المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَذَلِكَ أَنَّ البُرّ أَفْضَلُ الْأَقْوَاتِ، وَاللَّحْمَ أَفْضَلُ الْإِدَامِ، كَمَا فِي - مختصر منهاج السنة

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فصل)

- ‌متى سموا رافضة وكذا الزيدية

- ‌ذكر بعض حماقات الرافضة

- ‌(فصل)

- ‌شرك بعض الصوفية حتى في الربوبية

- ‌لا وجود لإلياس والخضر

- ‌أصول الدين عند الإمامية

- ‌تناقض الرافضة في الإمامة بين القول والتطبيق

- ‌لا يحصل بمعرفة الإمام خير إن لم يعمل صالحا

- ‌ليست الإمامة من واجبات الدين

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فصل)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فصل)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فصل)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فصل)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌فْصِلُ

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فصل)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فصل)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فصل)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌فصِّل

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فصل)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

الفصل: وَذَلِكَ أَنَّ البُرّ أَفْضَلُ الْأَقْوَاتِ، وَاللَّحْمَ أَفْضَلُ الْإِدَامِ، كَمَا فِي

وَذَلِكَ أَنَّ البُرّ أَفْضَلُ الْأَقْوَاتِ، وَاللَّحْمَ أَفْضَلُ الْإِدَامِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرِهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال:((سيد إدام أهل الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّحْمُ)) (1) . فَإِذَا كَانَ اللَّحْمُ سَيِّدَ الآدام، والبُرُّ سيد الأقوات، ومجموعها الثريد، لكان الثَّرِيدُ أَفْضَلَ الطَّعَامِ. وَقَدْ صَحَّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ أَنَّهُ قَالَ:((فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ)) .

وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: ((عَائِشَةُ)) . قُلْتُ: مَنِ الرِّجَالِ؟ قَالَ: ((أَبُوهَا)) . قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ((عُمَرُ)) وَسَمَّى رِجَالًا (2) .

وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: قَوْلُهُ لِخَدِيجَةَ: ((مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ بِخَيْرٍ مِنْهَا)) : إِنْ صَحَّ مَعْنَاهُ: مَا أَبْدَلَنِي بِخَيْرٍ لِي مِنْهَا؛ لِأَنَّ خَدِيجَةَ نَفَعَتْهُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ نَفْعًا لَمْ يَقُمْ غَيْرُهَا فِيهِ مَقَامَهَا، فَكَانَتْ خَيْرًا لَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، لِكَوْنِهَا نَفَعَتْهُ وَقْتَ الْحَاجَةِ، لَكِنَّ عَائِشَةَ صَحِبَتْهُ فِي آخِرِ النُّبُوَّةِ وَكَمَالِ الدِّينِ، فَحَصَلَ لَهَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ مَا لم يحصل لمن لم يدرك إلا أَوَّلَ زَمَنِ النُّبُوَّةِ، فَكَانَتْ أَفْضَلَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، فَإِنَّ الْأُمَّةَ انْتَفَعَتْ بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا انْتَفَعَتْ بِغَيْرِهَا، وَبَلَغَتْ مِنَ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ غَيْرُهَا، فَخَدِيجَةُ كَانَ خَيْرُهَا مَقْصُورًا عَلَى نَفْسِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لَمْ تبلِّغ عَنْهُ شَيْئًا، وَلَمْ تَنْتَفِعْ بِهَا الْأُمَّةُ كَمَا انْتَفَعُوا بِعَائِشَةَ، وَلَا كَانَ الدِّينُ قَدْ كمل حَتَّى تُعَلِّمَهُ وَيَحْصُلَ لَهَا مِنْ كَمَالِ الْإِيمَانِ بِهِ مَا حَصَلَ لِمَنْ عَلِمَهُ وَآمَنَ بِهِ بعد كماله.

(فصل)

قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((وَأَذَاعَتْ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى لله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّكِ تُقَاتِلِينَ عَلِيًّا وَأَنْتِ ظَالِمَةٌ لَهُ، ثُمَّ إِنَّهَا خَالَفَتْ أَمْرَ اللَّهِ فِي قوله تعالى:{وقرن في بيوتكن} ، وَخَرَجَتْ فِي مَلَأٍ مِنَ النَّاسِ لِتُقَاتِلَ عَلِيًّا عَلَى غَيْرِ ذَنْبٍ، لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى قتل عُثْمَانَ، وَكَانَتْ هِيَ فِي كُلِّ وَقْتٍ تَأْمُرُ بِقَتْلِهِ، وَتَقُولُ اقْتُلُوا نَعْثَلًا، قَتَلَ اللَّهُ نَعْثَلًا، ولما بَلَغَهَا قَتْلُهُ فَرِحَتْ بِذَلِكَ، ثُمَّ سَأَلَتْ: مَنْ تَوَلَّى الْخِلَافَةَ؟ فَقَالُوا عَلِيٌّ. فَخَرَجَتْ لِقِتَالِهِ عَلَى دم

(1) سنن ابن ماجة: ج2 ص 1099 وهو ضعيف.

(2)

انظر البخاري: ج 5 ص 5، ومسلم: ج4 ص 1856.

ص: 189

عُثْمَانَ، فَأَيُّ ذَنْبٍ كَانَ لِعَلِيٍّ عَلَى ذَلِكَ؟ وَكَيْفَ اسْتَجَازَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَغَيْرُهُمَا مُطَاوَعَتَهَا عَلَى ذلك؟ وبأي وجه يلقون رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ مَعَ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا لَوْ تَحَدَّثَ مَعَ امْرَأَةِ غَيْرِهِ وَأَخْرَجَهَا مِنْ مَنْزِلِهَا وَسَافَرَ بِهَا كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لَهُ، وَكَيْفَ أَطَاعَهَا عَلَى ذَلِكَ عَشَرَاتُ أُلُوفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَسَاعَدُوهَا عَلَى

حَرْبِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَمْ يَنْصُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا طَلَبَتْ حَقَّهَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا شَخْصٌ وَاحِدٌ كلَّمه بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ)) .

وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: أَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَإِنَّهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ قَائِمُونَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءُ لِلَّهِ، وَقَوْلُهُمْ حَقٌّ وَعَدْلٌ لَا يتناقض. وأما الرافضة وغيرهم مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ فَفِي أَقْوَالِهِمْ مِنَ الْبَاطِلِ وَالتَّنَاقُضِ مَا ننبِّه إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى بَعْضِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ عِنْدَهُمْ أَنَّ أَهْلَ بَدْرٍ كُلَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ: عَائِشَةُ وَغَيْرُهَا، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ هُمْ سَادَاتُ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّ أهل الجنة ليس من شرطهم سلا متهم عَنِ الْخَطَأِ، بَلْ وَلَا عَنِ الذَّنْبِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُذْنِبَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ ذَنَبًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَيَتُوبَ مِنْهُ. وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ فَالصَّغَائِرُ مَغْفُورَةٌ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ عِنْدَ جَمَاهِيرِهِمْ، بَلْ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْهُمْ أَنَّ الْكَبَائِرَ قَدْ تُمْحَى بِالْحَسَنَاتِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ مِنْهَا، وَبِالْمَصَائِبِ المكفِّرة وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَإِذَا كَانَ هَذَا أَصْلَهُمْ فَيَقُولُونَ: مَا يُذْكَرُ عَنِ الصَّحَابَةِ مِنَ السَّيِّئَاتِ كَثِيرٌ مِنْهُ كَذِبٌ، وَكَثِيرٌ مِنْهُ كَانُوا مُجْتَهِدِينَ فِيهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَعْرِفْ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَجْهَ اجْتِهَادِهِمْ، وَمَا قُدِّر أَنَّهُ كَانَ فِيهِ ذَنْبٌ مِنَ الذُّنُوبِ لَهُمْ فَهُوَ مَغْفُورٌ لَهُمْ: إِمَّا بِتَوْبَةٍ، وَإِمَّا بِحَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ، وَإِمَّا بِمَصَائِبَ مكفِّرة، وَإِمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ قَدْ قَامَ الدَّلِيلُ الَّذِي يجب القول بموجبه: إنهم من أهل الْجَنَّةِ فَامْتَنَعَ أَنْ يَفْعَلُوا مَا يُوجِبُ النَّارَ لَا مَحَالَةَ، وَإِذَا لَمْ يَمُتْ أَحَدٌ مِنْهُمْ، عَلَى مُوجِبِ النَّارِ لَمْ يَقْدَحْ مَا سِوَى ذَلِكَ فِي اسْتِحْقَاقِهِمْ لِلْجَنَّةِ. وَنَحْنُ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَلَوْ لَمْ يُعلم أَنَّ أُولَئِكَ المعيَّنين فِي الْجَنَّةِ لَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نَقْدَحَ فِي اسْتِحْقَاقِهِمْ لِلْجَنَّةِ بِأُمُورٍ لَا نَعْلَمُ أَنَّهَا تُوجِبُ النَّارَ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ فِي آحَادِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَمْ يُعلم أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، لَيْسَ لَنَا أَنْ نَشْهَدَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ بِالنَّارِ لِأُمُورٍ مُحْتَمَلَةٍ لَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَكَيْفَ يَجُوزُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي خِيَارِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْعِلْمُ بِتَفَاصِيلِ

ص: 190

أَحْوَالِ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَحَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ وَاجْتِهَادَاتِهِ، أَمْرٌ يَتَعَذَّرُ عَلَيْنَا مَعْرِفَتُهُ؟! فَكَانَ كَلَامُنَا فِي ذَلِكَ كَلَامًا فِيمَا لَا نَعْلَمُهُ، وَالْكَلَامُ بِلَا عِلْمٍ حَرَامٌ، فَلِهَذَا كَانَ الْإِمْسَاكُ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ خَيْرًا مِنَ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمٍ بِحَقِيقَةِ الْأَحْوَالِ، إِذْ كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ - أَوْ أَكْثَرُهُ - كَلَامًا بِلَا عِلْمٍ، وَهَذَا حَرَامٌ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ

هَوًى وَمُعَارَضَةُ الْحَقِّ الْمَعْلُومِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ كَلَامًا بِهَوًى يُطْلَبُ فيه دفع الحق المعلوم؟

وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((وَأَذَاعَتْ سرَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم)) فَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنيَِ الْعَلِيمُ الْخَبِير} (1) .

وقد ثبت في الصحيح عن عمر أنها عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ (2) .

فَيُقَالُ: أَوَّلًا: هَؤُلَاءِ يَعْمِدُونَ إِلَى نُصُوصِ الْقُرْآنِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ ذنوبٍ ومعاصٍ بَيِّنَةٍ لِمَنْ نُصَّتْ عَنْهُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ يَتَأَوَّلُونَ النُّصُوصَ بِأَنْوَاعِ التَّأْوِيلَاتِ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: بَلْ أَصْحَابُ الذُّنُوبِ تَابُوا مِنْهَا وَرَفَعَ اللَّهُ دَرَجَاتِهِمْ بالتوبة.

وهذه الآية ليست أوْلى فِي دِلَالَتِهَا عَلَى الذُّنُوبِ مِنْ تِلْكَ الْآيَاتِ، فَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُ تِلْكَ سَائِغًا كَانَ تَأْوِيلُ هَذِهِ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُ هَذِهِ بَاطِلًا فَتَأْوِيلُ تِلْكَ أَبْطَلُ.

وَيُقَالُ: ثَانِيًا: بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ ذَنْبٌ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، فَيَكُونَانِ قَدْ تَابَتَا مِنْهُ. وَهَذَا ظَاهِرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما} ، فَدَعَاهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إِلَى التَّوْبَةِ، فَلَا يُظَنُّ بِهِمَا أَنَّهُمَا لَمْ يَتُوبَا، مَعَ مَا ثَبَتَ مِنْ عُلُوِّ دَرَجَتِهِمَا، وَأَنَّهُمَا زَوْجَتَا نَبِيِّنَا فِي الْجَنَّةِ، وَأَنَّ اللَّهَ خَيَّرَهُنَّ بَيْنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا وَبَيْنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ يتبَدّل بِهِنَّ غَيْرَهُنَّ، وَحُرِّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهِنَّ، واختُلف فِي إِبَاحَةِ ذَلِكَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمَاتَ عَنْهُنَّ وَهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. ثُمَّ قَدْ تقدَّم أَنَّ الذَّنْبَ يُغفر ويُعفى عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ وَبِالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ وَبِالْمَصَائِبِ الْمُكَفِّرَةِ.

وَيُقَالُ: ثَالِثًا: الْمَذْكُورُ عَنْ أَزْوَاجِهِ كالمذكور عمّن شُهد له بالجنة من أهل بيته وغيرهم

(1) الآية 3 من سورة التحريم.

(2)

انظر البخاري: ج6 ص 156، ومسلم: ج2 ص 1110.

ص: 191

مِنَ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّ عَلِيًّا لَمَّا خَطَبَ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ عَلَى فَاطِمَةَ، وَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا فَقَالَ: ((إِنَّ بَنِي الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي أَنْ يُنْكِحُوا

عَلِيًّا ابْنَتَهُمْ، وَإِنِّي لَا آذَنُ ثُمَّ لَا آذَنُ ثُمَّ لَا آذَنُ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَتَزَوَّجَ ابْنَتَهُمْ، إِنَّمَا فَاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي مَا رَابَهَا وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا)) فَلَا يُظن بِعَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ تَرَكَ الْخِطْبَةَ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ، بَلْ تَرَكَهَا بِقَلْبِهِ وَتَابَ بِقَلْبِهِ عَمَّا كَانَ طَلَبَهُ وسعى فيه.

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ وَهُوَ قَوْلُهُ لَهَا: ((تُقَاتِلِينَ عَلِيًّا وَأَنْتِ ظَالِمَةٌ لَهُ)) فَهَذَا لَا يُعرف فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَلَا لَهُ إِسْنَادٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ بِالْمَوْضُوعَاتِ الْمَكْذُوبَاتِ أشبه منه بالأحاديث الصحيحة، بَلْ هُوَ كَذِبٌ قَطْعًا، فَإِنَّ عَائِشَةَ لَمْ تُقَاتِلْ وَلَمْ تَخْرُجْ لِقِتَالٍ، وَإِنَّمَا خَرَجَتْ لِقَصْدِ الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَظَنَّتْ أَنَّ فِي خُرُوجِهَا مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهَا فِيمَا بَعْدُ أَنْ تَرْكَ الْخُرُوجِ كَانَ أوْلى، فَكَانَتْ إِذَا ذكرت خروجها تبكي حتى تبل خمارها.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((وَخَالَفَتْ أَمْرَ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} (1) . فهي رضي الله عنه لَمْ تَتَبَرَّجْ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى. وَالْأَمْرُ بِالِاسْتِقْرَارِ فِي الْبُيُوتِ لَا يُنَافِي الْخُرُوجَ لِمَصْلَحَةٍ مَأْمُورٍ بها، كما لو خرجت للحج وللعمرة أَوْ خَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا فِي سَفْرَةٍ، فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ قَدْ نَزَلَتْ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ سَافَرَ بِهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا سَافَرَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِعَائِشَةَ رضي الله عنها وَغَيْرِهَا، وَأَرْسَلَهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخِيهَا فَأَرْدَفَهَا خَلْفَهُ، وَأَعْمَرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((إِنَّهَا خَرَجَتْ فِي مَلَأٍ مِنَ الناس تقاتل عليًّا من غَيْرِ ذَنْبٍ)) .

فَهَذَا أَوَّلًا: كَذِبٌ عَلَيْهَا. فَإِنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ لِقَصْدِ الْقِتَالِ، وَلَا كَانَ أَيْضًا طلحة والزبير قصدهما قتال عليّ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُمْ قَصَدُوا الْقِتَالَ، فَهَذَا هُوَ الْقِتَالُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيء إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُم} (2) فَجَعَلَهُمْ مُؤْمِنِينَ إِخْوَةً مَعَ الِاقْتِتَالِ. وَإِذَا كَانَ هَذَا ثَابِتًا لِمَنْ هُوَ دُونَ أُولَئِكَ الْمُؤْمِنِينَ فهم به

(1) الآية 33 من سورة الأحزاب.

(2)

الآيتان 9و10 من سورة الحجرات.

ص: 192

أوْلى وأحرى.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((إِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ عثمان)) .

فجوابه مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: أَوَّلًا: هَذَا مِنْ أَظْهَرِ الْكَذِبِ وأَبينه؛ فَإِنَّ جَمَاهِيرَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَأْمُرُوا بِقَتْلِهِ، وَلَا شَارَكُوا فِي قَتْلِهِ، وَلَا رَضُوا بِقَتْلِهِ.

أما أولا: فلأن أَكْثَرَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُونُوا بِالْمَدِينَةِ، بَلْ كَانُوا بِمَكَّةَ وَالْيَمَنِ وَالشَّامِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَمِصْرَ وَخُرَاسَانَ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ.

وَأَمَا ثَانِيًا: فَلِأَنَّ خِيَارَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَدْخُلْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي دم عثمان لَا قَتَلَ وَلَا أَمَرَ بِقَتْلِهِ، وَإِنَّمَا قَتَلَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ مِنْ أَوْبَاشِ القبائل وأهل الفتن، وكان علي ّ رضي الله عنه يَحْلِفُ دَائِمًا:((إِنِّي مَا قَتَلْتُ عُثْمَانَ وَلَا مَالَأْتُ عَلَى قَتْلِهِ)) وَيَقُولُ: ((اللَّهُمَّ الْعَنْ قَتَلَةَ عُثْمَانَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ والسهل والجبل)) . وغاية ما يقال: إنهم لن يَنْصُرُوهُ حَقَّ النُّصْرَةِ، وَأَنَّهُ حَصَلَ نَوْعٌ مِنَ الْفُتُورِ وَالْخِذْلَانِ، حَتَّى تَمَكَّنَ أُولَئِكَ الْمُفْسِدُونَ. وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَأْوِيلَاتٌ، وَمَا كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ الْأَمْرَ يَبْلُغُ إِلَى مَا بَلَغَ، وَلَوْ عَلِمُوا ذلك لسدّوا الذريعة وحسموا مادة الفتنة.

الثاني: أَنَّ هَؤُلَاءِ الرَّافِضَةَ فِي غَايَةِ التَّنَاقُضِ وَالْكَذِبِ؛ فَإِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّاسَ أَجْمَعُوا عَلَى بَيْعَةِ عُثْمَانَ مَا لَمْ يُجْمِعُوا عَلَى قَتْلِهِ؛ فَإِنَّهُمْ كُلُّهُمْ بَايَعُوهُ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ. فَإِنْ جَازَ الِاحْتِجَاجُ بِالْإِجْمَاعِ الظَّاهِرِ، فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ بَيْعَتُهُ حَقًّا لِحُصُولِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهَا. وَإِنْ لَمْ يَجُزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، بَطَلَتْ حُجَّتُهُمْ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى قَتْلِهِ. لَا سِيَّمَا وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ قَتْلَهُ إِلَّا طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ. ثُمَّ إِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ الْإِجْمَاعَ عَلَى بَيْعَتِهِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّمَا بَايَعَ أَهْلُ الْحَقِّ مِنْهُمْ خَوْفًا وَكُرْهًا. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَوِ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى قَتْلِهِ، وَقَالَ قَائِلٌ: كَانَ أَهْلُ الْحَقِّ كَارِهِينَ لِقَتْلِهِ لَكِنْ سَكَتُوا خَوْفًا وتقيَّة عَلَى أَنْفُسِهِمْ، لَكَانَ هَذَا أَقْرَبَ إِلَى الْحَقِّ، لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ جَرَتْ بِأَنَّ مَنْ يُرِيدُ قَتَلَ الْأَئِمَّةَ يُخِيفُ مَنْ يُنَازِعُهُ، بِخِلَافِ مَنْ يُرِيدُ مُبَايَعَةَ الْأَئِمَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يُخِيفُ الْمُخَالِفَ، كَمَا يُخِيفُ مَنْ يُرِيدُ قَتْلَهُ، فَإِنَّ الْمُرِيدِينَ لِلْقَتْلِ أَسْرَعُ إِلَى الشَّرِّ وَسَفْكِ الدماء وإخافة الناس من المريدين للمبايعة.

قُدِّر أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ ظَهْرَ مِنْهُمُ الْأَمْرُ بقتله، فكيف وجمهورهم أنكروا قتله،

ص: 193

وَدَافَعَ عَنْهُ مَنْ دَافَعَ فِي بَيْتِهِ، كَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمَا؟

ثُمَّ دَعْوَى الْمُدَّعِي الْإِجْمَاعَ عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ مع ظهور الإنكار من جماهير الْأُمَّةِ لَهُ وَقِيَامِهِمْ فِي الِانْتِصَارِ لَهُ وَالِانْتِقَامِ مِمَّنْ قَتَلَهُ، أَظْهَرُ كَذِبًا مِنْ دَعْوَى الْمُدَّعِي إجماع الأمة عَلَى قَتْلِ الْحُسَيْنِ رضي الله عنه.

فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ الْحُسَيْنَ قُتِلَ بِإِجْمَاعِ النَّاسِ، لِأَنَّ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ وَقَتَلُوهُ لَمْ يَدْفَعْهُمْ أَحَدٌ عن ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ كَذِبُهُ بِأَظْهَرَ مِنْ كَذِبِ الْمُدَّعِي لِلْإِجْمَاعِ عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ؛ فَإِنَّ الْحُسَيْنَ رضي الله عنه لم يعظم إنكار الْأُمَّةِ لِقَتْلِهِ، كَمَا عَظُمَ إِنْكَارُهُمْ لِقَتْلِ عُثْمَانَ، وَلَا انْتَصَرَ لَهُ جُيُوشٌ كَالْجُيُوشِ الَّذِينَ انْتَصَرَتْ لِعُثْمَانَ، وَلَا انْتَقَمَ أَعْوَانُهُ مِنْ أَعْدَائِهِ كَمَا انْتَقَمَ أَعْوَانُ عُثْمَانَ مِنْ أَعْدَائِهِ، وَلَا حَصَلَ بِقَتْلِهِ مِنَ الْفِتْنَةِ وَالشَّرِّ وَالْفَسَادِ مَا حَصَلَ بِقَتْلِ عُثْمَانَ، وَلَا كَانَ قَتْلُهُ أَعْظَمَ إِنْكَارًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ وَعِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ قَتْلِ عُثْمَانَ؛ فَإِنَّ عُثْمَانَ مِنْ أَعْيَانِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ طَبَقَةِ عَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَهُوَ خَلِيفَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى بَيْعَتِهِ، بَلْ لَمْ يُشْهر فِي الْأُمَّةِ سَيْفًا وَلَا قَتَلَ عَلَى وِلَايَتِهِ أَحَدًا، وَكَانَ يَغْزُو بِالْمُسْلِمِينَ الْكُفَّارَ بِالسَّيْفِ، وَكَانَ السَّيْفُ فِي خِلَافَتِهِ كَمَا كَانَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مَسْلُولًا على الكفَّار، مكفوفا عن أهل القبلة.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((إِنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ فِي كُلِّ وَقْتٍ تَأْمُرُ بِقَتْلِ عُثْمَانَ، وَتَقُولُ فِي كُلِّ وَقْتٍ: اقْتُلُوا نَعْثَلًا، قَتْلَ اللَّهُ نَعْثَلًا، وَلَمَّا بلغها قتله فرحت بذلك)) .

فَيُقَالُ لَهُ: أَوَّلًا: أَيْنَ النَّقْلُ الثَّابِتُ عَنْ عَائِشَةَ بِذَلِكَ؟

وَيُقَالُ: ثَانِيًا: الْمَنْقُولُ الثَّابِتُ عَنْهَا يُكَذِّبُ ذَلِكَ، وَيُبَيِّنُ أَنَّهَا أَنْكَرَتْ قَتْلَهُ، وَذَمَّتْ مَنْ قَتَلَهُ، وَدَعَتْ عَلَى أَخِيهَا مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ لِمُشَارَكَتِهِمْ فِي ذَلِكَ.

وَيُقَالُ: ثَالِثًا: هَبْ أَنَّ وَاحِدًا مِنَ الصَّحَابَةِ: عَائِشَةَ أَوْ غَيْرَهَا قَالَ فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ، لِإِنْكَارِهِ بَعْضَ مَا يُنْكَرُ، فَلَيْسَ قَوْلُهُ حُجَّةً، وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ لَا فِي إِيمَانِ الْقَائِلِ وَلَا الْمَقُولِ لَهُ، بَلْ قَدْ يَكُونُ كِلَاهُمَا وَلِيًّا لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَيَظُنُّ أَحَدُهُمَا جَوَازَ قَتْلِ الْآخَرِ، بَلْ يَظُنُّ كُفْرَهُ، وَهُوَ مُخْطِئٌ في هذا الظن.

والكلام في الناس يجب أن يكون في علم وَعَدْلٍ، لَا بِجَهْلٍ وَظُلْمٍ، كَحَالِ أَهْلِ الْبِدَعِ؛

ص: 194

فَإِنَّ الرَّافِضَةَ تَعْمِدُ إِلَى أَقْوَامٍ مُتَقَارِبِينَ فِي الفضيلة، تريد أن تجعل أحدهما مَعْصُومًا مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، وَالْآخَرَ مَأْثُومًا فَاسِقًا أَوْ كَافِرًا، فَيَظْهَرُ جَهْلُهُمْ وَتَنَاقُضُهُمْ، كَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ نُبُوَّةَ مُوسَى أَوْ عِيسَى، مَعَ قَدْحِهِ فِي نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّهُ يَظْهَرُ عَجْزُهُ وَجَهْلُهُ وتناقضه.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((إِنَّهَا سَأَلَتْ مَنْ تَوَلَّى الْخِلَافَةَ؟ فَقَالُوا: عَلِيٌّ فَخَرَجَتْ لِقِتَالِهِ عَلَى دَمِ عُثْمَانَ فَأَيُّ ذَنْبٍ كَانَ لِعَلِيٍّ فِي ذَلِكَ؟)) .

فَيُقَالُ لَهُ: أَوَّلًا: قَوْلُ الْقَائِلِ إِنَّ عَائِشَةَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ اتَّهَمُوا عَلِيًّا بِأَنَّهُ قَتَلَ عُثْمَانَ وَقَاتَلُوهُ عَلَى ذَلِكَ -كَذِبٌ بَيِّنٌ، بَلْ إِنَّمَا طَلَبُوا الْقَتَلَةَ الَّذِينَ كَانُوا تَحَيَّزُوا إِلَى عَلِيٍّ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ بَرَاءَةَ عَلِيٍّ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ كَبَرَاءَتِهِمْ وَأَعْظَمُ، لَكِنَّ الْقَتَلَةَ كَانُوا قَدْ أَوَوْا إِلَيْهِ، فَطَلَبُوا قَتْلَ الْقَتَلَةِ، وَلَكِنْ كَانُوا عَاجِزِينَ عَنْ ذَلِكَ هُمْ وَعَلِيٌّ، لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانَتْ لَهُمْ قَبَائِلُ يذبُّون عَنْهُمْ.

وَالْفِتْنَةُ إِذَا وَقَعَتْ عَجَزَ الْعُقَلَاءُ فِيهَا عَنْ دَفْعِ السُّفَهَاءِ، فَصَارَ الْأَكَابِرُ رضي الله عنهم عَاجِزِينَ عَنْ إِطْفَاءِ الْفِتْنَةِ وَكَفِّ أَهْلِهَا. وَهَذَا شَأْنُ الْفِتَنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَاتّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيَبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَةً} (1) . وَإِذَا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ لَمْ يَسْلَمْ مِنَ التَّلَوُّثِ بها إلا من عصمه الله.

وأيضا قوله: ((أَيُّ ذَنْبٍ كَانَ لِعَلِيٍّ فِي قَتْلِهِ؟)) .

تَنَاقُضٌ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ مِمَّنْ يستحل قتله وقتاله، وَمِمَّنْ ألَّب عَلَيْهِ وَقَامَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه نَسَبَهُ إِلَى قَتْلِ عُثْمَانَ كَثِيرٌ مِنْ شِيعَتِهِ وَمِنْ شِيعَةِ عُثْمَانَ، هَؤُلَاءِ لِبُغْضِهِمْ لِعُثْمَانَ وَهَؤُلَاءِ لِبُغْضِهِمْ لِعَلِيٍّ، وَأَمَّا جَمَاهِيرُ الْمُسْلِمِينَ فَيَعْلَمُونَ كَذِبَ الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى عَلِيٍّ.

وَالرَّافِضَةُ تَقُولُ: إِنَّ عَلِيًّا كَانَ مِمَّنْ يَسْتَحِلُّ قَتْلَ عُثْمَانَ، بَلْ وَقَتْلَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَتَرَى أَنَّ الْإِعَانَةَ عَلَى قَتْلِهِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ. فَكَيْفَ يَقُولُ مَنْ هَذَا اعْتِقَادُهُ: أَيُّ ذَنْبٍ كَانَ لِعَلِيٍّ عَلَى ذَلِكَ؟ وَإِنَّمَا يَلِيقُ هَذَا التَّنْزِيهُ لِعَلِيٍّ بِأَقْوَالِ أَهْلِ السُّنَّةِ، لَكِنَّ الرَّافِضَةَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ تَنَاقُضًا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((وكيف استجاز طلحة والزبير وغيرهما مطاوعته على ذلك؟ وبأي وجه يلقون رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ مَعَ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا لَوْ تَحَدَّثَ مَعَ امْرَأَةِ غَيْرِهِ وَأَخْرَجَهَا من منزلها

(1) الآية 25 من سورة الأنفال.

ص: 195

وَسَافَرَ بِهَا كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لَهُ)) .

فَيُقَالُ: هَذَا مِنْ تَنَاقُضِ الرَّافِضَةِ وَجَهْلِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ يرمون عائشة بِالْعَظَائِمِ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَرْمِيهَا بِالْفَاحِشَةِ الَّتِي برَّأها اللَّهُ مِنْهَا، وَأَنْزَلَ الْقُرْآنَ فِي ذَلِكَ.

ثُمَّ إِنَّهُمْ لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ يَدَّعُونَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا مِنْ نِسَاءِ الْأَنْبِيَاءِ، فَيَزْعُمُونَ أَنَّ امْرَأَةَ نُوحٍ كَانَتْ بَغِيًّا، وَأَنَّ الِابْنَ الَّذِي دَعَاهُ نُوحٌ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ وَإِنَّمَا كَانَ مِنْهَا، وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ:{إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح} (1) . أَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْ عملٍ غَيْرِ صَالِحٍ. ومنهم من يقرأ: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} (2) . يُرِيدُونَ: ابْنَهَا، وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} . وَيَتَأَوَّلُونَ قَوْلَهُ تَعَالَى:

{ضرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} (3) عَلَى أَنَّ امْرَأَةَ نُوحٍ خَانَتْهُ فِي فِرَاشِهِ، وَأَنَّهَا كَانَتْ قَحبة.

وَضَاهَوْا فِي ذَلِكَ الْمُنَافِقِينَ وَالْفَاسِقِينَ أَهْلَ الْإِفْكِ الَّذِينَ رَمَوْا عَائِشَةَ بِالْإِفْكِ وَالْفَاحِشَةِ وَلَمْ يَتُوبُوا، وَفِيهِمْ خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ

مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا)) (4) .

وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْأَذَى لِلْإِنْسَانِ أَنْ يكذب على امرأته رَجُلٌ وَيَقُولُ إِنَّهَا بَغِيٌّ وَيَجْعَلُ الزَّوْجَ زَوْجَ قَحْبَةٍ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا يَشْتُمُ بِهِ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، حَتَّى إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي الْمُبَالَغَةِ: شَتَمَهُ بِالزَّايِ وَالْقَافِ مُبَالَغَةً فِي شَتْمِهِ.

وَالرَّمْيُ بِالْفَاحِشَةِ - دُونَ سَائِرِ الْمَعَاصِي - جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ حَدَّ الْقَذْفِ، لِأَنَّ الْأَذَى الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ لِلْمَرْمِيِّ لَا يَحْصُلُ مِثْلُهُ بِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ رُمِيَ بِالْكُفْرِ أَمْكَنَهُ تَكْذِيبُ الرَّامِي بِمَا يُظْهِرُهُ مِنَ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ الرَّمْيِ بِالْفَاحِشَةِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَكْذِيبُ الْمُفْتَرِي بِمَا يُضَادُّ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْفَاحِشَةَ تُخْفَى وَتُكْتَمُ مَعَ تَظَاهُرِ الإنسان بخلاف ذلك، وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَعِنْدَهُمْ أَنَّهُ مَا بَغَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ، وَأَنَّ ابْنَ نُوحٍ كَانَ ابنه. كما قال الله تَعَالَى وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ:{وَنَادَى نُوحٌ ابْنَه} ، وكما قال نوح:{َيا ُبنيَّ ارْكَبْ مَعَنَا} ، وقال:{إِنَّ ابْنِي مِن ْأَهْلِي} .

فالله ورسوله يقولان: إنه ابنه، وهؤلاء الكاذبون الْمُفْتَرُونَ الْمُؤْذُونَ لِلْأَنْبِيَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَيْسَ ابْنَهُ. وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ: إِنَّهُ لَيْسَ ابْنَكَ، ولكن قال:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} .

ثُمَّ مِنْ جَهْلِ الرَّافِضَةِ أَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ أَنْسَابَ الْأَنْبِيَاءِ: آبَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ وَيَقْدَحُونَ فِي أَزْوَاجِهِمْ؛ كُلُّ ذَلِكَ عَصَبِيَّةً وَاتِّبَاعَ هَوًى حَتَّى يُعَظِّمُونَ فَاطِمَةَ والحسن والحسين،

(1) الآية 46 من سورة هود.

(2)

الآية 42 من سورة هود.

(3)

الآية 10 من سورة التحريم.

(4)

رواه البخاري: 3/173 وغيره وتقدم ص.

ص: 196

وَيَقْدَحُونَ فِي عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَقُولُونَ - أَوْ مَنْ يَقُولُ مِنْهُمْ -: إِنْ آزَرَ أَبَا إِبْرَاهِيمَ كَانَ مُؤْمِنًا، وَإِنَّ أَبَوَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَا مؤمنَيْنِ، حَتَّى لَا يَقُولُونَ: إن النبي يكون أبوه كَافِرًا، فَإِذَا كَانَ أَبُوهُ كَافِرًا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ ابْنُهُ كَافِرًا، فَلَا يَكُونُ فِي مُجَرَّدِ النسب فضيلة.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((كَيْفَ أَطَاعَهَا عَلَى ذَلِكَ عَشَرَاتُ أُلُوفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَسَاعَدُوهَا عَلَى حَرْبِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَمْ يَنْصُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا طَلَبَتْ حَقَّهَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، وَلَا شَخْصٌ وَاحِدٌ كلَّمه بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ)) .

فَيُقَالُ: أَوَّلًا: هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْحُجَجِ عَلَيْكَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَشُكُّ عَاقِلٌ أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا يُحِبُّونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيُعَظِّمُونَهُ وَيَعْظُمُونَ قَبِيلَتَهُ وَبِنْتَهُ أَعْظَمَ مِمَّا يُعَظِّمُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَكَيْفَ إِذَا كَانَ هُوَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ؟ وَلَا يَسْتَرِيبُ عَاقِلٌ أَنَّ الْعَرَبَ-قُرَيْشًا وَغَيْرَ قُرَيْشٍ-كَانَتْ تَدِينُ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَتُعَظِّمُهُمْ أَعْظَمَ مِمَّا يُعَظِّمُونَ بَنِي تَيْمٍ وَعَدِيٍّ، وَلِهَذَا لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَوَلَّى أَبُو بَكْرٍ، قِيلَ لِأَبِي قُحَافَةَ: مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: حَدَثٌ عَظِيمٌ، فَمَنْ وَلِّيَ بَعْدَهُ؟ قالوا أبو بكر. قَالَ: أَوَ رَضِيَتْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ وَبَنُو مَخْزُومٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، أَوْ كَمَا قَالَ.

وَلِهَذَا جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: أَرَضِيتُمْ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْأَمْرُ فِي بَنِي تَيْمٍ؟ فَقَالَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ إِنَّ أَمْرَ الْإِسْلَامِ لَيْسَ كَأَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، أَوْ كَمَا قَالَ.

فَإِذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنها مَظْلُومَةٌ، وَلَا أَنَّ لَهَا حَقًّا

ص: 197