الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً، أَلَا وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ قَدْ وَقَى اللَّهُ شَرَّهَا، وَلَيْسَ فِيكُمْ مَنْ تُقْطَعُ إِلَيْهِ الْأَعْنَاقُ مِثْلُ أَبِي بكر، ومن بَايَعَ رَجُلًا مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يُبَايَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ تغرَّة أن يقتلا، وإنه كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: أَنَّ الصِّدِّيقَ قَالَ: ((وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ. فَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَهُوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا، فَلَمْ
أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا، كَانَ - وَاللَّهِ - أَنْ أُقَدَّمَ فيُضرب عُنُقِي لَا يقرِّبني ذَلِكَ مِنْ إِثْمٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قومٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تُسَوِّلَ لِي نَفْسِي شَيْئًا عِنْدَ الْمَوْتِ لَا أَجِدُهُ الْآنَ)) وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِكَمَالِهِ (1) .
وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا وَقَعَتْ فَجْأَةً لم تكن قد استعددنا لها وتهيأنا، لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مُتَعَيِّنًا لِذَلِكَ، فَلَمْ يَكُنْ يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَجْتَمِعَ لَهَا النَّاسُ، إِذْ كُلُّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا، وَلَيْسَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ مَنْ يَجْتَمِعُ النَّاسُ عَلَى تَفْضِيلِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ كَمَا اجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ فِي أَبِي بَكْرٍ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِبَيْعَةِ رَجُلٍ دُونَ مَلَأٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَاقْتُلُوهُ. وَهُوَ لَمْ يَسْأَلْ وِقَايَةَ شَرِّهَا، بَلْ أَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ وَقَى شَرَّ الْفِتْنَةِ بِالِاجْتِمَاعِ.
(فصل)
قال الرافضي: ((الثالث: قصورهم في العلم والتجاؤهم في أكثر الأحكام إلى عليّ)) .
وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْبُهْتَانِ. أَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَا عُرف أَنَّهُ اسْتَفَادَ مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا أَصْلًا. وعليٌّ قَدْ رَوَى عَنْهُ وَاحْتَذَى حَذْوَهُ وَاقْتَدَى بِسِيرَتِهِ. وَأَمَّا عُمَرُ فَقَدِ اسْتَفَادَ عليٌّ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا اسْتَفَادَ عُمَرُ مِنْهُ. وَأَمَّا عُثْمَانُ فَقَدْ كَانَ أَقَلَّ عِلْمًا مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَمَعَ هَذَا فَمَا كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى عَلِيٍّ، حَتَّى أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ شَكَا إِلَى عَلِيٍّ بَعْضَ سُعَاةِ عُمَّالِ عُثْمَانَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِكِتَابِ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ عُثْمَانُ: لَا حَاجَةَ لَنَا بِهِ.
وصدَق عُثْمَانُ؛ وَهَذِهِ فَرَائِضُ الصَّدَقَةِ وَنُصُبُهَا الَّتِي لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِالتَّوْقِيفِ فِيهَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ مِنَ أَرْبَعِ طُرُقٍ: أَصَحُّهَا عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي كَتَبَهُ
(1) تقدم تخريجه ص 473.