: لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين. وعنها قالت: والذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق، ما أرى منخلاً ولا أكل خبزاً منخولاً مذ بعثه الله إلى أن قبض صلى الله عليه وسلم. فقلت: كيف كنتم تأكلون الشعير؟ قالت: كنا نقول: أف، أف. وعن عائشة قالت: ما رفع النبي صلى الله عليه وسلم غداءً لعشاء ولا عشاء قط لغداء. ولا اتخذ من شيء زوجين: لا قميص، ولا رداءين ولا من النعال، ولا رُئي قط فارغاً في بيته.
إنما يخصف نعلاً لرجل مسكين أو يخيط ثوباً لأرملة. وعن عائشة أنها قالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام متتابعة من خبز البر حتى ذاق محمد صلى الله عليه وسلم الموت. وما زالت الدنيا علينا عسرة كدرة حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم. فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم انصبت الدنيا علينا صباً. وعنها قالت: لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي شيء يأكله ذو كبد، إلا شطر شعير في رف لي، فأكلت منه حتى طال علي فكلته ففني.
قال مسروق: دخلت على عائشة يوماً فدعت لي بطعام، فقالت لي: كل. فلقلما أشبع من طعام فأشاء أن أبكي إلا بكيت. قال: قلت: يا أم المؤمنين، وذاك ممه؟ قالت: أذكر الحال التي فارقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم مرتين من خبز الشعير حتى لحق بالله عز وجل.
وعن عائشة قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يترك ديناراً ولا درهماً ولا شاة ولا بعيراً، ولم يوص بشيء. وعن عمرو بن الحارث ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخي جويرية بنت الحارث قال: والله، ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاته ديناراً ولا درهماً ولا عبداً ولا أمة ولا شيئاً إلا بغلته البيضاء، وسلاحه، وأرضاً جعلها صدقة. وعن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم التفت إلى أُحد فقال: " والذي نفسي بيده ما يسرني أن أُحداً تحول لآل محمد ذهباً أنفقه في سبيل الله، أموت يوم أموت أدع منه دينارين، إلا دينارين أحدهما لدين إن كان ". فمات وما ترك ديناراً ولا درهماً ولا عبداً، ولا وليدة، وترك درعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين صاعاً شعير. وعن عائشة قالت: دخلت علي امرأة من الأنصار فرأت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة وقيل: عباءة مثنية، فانطلقت فبعثت إلي بفراش حشوه صوف، ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا يا عائشة؟! قالت: قلت: يا رسول الله، فلانة الأنصارية دخلت علي فرأت فراشك، فذهبت فبعثت إلي بهذا. فقال:" رديه يا عائشة. فو الله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة ". قالت: فلم أرده، وأعجبني أن يكون في بيتي، حتى قال لي ذاك ثلاث مرات قال: فقال: " رديه يا عائشة، فوالله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة ".
وعن زر بن حبيش قال: سألت عائشة أم المؤمنين عن ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: عن ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأل لا أبالك؟! والله ما ورّث رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناراً ولا درهماً ولا شاة ولا بعيراً ولا عبداً ولا أمة. وعن عائشة قالت: لو أردت أن أخبركم بكل شعبة شعبها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات لفعلت. وعن عمران بن يزيد قال: حدثني والدي قال: دخلنا على عائشة فقلنا: سلامٌ عليك يا أمّه فقالت: وعليك، ثم بكت فقلنا: ما بكاؤك يا أمّه؟ قالت: بلغني أن الرجل منكم يأكل من ألوان الطعام حتى يلتمس لذلك دواء يمريه، فذكرت نبيكم صلى الله عليه وسلم. فذلك الذي أبكاني. خرج من الدنيا ولم يملأ بطنه في يوم من طعامين. كان إذا شبع من التمر لم يشبع من الخبز، وإذا شبع من الخبز لم يشبع من التمر. وعن عائشة قالت: اشتد وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندنا سبعة دنانير أو تسعة. فقال: يا عائشة، ما فعلت تلك الذهب؟ قالت: هي عندي، قال: فتصدقي بها. قالت: فشغلت، ثم قال: يا عائشة، ما فعلت تلك الذهب؟ فقلت: عندي. قال: تصدقي بها. قالت: فشغلت ثم قال الثالثة: ما فعلت تلك الذهب؟ فقلت: هي عندي فقال: ائتني بها، فوضعها في يده ثم قال:" ما ظن محمد لو لقي الله وهذه عنده، ما ظن محمد لو لقي الله وهذه عنده ". وفي رواية قالت: فأخذها فبددها. وعن عطاء قال: زار أبو هريرة قومه فأتوه برقاق من الرقاق الأول. فلما رآه بكى. فقيل له: ما يبكيك يا أبا هريرة؟ فقال " ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا بعينه قط.
وعن أبي هريرة قال: إن كان ليمر بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأهلة ما يسرج في بيت أحد منهم سراج، ولا توقد فيه نار.
إن وجدواً زيتاً ادهنوا به، وإن وجدوا ودكاً أكلوه. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً ". وعنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " والله لا يقسم ورثتي ديناراً، ما تركت من شيء بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة ". وعنه قال: جاء رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله، ما لي أرى لونك منكفتاً! قال الخمص، فانطلق الأنصاري إلى رحله فلم يجد فيه شيئاً، فخرج يطلب فإذا هو بيهودي يسقي نخلاً له فقال الأنصاري لليهودي: أسقي نخلك؟ قال: نعم، كل دلو بتمرة، واشترط الأنصاري عليه ألا يأخذ منه خدرة ولا تارزة ولا حشفة، ولا يأخذ إلا جيدة. فاستسقى له بنحو من صاعين تمراً، فجاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أين لك هذا؟ فأخبره الأنصاري. وكان يسأل عن الشيء إذا أُتي به، فأرسل إلى نسائه بصاع، وأكل هو وأصحابه صاعاً. وقال للأنصاري: أتحبني؟ قال: نعم، والذي بعثك بالحق يعني: إني لأحبك قال: إن كنت فاتخذ البلاء كفافاً، فوالذي نفسي بيده للبلاء أسرع إلى من يحبني من الماء الجاري من قلب الجبل إلى حضيض الأرض ثم قال:" اللهم، فمن أحبني فارزقه العفاف والكفاف، ومن أبغضني فأكثر ماله وولده ".
وعن أنس قال: ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان ولا في سُكرُّجة، ولا خبز له مرقق. قال: قلت لقتادة: فعلام كاونوا يأكلون؟ قال: على السفر. وعن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدخر شيئاً لغد. وعن أبي ربيع قال: كنا مع أنس بن مالك في بستان له إذ أُلقيت له طنفسة، ثم جيء بخوان فوضع، ثم جيء بزهومة فوضعت على الخوان، فلما رأى ذلك أنس بكى. قال: قلنا: ما يبكيك يا أبا حمزة؟ قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعداً على طنفسة قط. ولا رأيت بين يديه خواناً قط. وعن أنس: أن خياطاً بالمدينة جعل للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً فأتى بخبز شعير وإهالة سنخة وإذا فيها قرع، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه القرع، فجعلت أُقربه قدامه. قال أنس: فلم يزل القرع يعجبني منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه. وعن أنس قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة فيجيب، ولقد كانت له درع رهناً عند يهودي. فما وجد ما يفتكها حتى مات صلى الله عليه وسلم. وعن أنس قال: لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوف، واحتذى المخصوف.
وقال: أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعاً، ولبس خشناً. قال: سئل الحسن: ما البشع؟ قال: غليظ الشعير، لايكاد يسيغه إلا بجرعة ماء. وعن أنس: أن فاطمة جاءت بكسرة خبز لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذه الكسرة يا فاطمة؟ قالت: قرص خبزته، فلم تطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة فقال: أما إنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام. وعن جابر بن عبد الله قال: لما حفر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الخندق أصاب النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون جهداً شديداً، فمكثوا لا يجدون طعاماً حتى ربط النبي صلى الله عليه وسلم على بطنه حجراً من الجوع. وعن ابن البجير، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: أصاب يوماً النبي صلى الله عليه وسلم الجوع، فوضع على بطنه حجراً ثم قال: ألا رب نفس طاعمة ناعمة في الدنيا، جائعة عارية يوم القيامة، ألا يا رب نفس جائعة عارية في الدنيا طاعمة ناعمة يوم القيامة. ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين، ألا يا رب مهين لنفسه وهو لها مكرم. ألا يا رب منحوض ومتنعم فيما أفاء الله على رسوله. ما له عند الله من خلاق، ألا وإن عمل الجنة حزنة بربوة، ألا وإن عمل النار سهل بشهوة. ألا يا رب شهوة ساعة أورثت خزناً طويلاً. وعن سماك أنه سمع النعمان بن بشير يخطب وهو يقول: احمدوا الله تبارك وتعالى: فربما أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهر يظل يتلوى، ما شبع من الدقل.
وعن أبي حازم قال: سألت سهل بن سعد فقلت: هل أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي فقال سهل: ما
رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي من حين بعثه الله حتى قبضه الله. قال: فقلت: هل كانت لكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مناخل. قال: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منخلاً من حين ابتعثه الله حتى قبضه. قال: فقلت: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخل؟ قال: كنا نطحنه وننفخه، فيطير ما طار وما بقي ثريناه فأكلناه. وعن أحمد بن عبد الله العجلي قال: سألت نعيم بن حماد قلت: جاء النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يشبع في يوم من خبز مرتين. وجاء عنه أنه كان يعد لأهله قوت سنة فكيف هذا؟! قال: كان يعد لأهله قوت سنة، فتنزل به النازلة فيقسمه فيبقى بلا شيء. وعن عمر بن الخطاب: أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هجره نساؤه فوافاه على سرير رمال يعني مرمولاً متوسداً وسادةً من أدم محشوة ليفاً. فقال عمر: التفت في البيت فوالله ما رأيت شيئاً يرد البصر إلا العباء من أدم معطونة ريحها، فبكيت، فقلت: يا رسول الله، أنت رسول الله وخيرته وهذا كسرى وقيصر في الذهب والحرير، فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً فقال: أو في شكٍ أنت يا بن الخطاب! أولئك قوم عجلت، يعني: طيباتهم في حياتهم الدنيا. وعن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبيت الليالي المتتابعة طاوياً وأهله لا يجدون عشاء. قال: وكان عامة خبزهم الشعير. وعن ابن عمر أنه قال: إن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا.
وعن ابن عمر قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل في بعض حيطان الأنصار، فجعل يلتقط من التمر ويأكل، فقال لي: يا بن عمر، مالك لا تأكل؟! قال: قلت: يا رسول الله، لا أشتهيه، قال: لكنني أشتهيه، وهذه صبح رابعة مذ لم أذق طعاماً ولم أجده، ولو شئت لدعوت ربي عز وجل فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر، فكيف بك يا بن عمر إذا بقيت في قوم يخبؤون رزق سنتهم بضعف اليقين؟ فوالله ما برحنا ولا رمنا حتى نزلت " وكأين من دابةٍ لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل لم يأمرني بكنز الدنيا ولا اتباع الشهوات، فمن كنز دنيا يريد بها حياة باقية فإن الحياة بيد الله. ألا وإني لا أكنز ديناراً ولا درهماً ولا أخبأ رزقاً لغدٍ. وعن ابن عمر:" لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة " قال: في جوع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن عبد الله قال: اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير، فأثر الحصير بجلده. فلما استيقظ جعلت أمسح عنه وأقول: ألا أذنتنا فنبسط لك عليه شيئاً يقيك منه؟ فقال: ما لي وللدنيا، ما أنا والدنيا إلا كراكبٍ استظل تحت شجرة ثم راح وتركها.
وعن نوفل بن إياس أنه قال: كان عبد الرحمن بن عوف لنا جليساً، وكان نعم الجليس، وإنه انقلب بنا ذات يوم إذ أدخلنا بيته، ودخل فاغتسل، ثم خرج فجلس معنا، وأُتينا بصفحة فيها خبز ولحم. فلما وضعت بكى عبد الرحمن، فقلت له: يا أبا محمد، ما يبكيك؟! قال: هلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشعير، ولا أُرانا أُخرنا لما هو خير لنا.
وعن عمرو بن العاص قال: وهو على المنبر بمصر للناس: ما أبعد هديكم من هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم، أما هو فأزهد الناس في الدنيا، وأما أنتم فأرغب الناس فيها. وعن عمرو بن العاص قال: لقد أصبحتم وأمسيتم ترغبون فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزهد فيه؛ أصبحتم ترغبون في الدنيا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزهد فيها والله ما أتت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من دهره إلا كان الذي عليه أكثر مما له. قال: فقال له بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسلف. وفي رواية: والله، والله ما مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الدهر إلا والذي عليه أكثر من الذي له. وعن أبي البختري قال: صحب سلمان رجلٌ من بني عبس، فكان لا يستطيع أن يفضله في عمل: إن عجن خبز، وإن سقى الركاب هيأ العلف للدواب، حتى انتهى إلى دجلة وهو تطفح، فقال له سلمان: انزل فاشرب. قال: فشرب. فقال: ازدد فازدد. قال: كم تراك نقصت منها؟ فقال: ما عسى أن أنقص من هذه. قال: فقال له سلمان: فكذلك العلم تأخذ منه ولا تنقصه، فعليك بما ينفعك. قال: فعبرنا إلى نهر دنّ فإذا الأكداس عليه من الحنطة والشعير فقال: يا أخا بني عبس، أما ترى الذي فتح خزائن هذه علينا كان برأها ومحمد صلى الله عليه وسلم حيّ؟ قال: قلت: بلى. قال: فوالذي لا إله غيره لقد كنا نمسي ونصبح وما فينا قفيز من قمح. ثم سار حتى انتهى إلى جلولاء فذكر ما فتح الله عز وجل عليهم فيها
من الذهب والفضة. فقال: يا أخا بني عبس، أما ترى الذي فتح هذه علينا كان برأها ومحمد صلى الله عليه وسلم حي؟ قلت: بلى. قال: فوالذي لا إله غيره.
لقد كانوا يمسون ويصبحون وما فيهم دينار ولا درهم. وعن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " عرض عليّ ربي بطحاء مكة ذهباً، فقلت: لا يا رب، ولكن أشبع يوماً، وأجوع يوماً. فإذا جعت تضرعت إليك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك ". وعن أبي عسيب قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً فدعاني فخرجت إليه، ثم مر بأبي بكر فدعاه فخرج إليه، ثم مر بعمر فدعاه فخرج إليه، فانطلق يمشي ونحن معه حتى دخل بعض حوائط الأنصار فقال: أطعمنا بسراً، فجاء بعذق فأكلوا، وجاء بماء فشربوا. فقال عمر: يا رسول الله: إنا لمسؤولون عن هذا يوم القيامة؟ قال: نعم إلا من ثلاثٍ: إلا من كسرةٍ يسد بها الرجل جوعته؛ وخرقة يواري بها عورته، وجُحر يتدخل فيه من الحر والقر.
وعن الحسن: حدثني من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يره وضع قصبة ولا لبنة على لبنة. وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لما نزلت هذه الآية " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " قال وصلى حتى انتفخت قدماه، وتعبد حتى صار كالشنّ البالي. فقالوا: يا رسول الله! أتفعل هذا بنفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: " أفلا أكون عبداً شكوراً؟ ". وعن سفينة قال: اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه قبل أن يموت بشهرين، وتعبد حتى صار كالشنّ البالي.
وعن عطاء قال: دخلت على عائشة فقلت: أخبرينا بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت وقالت: وأي شأنه لم يكن عجباً؟ إنه أتاني في ليلة فدخل معي في فراشي أو قالت: في لحافي حتى مس جلدي جلده ثم قال: يا بنت أبي بكر ذريني أتعبد لربي، قالت: قلت: إني أحب قربك، فأذنت له فقام إلى قربة من ماء فتوضأ فأكثر صب الماء، ثم قام يصلي فبكى حتى سالت دموعه على صدره، ثم ركع فبكى، ثم سجد فبكى، ثم رفع رأسه فبكى، فلم يزل كذلك حتى جاء بلال فأذن بالصلاة، فقلت: يا رسول الله، ما يبكيك وقد غفر الله لم ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: أفلا أكون عبداً شكوراً، ولم لا أفعل وقد أنزل عليّ " إن في خلق السموات والأرض " الآية. وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يربط نفسه بحبل كي لا ينام، فأنزل الله تعالى " طه ما أنزلنا عليك القرآن لنشقى ". وعنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أول ما نزل عليه الوحي كان يقوم على صدر قدميه إذا صلى، فأنزل الله عز وجل " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ". وعن عاصم بن ضمرة قال: سألنا علياً عليه السلام عن صلاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من النهار فقال: إنكم لا تطيقون ذلك. قلنا: من أطاق ذلك منا. فقال: كان إذا كانت الشمس من هاهنا كهيئتها من هاهنا عند العصر صلى ركعتين. وإذا كانت الشمس من هاهنا كهيئتها من هاهنا عند الظهر صلى أربعاً، ويصلي قبل الظهر أربعاً وبعدها ركعتين، وقبل العصر أربعاً يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من النبيين والمرسلين.
وعن علي عليه السلام قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي التطوع ثماني ركعات وبالنهار ثنتي عشرة ركعة. وكان في نسخة: ست عشرة ركعة.
وعن عبد الله قال: سألت عائشة أم المؤمنين فقلت: يا أم المؤمنين، هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخص شيئاً من صيامٍ بعمل؟ قالت: كان أحب الأعمال إليه ما دام عليه صاحبه، وأيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع؟. وعن عائشة: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي قائماً، فلما دخل في السن جعل يجلس حتى إذا بقي في السورة ثلاثون آية أو أربعون آية قام فقرأ بها ثم سجد. وقالت: ما رأيته يصلي في بيتي صلاة الليل جالساً قط حتى دخل في السن. وعن مسلم بن مخراق قال: قلت لعائشة: يا أم المؤمنين، إن أناساً يقرأ أحدهم القرآن في ليلة مرتين أو ثلاثاً فقالت: قرؤواً ولم يقرؤوا. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم ليلة التمام فيقرأ سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة النساء، لا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله ورغب، ولا يمر بآية فيها تخويف إلا دعا الله واستعاذ. وعن عبد الله بن شقيق قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من التطوع فقالت: كان يصلي قبل الظهر أربعاً في بيتي، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يرجع إلى بيتي فيصلي ركعتين. وكان يصلي بالناس المغرب، ثم يرجع إلى بيتي فيصلي ركعتين، ثم يصلي العشاء، ثم يدخل بيتي فيصلي ركعتين. وكان يصلي من الليل سبع ركعات فيهن الوتر، وكان يصلي ليلاً طويلاً قائماً. وليلاً طويلاً جالساً. فإذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد.
وعن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة: منها ركعتان يصليهما وهو جالس، ويصلي إذا طلع الفجر ركعتين قبل الصبح. فتلك ثلاث عشرة ركعة. وعن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يصلّ من الليل منعه من ذلك نومٌ غلبه أو وجعٌ صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة. وعن أبي ذر أنه قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أريد أن أبيت عندك الليلة فأصلي بصلاتك. قال: لا تستطيع صلاتي. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل فسترته بثوب وأنا محول عنه، فاغتسل ثم فعلت مثل ذلك فقال: هكذا الغسل. ثم قام يصلي فقمت معه حتى جعلت أضرب برأسي الجدرات من طول صلاته، ثم أتاه بلال للصلاة فقال: أفعلت؟ قال: نعم. قال: إنك يا بلال تؤذن إذا كان الصبح ساطعاً في السماء. وليس ذلك الصبح. إنما الصبح هكذا معترضاً. ثم دعا بسحور فتسحر قال حاتم بن عدي: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تزال هذه الأمة بخير ما أخروا السحور وعجلوا الفطر " ثم خرج فقامت الصلاة. وعن أبي أيوب الأنصاري قال: نزل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً فنقبت في عمله كله، فرأيته إذا زالت الشمس أو زاغت، أو كما قال إن كان في يده عمل الدنيا رفضه، وغن كان نائماً كأنما يوقظ له، فيقوم فيغتسل أو يتوضأ، ثم يركع ركعات يتمهن ويحسنهن، ويتمكث فيهن. فلما أراد أن ينطلق قلت: يا رسول الله، مكثت عندي شهراً، ولوددت أنك مكثت عندي أكثر من ذلك فنقبت في عملك كله فرأيتك إذا زالت الشمس - أو زاغت فإن كان في يدك عمل من الدنيا رفضته، وإن كنت نائماً فكأنما توقظ له، فتغتسل أو توضأ، ثم تركع أربع ركعات تتمهن وتحسنهن وتمكث فيهن. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبواب السماوات وأبواب الجنة تفتح في تلك الساعة، فما ترتج أبواب السماوات وأبواب الجنة حتى تصلي الصلاة، فأحببت أن يصعد لي تلك الساعة خير وزاد الأوزاعي فقال: فأحب أن يرفع عملي في أول عمل العابدين.
وعن حذيفة: أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين قام في صلاته من الليل. فلما دخل في الصلاة قال: الله أكبر ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة. ثم قرأ البقرة، ثم ركع فكان ركوعه نحواً من قيامه. يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، ثم رفع رأسه، فكان قيامه بعد الركوع نحواً من ركوعه يقول: لربي الحمد، لربي الحمد. ثم سجد فكان سجوده نحواً من قيامه بعد الركوع يقول: سبحان ربي الأعلى، ثم رفع رأسه فكان بين السجدتين نحواً من سجوده يقول: ربِّ اغفر لي، ربِّ اغفر لي حتى صلى أربع ركعات قرأ فيهن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام. وعن أنس قال: ما كنا نشاء أن نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم مصلياً إلا رأيناه، ولا نشاء أن نراه نائماً إلا رأيناه. وعن عبد
الله بن مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكون في المصلين إلا كان أكثرهم صلاة، ولا يكون في الذاكرين إلا كان أكثرهم ذكراً. هـ بن مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكون في المصلين إلا كان أكثرهم صلاة، ولا يكون في الذاكرين إلا كان أكثرهم ذكراً.