الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ)
قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((الْبُرْهَانُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوْا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (1) أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْنَا الْكَوْنَ مَعَ الْمَعْلُومِ مِنْهُمُ الصِّدْقُ، وَلَيْسَ إِلَّا الْمَعْصُومُ لِتَجْوِيزِ الْكَذِبِ فِي غَيْرِهِ، فَيَكُونُ هُوَ عَلِيًّا، إِذْ لَا مَعْصُومَ مِنَ الْأَرْبَعَةِ سِوَاهُ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي نُعيم عن ابن عباس أنها نزلت في علي)) .
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الصدِّيق مُبَالَغَةٌ فِي الصَّادِقِ، فَكُلُّ صدِّيق صَادِقٌ وَلَيْسَ كُلُّ صَادِقٍ صِدِّيقًا. وَأَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صدِّيق بِالْأَدِلَّةِ الْكَثِيرَةِ، فَيَجِبُ أَنْ تَتَنَاوَلَهُ الْآيَةُ قَطْعًا وَأَنْ تَكُونَ مَعَهُ، بَلْ تَنَاوُلُهَا لَهُ أَوْلى مِنْ تَنَاوُلِهَا لِغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَإِذَا كُنَّا مَعَهُ مُقِرِّينَ بِخِلَافَتِهِ، امتنع بأن نقرَّ بأنَّ عَلِيًّا كَانَ هُوَ الْإِمَامَ دُونَهُ، فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى نَقِيضِ مَطْلُوبِهِمْ.
الثَّانِي: أَنْ يُقال: هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ لَمَّا تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وصَدَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ، وَتَابَ اللَّهُ عليه ببركة الصدق.
الثالث: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُقال إِنَّهُ مَعْصُومٌ، لَا علي ّ وَلَا غَيْرُهُ. فعُلم أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ {مَعَ الصَّادِقِينَ} ولم يشترط كونه معصوما.
الرابع: أَنَّهُ قَالَ: {مَعَ الصَّادِقِينَ} وَهَذِهِ صِيغَةُ جَمْعٍ، وعليٌّ وَاحِدٌ، فَلَا يَكُونُ هُوَ الْمُرَادَ وَحْدَهُ.
الخامس: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {مَعَ الصَّادِقِينَ} إِمَّا أَنْ يُراد: كونوا معهم في الصِّدْقِ وَتَوَابِعِهِ، فَاصْدُقُوا كَمَا يَصْدُقُ الصَّادِقُونَ، وَلَا تَكُونُوا مَعَ الْكَاذِبِينَ. كَمَا فِي قَوْلِهِ:{وَارْكَعُوْا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (2) .
وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ: كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالصِّدْقِ.
وَالثَّانِي بَاطِلٌ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَعَ الصَّادِقِينَ فِي الْمُبَاحَاتِ، كَالْأَكْلِ والشرب واللباس ونحو ذلك.
(1) الآية 119 من سورة التوبة.
(2)
الآية 43 من سورة البقرة.