الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث في مملكة الجيل
وفيه أربعة فصول:
الفصل الأول: في بومن.
الفصل الثاني: في توليم.
الفصل الثالث: في كسكر.
الفصل الرابع: في رسفت.
«1» ونحن نذكر في هذا الباب في رسفت «2» من مملكة الجيل [1] ما تيسر لنا ذكره جملة.
حدثني الشريف محمد بن أحمد بن عبد الواحد الجبلي أن بلاد كيلان في وطأة يحيط بها أربعة [2] حدود، من الشرق إقليم مازندران [3] ، ومن الغرب موقان [4] ، ومن الغرب «3» عراق العجم، يفصل بينهما جبل يعرف مازندران «4» يعرف بأشناده في سفحه الجنوبي قرى ممتدة تسمى بلاد التارم [5] داخلة في مملكة كيلان، وبأيدي ملوكها، وهو جبل عال لا يرقى إلا من طلوع الشمس إلى العصر، وهو جبل مشجر.
فيها «5» عيون كثيرة، وبه سكان من الأكراد، ومن الشمال بحر القلزم، ويأخذ على توريز فيه، وكيلان مشتمل على أربعة مدن كبار، لكل مدينة منها في الغالب ملك ينفرد بذاته بها، وأعمالها المضافة إليه «6» وهي بومن قريبة من الجبل إلى
[1] الجيل: طائفة تسكن گيلان أو جيلان، والجيلان نزل قوم من أبناء فارس من أهل اصطخر من طرف من البحرين (مراصد الاطلاع 1/368) .
[2]
وردت أربع.
[3]
مازندران: اسم ولاية طبرستان (مراصد الاطلاع 3/1219) .
[4]
موقان: ولاية فيها قرى ومروج يحتلها التركمان للرعي وهي من آذربيجان (مراصد الاصلاع 3/1335) .
[5]
بلاد التارم: كورة واسعة في الجبال بين قزوين وجيلان (مراصد الاطلاع 1/249) .
وسطه، وتوليم تليها إلى البحر بشرق، وكسكر [1]«1» تليها إلى جهة موقان مصاقبة للبحر، وطول مجموع كيلان مما في أيدي هؤلاء الملوك الأربعة وهو شرق بغرب نحو عشرة أيام، وعرضها، وهو جنوب بشمال نحو ثلاثة أيام تزيد وتنقص، وجميع أهلها حنابلة.
قال: وهي شديدة الأمطار والأنهار كثيرة، والفواكه خلا النخل والموز وقصب السكر (المخطوط ص 121) والمشمش، ويجلب إليها المحمضات من مازندران، ومدن كيلان غير مسورة، ولملوكهم قصور علية، وجميع مباني كيلان بالطوب المشوي، مفرشة بالطوب مثل بغداد، مسقفة «2» بالخشب، وبعضها معقودة أقباء، وعليها قش مضفور [2]«3» ، وفي غالب ديارها آبار قريبة المستقى نحو ذراعين أو ثلاثة أو أقل، والأنهار تحكم «4» كل مدينة.
وغالب أقوات كيلان الأرز، يعمل منه خبز مليح، ورقاق مع تيسر القمح والشعير، والغنم، والبقر كثيرة عندهم، وأسعارها متوسطة إلى أرخص «5» .
وبها المساجد الجليلة ومدارس تسمى عندهم الخوانق، وزوايا وحمامات لطاف، يجرى إليها الماء من الأنهار، وبها الحرير الكثير، ولها حصون في نواحي مازندران وجزائر في القلزم، وبها رمان وبلوط وفواكه، ولا يجري بها ماء، وبها تحصنهم عند مغالبة العدو لهم.
[1] كسكر: كورة واسعة وقصبتها واسط القصب التي بين الكوفة والبصرة (مراصد الاطلاع 3/1166) وهي الآن تابعة لإقليم فارس.
[2]
وردت بالمخطوط مظفور.
ولملوكهم زي جميل على قدر دخل بلادهم، فإنه ليس بالكثير لضيق بلادهم، ولأنها لا مكس بها ولا مؤذي فيها، لهم أمراء الطبلخانات [1] ويركب الملك بالرقبة «1» السلطانية، والحجاب والسلاح داريه [2] والجمدارية [3] ، والجنائب المجرورة، ويركب الأمير ووراءه صاحب أربعة وخمسة «2» وأكثر، ولباسهم أقبية إسلامية ضيقة الأكمام وتخافيف صغار، ويشدون المناطق والبنود [4] ، وخيلهم براذين جياد مشكورة، وسروج منها المحلى بالفضة، وزيهم كلهم قريب من الزي العسكري الخوارزمي، ويتخذ بظواهر قصور [5] ملوكهم ميادين خضرا يعمل في أوساطها قصورا صغارا من الخشب، فيها جلوسهم للخدم والمظالم.
وجميع جنود هؤلاء الملوك الأربعة نحو عشرين ألف (فارس ما بين ميدونه [6] ومطوعه [7] ممن يضمهم الجموع والحشود من الفارس والراجل)«3» ، وهؤلاء الملوك الأربعة لا يزال بينهم الخلق «4» حتى إذا قصدهم عدو (خارجي
[1] الطبلخانات جمع مفرده طبل خانه، بيت الطبل والمقصود بها هنا الأمراء الذين يدقون لهم الطبل.
[2]
السلاح داريه جمع مفرده سلاح دار وتعني حملة السلاح.
[3]
الجمدارية جمع مفرده جمدار وهو من اللفظ الفارسي جامة دار أي حملة الملابس (فرهنگ رازي 191) .
[4]
البنود جمع مفرده بند وتعني العلم الكبير.
[5]
وردت بالمخطوط قصورهم.
[6]
ميدانه أي المسجلين في الديوانه، والديوان وهو الدفتر يكتب فيه أسماء الجيش وأهل العطاء المعجم الوسيط 1/316) .
[7]
مطوعة هم المتطوعة الذين يتطوعون للجهاد ونحوه، يقال: لهم مطوعة بتخفيف الطاء (المعجم الوسيط 2/591) ويأتي اللفظ باسم غازيان واحدات (انظر: تركستان 1347) .
عنهم) «1» ، تألفت قلوبهم، واجتمعت كلمتهم، وصاروا حزبا واحدا على عدوهم، ولقد قصدوا أيام هولاكو فما قدر عليهم «2» ، ثم قطلو شاه في سبعين ألف فارس، وانتصر على صاحب (المخطوط ص 122) تومن وكسكر، وامتنع صاحب توليم، وضرب معه مصافا بالفارس والراجل، وحمل بنفسه قطلوشاه على أنه مقفل إليه، فلما قاربه أحسّ قطلوشاه بالغدر منه، فولى منهزما، فطعنه، فألقاه عن فرسه قتيلا، فنزل إليه، وقطع أذنيه بالحلقتين اللتين فيهما «3» ، ثم ركب وساق إلى التتار، وقطع عليهما المياه، وسد عليهم الطرق بالأخشاب العظيمة، فأفناهم إلا الشريد، وراحوا كلهم بين قتيل وغريق متوحل في الطين، وضال بالجبال وهم بحصانة بلادهم بالبحر من جانب وتوعير «4» المسالك إليهم، لا يدينون لملوك إيران ولا يطمع أحد في ملكهم.
وطبرستان ومازندران والجبل كما قال الله تعالى وفي الأرض قطع متجاورات، ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود [1] .
قلت: وبما ذكر من شدة بأس أهلها ذكرت قول صاحب شاه آعا في تاريخ الفرس. وقد ذكر مازندران وعصيان أهلها قال: وهم مردة «5» .
قال الشريف: وبلاد الجبل مقسومة بين ثماني «6» ملوك ملك باللاهجان [2]
[1] إشارة إلى قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ
[فاطر: الآية 27] .
[2]
وردت اللاهجان وهي اللاهيجان وهي بلدة منحازة عن بقية بلدان جيلان، يقطع بينهما نهر، وأهلها روافض زيدية في القرن الثامن الهجري (مراصد الاطلاع 3/1195) .
وملك سخام وملك يرشب وملك تسفت وملك بومن وملك توليم وملك كسكر وملك بنفس «1» ، منهم أربعة كبار وهم ملك بومن وملك توليم وملك كسكر وملك رست، والملوك «2» الأربعة الآخرون دون هؤلاء، ومع هذا فلا ينقاد منهم ملك لملك ولا يذعن أحد لآخر:
قال: وجملة بلاد الجبل بلاد خصبة ورخاء ولحم وحب وفاكهة، أقطارها سخية، وأسعارها رخية، ولا يخطب بها للتتار، وإنما تضرب السكة باسم ملوك التتار، لأنه لو ضرب واحد من ملوك الجبل السكة باسمه، لم تخرج دراهمه في بلد جاره الآخر لشدة ما بينهم من الحقد، والجفوة «3» .
قال: ولا يدخل بلاد الجبل مملوك ولا جارية بل كل أهلها أحرار، ولا يتعدى واحد منهم شأن أبيه، وما كان عليه حتى أن الفلاح منهم ليقتني العدد الكثير (المخطوط 123) من الخيل ليبيعها، ويربح بأثمانها، ومع هذا لا يتجاسر على ركوبها، ولو ركبها قتل، وبالجبل ربض وخوانيق وغالب ما يجري بها من أحكام مذهب الإمام أحمد بن حنبل [1] رضي الله عنه، ونحن لا نذكر ملوكها إلا أربعة «4» المشاهير المترجم لهم في هذا الكتاب على ما ذكرناه.
[1] أحمد بن حنبل: أحد الأئمة أصحاب المذاهب الأربعة الكبار عاش ما بين 164- 241 هـ من أهل بغداد، اتصف بشدة تمسكه بالنزعة السلفية ومخالفته للرأي، قاوم المعتزلة من مشكلة خلق القرآن، سجن في عهد المأمون والمعتصم وعفا عنه المتوكل، له المسند (المنجد في الإعلام 6- 7) .