الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ)
فَلَمَّا أَلَحُّوا فِي طَلَبِ الرَّدِّ لِهَذَا الضَّلَالِ الْمُبِينِ، ذَاكِرِينَ أَنَّ فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ ذَلِكَ خِذْلَانًا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَظَنَّ أَهْلُ الطُّغْيَانِ نَوْعًا من العجز عن رد البهتان، فكتبت ما يسره الله تعالى مِنَ الْبَيَانِ، وَفَاءً بِمَا أَخَذَهُ اللَّهُ مِنَ الْمِيثَاقِ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ، وَقِيَامًا بِالْقِسْطِ وشهادة لله، كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ ِللهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُم أَوِ الَوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِين إِنْ يَكُنْ غَنِيًا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَوَلَّوْا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (1)
…
.
واللي هو تغيير الشهادة، والإعراض هو كِتْمَانُهَا.
وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ بِالصِّدْقِ وَالْبَيَانِ، وَنَهَى عَنِ الْكَذِبِ وَالْكِتْمَانِ، فِيمَا يُحْتَاجُ إِلَى معرفته وإظهاره، كما قال صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ:((الْبَيِّعَانِ بالخيار مالم يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا، بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَّبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا)) (2) .
لَا سِيَّمَا الْكِتْمَانَ إِذَا لَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا، كَمَا فِي الْأَثَرِ (إِذَا لَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ فَلْيُظْهِرْهُ، فَإِنَّ كَاتِمَ الْعِلْمِ يَوْمَئِذٍ كَكَاتِمِ ما أنزل الله على محمد)(3) .
وَذَلِكَ أَنَّ أَوَّلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ هُمُ الَّذِينَ قَامُوا بِالدِّينِ، تَصْدِيقًا وَعِلْمًا وَعَمَلًا، وَتَبْلِيغًا، فَالطَّعْنُ فِيهِمْ طَعْنٌ فِي الدِّينِ، مُوجِبٌ لِلْإِعْرَاضِ عَمَّا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ النَّبِيِّينَ.
وَهَذَا كَانَ مَقْصُودَ أَوَّلِ مَنْ أَظْهَرَ بِدْعَةَ التَّشَيُّعِ، فَإِنَّمَا كَانَ قَصْدُهُ الصَّدَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِبْطَالَ مَا جاءت به الرسل عن الله تعالى، وَلِهَذَا كَانُوا
يُظْهِرُونَ ذَلِكَ بِحَسَبِ ضَعْفِ الْمِلَّةِ، فظهر في الملاحدة حقيقة هذه البدعة الْمُضِلَّةِ.
لَكِنْ رَاجَ كَثِيرٌ مِنْهَا عَلَى مَنْ لَيْسَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الْمُلْحِدِينَ، لِنَوْعٍ مِنَ الشُّبْهَةِ وَالْجَهَالَةِ الْمَخْلُوطَةِ بِهَوًى، فَقُبِلَ مَعَهُ الضَّلَالَةُ وَهَذَا أصل كل باطل، قال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا
(1) الآية 135 من سورة النساء.
(2)
الحديث في البخاري في أماكن متعددة انظر كتاب البيوع ج3ص58 ومسلم كتاب البيوع أيضا ج3ص1164.
(3)
رواه ابن ماجه في سننه ج 1 ص 96-97 عن جابر مرفوعا، وهو ضعيف.