الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَخَطَبَ وَعَقَدَ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ جِيَادًا كَمَهْرِ جَدَّتِهِ فَاطِمَةَ عليها السلام، ثُمَّ تَزَوَّجَ بِهَا.
وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْجَوَادَ كَانَ مِنْ أَعْيَانِ بَنِي هَاشِمٍ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالسَّخَاءِ وَالسُّؤْدُدِ. وَلِهَذَا سُمِّيَ الْجَوَادَ، وَمَاتَ وَهُوَ شَابُّ ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَمَاتَ سَنَةَ عِشْرِينَ أَوْ سنة تِسْعَ عَشْرَةَ، وَكَانَ الْمَأْمُونُ زوَّجه بِابْنَتِهِ، وَكَانَ يُرْسِلُ إِلَيْهِ فِي السَّنَةِ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَاسْتَقْدَمَهُ الْمُعْتَصِمُ إِلَى بَغْدَادَ، وَمَاتَ بِهَا.
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ مِنْ نَمَطِ مَا قَبْلَهُ، فَإِنَّ الرَّافِضَةَ لَيْسَ لَهُمْ عَقْلٌ صَرِيحٌ وَلَا نَقْلٌ صَحِيحٌ، وَلَا يُقِيمُونَ حَقًّا، وَلَا يَهْدِمُونَ بَاطِلًا، لَا بِحُجَّةٍ وَبَيَانٍ، وَلَا بِيَدٍ وَسِنَانٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ مَا يُثْبِتُ فَضِيلَةَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، فَضْلًا عَنْ ثُبُوتِ إِمَامَتِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْحِكَايَةَ الَّتِي حَكَاهَا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ مِنَ الْأَكَاذِيبِ الَّتِي لَا يَفْرَحُ بِهَا إِلَّا الْجُهَّالُ، وَيَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ كَانَ أَفْقَهَ وَأَعْلَمَ وَأَفْضَلَ مِنْ أَنْ يَطْلُبَ تَعْجِيزَ شَخْصٍ بِأَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ مُحْرِم قَتَلَ صَيْدًا، فَإِنَّ صِغَارَ الْفُقَهَاءِ يَعْلَمُونَ حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَلَيْسَتْ مِنْ دَقَائِقِ الْعِلْمِ وَلَا غَرَائِبِهِ، وَلَا مما يختص به المبرِّزون في العلم.
(فَصْلٌ)
قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((وَكَانَ وَلَدُهُ عَلِيٌّ الْهَادِي، ويُقال لَهُ: الْعَسْكَرِيُّ، لِأَنَّ الْمُتَوَكِّلَ أَشْخَصَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى بَغْدَادَ، ثُمَّ مِنْهَا إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى، فَأَقَامَ بِمَوْضِعٍ عِنْدَهَا يُقَالُ لَهُ الْعَسْكَرُ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى فَأَقَامَ بِهَا عِشْرِينَ سَنَةً وَتِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَإِنَّمَا أَشْخَصَهُ الْمُتَوَكِّلُ لِأَنَّهُ كَانَ يُبْغِضُ عَلِيًّا رضي الله عنه، فَبَلَغَهُ مُقَامُ عَلِيٍّ بِالْمَدِينَةِ، وَمَيْلُ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَخَافَ مِنْهُ، فَدَعَا يَحْيَى بْنَ هُبَيْرَةَ وَأَمَرَهُ بِإِحْضَارِهِ، فَضَجَّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لِذَلِكَ خَوْفًا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ كَانَ مُحْسِنًا إِلَيْهِمْ، مُلَازِمًا لِلْعِبَادَةِ فِي الْمَسْجِدِ، فَحَلَفَ يَحْيَى أَنَّهُ لَا مَكْرُوهَ عَلَيْهِ، ثُمَّ فتَّش مَنْزِلَهُ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ سِوَى مَصَاحِفَ وَأَدْعِيَةً وَكُتُبَ الْعِلْمِ، فَعَظُمَ فِي عَيْنِهِ، وَتَوَلَّى خِدْمَتَهُ بِنَفْسِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ بَغْدَادَ بَدَأَ بِإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الطَّائِيِّ وَالِي بَغْدَادَ. فَقَالَ لَهُ: يَا يَحْيَى هَذَا الرَّجُلُ قَدْ وَلَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالْمُتَوَكِّلُ مَنْ تَعْلَم، فَإِنْ حَرَّضْتَهُ عَلَيْهِ قَتَلَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَصْمَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: وَاللَّهِ مَا وَقَعْتُ مِنْهُ إِلَّا عَلَى خَيْرٍ. قَالَ: فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَى الْمُتَوَكِّلِ أَخْبَرْتُهُ بِحُسْنِ سِيرَتِهِ وورعه
وَزُهْدِهِ فَأَكْرَمَهُ الْمُتَوَكِّلُ، ثُمَّ مَرِضَ الْمُتَوَكِّلُ فَنَذَرَ إِنْ عوفيَ تَصَدَّقَ بِدَرَاهِمَ كَثِيرَةٍ، فَسَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُمْ جَوَابًا فَبَعَثَ إِلَى عَلِيٍّ الْهَادِي، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا، فَسَأَلَهُ
الْمُتَوَكِّلُ عَنِ السَّبَبِ، فَقَالَ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {َلقدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةً} (1) وكانت لمواطن هَذِهِ الْجُمْلَةَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَزَا سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزَاةً، وَبَعَثَ سِتًّا وَخَمْسِينَ سَرِيَّةً. قَالَ الْمَسْعُودِيُّ: نُمى إِلَى الْمُتَوَكِّلِ بِعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ فِي مَنْزِلِهِ سِلَاحًا مِنْ شِيعَتِهِ مِنْ أَهْلِ قُم وَأَنَّهُ عَازِمٌ على الملك، فبعث إليه جماعة من الْأَتْرَاكِ، فَهَجَمُوا دَارَهُ لَيْلًا فَلَمْ يَجِدُوا فِيهَا شَيْئًا، وَوَجَدُوهُ فِي بَيْتٍ مُغْلَقٍ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقْرَأُ وَعَلَيْهِ مُدرعة مِنْ صُوفٍ، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الرَّمْلِ وَالْحَصَى مُتَوَجِّهًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يَتْلُو الْقُرْآنَ، فحُمل عَلَى حَالَتِهِ تِلْكَ إِلَى المتوكل، وأُدخل عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِ الشَّرَابِ، وَالْكَأْسُ فِي يَدِ الْمُتَوَكِّلِ، فعظَّمه وَأَجْلَسَهُ إِلَى جَانِبِهِ، وَنَاوَلَهُ الْكَأْسَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا خَامَرَ لَحْمِي وَدَمِي قَطُّ فَأَعْفِنِي، فَأَعْفَاهُ وَقَالَ لَهُ: أَسْمِعْنِي صَوْتًا، فَقَالَ:{َكمْ تَرَكوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُوُن} .
الْآيَاتِ (2) فَقَالَ: أَنْشِدْنِي شِعْرًا، فَقَالَ: إِنِّي قَلِيلُ الرِّوَايَةِ لِلشِّعْرِ، فَقَالَ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ، فَأَنْشَدَهُ:
بَاتُوا عَلَى قُلَلِ الْأَجْبَالِ تَحْرُسُهُمْ
…
غُلْبُ الرِّجَالِ فما أغنتهم القُلَلُ
واستُنزلوا بعد عزٍمن مَعَاقِلِهِمْ
…
وَأُسْكِنُوا حُفَرًا يَا بِئْسَ مَا نَزَلُوا
ناداهُمُ صَارِخٌ مِنْ بَعْدِ دَفْنِهِمُ
…
أَيْنَ الأسرَّة وَالتِّيجَانُ وَالْحُلَلُ
أَيْنَ الْوُجُوهُ الَّتِي كَانَتْ منعَّمة
…
مِنْ دُونِهَا تُضرب الْأَسْتَارُ والكِللُ
فَأَفْصَحَ الْقَبْرُ عنهُمْ حِينَ ساءَلُهُمْ
…
تِلْكَ الوجوهُ عَلَيْهَا الدُّودُ يَقْتَتِلُ
قَدْ طَالَ مَا أَكَلُوا دَهْرًا وَمَا شَرِبُوا
…
فَأَصْبَحُوا بَعْدَ طُولِ الْأَكْلِ قَدْ أُكلوا
فَبَكَى الْمُتَوَكِّلُ حَتَّى بَلَّتْ دُمُوعُهُ لِحْيَتَهُ)) .
فَيُقَالُ: هَذَا الْكَلَامُ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهُ، لَمْ يَذْكُرْ مَنْقَبَةً بِحُجَّةٍ صَحِيحَةٍ، بَلْ ذَكَرَ مَا يَعْلَمُ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ مِنَ الْبَاطِلِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْحِكَايَةِ أَنَّ وَالِيَ بَغْدَادَ كَانَ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمِ الطَّائِيَّ، وَهَذَا مِنْ جَهْلِهِ، فَإِنَّ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ هَذَا خُزَاعِيٌّ مَعْرُوفٌ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ، كَانُوا مِنْ خُزَاعَةَ، فَإِنَّهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُصْعَبٍ،، وَابْنُ عمه عبد الله بن طاهر بن
(1) الآية 25 من سورة التوبة.
(2)
الآية 25 من سورة الدخان.
الحسين بن مصعب أمير خراسان المشهورالمعلومة سِيرَتُهُ، وَابْنُ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ كَانَ نَائِبًا عَلَى بَغْدَادَ فِي خلافة الْمُتَوَكِّلِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الَّذِي صلَّى عَلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ لَمَّا مَاتَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ هَذَا كَانَ نَائِبًا لَهُمْ فِي إِمَارَةِ الْمُعْتَصِمِ وَالْوَاثِقِ وَبَعْضِ أَيَّامِ الْمُتَوَكِّلِ، وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مِنْ خُزَاعَةَ لَيْسُوا مِنْ طَيِّئٍ وَهُمْ أَهْلُ بَيْتٍ مَشْهُورُونَ.
وَأَمَّا الفُتيا الَّتِي ذَكَرَهَا مِنْ أَنَّ الْمُتَوَكِّلَ نَذَرَ إِنْ عُوفِيَ يَتَصَدَّقُ بِدَرَاهِمَ كَثِيرَةٍ، وَأَنَّهُ سَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُمْ جَوَابًا، وَأَنَّ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ أَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لقدْ نَصَرَكُمْ الله في مَواطِنَ كَثيرَةً} (1) ، وَأَنَّ الْمُوَاطِنَ كَانْتْ هَذِهِ الْجُمْلَةَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا سَبْعًا وعشرين غزاة، وبعث سِتًّا وَخَمْسِينَ سَرِيَّةً،
فَهَذِهِ الْحِكَايَةُ أَيْضًا تُحْكَى عن عَلِيِّ بْنِ مُوسَى مَعَ الْمَأْمُونِ، وَهِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ كَذِبًا، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ جَهْلًا مِمَّنْ أَفْتَى بِذَلِكَ.
فَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: لَهُ عليَّ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ، أَوْ وَاللَّهِ لَأُعْطِيَنَّ فُلَانًا دَرَاهِمَ كَثِيرَةً، أَوْ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِدَرَاهِمَ كَثِيرَةٍ، لَا يُحمل عَلَى ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ.
وَالْحُجَّةُ الْمَذْكُورَةُ بَاطِلَةٌ لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: إِنَّ الْمَوَاطِنَ كَانَتْ سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزَاةً وَسِتًّا وَخَمْسِينَ سَرِيَّةً، لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَغْزُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزَاةً بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ، بَلْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ.
الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَاللَّهُ قَدْ أَخْبَرَ بِمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا تقدَّم قَبْلَ ذَلِكَ مَوَاطِنَ كَثِيرَةً، وَكَانَ بَعْدَ يَوْمِ حُنَيْنٍ غَزْوَةُ الطَّائِفِ وَغَزْوَةُ تَبُوكَ، وَكَثِيرٌ مِنَ السَّرَايَا كانت بعد يوم حُنَيْنٍ كَالسَّرَايَا الَّتِي كَانَتْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ مِثْلِ إِرْسَالِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى ذِي الْخُلَصَةِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ.
وَجَرِيرٌ إِنَّمَا أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِ سَنَةٍ، وَإِذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْغَزَوَاتِ وَالسَّرَايَا كَانَتْ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، امْتَنَعَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ الْمُخْبِرَةَ عَنِ الْمَاضِي إِخْبَارًا بِجَمِيعِ الْمَغَازِي وَالسَّرَايَا.
الثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَنْصُرْهُمْ فِي جَمِيعِ الْمَغَازِي، بَلْ يَوْمَ أحد تولوا، وكان يوم بلاء
(1) الآية 25 من سورة الدخان.