الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَمَا قَالَ أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ: ((لَقَدْ فَتَحَ الْبِلَادَ أَقْوَامٌ كَانَتْ خُطُم خَيْلِهِمْ لِيفًا، وركْبِهم العَلَابِيّ)) رواه البخاري (1) .
وحديث عمّار عن الْمَوْضُوعَاتِ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ لَيْسَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
(فَصْلٌ)
قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((وَبِالْجُمْلَةِ زُهْدُهُ لَمْ يَلْحَقْهُ أحد فيه، ولا سبقه أَحَدٌ إِلَيْهِ. وَإِذَا كَانَ أَزْهَدَ كَانَ هُوَ الْإِمَامَ، لِامْتِنَاعِ تَقَدُّمِ الْمَفْضُولِ عَلَيْهِ)) .
وَالْجَوَابُ: أَنَّ كِلْتَا الْقَضِيَّتَيْنِ بَاطِلَةٌ: لَمْ يَكُنْ أَزْهَدَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَا كُلُّ مَنْ كَانَ أَزْهَدَ كَانَ أحقَّ بِالْإِمَامَةِ. وَذَلِكَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ لَهُ مِنَ الْمَالِ وَالسَّرَارِيِّ وَلِأَهْلِهِ مَا لم يكن لأبي بكر وعمر.
(فَصْلٌ)
قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((الثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ أَعْبَدَ النَّاسِ: يَصُومُ النَّهَارَ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ، وَمِنْهُ تَعَلَّمَ النَّاسُ صَلَاةَ اللَّيْلِ وَنَوَافِلَ النَّهَارِ، وَأَكْثَرُ الْعِبَادَاتِ وَالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ عَنْهُ تَسْتَوْعِبُ الْوَقْتَ، وَكَانَ يُصَلِّي فِي لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ أَلْفَ رَكْعَةٍ، وَلَمْ يُخِلَّ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ - حَتَّى فِي لَيْلَةِ الْهَرِيرِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رَأَيْتُهُ فِي حَرْبِهِ وَهُوَ يَرْقُبُ الشَّمْسَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَاذَا تَصْنَعُ؟ قَالَ: أَنْظُرُ إِلَى الزَّوَالِ لِأُصَلِّيَ. فَقُلْتُ: فِي هَذَا الْوَقْتِ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا نُقَاتِلُهُمْ عَلَى
(1) انظر البخاري ج4 ص 39.
الصَّلَاةِ.
فَلَمْ يَغْفُلْ عَنْ فِعْلِ الْعِبَادَاتِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فِي أَصْعَبِ الْأَوْقَاتِ.
وَكَانَ إِذَا أُريد إِخْرَاجُ الْحَدِيدِ مِنْ جَسَدِهِ يُتْرَكُ إِلَى أن يدخل فِي الصَّلَاةِ، فَيَبْقَى مُتَوَجِّهًا إِلَى اللَّهِ غَافِلًا عمَّا سِوَاهُ، غَيْرَ مُدْرِكٍ لِلْآلَامِ الَّتِي تُفْعَلُ بِهِ.
وَجَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وتصدٌّق وَهُوَ رَاكِعٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ قُرْآنًا يُتلى.
وَتَصَدَّقَ بِقُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ:{هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ} (1) وَتَصَدَّقَ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَسِرًّا وَعَلَانِيَةً، وَنَاجَى الرَّسُولَ فقدَّم بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاهُ صَدَقَةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ قُرْآنًا وَأَعْتَقَ أَلْفَ عبدٍ مِنْ كَسْبِ يَدِهِ، وَكَانَ يُؤَجِّرُ نَفْسَهُ وَيُنْفِقُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الشِّعْبِ. وَإِذَا كَانَ أَعْبَدَ النَّاسِ كَانَ أَفْضَلَ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ)) .
وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقال: هَذَا الْكَلَامُ فِيهِ مِنَ الْأَكَاذِيبِ الْمُخْتَلِفَةِ مَا لَا يَخْفَى إِلَّا عَلَى أَجْهَلِ النَّاسِ بِأَحْوَالِ الْقَوْمِ. وَمَعَ أَنَّهُ كَذِبٌ وَلَا مَدْحَ فِيهِ وَلَا فِي عَامَّةِ الْأَكَاذِيبِ، فَقَوْلُهُ: إِنَّهُ كَانَ يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ كَذِبٌ عَلَيْهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَقُومُ وَأَنَامُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)) .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: طَرَقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفَاطِمَةَ، فَقَالَ:((أَلَا تَقُومَانِ فَتُصَلِّيَانِ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ، إِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا: قَالَ فَوَلَّى. وَهُوَ يَضْرِبُ فَخْذَهُ وَيَقُولُ: {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} (2) . فهذا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى نَوْمِهِ فِي اللَّيْلِ مَعَ إِيقَاظِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمُجَادَلَتِهِ حَتَّى وَلَّى وَهُوَ يَقُولُ:{وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} .
وَقَوْلُ الْقَائِلِ: ((وَمِنْهُ تَعَلَّمَ النَّاسُ صَلَاةَ اللَّيْلِ وَنَوَافِلَ النَّهَارِ)) .
إِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ: أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ تَعَلَّمَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَهَكَذَا كلٌّ مِنَ الصحابة علّم بعض الناس.
(1) الآية 1 من سورة الإنسان.
(2)
انظر البخاري ج6 ص 88 ومواضع أُخر.
وإن أراد أن المسلمون تَعَلَّمُوا ذَلِكَ مِنْهُ، فَهَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْبَارِدِ. فَأَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ مَا رأَوْه، وَقَدْ كَانُوا يَقُومُونَ اللَّيْلَ وَيَتَطَوَّعُونَ بِالنَّهَارِ، فَأَكْثَرُ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي فُتحت فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما، كَالشَّامِ وَمِصْرَ
وَالْمَغْرِبِ وخُراسان مَا رَأوْه، فَكَيْفَ يَتَعَلَّمُونَ مِنْهُ؟ وَالصَّحَابَةُ كَانُوا كَذَلِكَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمِنْهُ تَعَلَّمُوا ذَلِكَ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُدَّعى ذَلِكَ إِلَّا فِي أَهْلِ الْكُوفَةِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ كَانُوا تَعَلَّمُوا ذَلِكَ مِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه وَغَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ إِلَيْهِمْ، وَكَانُوا مِنْ أَكْمَلِ النَّاسِ عَلِمَا وَدِينًا قَبْلَ قُدُومِ عَلِيٍّ رضي الله عنه إِلَيْهِمْ، وَالصَّحَابَةُ كَانُوا كَذَلِكَ، وَأَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانُوا كَذَلِكَ قَبْلَ أن يقدم إليهم العراق.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((الْأَدْعِيَةُ الْمَأْثُورَةُ عَنْهُ تَسْتَوْعِبُ الْوَقْتَ)) .
فَعَامَّتُهَا كَذِبٌ عَلَيْهِ. وَهُوَ كَانَ أَجَلَّ قَدْرًا مِنْ أَنْ يَدْعُوَ بِهَذِهِ الْأَدْعِيَةِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِحَالِهِ وَحَالِ الصَّحَابَةِ، وَلَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ إِسْنَادٌ. وَالْأَدْعِيَةُ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هِيَ أَفْضَلُ مَا دَعَا بِهِ أَحَدٌ، وَبِهَا يَدْعُو خِيَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ((إِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَ رَكْعَةٍ)) .
مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي لَا مَدْحَ فِيهِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ مَجْمُوعُ صَلَاتِهِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَرْبَعِينَ رَكْعَةً: فَرْضًا وَنَفْلًا. وَالزَّمَانُ لَا يَتَّسِعُ لِأَلْفِ رَكْعَةٍ لِمَنْ وَلِيَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ، مَعَ سِيَاسَةِ النَّاسِ وَأَهْلِهِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهُ نَقْرًا كَنَقْرِ الْغُرَابِ، وَهِيَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ الَّتِي نَزَّهَ اللَّهُ عَنْهَا عَلِيًّا.
وَأَمَّا لَيَالِي صِفِّينَ، فَالَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ الذِّكْرَ الَّذِي عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِفَاطِمَةَ: قَالَ: ما تركته منذ سمعته مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قِيلَ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ قَالَ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ، ذَكَرْتُهُ مِنَ السِّحْرِ فَقُلْتُهُ (1) .
وَمَا ذَكَرَ مِنْ إِخْرَاجِ الْحَدِيدِ مِنْ جَسَدِهِ فَكَذِبٌ. فَإِنَّ عَلِيًّا لَمْ يُعرف أنه دَخَلَ فِيهِ حَدِيدٌ. وَمَا ذَكَرًه مِنْ جَمْعِهِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَهَذَا كَذِبٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا مَدْحَ فِيهِ، فَإِنَّ هَذَا لَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لشُرع لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْلِمِينَ أن يتصدّقوا وهم في الصلاة
(1) انظر الحديث في المسند تحقيق أحمد شاكر الأرقام 838، 1228، 1249.