الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمد مطلقا.
الْخَامِسُ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (1) وَقَوْلَهُ: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا اْلأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (2) . نصٌّ عامٌ فِي الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَسِيَاقُ الْكَلَامِ يَدُلُّ على عمومه.
(فَصْلٌ)
قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((الْبُرْهَانُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةَ} (3) . رَوَى الْحَافِظُ أَبُو نُعيم بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ: تَأْتِي أَنْتَ وَشِيعَتُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَاضِينَ مَرْضِيِّينَ، وَيَأْتِي خصماؤك غِضَابًا مُفْحَمِينَ، وَإِذَا كَانَ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْإِمَامَ)) .
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ النَّقْلِ، وَإِنْ كُنَّا غَيْرَ مُرْتَابِينَ فِي كَذِبِ ذَلِكَ، لَكِنَّ مُطَالَبَةَ الْمُدَّعِي بِصِحَّةِ النَّقْلِ لَا يَأْبَاهُ إِلَّا مُعَانِدٌ. وَمُجَرَّدُ رِوَايَةِ أَبِي نُعيم لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ بِاتِّفَاقِ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ.
الثَّانِي: أَنَّ هَذَا مِمَّا هُوَ كَذِبٌ موضوع باتفاق العلماء وأهل الْمَعْرِفَةِ بِالْمَنْقُولَاتِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يُقال: هَذَا مُعَارَضٌ بِمَنْ يَقُولُ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ هُمُ النَّوَاصِبُ، كَالْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ مَنْ تَوَلَّاهُ فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَحْتَجُّونَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:{وَمَنْ لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (4) . قَالُوا: وَمَنْ حكَّم الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ فَقَدْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَيَكُونُ كَافِرًا، وَمَنْ تَوَلَّى الْكَافِرَ فَهُوَ كَافِرٌ، لِقَوْلِهِ:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (5)
(1) الآية 8 من سورة التحريم.
(2)
الآية 12 من سورة الحديد.
(3)
الآية 7 من سورة البينة.
(4)
الآية 44 من سورة المائدة.
(5)
الآية 51 من سورة المائدة.
وَقَالُوا: إِنَّهُ هُوَ وَعُثْمَانُ وَمَنْ تَوَلَّاهُمَا مُرْتَدُّونَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ((لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، فَأَقُولُ؛ أَيْ رَبِّ أَصْحَابِي أَصْحَابِي. فيُقال: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، إِنَّهُمْ لَمْ يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم)) (1) .
قَالُوا: وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ حَكَمُوا فِي دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ.
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ: ((لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بعض)) (2) . قالوا: فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِنْ حُجَجِ الْخَوَارِجِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا بِلَا رَيْبٍ فَحُجَجُ الرَّافِضَةِ أَبْطَلُ مِنْهُ، وَالْخَوَارِجُ أَعْقَلُ وَأَصْدَقُ وَأَتْبَعُ لِلْحَقِّ مِنَ الرَّافِضَةِ؛ فَإِنَّهُمْ صَادِقُونَ لَا يَكْذِبُونَ، أَهْلُ دِينٍ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، لَكِنَّهُمْ ضَالُّونَ جَاهِلُونَ مَارِقُونَ، مَرَقُوا مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، وَأَمَّا الرَّافِضَةُ فَالْجَهْلُ وَالْهَوَى وَالْكَذِبُ غَالِبٌ عَلَيْهِمْ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ وَعَامَّتِهِمْ زَنَادِقَةٌ مَلَاحِدَةٌ، لَيْسَ لَهُمْ غَرَضٌ فِي الْعِلْمِ وَلَا فِي الدِّينِ، بَلْ {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى اْلأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهمُ الْهُدَى} (3) .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقال: قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتَ} (4) عَامٌّ فِي كُلِّ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ، فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ تَخْصِيصَهُ بِالشِّيعَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: لِأَنَّ مَنْ سِوَاهُمْ كَافِرٌ.
قِيلَ: إِنْ ثَبَتَ كُفْرُ مَنْ سِوَاهُمْ بِدَلِيلٍ، كَانَ ذَلِكَ مُغْنِيًا لَكُمْ عَنْ هَذَا التَّطْوِيلِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَمْ يَنْفَعْكُمْ هَذَا الدَّلِيلُ، فَإِنَّهُ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ لَا يَثْبُتُ، فَإِنْ أَمْكَنَ إِثْبَاتُهُ بِدَلِيلٍ مُنْفَصَلٍ، فَذَاكَ هُوَ الَّذِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ لَا هَذِهِ الآية.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يُقال: مِنَ الْمَعْلُومِ الْمُتَوَاتِرِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُوَالِي غَيْرَ شِيعَةِ عَلِيٍّ أَكْثَرَ مِمَّا يُوَالِي كَثِيرًا مِنَ الشِّيعَةِ، حَتَّى الْخَوَارِجُ كَانَ يُجَالِسُهُمْ وَيُفْتِيهِمْ وَيُنَاظِرُهُمْ. فَلَوِ اعْتَقَدَ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ هُمُ الشِّيعَةُ فَقَطْ، وَأَنَّ مَنْ سِوَاهُمْ كُفَّارٌ، لَمْ يعمل مثل هذا.
(1) انظر مسلم ج1 ص 218.
(2)
انظر البخاري ج1 ص 31 ومسلم ج1 ص 81 - 82.
(3)
الآية 23 من سورة النجم.
(4)
الآية 7 من سورة البينة.