الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَقَاتَلَ حَتَّى قُتل مَظْلُومًا شَهِيدًا، لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ ابْتِدَاءً أَنْ يُقاتل.
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَنِ الْحَسَنِ: إِنَّهُ لَبِسَ الصُّوفَ تَحْتَ ثِيَابِهِ الْفَاخِرَةِ.
فَهَذَا مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِ فِي عَلِيٍّ: إِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي أَلْفَ رَكْعَةٍ، فَإِنَّ هَذَا لَا فَضِيلَةَ فِيهِ، وَهُوَ كَذِبٌ. وَذَلِكَ أَنَّ لُبْسَ الصُّوفِ تَحْتَ ثِيَابِ الْقُطْنِ وَغَيْرِهِ لَوْ كَانَ فَاضِلًا لَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شرعه لأمته، إِمَّا بِقَوْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهِ، أَوْ كَانَ يَفْعَلُهُ أَصْحَابُهُ عَلَى عَهْدِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْهُ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَى عَهْدِهِ، وَلَا
رَغَّبَ فِيهِ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَضِيلَةَ فِيهِ، وَلَكِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لبس في السفر جبة صوف فوق ثيابه.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ يَوْمًا الْحُسَيْنَ عَلَى فَخِذِهِ الْأَيْمَنِ وَوَلَدَهُ إِبْرَاهِيمَ عَلَى فَخِذِهِ الْأَيْسَرِ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيَجْمَعَ لَكَ بَيْنَهُمَا فَاخْتَرْ مَنْ شِئْتَ مِنْهُمَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا مَاتَ الحسن بَكَيْتُ أَنَا وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ، وَإِذَا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ بَكَيْتُ أَنَا عَلَيْهِ)) فَاخْتَارَ مَوْتَ إِبْرَاهِيمَ، فَمَاتَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَكَانَ إِذَا جَاءَ الْحُسَيْنُ بَعْدَ ذَلِكَ يُقَبِّلُهُ وَيَقُولُ: أَهْلًا وَمَرْحَبًا بِمَنْ فديته بابني إبراهيم)) .
فَيُقَالُ: هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا يُعرف له إسنادا وَلَا يُعرف فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ. وَهَذَا النَّاقِلُ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ إِسْنَادًا، وَلَا عَزَاهُ إِلَى كِتَابِ حَدِيثٍ، وَلَكِنْ ذَكَرَهُ عَلَى عَادَتِهِ فِي رِوَايَتِهِ أَحَادِيثَ مسيَّبة بِلَا زِمَامٍ وَلَا خِطَامٍ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَنْقُولَاتِ لَا يُميّز بَيْنَ صِدْقِهَا وَكَذِبِهَا إِلَّا بِالطُّرُقِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا فَدَعْوَى النَّقْلِ الْمُجَرَّدِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الدَّعَاوَى.
ثُمَّ يُقَالُ: هَذَا الْحَدِيثُ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، وَهُوَ مِنْ أَحَادِيثِ الجهَّال، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ فِي جَمْعِهِ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَالْحُسَيْنِ أَعْظَمُ مِمَّا فِي جمعه بين الحسن والحسين على مقتضى الْحَدِيثِ، فَإِنَّ مَوْتَ الْحَسَنِ أَوِ الْحُسَيْنِ إِذَا كَانَ أَعْظَمَ مِنْ مَوْتِ إِبْرَاهِيمَ، فَبَقَاءُ الْحَسَنِ أَعْظَمُ مِنْ بَقَاءِ إِبْرَاهِيمَ، وَقَدْ بَقِيَ الْحَسَنُ مع الحسين.
(فصل)
أما عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فَمِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَسَادَاتِهِمْ علما ودينا.
قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: ((هُوَ أَفْضَلُ هَاشِمِيٍّ رَأَيْتُهُ فِي الْمَدِينَةِ)) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي ((الطَّبَقَاتِ)) ((كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ عَالِيًا رَفِيعًا)) . وَرَوَى عَنْ حمَّاد بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: ((سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ، وَكَانَ أَفْضَلَ هَاشِمِيٍّ أَدْرَكْتُهُ، يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَحِبُّونَا حُبَّ الْإِسْلَامِ، فَمَا بَرَحَ بِنَا حُبُّكُمْ حَتَّى صَارَ عَارًا علينا)) .
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ قِيَامِ أَلْفِ رَكْعَةٍ، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ إِلَّا عَلَى وَجْهٍ يُكْرَهُ فِي الشَّرِيعَةِ، أَوْ لَا يُمْكِنُ بِحَالٍ، فَلَا يَصْلُحُ ذِكْرُ مِثْلِ هَذَا في
المناقب. وكذلك ما ذَكَرَه من تسمية رسول الله صلى لله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ سَيِّدَ الْعَابِدِينَ هُوَ شَيْءٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ.
وَكَذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ. وَقِيلَ إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَاقِرَ لِأَنَّهُ بَقَرَ الْعِلْمَ، لَا لِأَجْلِ بَقْرِ السُّجُودِ جَبْهَتَهُ. وَأَمَّا كَوْنُهُ أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ فَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، وَالزَّهْرِيُّ مِنْ أَقْرَانِهِ، وَهُوَ عِنْدَ النَّاسِ أَعْلَمُ مِنْهُ، ونَقْلُ تَسْمِيَتِهِ بِالْبَاقِرِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا أَصْلَ لَهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، بَلْ هُوَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ تَبْلِيغِ جَابِرٍ لَهُ السَّلَامَ هُوَ من الموضوعات عند أهل العلم بالحديث.
وَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ رضي الله عنه مِنْ خِيَارِ أهل العلم والدين. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَبِي الْمِقْدَامِ: ((كُنْتُ إِذَا نظرت إِلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلِمْتُ أَنَّهُ مِنْ سُلَالَةِ النَّبِيِّينَ)) .
وَأَمَّا قَوْلُهُ ((اشْتَغَلَ بِالْعِبَادَةِ عَنِ الرياسة)) .
وهذا تَنَاقُضٌ مِنَ الْإِمَامِيَّةِ، لِأَنَّ الْإِمَامَةَ عِنْدَهُمْ وَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِهَا وَبِأَعْبَائِهَا، فَإِنَّهُ لَا إِمَامَ فِي وَقْتِهِ إِلَّا هُوَ، فَالْقِيَامُ بِهَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَكَانَ أوْلى من الاشتغال بِنَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّهُ: ((هُوَ الَّذِي نَشَرَ فِقْهَ الْإِمَامِيَّةِ، وَالْمَعَارِفَ الْحَقِيقِيَّةَ، وَالْعَقَائِدَ الْيَقِينِيَّةَ)) .
فَهَذَا الْكَلَامُ يَسْتَلْزِمُ أَحَدَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنَّهُ ابْتَدَعَ فِي الْعِلْمِ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ مَنْ قَبْلَهُ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ قَبْلَهُ قَصَّرُوا فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ نَشْرِ الْعِلْمِ. وَهَلْ يَشُكُّ عَاقِلٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بيَّن لأمته الْمَعَارِفَ الْحَقِيقِيَّةَ وَالْعَقَائِدَ الْيَقِينِيَّةَ أَكْمَلَ بَيَانٍ؟ وَأَنَّ أَصْحَابَهُ تَلَقَّوْا ذَلِكَ عَنْهُ وبلَّغوه إِلَى الْمُسْلِمِينَ؟