الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (1)، وَقَالَ تَعَالَى:{لِئَلَاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل} (2)، وَقَالَ تَعَالَى:{وَمَا عَلَى الرَّسُول إِلَاّ الْبَلَاغُ الْمُبينَ} (3) . وَأَمْثَالُ ذَلِكَ.
فَيُقَالُ: وَهَلْ قَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَى الخلق ببيان الرسول أم لا؟
فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَطَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا، وَإِنْ قَامَتِ الْحُجَّةُ بِبَيَانِ الرَّسُولِ عُلم أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى مُعَيَّنٍ آخَرَ يَفْتَقِرُ النَّاسُ إِلَى بَيَانِهِ، فَضْلًا عَنْ حِفْظِ تَبْلِيغِهِ، وَأَنَّ مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي الْإِنْسَانِ مِنَ الْقُوَّةِ النَّاقِلَةِ لِكَلَامِ الرَّسُولِ وَبَيَانِهِ كَافِيَةٌ مِنْ ذَلِكَ. لَا سِيَّمَا وَقَدْ ضَمِنَ اللَّهُ حِفْظَ مَا أَنْزَلَهُ مِنَ الذِّكْرِ، فَصَارَ ذَلِكَ مَأْمُونًا أَنْ يبدَّل أَوْ يغيَّر.
وَبِالْجُمْلَةِ دَعْوَى هَؤُلَاءِ الْمَخْذُولِينَ أَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ لَا يُحفظ وَلَا يُفهم إِلَّا بواحدٍ مُعَيَّنٍ، مِنْ أَعْظَمِ الْإِفْسَادِ لِأُصُولِ الدِّينِ. وَهَذَا لَا يَقُولُهُ - وَهُوَ يَعْلَمُ لَوَازِمَهُ - إِلَّا زِنْدِيقٌ مُلْحِدٌ، قَاصِدٌ لِإِبْطَالِ الدِّينِ، وَلَا يُروج هَذَا إِلَّا عَلَى مفرط في الجهل والضلال.
الوجه الثامن: أَنْ يُقال قَدْ عُلم بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ أَكْثَرَ الْمُسْلِمِينَ بَلَغَهُمُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ بِدُونِ نَقْلِ عَلِيٍّ، فَإِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمَّا فَتَحَ الْأَمْصَارَ بَعَثَ إِلَى الشَّامِ وَالْعِرَاقِ مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ مَنْ علَّمهم وَفَقَّهَهُمْ، وَاتَّصَلَ الْعِلْمُ مِنْ أُولَئِكَ إِلَى سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَكُنْ مَا بَلَّغَهُ عَلِيٌّ لِلْمُسْلِمِينَ أَعْظَمَ مِمَّا بَلَّغَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَمْثَالُهُمَا.
وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ. وَلَوْ لَمْ يُحفظ الدِّينُ إِلَّا بِالنَّقْلِ عَنْ عَلِيٍّ لَبَطَلَ عَامَّةُ الدِّينِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُنقل عَنْ عَلِيٍّ إِلَّا أَمْرٌ قليل لا يحصل به المقصود
وَالنَّقْلُ عَنْهُ لَيْسَ مُتَوَاتِرًا، وَلَيْسَ فِي زَمَانِنَا مَعْصُومٌ يُمْكِنُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ، فَلَا حَوْلَ وَلَا قوة إلا بالله، وما أسخف عقول الرافضة!
(فَصْلٌ)
قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((الرَّابِعُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى نَصْبِ إِمَامٍ مَعْصُومٍ، وَحَاجَةُ الْعَالَمِ دَاعِيَةٌ إِلَيْهِ، وَلَا مَفْسَدَةَ فِيهِ، فَيَجِبُ نَصْبُهُ. وَغَيْرُ عَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ إِجْمَاعًا، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ هُوَ عَلِيٌّ. أَمَّا الْقُدْرَةُ فَظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا الْحَاجَةُ فَظَاهِرَةٌ أَيْضًا لِمَا بَيَّنَّا من وقوع التنازع بين العالم.
(1) الآية 4 من سورة إبراهيم.
(2)
الآية 165 من سورة النساء.
(3)
الآية 54 من سورة النور.
وأما انتفاء المفسدة فظاهر، لِأَنَّ الْمَفْسَدَةَ لَازِمَةٌ لِعَدَمِهِ. وَأَمَّا وُجُوبُ نَصْبِهِ، فلأن ثُبُوتِ الْقُدْرَةِ وَالدَّاعِي وَانْتِفَاءِ الصَّارِفِ يَجِبُ الْفِعْلُ)) .
وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ بِعَيْنِهِ ولكن قرّره. وقد تقدمت الْأَجْوِبَةُ عَنْهُ بِمَنْعِ الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى وَبَيَانِ فَسَادِ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ، فَإِنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ كَانَ الْإِجْمَاعُ مَعْصُومًا أَغْنَى عَنْ عِصْمَةِ عَلِيٍّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا بَطَلَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى عِصْمَةِ عَلِيٍّ، فَبَطَلَ الدَّلِيلُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ.
وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ الرَّافِضَةَ تُثْبِتُ أُصُولُهَا عَلَى مَا تدَّعيه مِنَ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَهُمْ أَبْعَدُ الْأُمَّةِ عَنْ مَعْرِفَةِ النُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعَاتِ، وَالِاسْتِدْلَالِ بِهَا، بِخِلَافِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّ السُّنَّةَ تَتَضَمَّنُ النَّصَّ، وَالْجَمَاعَةَ تَتَضَمَّنُ الْإِجْمَاعَ. فَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ هُمُ الْمُتَّبِعُونَ لِلنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ.
وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَلَى هَذَا التقدير بِبَيَانِ فَسَادِهِ، وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى نَصْبِ إِمَامٍ مَعْصُومٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عِصْمَةَ الْأُمَّةِ مُغْنِيَةٌ عَنْ عِصْمَتِهِ، وَهَذَا مِمَّا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ في حكمة عصمة الأمة.
الثَّانِي: إِنْ أُريد بِالْحَاجَةِ أَنَّ حَالَهُمْ مَعَ وُجُودِهِ أَكْمَلُ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ حَالَهُمْ مَعَ عِصْمَةِ نُوَّابِ الْإِمَامِ أَكْمَلُ، وَحَالَهُمْ مَعَ عِصْمَةِ أَنْفُسِهِمْ أَكْمَلُ. وَلَيْسَ كُلُّ مَا تُقَدِّرُهُ النَّاسُ أَكْمَلُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ يَفْعَلُهُ اللَّهُ، وَلَا يَجِبُ عليه فعله.
وَأَيْضًا فَجَعْلُ غَيْرِ النَّبِيِّ مُمَاثِلًا لِلنَّبِيِّ فِي ذَلِكَ، قَدْ يَكُونُ مِنْ أَعْظَمِ الشُّبَهْ وَالْقَدْحِ فِي خَاصَّةِ النَّبِيِّ، فَإِنَّهُ إِذَا وَجَبَ أَنْ يُؤْمِنَ بِجَمِيعِ مَا يَقُولُهُ هَذَا، كَمَا
يَجِبُ الْإِيمَانُ بِجَمِيعِ مَا يَقُولُهُ النَّبِيُّ، لَمْ تَظْهَرْ خَاصَّةُ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِجَمِيعِ مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّونَ، فَلَوْ كَانَ لنا من يساومهم فِي الْعِصْمَةِ، لَوَجَبَ الْإِيمَانُ بِجَمِيعِ مَا يَقُولُهُ، فيبطل الفرق.
الوجه الثاني: أَنْ يُقَالَ: الْمَعْصُومُ الَّذِي تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ: أَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَإِزَالَةِ الْمَفَاسِدِ؟ أم هوعاجز عَنْ ذَلِكَ؟ الثَّانِي مَمْنُوعٌ؛ فَإِنَّ الْعَاجِزَ لَا يَحْصُلُ بِهِ وُجُودُ الْمَصْلَحَةِ وَلَا دَفْعُ الْمَفْسَدَةِ، بَلِ الْقُدْرَةُ شَرْطٌ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الْعِصْمَةَ تفيد وجود داعية إلى الصَّلَاحِ، لَكِنَّ حُصُولَ الدَّاعِي بِدُونِ الْقُدْرَةِ لَا يُوجِبُ حُصُولَ الْمَطْلُوبِ.