الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والصدِّيق قَاتَلَهُمْ حَتَّى قَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَدْ رَأَيْتُكَ يَوْمَ بَدْرٍ فَصَدَفْتُ عَنْكَ. فَقَالَ: لَكِنِّي لَوْ رَأَيْتُكَ لَقَتَلْتُكَ.
(فَصْلٌ)
قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((وَأَمَّا إِنْفَاقُهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَذِبٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَا مَالٍ، فَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ فَقِيرًا فِي الْغَايَةِ، وَكَانَ يُنادى عَلَى مَائِدَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدعان كُلَّ يَوْمٍ بِمُدٍّ يَقْتَاتُ بِهِ، وَلَوْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ غَنِيًّا لَكَفَى أَبَاهُ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ مُعَلِّمًا لِلصِّبْيَانِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَفِي الْإِسْلَامِ كَانَ خَيَّاطًا، وَلَمَّا وَلِيَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ مَنَعَهُ النَّاسُ عَنِ الْخِيَاطَةِ، فَقَالَ: إِنِّي مُحْتَاجٌ إِلَى الْقُوتِ، فَجَعَلُوا لَهُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ)) .
وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: أَوَّلًا: مِنْ أَعْظَمِ الظُّلْمِ وَالْبُهْتَانِ أَنْ يُنْكِرَ الرَّجُلُ مَا تَوَاتَرَ بِهِ النَّقْلُ، وَشَاعَ بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، وَامْتَلَأَتْ بِهِ الْكُتُبُ: كُتُبُ الْحَدِيثِ الصحاح، والمسانيد والتفسير، والفقه، والكتب المصنّفة في أخبار القوم وَفَضَائِلِهِمْ، ثُمَّ يدَّعي شَيْئًا مِنَ الْمَنْقُولَاتِ الَّتِي لا تُعلم إلا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ، وَلَا يَنْقُلُهُ بِإِسْنَادٍ مَعْرُوفٍ وَلَا أضافه إلى كتاب يعرف يُوثَقُ بِهِ، وَلَا يَذْكُرُ مَا قَالَهُ. فَلَوْ قدَّرنا أَنَّهُ نَاظَرَ أَجْهَلَ الْخَلْقِ لَأَمْكَنَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: بَلِ الَّذِي ذَكَرْتَ هُوَ الْكَذِبُ، وَالَّذِي قَالَهُ مُنَازِعُوكَ هُوَ الصِّدْقُ، فَكَيْفَ تُخْبِرُ عَنْ أَمْرٍ كَانَ بِلَا حُجَّةٍ أَصْلًا، وَلَا نَقْلٍ يُعرف بِهِ ذَلِكَ؟ وَمَنِ الَّذِي نَقَلَ مِنَ الثِّقَاتِ مَا ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ؟
ثُمَّ يُقال: أَمَّا إِنْفَاقٌ أَبِي بَكْرٍ مَالَهُ، فَمُتَوَاتِرٌ مَنْقُولٌ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ. حَتَّى قَالَ:((مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ)) (1) .
وَقَالَ: ((إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيْنَا فِي صُحْبَتِهِ وَذَاتِ يَدِهِ أَبُو بَكْرٍ)) (2) . وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ اشْتَرَى المعذَّبين مِنْ مَالِهِ: بِلَالًا، وَعَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ، اشْتَرَى سَبْعَةَ أَنْفُسٍ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: ((إِنَّ أَبَاهُ كَانَ يُنادى عَلَى مَائِدَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدعان)) .
فَهَذَا لَمْ يَذْكُرْ لَهُ إِسْنَادًا يُعرف بِهِ صِحَّتَهُ، وَلَوْ ثَبَتَ لَمْ يَضُرَّ؛ فَإِنَّ هذا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ ابْنَ جُدْعَانَ مَاتَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا فِي الْإِسْلَامِ فكان لأبي قحافة ما يغنيه،
(1) تقدم مراراً ص 618.
(2)
تقدم تخريجه ص 620.