الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبو عبد رب
ويقال أبو عبد رب العزة، ويقال: أبو عبد ربه عبد الجبار ويقال: قسطنطين، ويقال: عبد الرحمن بن عبد الله، ويقال: ابن أبي عبد الله مولى ابن غيلان الثقفي، ويقال: مولى بني عذرة، الزاهد حدث عن معاوية أنه قال على المنبر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما بقي من الدنيا بلاء وفتنة، وإنما مثل عمل أحدكم كمثل الوعاء، إذا طاب أعلاه طاب أسفله، وإذا خبث أعلاه خبث أسفله. وفي حديث: إنما الأعمال بخواتيمها، كالوعاء إذا طاب أعلاه طاب أسفله، وإذا خبث أعلاه خبث أسفله. كان أبو عبد رب يشتري الرقاب فيعتقها، فاشترى يوماً عجوزاً رومية فأعتقها، فقالت له: إيه، لا أدري أين آوي؟! فبعث بها إلى منزله، فلما انصرف من المسجد أتى بالعشاء فدعاها، وأكل، ثم راطنوها فإذا هي أمه، فسألها الإسلام فأبت. فكان يبلغ من برها ما يبلغ، فأتى يوماً بعد العصر، يوم الجمعة، فأخبر أنها أسلمت، فخر ساجداً حتى غربت الشمس. قال أبو عبد رب لمكحول: يا أبا عبد الله، تحب الجنة؟ قال: ومن لا يحب الجنة؟ قال: فأحب الموت، فإنك لن تدخل الجنة حتى تموت.
قال أبو عبد رب الزاهد: لو أن بردى سالت ذهباً وفضة ما أتيتها لآخذ منها شيئاً، ولو قيل لي من احتضن هذا العمود مات، لقمت إليه واحتضنته. وفي رواية زاد: شوقاً إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم. قال سعيد بن عبد العزيز: ونحن نعلم أنه صادق.
كان أبو عبد رب من أكثر أهل دمشق مالاً، فخرج إلى أذربيجان في تجارة له، فأمسى إلى جانب نهر ومرعى، فنزل به، قال: فسمعت صوتاً في ناحية من المرج يكثر حمد الله، فاتبعته، فرأيت رجلاً ملفوفاً في حصير، فسلمت عليه، وقلت: من أنت؟ قال: رجل من المسلمين. قلت: فما حالك هذه؟ قال: نعمة يجب علي حمد الله عليها. قلت: وكيف، وإنما أنت في حصير؟! قال: ومالي لا أحمد الله أن خلقني فأحسن خلقي، وجعل مولدي ومنشئي في الإسلام، وألبسني العافية في أركاني، وستر عني ما أكره، فمن أعظم نعمة ممن أمسى في مثل ما أنا فيه؟ قلت: إن رأيت أن تقوم معي إلى المنزل، فإنا نزول على النهر ها هنا. قال: ولم؟ قلت: لتصيب من الطعام، ونعطيك ما يغنيك عن لبس الحصير. قال: ما لي فيه حاجة، وإن لي في العشب كفاية وغنى قال: فأردته على أن يتبعني فأبى. قال أبو عبد رب: فانصرفت. وقد تقاصرت إلي نفسي ومقتها أن لم أخلف بدمشق رجلاً في الغنى يكاثرني، وأني ألتمس الزيادة في ذلك؟! اللهم، إني أتوب إليك من سوء ما أنا فيه. قال: فبت، ولا يعلم أعواني بالذي أجمعت عليه، فلما كان السحر رحلوا كنحو رحيلهم فيما مضى، وقدموا دابتي فصرفتها إلى دمشق، وقلت: ما أنا بصادق التوبة إن أنا مضيت إلى منزلي. فسألني القوم فأخبرتهم، وعاتبوني على المضي فأبيت. فلما قدم تصدق بصامت ماله، وجهز في سبيل الله.
قال ابن جابر: فحدثني بعض إخواني قال: ما كست رجلاً في ثمن عباءة بدانق، أعطيته ستة وهو يسأل سبعة. فلما أكثرت قال لي: ممن أنت؟ قلت من دمشق. قال: تشبه شيخاً وقف علي بالأمس، يقال له أبو عبد رب، اشترى مني سبع مائة كساء بسبعة سبعة، فما سألني أن أضع له درهماً، وبعث أعواني يحملونها له، فما زال يفرقها بين الفقراء، فما وصل إلى منزله إلا بكساء. قالوا: وتصدق بكل ماله إلا داراً له بدمشق.