الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَدَدٍ مُعَيَّنٍ. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: ((إِنَّ خَلِيلِي أَوْصَانِي أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ وإن كان عبدا حبشيا مجدّع الأطراف)) (1) .
(فَصْلٌ)
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَنْهُمْ ((كُلُّ مَنْ بَايَعَ قُرَشِيًّا انْعَقَدَتْ إِمَامَتُهُ وَوَجَبَتْ طَاعَتُهُ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ إِذَا كَانَ مَسْتُورَ الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ على غاية من الفسق والكفر والنفاق)) .
فَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا لَيْسَ من قَوْلَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَلَيْسَ مَذْهَبُهُمْ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ مُبَايَعَةِ وَاحِدٍ قُرَشِيٍّ تَنْعَقِدُ بَيْعَتُهُ، وَيَجِبُ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ طَاعَتُهُ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْكَلَامِ، فَلَيْسَ هُوَ قول أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، بَلْ قَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه:((مَنْ بَايَعَ رجلا بغير مشورة الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يُبَايَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ تغِرَّة أَنْ يُقتلا)) . الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَسَيَأْتِي بكماله إن شاء الله تعالى.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ لَا يُوجِبُونَ طَاعَةَ الْإِمَامِ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ، بَلْ لَا يُوجِبُونَ طَاعَتَهُ إِلَّا فِيمَا تَسُوغُ طَاعَتُهُ فِيهِ فِي الشَّرِيعَةِ، فَلَا يُجَوِّزُونَ طَاعَتَهُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ إِمَامًا عَادِلًا، وَإِذَا أَمَرَهُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ فَأَطَاعُوهُ: مِثْلَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالصِّدْقِ وَالْعَدْلِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا أَطَاعُوا اللَّهَ، وَالْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ إِذَا أَمَرَ بِمَا هُوَ طَاعَةٌ لِلَّهِ لَمْ تَحْرُمْ طَاعَةُ اللَّهِ وَلَا يَسْقُطْ وُجُوبُهَا لِأَجْلِ أَمْرِ ذَلِكَ الْفَاسِقِ بِهَا، كَمَا أَنَّهُ إِذَا تَكَلَّمَ بِحَقٍّ لَمْ يَجُزْ تَكْذِيبُهُ وَلَا يَسْقُطْ وُجُوبُ اتِّبَاعِ الْحَقِّ لِكَوْنِهِ قَدْ قَالَهُ فَاسْقٌ، فَأَهْلُ السُّنَّةِ لَا يُطِيعُونَ وُلَاةَ الْأُمُورِ مُطْلَقًا، إِنَّمَا يُطِيعُونَهُمْ فِي ضمن طاعة الرسول صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُم} (2)
فَأَمَرَ بِطَاعَةِ اللَّهِ مُطْلَقًا، وَأَمَرَ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ لِأَنَّهُ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِطَاعَةِ اللَّهِ {َمنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله} (3) وَجَعَلَ طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ دَاخِلَةً فِي ذَلِكَ، فَقَالَ:(وَأُوليِ الأَمْرِ مِنْكُم) وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُمْ طَاعَةً ثَالِثَةً، لِأَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ لَا يُطَاعُ طاعة مطلقة، إنما يطاع في المعروف.
(1) مسلم ج1 ص 448 وج3 ص 1467 وأبو داود ج2 ص 955.
(2)
الآية 59 من سورة النساء.
(3)
الآية 80 من سورة النساء.