الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ ((وعليٌّ فِيكُمْ)) بَلِ الَّذِي ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ السَّقِيفَةِ: بَايِعُوا أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ: عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَأَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: بَلْ أَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قال عُمَرُ: كُنْتُ وَاللَّهِ لَأَنْ أُقدَّم فتُضرب عُنُقِي، لَا يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ إلى إثم، أحب إلي مِنْ تأمُّري عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ (1) .
ثُمَّ لَوْ قَالَ: ((وعليٌّ فِيكُمْ)) لَاسْتَخْلَفَهُ مَكَانَ عمر؛ فإن أمره كان مطاعا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((إِنْ كَانَتْ إِمَامَتُهُ حَقًّا كَانَتِ اسْتِقَالَتُهُ مِنْهَا مَعْصِيَةً)) .
فَيُقَالُ: إِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ، فَإِنَّ كَوْنَهَا حَقًّا إِمَّا بِمَعْنَى كَوْنِهَا جَائِزَةً، وَالْجَائِزُ يَجُوزُ تَرْكُهُ. وَإِمَّا بِمَعْنَى كَوْنِهَا وَاجِبَةً إِذَا لَمْ يُوَلُّوا غَيْرَهُ وَلَمْ يُقِيلُوهُ. وَأَمَّا إِذَا أَقَالُوهُ وولُّوا غَيْرَهُ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ.
وَالْإِنْسَانُ قَدْ يَعْقِدُ بَيْعًا أَوْ إِجَارَةً، وَيَكُونُ الْعَقْدُ حَقًّا، ثُمَّ يَطْلُبُ الْإِقَالَةَ، وَهُوَ لِتَوَاضُعِهِ وَثِقَلِ الْحِمْلِ عَلَيْهِ قَدْ يَطْلُبُ الْإِقَالَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْهُ. وَتَوَاضُعُ الْإِنْسَانِ لَا يُسْقِطُ حَقَّهُ.
(فَصْلٌ)
قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((وَقَالَ عُمَرُ: كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتة وَقَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ شَرَّهَا، فَمَنْ عَادَ إِلَى مِثْلِهَا فَاقْتُلُوهُ. وَلَوْ كَانَتْ إِمَامَتُهُ صَحِيحَةً لَمْ
يَسْتَحِقَّ فَاعِلُهَا الْقَتْلَ، فَيَلْزَمُ تَطَرُّقُ الطَّعْنِ إِلَى عُمَرَ. وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلَةً، لَزِمَ الطَّعْنُ عَلَيْهِمَا مَعًا)) .
وَالْجَوَابُ: أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ سَيَأْتِي. قَالَ فِيهِ: ((فَلَا يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ: ((إِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً فَتَمَّتْ. أَلَا وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ وَقَى اللهُ شرَّها، وَلَيْسَ فِيكُمْ مَنْ تُقْطَعُ إِلَيْهِ الْأَعْنَاقُ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ)) . وَمَعْنَاهُ أَنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ بُودِرَ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَرَيُّثٍ وَلَا انْتِظَارٍ، لِكَوْنِهِ كَانَ مُتَعَيِّنًا لِهَذَا الْأَمْرِ. كَمَا قَالَ عُمَرُ:((لَيْسَ فِيكُمْ مَنْ تُقطع إِلَيْهِ الْأَعْنَاقُ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ)) .
وَكَانَ ظُهُورُ فَضِيلَةِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى مَنْ سِوَاهُ، وَتَقْدِيمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَهُ على سائر
(1) تقدم تخريجه ص93 وسيأتي ص 407 وتخريجه هناك.