المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني في مملكة القان الكبير - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - جـ ٣

[ابن فضل الله العمري]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الثالث]

- ‌مقدمة المحقق

- ‌أ- المؤلف:

- ‌ب- المخطوط:

- ‌ج- منهج المؤلف في تأليف الكتاب

- ‌د- التأريخ والمؤرخون في عصر المؤلف:

- ‌هـ- منهج المحقق في تحقيق المخطوط:

- ‌النّوع الثّاني في ذكر ممالك الإسلام جملة

- ‌الباب الأول في مملكة الهند والسّند

- ‌الباب الثاني في ممالك بيت جنكيز خان

- ‌الفصل الأول في الكلام عليهم جمليا

- ‌نبذة من عقيدته وياسته وقاعدته وسيرته

- ‌الفصل الثاني في مملكة القان الكبير

- ‌الفصل الثالث في التورانيين وهم فرقتان

- ‌الفرقة الثانية في خوارزم والقبجاق

- ‌الفصل الرابع في مملكة الإيرانيين

- ‌الباب الثالث في مملكة الجيل

- ‌الفصل الأول في بومن

- ‌الفصل الثاني في صاحب توليم

- ‌الفصل الثالث في كسكر

- ‌الفصل الرابع في رسفت

- ‌الباب الرابع في مملكة الجبال

- ‌الفصل الأول في الأكراد

- ‌الفصل الثاني في اللر

- ‌الفصل الثالث في الشول

- ‌الفصل الرابع في شنكاره

- ‌الباب الخامس في مملكة الأتراك بالروم

- ‌الفصل الأول في مملكة كرمينان

- ‌الفصل الثاني في مملكة طغرلو

- ‌الفصل الثالث في مملكة توازا

- ‌فصل الرابع في مملكة عبدلي

- ‌الفصل الخامس في مملكة كصطمونية

- ‌الفصل السادس في مملكة فاويا

- ‌الفصل السابع في مملكة برسا

- ‌الفصل الثامن في مملكة اكيرا

- ‌الفصل التاسع في مملكة مرمرا

- ‌الفصل العاشر في مملكة نيف

- ‌الفصل الحادي عشر في مملكة مغنيسيا

- ‌الفصل الثاني عشر في مملكة بركي

- ‌الفصل الثالث عشر في مملكة فوكه

- ‌الفصل الرابع عشر في مملكة إنطاليا

- ‌الفصل الخامس عشر في مملكة قراصار

- ‌الفصل السادس عشر في مملكة أزمناك

- ‌الباب السادس في مملكة مصر والشام والحجاز

- ‌[ذكر مملكة المصر]

- ‌ذكر هيئة جلوسه للمظالم

- ‌ذكر هيئة في بقية الأيام

- ‌ذكر هيئته في الأسفار

- ‌ذكر انتهاء الأخبار إليه

- ‌فصل

- ‌زي ذوي العمائم المدورة

- ‌الكلام على أرباب الوظائف في هذه المملكة

- ‌ذكر الوظائف

- ‌فصل

- ‌ذكر عادة هذه المملكة في الخلع ومراتبها

- ‌ذكر العيدين

- ‌فصل

- ‌القاهرة

- ‌الاسكندرية

- ‌دمياط

- ‌ومما يتعلق بذيل هذه المملكة

- ‌ذكر برقة

- ‌ذكر المملكة الثانية وهي مملكة الشام

- ‌ذكر دمشق وبنائها

- ‌أسماء بعض جهاتها

- ‌جملة أعمال دمشق

- ‌بعلبك

- ‌حمص

- ‌حماة

- ‌حلب

- ‌طرابلس

- ‌صفد

- ‌القدس

- ‌الكرك

- ‌الشوبك

- ‌غزة

- ‌فائدة جليلة تتعلق بذكر غزة

- ‌(تتمة في ذكر سبب سفرهم الموجب لموت من مات منهم غريبا)

- ‌تنبيه

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌الفصل الثاني في مملكة القان الكبير

‌الفصل الثاني في مملكة القان الكبير

ص: 127

صاحب التخت، وهو صاحب الصين والخطا، قد ذكرنا في صدر الفصل الأول «1» أن القان الكبير هو القائم مقام جنكيز خان والجالس على تخته «2» ، وهو أجل ملوك توران، التي من مملكة الترك [1] من قديم الدهور والآباد، وبها أو بما جاورها أو قاربها كان أفراسياب [2] ، غير أنه خرج عن هذا القان ما هو الآن لأبنيّ عمه؛ الذين تقدم ذكرهما «3» ، وإلى هذا القان إشارة الثلاثة أبناء عمه وهو كالخليفة عليهم، فإذا تجدد من مملكة أحد منهم مهم كبير [3] مثل لقاء عسكر أو قتل أمير كبير بذنب أوصله إليه اليسق [4] أي الحكم أو ما يناسب هذا، أرسل إليه وأعلمه، ولا افتقار إلى استئذانه ولكنها «4» عادة مرعية.

(المخطوط ص 56) قال الفاضل نظام الدين ابن الحكيم الكاتب البوسعيدي [5]«5» : أن هذا القان ما يزال يكتب إلى كل من القانات [6] الثلاثة،

[1] المغول فرع من الأتراك.

[2]

بطل أسطوري توراني قديم، حارب رستم حروبا طويلة، وأخيرا قتله رستم، وهو جزء من الصراع الإيراني التوراني (انظر: شاهنامة الفردوسي 35) .

[3]

أمر هام مشكلة كبرى ويسمى هذا الاجتماع باسم الطوى أي الضيافة (رحلة ابن بطوطة 248) أما القوريلتاي فهو اجتماع لتنصيب القاآن (تركستان 649) .

[4]

اليسق هي الياسا والياصا وهي الحكم والقاعدة (فرهنگ عميد 2/1991) واليساق (تركستان 114- 131) .

[5]

نسبة إلى أبي سعيد بهادر بن أولجايتو خدابنده بن أرغون بن القاآن هولاكو.

[6]

القانات جمع مفرده قان، وهي في الأصل قاآن تعادل كلمة شاهنشاه وخاقان وقيصر- والقان سمة لكل من يلي الملك عند المغول (رحلة ابن بطوطة 423) .

ص: 129

يأمرهم بالاتحاد والألفة، وأنه إذا كتب إليهم بدأ باسمه قبلهم، وكلهم مذعنون له بالتقدم عليهم.

وحدثني بكثير مما عليه صاحب هذه المملكة، وأنهم على ما هم عليه من الجاهلية؛ على السيرة الفاضلة الشاملة لأهل مملكته، ومن يرد إليها من الجافهم «1» ، بجناح العدل والإحسان، ومعاملتهم بقشور من لحاء شجر التوت [1] ، مطبوعا باسمه، فإذا عتق ذلك المتعاطى به «2» ، حمله إلى ثواب هذا القان، وأخذ عوضه مع خسارة لطيفة [2] ، كما يؤخذ من دار الضرب على ما يؤخذ إليها «3» من الذهب والفضة، ليضرب بها.

وأهل مملكته هم أهل الأعمال اللطيفة والصنائع البديعة التي سلمت إليهم فيها الأمم، وقد ملئت الكتب عن أحوالهم بما أغنانا عن ذكره.

ومن عادة المجيدين في الصنائع أنهم إذا عملوا عملا بديعا، حملوه إلى باب الملك، وعلق به ليراه الناس، وتبقى سنة كاملة، فإن سلم من عائب، أسدى إلى صانعه صنائع الإحسان، وإن عيب عليه، وتوجه العيب، وضع قدر الصانع، وإن لم يتوجه العيب، قوبل من عاب عيبا غير متوجه قصد الأذية.

ومما حكى في هذا أن صانعا منهم صور في نقوش الثياب الكمخاء عصفورا على سنبلة حتى مثله كأنه حقيقة، فلما علقه حيث يعلق مثله، استحسنه كل من

[1] هي نوع من العملة المستعملة، فهناك عملة من الذهب والفضة ولحاء الشجر وتسمى جميعها بايزه (حاشية جامع التواريخ 1/247) .

[2]

وتسمى كانمد وهي مختومة بخاتم السلطان (رحلة ابن بطوطة 415) .

ص: 130

رآه، حتى مر به رجل، فعابه، فسئل لأي شيء عبته؟ فقال: لأن العصفور إذا قعد على سنبلة أمالها، وهذه مستقيمة ما هي مائلة، فاستحسن قوله، ووضع قدر الصانع.

هذا مما يحكى عنهم، وأما ما يحكى لي عن المشاهدة والعيان، فحكى لي الصدر [1] بدر الدين حسن الأسعردي التاجر، أن بعض صناعهم عمل سرجا من أختاء البقر ودهنه، وأبدع صناعته، ثم قدمه إلى القان، فأعجبه، ووقع منه موقع الاستحسان، ولم يشك أنه معمول من خشب (المخطوط ص 57) مثل بقية السروج، فقال له صانعه: أما علمتم هذا مما خشبه؟، فقالوا: لا، فأوقفهم على أنه من أختاء البقر، فاستحسنوا جودة صناعته، ولطف تدقيقه.

وحكى لي أن بعض صنّاعهم عمل ثيابا من الورق، وباعها من التجار على أنها من الكمخاوات الخطائية [2] ، لا يشك فيها أحد، ثم أنه لما جاز هذا عليهم، أطلعهم على حقيقة حالها، فعجبوا لهذا.

قال بدر الدين حسن: ولقد رأيت منهم من هذه الأعمال ما تحار فيه العقول، وتذهل الأفكار، وأما ما حدثني به السيد الشريف تاج الدين حسن بن الجلال السمرقندي، وهو ممن جال في الأرض، وجال في الآفاق وهو من الثقات، وقد دخل الصين، وجاز بلاده، وجاب آفاقه، وجاس خلاله، وجال في أقطاره، قال: إن قاعدة الملك به مدينة خان بالق [3] ، وهي مدينتان قديمة وجديدة، والجديدة بناها ديدو أحد ملوكها، سميت باسمه ديدوا، وفي وسط مدينة ديدوا المذكورة منزل القان

[1] الصدر، هي وظيفة مرموقة تقارب وزير، وصدر أعظم الآن بمعنى رئيس الوزراء في الأردية، وصدر تعني هنا الزعامة الدينية ومنها صدر جهان وصدر الصدور وهي ألقاب تمنح لرجال الدين آنذاك.

[2]

الخطائية نسبة إلى الخطا، وهم قوم من الترك سبق التعريف بهم- وتأتي الخطا والختا والقراخانية.

[3]

مدينة خان بالق أو خان بالغ أو باليق اسم قديم لمدينة بكين الحالية عاصمة الصين (انظر: فرهنگ عميد 1/828) وخان بالق من أعظم مدن الدنيا- مدينة السلطان في وسطها (رحلة ابن بطوطة 423) .

ص: 131

الكبير، وهو قصر عظيم يسمى كوك طاق ومعناه في اللغة المغولية «القصر الأخضر» لأن القصر عندهم «طاق» والأخضر «كوك» وهي خلاف اللغة التركية، فإن كوك فيها هو الأزرق.

ونزول الأمراء حوله خارج قصره، قال: وأما ترتيب هذه المملكة فإن لهذا القان أميرين كبيرين هم [1] الوزراء ويسمى كل من يكون في هذه الرتبة جنكصان [2] ، ودونهما أميران آخران يسمى كل من يكون في هذه الرتبة بنجار «1» ودونهما أميران آخران يسمى كل من يكون في هذه الرتبة سمجين، ودونهما أميران آخران يسمى كل من يكون في هذه الرتبة يوجين، ورأس الكتاب ويسمى كل من يكون في هذه الرتبة كنجون «2» وهو بمنزلة كاتب السر.

ويجلس القان كل يوم في صدر دار فسيحة تسمى شن «3» هي عندهم من دار العدل عندنا، ويقف حوله الأمراء المذكورون عن اليمين وعن الشمال على مقادير الرتب، ورأس الكتاب (المخطوط ص 58) المسمى لنجون في آخرهم، فإذا شكى أحد شكوى أو سأل حاجة المذكور، فيقف عليها (هو ومن معه في الرتبة)«4» ، ثم يوصلانها إلى من يليهما في الرتبة «5» ، وكذا إلى أن تصل إلى القان، ويأمر فيها بما يراه مع العدل التام، والإنصاف المفرط.

قال: وهذا القان الكبير، ذو ملك كبير، وعسكر مديد، قال: والذي أعلم من أمره أن له بزدارا «6» تركب الخيل، وعساكره من المغل عشرون

[1] هما.

[2]

جنكسان: أمير يعادل درجة وزير وهي جنكساتك.

ص: 132

توماتا [1] وهي مائتا «1» ألف فارس، وأما من الخطا فما لا يحصى.

قال: وبلاد الصين تشتمل على ألف مدينة، ورث كثيرا منها، والطريق إلى سمرقند إلى خان بالق على ما يذكر من سمرقند إلى نيلي عشرون يوما، ونيلي هي أربعة مدن، بين كل مدينة والأخرى فرسخ واحد، ولكل واحدة منها اسم يخصها، فالواحدة نيلي والأخرى نيلي بالق، والأخرى لنجك والأخرى تلان، ومن مدينة نيلي المذكورة إلى المالق عشرون يوما، ومن المالق إلى قراجواجا إلى قمحو هي أول بلاد الخطا، أربعون يوما، ومن قمحوا إلى خان بالق أربعون يوما، ثم من خان بالق إلى الخنسا [2] طريقان؛ طريق في البر، وطريق في البحر، وفي كل منهما من خان بالق إلى الخنساء أربعون يوما، وطول الخنساء [3] يوم كامل، وعرضها نصف يوم، وفي وسطها سوق واحد ممتد من أولها إلى آخرها، وكل شوارعها وأسواقها مبلطة بالبلاط، وبناؤها خمس طبقات، بعضها فوق بعض، وكلها مبنية بالأخشاب والمسامير، وشرب أهلها من الآبار، وأهلها في قشف عيش، وغالب أكلهم لحوم الجواميس والأوز «2» والدجاج، والأرز والموز وقصب السكر والليمون، وقليل رمان وهي شبيهة بمزاج مصر في حرها وهوائها، وأسعارها متوسطة، ويجلب إليها الغنم

[1] تومان: كتيبة من عشرة آلاف جندي وهي تعادل لقب ونشى واللقب الصيني يوان- شواي أي القائد الأكبر ولقب بخشى بزرگ كما استعمله رشيد الدين فضل الله تايشى (انظر: تركستان لبارتولد 560) .

[2]

الخنساء: هي كانتون الآن وهي ميناء صيني، اسماه ابن بطوطة الخنساء أو الخنسا (رحلة ابن بطوطة 420) والبحارة العرب اطلقوا عليها اسم الخنساء وحرف إلى خانسو ثم كانتون (انظر العالم الإسلامي- محمود شاكر القاهرة 1981 ص 203) .

[3]

انظر: وصف الخنساء وهي عاصمة الصين الجنوبية آنذاك بتاريخ وصاف المعروف بتجزية الأمصار وتزجية الأعصار لعبد الله بن فضل الله الشيرازي، وكذلك عند ابن بطوطة ص 420.

ص: 133

والقمح، ولكنه «1» قليل، ولا يوجد بها من الخيل إلا ما قل عند الأعيان الأكابر، وأما الجمال فلا يوجد بها شيء منها البتة، فإن دخل إليها جمل عجبوا منه.

قال الشريف هلال الدين حسن السمرقندي: وأما مدينة خان بالق، فمدينة طيبة وافرة الأقوات، رخية الأسعار، ويجمد بها الماء في زمن (المخطوط ص 59) الشتاء، ويسيل إلى الصيف، فيبرد به الماء، ويشق أحد المدينتين منها، وهي مدينة ديدوانهر.

وبها أنواع الفواكه إلا العنب، فإنه قليل، وليس بها نارنج ولا ليمون ولا زيتون، ويعمل بها السكر والنبات [1] مما يحمل إلينا من مدينة الزيتون، وأما ما بها من الزروع والدواب الجمال والخيل والأبقار والأغنام، فما لا يدخل في الإحصاء.

قال: وبين خان بالق ومدينة الزيتون شهر واحد تقديرا، ومدينة الزيتون بندر على البحر المحيط [2] ، وهي آخر العمارة.

قال: وأما مدينة قراقرم [3] فإنها مدينة جليلة، فيها غالب عساكر القان العظيم «2» ، ويعمل بها القماش المليح الفاخر والصنائع الفائقة، وغالب ما يحتاج القان إليه يستدعى منها، لأنها دار استعمال، وأهلها أهل صناعات فائقة وأعمال.

قال الشريف حسن السمرقندي: وبلاد الصين كلها عمارة متصلة من بلد إلى بلد ومن قرية إلى قرية، ومعاملتهم بورق التوت، ومنها كبار ومنها صغار، فمنها ما

[1] يقصد به السكر النبات.

[2]

مدينة الزيتون على المحيط الهادىء وهي مدينة ليس بها زيتون وهي مدينة كبيرة تصنع بها ثياب الكمخا والأطلس وتعرف بالنسبة إليها، وبها مرسى كبير (رحلة ابن بطوطة 417) .

[3]

قرام قورم- جهانگشاي علاء الدين عطا الملك جويني ج 2/101.

ص: 134

يقوم في المعاملة مقام الدرهم الواحد، ومنها ما يقوم مقام درهمين، ومنها ما يقوم مقام خمسة دراهم وأكثر إلى ثلاثين وأربعين وخمسين ومائة، وهو يؤخذ من لحاء شجر التوت اللين، ويختم باسم القان، وتجري به المعاملات، (فإذا عتق)«1» ، واضمحل، حمل إلى الخزانة، وأعطى عوضه مع غرم قليل [1] .

قال لي الشريف السمرقندي: ومن عجائب ما رأيت في مملكة هذا القان الكبير، أنه رجل كافر، وفي رعاياه من المسلمين أمم كثيرة، وهم عنده مكرمون محترمون، ومتى قتل أحد من الكفار مسلما، قتل الكافر القاتل، هو وأهل بيته، وتنهب أموالهم، وإن قتل مسلم كافرا، لا يقتل وإنما يطلب بالدية، ودية الكافر عندهم حمار، لا يطلب غير ذلك.

وسألته عن أهل الصين، وما يحكى عنهم من رزانة العقل، وإتقان الأعمال، فقال: هم أكثر مما يقال، وكنا جماعة بحضرة سيدنا وشيخنا مزيد الدهر وارث العلم والحكمة شمس الدين (المخطوط ص 60) أبي الثناء محمود الأصفهاني فقال الشريف السمرقندي: أنا أحكي لكم ما جرى لي: كنت أشكو ضرسا في فمي، فرآني بعض من كنت ألغت به في بلاد الصين، وأنا أتألم لشدة الضربان، فسألني عما بي، فشكوت إليه وجع ضرس، فاستدعى [2] شخصا حطابا قصير القامة، فقال له: أبصر حال هذا المسكين، فنظر في فمي وبقى يقلب أضراس بيده هنيهة، ثم أخرج ضرس الواحد ونصف الآخر، ولم أشعر لهما بألم، ثم أخرج من خريطة له، كانت معه أضراسا كانت كوامل وأنصافا وأثلاثا وأرباعا معدة عنده لوضعها في مواضع ما يقلع، ثم لم يزل يقيس مواضع ما قلع لي حتى وضع موضعها من تلك

[1] انظر: المخطوط ص 156 به نفس المعلومة وانظر رحلة ابن بطوطة ص 415.

[2]

وردت بالمخطوط فأسند لها.

ص: 135

الأضراس، ثم ذر عليها ذرورا، ودهنها بدهن، التأمت به لوقتها، وأمرني أن لا أشرب عليها الماء يومي كله، ففعلت كأني ما قلعت شيئا، وأراني «1» أضراسه، فوجدناها كأحسن ما يكون فلا أن المستجدين «2» ظاهر عليها أنه ليسوا «3» من نوع البقية والضرس المشعوب، يظهر أن نصف الشعب من غير النصف الأول.

وحدثني الفاضل نظام الدين علي بن الحكيم أن لأهل هذه البلاد عقولا راجحة وأعمالا دقيقة وهم يقولون الفرنج «4» عور وباقي الناس عمى يعني أن صنائعهم صناعة يصير لعين وباقي الناس صناعتهم صناعة من هو أعمى ما يبصر ما يعمل وحكى لي من أحوال هؤلاء القوم ما ينبئ عن عقول جمة وترتيب حسن وفقهته [1] في الأمور «5» .

فمما يحكى عنهم أن في مدن الخطا مطابخ يطبخ فيها الأطعمة الفائقة والمشروب اللذيذ مما لا يوصف حسنه أن يقدم منه إلى الملوك معدة لمن يشتري منه من الأكابر حتى أن أحدهم إذا اهتم لضيافة كبير بعث إلى صاحب المطبخ من تلك المطابخ وقال له عندي ضيف وأريد له ضيافة بكذا في وقت كذا فإذا كان ذلك الوقت حمل إليه ما يناسب ارادته وشرطه من بدائع المأكول والمشروب كل شيء في وقته إن كان المضيف ماله مكان يصلح للضيافة أعد له صاحب المطبخ مكانا بكل ما يحتاج إليه من البسط والفرش والآلات والغلمان على قدر ما حده له المضيف من القيمة حسب صاحب المطبخ حساب مكسبه من كان ذلك عن أجرته والمطبخ

[1] فهقنه: أي دراية وعلم من فقه ويفقه.

ص: 136

والدار والفرش وكلفة الطعام والشراب واتمام كل شيء بحسابه بقانون متفق لا يزيد ولا ينقص من غير أن يحصل على المضيف تفريط ولا خيانة في شيء مما قل أو جل قلت وحدثني الشريف الفاضل أبو الحسن الكربلائي التاجر رحمه الله وكان قد اجتمع بقان هذه البلاد وكثير من ملوك الأرض مما شاهده من عظمة سلطان هذه السلطان وطاعة رعاياه له وأمنهم في دولته وقال لي أن لهذا القان أربعة وزراء يصدرون الأمر في مملكته كلها ولا يراجع القان إلا في القليل النادر ووصف لي أنه إذا أراد الركوب أنه لا يركب إلا في محقة لا يظهر للناس إلا في يوم واحد وهو مثل يوم مولده من كل سنة فإنه يركب فرسا ويخرج إلى الصحراء ويعمل بها الأطعمة والسماطات ما يغمر الناس ويكون مثل يوم العيد عندهم وحدثني الصدر بدر الدين عبد الوهاب بن الحداد البغدادي التاجر أنه وصل إلى الخنساء ووصف عظمة بنائها وسعة رقعة مدينتها مع تشكط الأقوات بها ووفور المكاسب فيها ورخص الرقيق الجيد فيها، ومن كل تلك البلاد قال وأهلها يتفاخرون بكثرة الجواري والسراري حتى أنه ليوجد لأحد التجار وآحاد الناس أربعون سرية فما زاد على ذلك قلت وكل ما ذكرناه في هذا هو على سبيل الاستطراد لبسط المقصود أن هذا القان هو أكبر الملوك الجنكيز خانيه الأربعة.

ص: 137