المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فَيُقَالُ: هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَرْوِهِ الْجَمَاعَةُ كُلُّهُمْ، ولا هو في - مختصر منهاج السنة

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فصل)

- ‌متى سموا رافضة وكذا الزيدية

- ‌ذكر بعض حماقات الرافضة

- ‌(فصل)

- ‌شرك بعض الصوفية حتى في الربوبية

- ‌لا وجود لإلياس والخضر

- ‌أصول الدين عند الإمامية

- ‌تناقض الرافضة في الإمامة بين القول والتطبيق

- ‌لا يحصل بمعرفة الإمام خير إن لم يعمل صالحا

- ‌ليست الإمامة من واجبات الدين

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فصل)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فصل)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فصل)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فصل)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌فْصِلُ

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فصل)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فصل)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فصل)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌فصِّل

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فصل)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فصل)

- ‌(فصل)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌(فَصْلٌ)

الفصل: فَيُقَالُ: هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَرْوِهِ الْجَمَاعَةُ كُلُّهُمْ، ولا هو في

فَيُقَالُ: هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَرْوِهِ الْجَمَاعَةُ كُلُّهُمْ، ولا هو في الصَّحِيحَيْنِ، وَلَا هُوَ فِي السُّنَنِ، بَلْ هُوَ مَرْوِيٌّ فِي الْجُمْلَةِ وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ وَثُبُوتِهِ، فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَرِدْ بِهِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ أَصْدَقُ مِنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ، فَإِنَّ هَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَصْدَقُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمِنْ سَائِرِ النَّبِيِّينَ، وَمِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهَذَا خِلَافُ إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ مِنَ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، فعُلم أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ مَعْنَاهَا أَنَّ أَبَا ذَرٍّ صَادِقٌ، لَيْسَ غَيْرُهُ أَكْثَرَ تَحَرِّيًا لِلصِّدْقِ مِنْهُ. وَلَا يَلْزَمُ إِذَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ فِي تَحَرِّي الصِّدْقِ، أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي كَثْرَةِ الصِّدْقِ وَالتَّصْدِيقِ بِالْحَقِّ، وَفِي عِظَمِ الْحَقِّ الَّذِي صَدَقَ فِيهِ وَصَدَّقَ بِهِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ: فُلَانٌ صَادِقُ اللَّهْجَةِ إِذَا تَحَرَّى الصِّدْقَ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلَ الْعِلْمِ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقُلْ: مَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ أَعْظَمَ تَصْدِيقًا مِنْ أَبِي ذَرٍّ. بَلْ قَالَ: أَصْدَقَ لَهْجَةً، وَالْمَدْحُ لِلصِّدِّيقِ الَّذِي صدَّق الْأَنْبِيَاءَ لَيْسَ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ صَادِقًا، بَلْ فِي كَوْنِهِ مصدِّقاً لِلْأَنْبِيَاءِ. وَتَصْدِيقُهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هُوَ صِدْقٌ

خَاصٌّ، فَالْمَدْحُ بِهَذَا التَّصْدِيقِ -الَّذِي هُوَ صِدْقٌ خَاصٌّ -نَوْعٌ، وَالْمَدْحُ بِنَفْسِ كَوْنِهِ صَادِقًا من نَوْعٌ آخَرُ. فَكُلُّ صِدِّيقٍ صَادِقٌ، وَلَيْسَ كُلُّ صَادِقٍ صدِّيقاً.

(فَصْلٌ)

قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((وَسَمَّوْهُ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَسْتَخْلِفْهُ فِي حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ وَفَاتِهِ عِنْدَهُمْ، وَلَمْ يُسَمُّوا أمير المؤمنين خليفة رسول الله مع أنه استخلف فِي عِدَّةِ مَوَاطِنَ، مِنْهَا: أَنَّهُ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى المدينة المنورة فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْمَدِينَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا بِي أَوْ بِكَ، أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي.

وَأَمَّرَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَلَى الْجَيْشِ الَّذِينَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَمَاتَ وَلَمْ يَعْزِلْهُ، وَلَمْ يُسَمُّوهُ خَلِيفَةً، وَلَمَّا تَوَلَّى أَبُو بَكْرٍ غَضِبَ أُسَامَةُ، وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَّرَنِي عَلَيْكَ، فَمَنِ اسْتَخْلَفَكَ عَلَيَّ؟ فمشى إليه هو وعمر حتى استرضياه، وَكَانَا يُسَمِّيَانِهِ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ أَمِيرًا)) .

وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْخَلِيفَةَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: الَّذِي يَخْلُفُ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ

ص: 182

لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ، كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: مَنِ اسْتَخْلَفَهُ غَيْرُهُ، كَمَا قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَالشِّيعَةِ وَنَحْوِهِمْ. فَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَوَّلُ؛ فَأَبُو بَكْرٍ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لِأَنَّهُ خَلَفَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَمْ يَخْلُفْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ ن فكان هو الخليفة دون غَيْرِهِ ضَرُورَةً، فَإِنَّ الشِّيعَةَ وَغَيْرَهُمْ لَا يُنَازِعُونَ فِي أَنَّهُ هُوَ الَّذِي صَارَ وَلِيَّ الْأَمْرِ بَعْدَهُ، وَصَارَ خَلِيفَةً لَهُ يُصَلِّي بِالْمُسْلِمِينَ، وَيُقِيمُ فِيهِمُ الْحُدُودَ، وَيُقَسِّمُ بَيْنَهُمْ الْفَيْءَ، وَيَغْزُو بِهِمُ الْعَدُوَّ، ويولِّي عَلَيْهِمُ الْعُمَّالَ وَالْأُمَرَاءَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَفْعَلُهَا وُلَاةُ الْأُمُورِ.

فَهَذِهِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ إِنَّمَا بَاشَرَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَكَانَ هُوَ الْخَلِيفَةُ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا قَطْعًا. لَكِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: خَلَفَهُ وَكَانَ هُوَ أَحَقَّ بِخِلَافَتِهِ وَالشِّيعَةُ يَقُولُونَ: عَلِيٌّ كَانَ هُوَ الْأَحَقَّ لَكِنْ تَصِحُّ خِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَيَقُولُونَ: مَا كَانَ يَحِلُّ له أن يصير هو الخليفة، لَكِنْ لَا يُنَازِعُونَ فِي أَنَّهُ صَارَ خَلِيفَةً

بِالْفِعْلِ، وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِهَذَا الِاسْمِ، إِذْ كَانَ الْخَلِيفَةُ مَنْ خَلَفَ غَيْرَهُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ.

وَأَمَّا إِنْ قِيلَ: إِنَّ الْخَلِيفَةَ مَنِ اسْتَخْلَفَهُ غيره، كما قاله بعض أهل السنة وَبَعْضُ الشِّيعَةِ، فَمَنْ قَالَ هَذَا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ إِمَّا بِالنَّصِّ الجليّ، كما قال بَعْضُهُمْ، وَإِمَّا بِالنَّصِّ الْخَفِيِّ. كَمَا أَنَّ الشِّيعَةَ الْقَائِلِينَ بِالنَّصِّ عَلَى عَلِيٍّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِالنَّصِّ الْجَلِيِّ، كَمَا تَقُولُهُ الْإِمَامِيَّةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِالنَّصِّ الْخَفِيِّ، كَمَا تَقُولُهُ الْجَارُودِيَّةُ مِنَ الزَّيْدِيَّةِ. وَدَعْوَى أُولَئِكَ لِلنَّصِّ الْجَلِيِّ أَوِ الْخَفِيِّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَقْوَى وَأَظْهَرُ بِكَثِيرٍ مِنْ دَعْوَى هَؤُلَاءِ لِلنَّصِّ عَلَى عَلِيٍّ، لِكَثْرَةِ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى ثُبُوتِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَدُلَّ عَلَى خِلَافَتِهِ إِلَّا مَا يُعلم أَنَّهُ كَذِبٌ، أَوْ يُعلم أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ.

وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَمْ يَسْتَخْلِفْ بَعْدَ مَوْتِهِ أَحَدًا إِلَّا أَبَا بَكْرٍ، فَلِهَذَا كَانَ هُوَ الْخَلِيفَةَ، فَإِنَّ الْخَلِيفَةَ الْمُطْلَقَ هُوَ مَنْ خَلَفَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، أَوِ اسْتَخْلَفَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَهَذَانِ الْوَصْفَانِ لَمْ يَثْبُتَا إِلَّا لِأَبِي بَكْرٍ؛ فَلِهَذَا كَانَ هُوَ الْخَلِيفَةَ.

وَأَمَّا اسْتِخْلَافُهُ لِعَلِيٍّ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِهِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَرَجَ فِي غَزَاةٍ اسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، كَمَا اسْتَخْلَفَ ابْنَ أُمِّ مكتوم تارة،

ص: 183

وعثمان ابن عفان تارة.

وَإِذَا كَانَ قَدِ اسْتَخْلَفَ غَيْرَ عَلِيٍّ عَلَى أَكثر وَأَفْضَلَ مِمَّا اسْتَخْلَفَ عَلَيْهِ عَلِيًّا، وَكَانَ ذَلِكَ اسْتِخْلَافًا مُقَيَّدًا عَلَى طَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي مغيبه، ليس هو استخلافاً مُطْلَقًا بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى أُمَّتِهِ، لَمْ يُطْلَقْ عَلَى أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا مَعَ التَّقْيِيدِ. وَإِذَا سمّيَ عَلِيٌّ بِذَلِكَ فَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمُسْتَخْلَفِينَ أوْلى بِهَذَا الِاسْمِ، فَلَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ.

وَأَيْضًا فَالَّذِي يَخْلُفُ المَطاع بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَكُونُ إِلَّا أَفْضَلَ النَّاسِ. وَأَمَّا الَّذِي يَخْلُفُهُ فِي حَالِ غَزْوِهِ لِعَدُوِّهِ، فَلَا يَجُبُّ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ النَّاسِ، بَلِ الْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِأَنَّهُ يَسْتَصْحِبُ فِي خُرُوجِهِ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ فِي الْمَغَازِي مَنْ يَكُونُ عِنْدَهُ أَفْضَلَ مِمَّنْ يَسْتَخْلِفُهُ عَلَى عِيَالِهِ، لِأَنَّ الَّذِي يَنْفَعُ فِي الْجِهَادِ هُوَ شَرِيكُهُ فِيمَا يَفْعَلُهُ، فَهُوَ أَعْظَمُ مِمَّنْ يَخْلُفُهُ عَلَى الْعِيَالِ، فَإِنَّ نَفْعَ ذَاكَ لَيْسَ كَنَفْعِ الْمُشَارِكِ لَهُ فِي الْجِهَادِ.

وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا شَبَّهَ عَلِيًّا بِهَارُونَ فِي أَصْلِ الِاسْتِخْلَافِ لَا فِي كَمَالِهِ، وَلِعَلِيٍّ شُرَكَاءُ فِي هَذَا الِاسْتِخْلَافِ. يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ مُوسَى لَمَّا ذَهَبَ إِلَى مِيقَاتِ رَبِّهِ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ يُشَارِكُهُ فِي ذلك، فَاسْتَخْلَفَ هَارُونَ عَلَى جَمِيعِ قَوْمِهِ. وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا ذَهَبَ إِلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ أَخَذَ مَعَهُ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا الْمَعْذُورَ، وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ عَلِيًّا إِلَّا عَلَى الْعِيَالِ وَقَلِيلٍ مِنَ الرِّجَالِ، فَلَمْ يَكُنِ اسْتِخْلَافُهُ كَاسْتِخْلَافِ مُوسَى لِهَارُونَ، بَلِ ائْتَمَنَهُ فِي حَالِ مَغِيبِهِ، كَمَا ائْتَمَنَ مُوسَى هَارُونَ فِي حَالِ مَغِيبِهِ، فَبَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إن الِاسْتِخْلَافَ لَيْسَ لِنَقْصِ مَرْتَبَةِ المستخلَف، بَلْ قَدْ يَكُونُ لِأَمَانَتِهِ كَمَا اسْتَخْلَفَ مُوسَى هَارُونَ عَلَى قَوْمِهِ، وَكَانَ عَلِيٌّ خَرَجَ إِلَيْهِ يَبْكِي وَقَالَ: أتذرني مع الصبيان والنساء؟ كأنه كره أن يتخلف عنه.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((أَنَّهُ قَالَ لَهُ: إِنِ الْمَدِينَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا بِي أَوْ بِكَ)) فَهَذَا كَذِبٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا يُعرف فِي كُتُبِ الْعِلْمِ الْمُعْتَمَدَةِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ كَذِبَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ من الْمَدِينَةِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَمَعَهُ عَلِيٌّ. وَلَيْسَ بِالْمَدِينَةِ لَا هُوَ وَلَا عَلِيٌّ. فَكَيْفَ يَقُولُ: إِنَّ الْمَدِينَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا بِي أَوْ بِكَ؟

وَالرَّافِضَةُ مِنْ فَرْطِ جَهْلِهِمْ يَكْذِبُونَ الْكَذِبِ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ بِالسِّيرَةِ أَدْنَى علم.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((إِنَّهُ أَمَّرَ أُسَامَةَ رضي الله عنه عَلَى الْجَيْشِ الَّذِينَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وعمر)) .

ص: 184

فَمِنَ الْكَذِبِ الَّذِي يَعْرِفُهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ بِالْحَدِيثِ؛ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ في ذَلِكَ الْجَيْشِ، بَلْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يستخلفه في الصلاة من حِينِ مَرِضَ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَأُسَامَةُ قَدْ رُوي أَنَّهُ قَدْ عُقِدَ لَهُ الرَّايَةُ قَبْلَ مَرَضِهِ، ثُمَّ لَمَّا مَرِضَ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يصلِّي بِالنَّاسِ، فَصَلَّى بِهِمْ إِلَى أَنْ مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَوْ قدر أنه أُمر بالخروج مع أسامة قبل المرض لكن أَمْرُهُ لَهُ بِالصَّلَاةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ، مَعَ إِذْنِهِ لِأُسَامَةَ أَنْ يُسَافِرَ فِي مَرَضِهِ، مُوجِبًا لِنَسْخِ إِمْرَةِ أُسَامَةَ عَنْهُ، فَكَيْفَ إِذَا لَمْ يؤمَّر عليه أسامة بحال؟

وقوله: ((ومات ولم يعزله)) .

فَأَبُو بَكْرٍ أَنْفَذَ جَيْشَ أُسَامَةَ رضي الله عنه بَعْدَ أَنْ أَشَارَ النَّاسُ عَلَيْهِ بِرَدِّهِ خَوْفًا مِنَ الْعَدُوِّ. وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أحلَ رَايَةً عَقَدَهَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مَعَ أَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُ عَزْلَهُ

، كَمَا كَانَ يَمْلِكُ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَهُ، فَيَعْمَلُ مَا هُوَ أَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ.

وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ غَضَبِ أُسَامَةَ لَمَّا تولَّى أَبُو بَكْرٍ، فَمِنَ الْأَكَاذِيبِ السَّمِجَةِ، فَإِنَّ مَحَبَّةَ أُسَامَةَ رضي الله عنه لِأَبِي بَكْرٍ وَطَاعَتِهِ لَهُ أَشْهَرُ وَأَعْرَفُ مِنْ أَنْ تُنكر، وَأُسَامَةُ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنِ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُقَاتِلْ لَا مَعَ عَلِيٍّ وَلَا مَعَ مُعَاوِيَةَ وَاعْتَزَلَ الْفِتْنَةَ. وَأُسَامَةُ لَمْ يَكُنْ مِنْ قُرَيْشٍ، وَلَا مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ، وَلَا يَخْطُرُ بِقَلْبِهِ أَنْ يَتَوَلَّاهَا، فَأَيُّ فَائِدَةٍ لَهُ فِي أَنْ يَقُولَ مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ لِأَيِّ مَنْ تَوَلَّى الْأَمْرَ، مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى الْأَمْرَ أَحَدٌ إِلَّا كَانَ خَلِيفَةً عَلَيْهِ، وَلَوْ قدِّر أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَّرَهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ مَاتَ، فَبِمَوْتِهِ صَارَ الْأَمْرُ إِلَى الْخَلِيفَةِ مِنْ بَعْدِهِ، وَإِلَيْهِ الْأَمْرُ فِي إِنْفَاذِ الْجَيْشِ أَوْ حَبْسِهِ، وَفِي تَأْمِيرِ أُسَامَةَ أَوْ عزله. وإذا قال: أمّرني عليك فمن اسْتَخْلَفَكَ عَلَيَّ؟ قَالَ: مَنِ اسْتَخْلَفَنِي عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْكَ. وَإِذَا قَالَ: أَنَا أمَّرني عَلَيْكَ. قَالَ: أمَّرك عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُستخلف، فَبَعْدَ أَنْ صِرْتُ خَلِيفَةً صرت أنا الأمير عليك.

وَمِثْلَ هَذَا لَا يُنْكِرُهُ إِلَّا جَاهِلٌ. وَأُسَامَةُ أَعْقَلُ وَأَتْقَى وَأَعْلَمُ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمِثْلِ هَذَا الْهَذَيَانِ لِمِثْلِ أَبِي بَكْرٍ.

وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا قَوْلُ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ: إِنَّهُ مَشَى هُوَ وعمر إليه حتى استرضياه، مَعَ قَوْلِهِمْ: إِنَّهُمَا قَهَرَا عَلِيًّا وَبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَلَمْ يَسْتَرْضِيَاهُمْ، وَهُمْ أَعَزُّ وأقوى

ص: 185