الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ)
قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((وَكَمَسْحِ الرِّجْلَيْنِ الَّذِي نَصَّ الله تعالى عليه في كتابه العزيز فقال: {َ فاْغسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُم إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا
بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن} (1)، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:((عُضْوَانِ مَغْسُولَانِ، وَعُضْوَانِ مَمْسُوحَانِ، فَغَيَّرُوهُ وَأَوْجَبُوا الْغَسْلَ)) .
فَيُقَالُ: الَّذِينَ نَقَلُوا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْوُضُوءَ قَوْلًا وفعلا، والذين تعلّموا الوضوء منه وتوضؤوا عَلَى عَهْدِهِ، وَهُوَ يَرَاهُمْ وَيُقِرُّهُمْ عَلَيْهِ وَنَقَلُوهُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، أَكْثَرُ عَدَدًا مِنَ الَّذِينَ نَقَلُوا لَفْظَ هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنَّ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ كانوا يتوضؤون عَلَى عَهْدِهِ، وَلَمْ يَتَعَلَّمُوا الْوُضُوءَ إِلَّا مِنْهُ صلى الله عليه وسلم؛ فَإِنَّ هَذَا الْعَمَلَ لَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا عِنْدَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُمْ قَدْ رَأَوْهُ يَتَوَضَّأُ مَا لَا يُحْصِي عَدَدَهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَنَقَلُوا عَنْهُ ذِكْرَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِيمَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْحَدِيثِ، حَتَّى نَقَلُوا عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ قَالَ:((وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ وَبُطُونِ الْأَقْدَامِ مِنَ النَّارِ)) ، مَعَ أَنَّ الْفَرْضَ إِذَا كَانَ مسح ظهر القدم، كان غَسْلُ الْجَمِيعِ كَلَفَةً لَا تَدْعُو إِلَيْهَا الطِّبَاعُ، كَمَا تَدْعُو الطِّبَاعُ إِلَى طَلَبِ الرِّئَاسَةِ وَالْمَالِ فإن جاز أن يقال: إنهم كذبوا وأخطؤوا فِيمَا نَقَلُوهُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ، كَانَ الْكَذِبُ وَالْخَطَأُ فِيمَا نُقل مِنْ لَفْظِ الْآيَةِ أَقْرَبَ إلى الجواز.
وإن قيل بل لفظت الآية بِالتَّوَاتُرِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الْخَطَأُ فِيهِ، فَثُبُوتُ التَّوَاتُرِ فِي نَقْلِ الْوُضُوءِ عَنْهُ أوْلى وَأَكْمَلُ، وَلَفْظُ الْآيَةِ لَا يُخَالِفُ مَا تَوَاتَرَ مِنَ السنَّة، فَإِنَّ الْمَسْحَ جِنْسٌ تَحْتَهُ نَوْعَانِ: الْإِسَالَةُ، وَغَيْرُ الْإِسَالَةِ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: تمسَّحت لِلصَّلَاةِ، فَمَا كَانَ بِالْإِسَالَةِ فَهُوَ الْغَسْلُ، وَإِذَا خُصَّ أَحَدُ النَّوْعَيْنِ بِاسْمِ الْغَسْلِ فَقَدْ يُخَصُّ النَّوْعُ الْآخَرُ بِاسْمِ الْمَسْحِ، فَالْمَسْحُ يُقال عَلَى الْمَسْحِ الْعَامِّ الَّذِي يَنْدَرِجُ فِيهِ الْغَسْلُ، ويُقال عَلَى الخاص الذي لا يندرج فيه الغسل.
وَفِي الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرد بِمَسْحِ الرِّجْلَيْنِ الْمَسْحَ الَّذِي هُوَ قَسِيمُ الْغَسْلِ، بَلِ الْمَسْحَ الَّذِي الْغَسْلُ قِسْمٌ مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ قَالَ:{إِلَى الْكَعْبَيْنِ} وَلَمْ يَقُلْ: إِلَى الْكِعَابِ، كَمَا قَالَ:{إِلَى الْمَرَافِقِ} ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي كُلِّ رِجْلٍ كَعْبٌ وَاحِدٌ، كَمَا فِي كُلِّ يَدٍ مِرْفَقٌ وَاحِدٌ، بَلْ في كل
(1) الآية 6 من سورة المائدة.