الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَالنَّسَائِيِّ؛ فَإِنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَجْمَعَ فَضَائِلَ عَلِيٍّ فِي كِتَابٍ سَمَّاهُ ((الْخَصَائِصَ)) ، وَالتِّرْمِذِيُّ قَدْ ذَكَرَ أَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةً فِي فَضَائِلِهِ، وَفِيهَا مَا هُوَ ضَعِيفٌ بَلْ مَوْضُوعٌ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا وَنَحْوَهُ.
(فَصْلٌ)
قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((قَالَ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ: قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بَعْدَ نَبِيِّهِ: ((سَلُونِي)) مِنْ شيثٍ إِلَى محمدٍ إِلَّا عَلِيٌّ، فَسَأَلَهُ الْأَكَابِرُ: أَبُو بكر وعمر وأشباههما، حتى انقطع السُّؤَالُ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ هَذَا: يَا كُمَيْل بن زياد، إن ههنا لَعِلْمًا جَمًّا لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً)) .
وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا النَّقْلَ إِنْ صَحَّ عَنْ ثَعْلَبٍ؛ فَثَعْلَبٌ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ إِسْنَادًا حَتَّى يُحتج بِهِ. وَلَيْسَ ثَعْلَبٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ صَحِيحَهُ مِنْ
سَقِيمِهِ، حَتَّى يُقال: قَدْ صَحَّ عِنْدَهُ. كَمَا إِذَا قَالَ ذَلِكَ أَحْمَدُ أَوْ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ أَوِ الْبُخَارِيُّ وَنَحْوُهُمْ. بَلْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْ ثَعْلَبٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ يَذْكُرُونَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً لَا أَصْلَ لَهَا، فَكَيْفَ ثَعْلَبٌ؟! وَهُوَ قَدْ سَمِعَ هَذَا مِنْ بَعْضِ النَّاسِ الَّذِينَ لَا يَذْكُرُونَ مَا يَقُولُونَ عن أحد.
وعلي ّ رضي الله عنه لَمْ يَكُنْ يَقُولُ هَذَا بِالْمَدِينَةِ، لَا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ، وَإِنَّمَا كَانَ يَقُولُ هَذَا فِي خِلَافَتِهِ فِي الْكُوفَةِ، لِيُعَلِّمَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ مَا يَنْبَغِي لَهُمْ عِلْمُهُ. وَكَانَ هَذَا لِتَقْصِيرِهِمْ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَكَانَ علي ّ رضي الله عنه يَأْمُرُهُمْ بِطَلَبِ الْعِلْمِ وَالسُّؤَالِ.
وَحَدِيثُ كُمَيْل بْنِ زِيَادٍ يَدُلُّ عَلَى هَذَا؛ فإن كميلا من التابعين لم يَصْحَبْهُ إِلَّا بِالْكُوفَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرَى تَقْصِيرًا مِنْ أُولَئِكَ عَنْ كَوْنِهِمْ حَمَلَةً لِلْعِلْمِ، وَلَمْ يَكُنْ يَقُولُ هَذَا فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، بَلْ كَانَ عَظِيمَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ.
وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَسْأَلْ عَلِيًّا قَطُّ عَنْ شَيْءٍ. وَأَمَّا عُمَرُ فَكَانَ يُشَاوِرُ الصَّحَابَةَ: عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ وَابْنَ مَسْعُودٍ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَغَيْرَهُمْ. فَكَانَ عَلِيٌّ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى.
(فَصْلٌ)
قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((وَأَهْمَلَ حُدُودَ اللَّهِ فَلَمْ يَقْتَصَّ مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَلَا حدَّه حيث قتل
مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ، وَكَانَ مُسْلِمًا، وَتَزَوَّجَ امْرَأَتَهُ فِي لَيْلَةَ قَتَلَهُ وَضَاجَعَهَا. وَأَشَارَ عَلَيْهِ عُمَرُ بِقَتْلِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ)) .
وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ أَوَّلًا: إِنْ كَانَ تَرْكُ قَتْلِ قَاتِلِ الْمَعْصُومِ مِمَّا يُنكر عَلَى الْأَئِمَّةِ، كَانَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ حُجَّةِ شِيعَةِ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ؛ فَإِنَّ عُثْمَانَ خَيْرٌ مِنْ مَلْءِ الْأَرْضِ مِنْ مِثْلِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ، وَهُوَ خَلِيفَةُ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ قُتل مَظْلُومًا شَهِيدًا بِلَا تَأْوِيلٍ مسوِّغ لِقَتْلِهِ. وَعَلِيٌّ لَمْ يَقْتُلْ قَتَلَته، وَكَانَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا امْتَنَعَتْ بِهِ شِيعَةُ عُثْمَانَ عَنْ مُبَايَعَةِ عليّ، فإنْ كَانَ عَلِيٌّ لَهُ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ فِي تَرْكِ قَتْلِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ، فَعُذْرُ أَبِي بَكْرٍ فِي تَرْكِ قَتْلِ قَاتِلِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ أَقْوَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَبِي بَكْرٍ عُذْرٌ فِي ذَلِكَ فَعَلِيٌّ أَوْلى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ قَتْلِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ.
وَأَمَّا مَا تَفْعَلُهُ الرَّافِضَةُ مِنَ الْإِنْكَارِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الصَّغِيرَةِ، وَتَرْكِ إِنْكَارِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهَا عَلَى عَلِيٍّ، فَهَذَا مِنْ فَرْطِ جَهْلِهِمْ وَتَنَاقُضِهِمْ.
وَكَذَلِكَ إِنْكَارُهُمْ عَلَى عُثْمَانَ كَوْنَهُ لَمْ يَقْتُلْ عُبيد اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بِالْهُرْمُزَانِ، هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ.
وَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: عَلِيٌّ كَانَ مَعْذُورًا فِي تَرْكِ قَتْلِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ، لِأَنَّ شُرُوطَ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ تُوجَدْ: إِمَّا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِأَعْيَانِ القَتَلة، وَإِمَّا لِعَجْزِهِ عَنِ الْقَوْمِ لِكَوْنِهِمْ ذَوِي شَوْكَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قِيلَ: فَشُرُوطُ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ تُوجَدْ فِي قَتْلِ قَاتِلِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ، وَقَتْلِ قَاتِلِ الْهُرْمُزَانِ، لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ فِي ذَلِكَ. وَالْحُدُودُ تُدرأ بالشّبهات.
وَإِذَا قَالُوا: عُمَرُ أَشَارَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ بِقَتْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَعَلِيٌّ أَشَارَ عَلَى عُثْمَانَ بِقَتْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.
قِيلَ: وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَغَيْرُهُمَا أَشَارُوا عَلَى عَلِيٍّ بِقَتْلِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ، مَعَ أَنَّ الَّذِينَ أَشَارُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ بالقَوَد، أَقَامَ عَلَيْهِمْ حُجَّةً سَلَّمُوا لَهَا: إِمَّا لِظُهُورِ الْحَقِّ مَعَهُ، وَإِمَّا لِكَوْنِ ذَلِكَ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ.
وَعَلِيٌّ لَمَّا يُوَافِقِ الَّذِينَ أَشَارُوا عَلَيْهِ بِالْقَوَدِ، جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِنَ الْحُرُوبِ مَا قَدْ عُلم. وَقَتْلُ قَتَلَةِ عُثْمَانَ أَهْوَنُ مِمَّا جَرَى بِالْجَمَلِ وصفِّين فَإِذَا كَانَ فِي هَذَا اجْتِهَادٌ سَائِغٌ، فَفِي ذلك أوْلى.
وَإِنْ قَالُوا: عُثْمَانُ كَانَ مُبَاحَ الدَّمِ.
قِيلَ لَهُمْ: فَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّ إِبَاحَةَ دَمِ مَالِكِ بْنِ نُويرة أَظْهَرُ مِنْ إِبَاحَةِ دَمِ عُثْمَانَ، بَلْ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ لَا يُعرف أنه كان معصوم الدم، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عِنْدَنَا. وَأَمَّا عُثْمَانُ فَقَدْ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ وَنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّهُ كَانَ مَعْصُومَ الدَّمِ. وَبَيْنَ عُثْمَانَ وَمَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ مِنَ الْفَرْقِ مَا لَا يُحْصِي عَدَدَهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى.
وَمَنْ قَالَ: إِنَّ عُثْمَانَ كَانَ مُبَاحَ الدَّمِ، لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَجْعَلَ عَلِيًّا مَعْصُومَ الدَّمِ، وَلَا الْحُسَيْنُ؛ فَإِنَّ عِصْمَةَ دَمِ عُثْمَانَ أَظْهَرُ مِنْ عِصْمَةِ دَمِ عَلِيٍّ وَالْحُسَيْنِ. وَعُثْمَانُ أَبْعَدُ عَنْ مُوجِبَاتِ الْقَتْلِ مِنْ عَلِيٍّ وَالْحُسَيْنِ. وشُبهة قَتَلة عُثْمَانَ أَضْعَفُ بِكَثِيرٍ مِنْ شُبْهَةِ قَتَلَة عَلِيٍّ وَالْحُسَيْنِ؛ فَإِنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَقْتُلْ مُسْلِمًا، وَلَا قَاتَلَ أَحَدًا عَلَى وِلَايَتِهِ وَلَمْ يَطْلُبْ قِتَالَ أَحَدٍ عَلَى وِلَايَتِهِ أَصْلًا؛ فَإِنْ وَجَبَ
أَنْ يُقال: مَنْ قَتَلَ خَلْقًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وِلَايَتِهِ إِنَّهُ مَعْصُومُ الدَّمِ، وَإِنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيمَا فَعَلَهُ، فَلأَن يُقال: عُثْمَانُ معصوم الدم، وَإِنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيمَا فَعَلَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْوِلَايَاتِ بطريق الأوْلى والأحرى.
ثُمَّ يُقال: غَايَةُ مَا يُقال فِي قِصَّةِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ: إِنَّهُ كَانَ مَعْصُومَ الدَّمِ وَإِنَّ خَالِدًا قَتَلَهُ بِتَأْوِيلٍ، وَهَذَا لَا يُبِيحُ قَتْلَ خَالِدٍ، كَمَا أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ لَمَّا قَتَلَ الرَّجُلَ الَّذِي قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟)) (1) فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ قَتْلَهُ، وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ قَوَداً وَلَا دِية وَلَا كفَّارة.
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَزَوُّجِهِ بِامْرَأَتِهِ لَيْلَةَ قَتْلِهِ ، فَهَذَا مِمَّا لَمْ يُعْرَفْ ثُبُوتُهُ. وَلَوْ ثَبَتَ لَكَانَ هُنَاكَ تَأْوِيلٌ يَمْنَعُ الرَّجْمَ. وَالْفُقَهَاءُ مُخْتَلِفُونَ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ: هَلْ تَجِبُ لِلْكَافِرِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَكَذَلِكَ تَنَازَعُوا هَلْ يَجِبُ عَلَى الذميّة عدة الوفاة؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ لِلْمُسْلِمِينَ. بِخِلَافِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ ، فَإِنَّ تِلْكَ سَبَبُهَا الْوَطْءُ، فَلَا بُدَّ مِنْ براءة الرحم. وأما عدة الوفاة فتجب بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ ، فَإِذَا مَاتَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَهَلْ تَعْتَدُّ مِنَ الْكَافِرِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نزاع. وكذلك إن دَخَلَ بِهَا ، وَقَدْ حَاضَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ حَيْضَةً.
(1) انظر مسلم ج1 ص96 - 97 وسنن أبي داود ج3 ص61.