المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفرقة الثانية في خوارزم والقبجاق - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - جـ ٣

[ابن فضل الله العمري]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الثالث]

- ‌مقدمة المحقق

- ‌أ- المؤلف:

- ‌ب- المخطوط:

- ‌ج- منهج المؤلف في تأليف الكتاب

- ‌د- التأريخ والمؤرخون في عصر المؤلف:

- ‌هـ- منهج المحقق في تحقيق المخطوط:

- ‌النّوع الثّاني في ذكر ممالك الإسلام جملة

- ‌الباب الأول في مملكة الهند والسّند

- ‌الباب الثاني في ممالك بيت جنكيز خان

- ‌الفصل الأول في الكلام عليهم جمليا

- ‌نبذة من عقيدته وياسته وقاعدته وسيرته

- ‌الفصل الثاني في مملكة القان الكبير

- ‌الفصل الثالث في التورانيين وهم فرقتان

- ‌الفرقة الثانية في خوارزم والقبجاق

- ‌الفصل الرابع في مملكة الإيرانيين

- ‌الباب الثالث في مملكة الجيل

- ‌الفصل الأول في بومن

- ‌الفصل الثاني في صاحب توليم

- ‌الفصل الثالث في كسكر

- ‌الفصل الرابع في رسفت

- ‌الباب الرابع في مملكة الجبال

- ‌الفصل الأول في الأكراد

- ‌الفصل الثاني في اللر

- ‌الفصل الثالث في الشول

- ‌الفصل الرابع في شنكاره

- ‌الباب الخامس في مملكة الأتراك بالروم

- ‌الفصل الأول في مملكة كرمينان

- ‌الفصل الثاني في مملكة طغرلو

- ‌الفصل الثالث في مملكة توازا

- ‌فصل الرابع في مملكة عبدلي

- ‌الفصل الخامس في مملكة كصطمونية

- ‌الفصل السادس في مملكة فاويا

- ‌الفصل السابع في مملكة برسا

- ‌الفصل الثامن في مملكة اكيرا

- ‌الفصل التاسع في مملكة مرمرا

- ‌الفصل العاشر في مملكة نيف

- ‌الفصل الحادي عشر في مملكة مغنيسيا

- ‌الفصل الثاني عشر في مملكة بركي

- ‌الفصل الثالث عشر في مملكة فوكه

- ‌الفصل الرابع عشر في مملكة إنطاليا

- ‌الفصل الخامس عشر في مملكة قراصار

- ‌الفصل السادس عشر في مملكة أزمناك

- ‌الباب السادس في مملكة مصر والشام والحجاز

- ‌[ذكر مملكة المصر]

- ‌ذكر هيئة جلوسه للمظالم

- ‌ذكر هيئة في بقية الأيام

- ‌ذكر هيئته في الأسفار

- ‌ذكر انتهاء الأخبار إليه

- ‌فصل

- ‌زي ذوي العمائم المدورة

- ‌الكلام على أرباب الوظائف في هذه المملكة

- ‌ذكر الوظائف

- ‌فصل

- ‌ذكر عادة هذه المملكة في الخلع ومراتبها

- ‌ذكر العيدين

- ‌فصل

- ‌القاهرة

- ‌الاسكندرية

- ‌دمياط

- ‌ومما يتعلق بذيل هذه المملكة

- ‌ذكر برقة

- ‌ذكر المملكة الثانية وهي مملكة الشام

- ‌ذكر دمشق وبنائها

- ‌أسماء بعض جهاتها

- ‌جملة أعمال دمشق

- ‌بعلبك

- ‌حمص

- ‌حماة

- ‌حلب

- ‌طرابلس

- ‌صفد

- ‌القدس

- ‌الكرك

- ‌الشوبك

- ‌غزة

- ‌فائدة جليلة تتعلق بذكر غزة

- ‌(تتمة في ذكر سبب سفرهم الموجب لموت من مات منهم غريبا)

- ‌تنبيه

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌الفرقة الثانية في خوارزم والقبجاق

‌الفرقة الثانية في خوارزم والقبجاق

«1» حدثني الشيخ نجم الدين بن الشحام الموصلي أن هذه المملكة متسعة الجوانب طولا وعرضا، كثيرة الصحراء، قليلة المدن، وبها عالم كثير، لا يدخل تحت حد، وليس لهم كبير نفع لقلة السلاح ورداءه الخيل (المخطوط ص 84) .

وأرضهم سهلة قليلة الحجر لا تطيق خيل، ربيت فيها الأوعار «2» ، فلهذا يقل غناء أهل هذه المملكة في الحروب، وليس لملوكهم عظيم عناية بالأوضاع، وترتيب سلطان هذه البلاد في أمور جيشه «3» وسلطانه ترتيب مملكة العراق والعجم، في عدة الأمراء والأحكام والخدم، ولكن «4» ليس لأمير الألوس [1] والوزير بها تصرف أمير الألوس والوزير بتلك المملكة، ولا لسلطان هذه المملكة نظير ما لذلك السلطان من الدخل والمجابي وعدد المدن والقرى، ولا مشى أهل هذه المملكة على قواعد الخلفاء مثل أولئك «5» .

ولخواتين هؤلاء مشاركة في الحكم معهم، وإصدار الأمور عنهم مثل أولئك وأكثر إلا ما كانت عليه بغداد بنت جوبان [2] امرأة أبي سعيد بهادر بن خدابنده،

[1] الإلوس: كلمة مغولية تعني قبيلة وجماعة، فهناك الوس جوجي والوس جغتاي والوس هولاكو.

[2]

بغداد بنت جوبان: هي بنت جوبان أمير أمراء أبي سعيد بهادر وقد قتل أبو سعيد بهادر أخاها ثم قتل أبوها وأخويها على يد حاكم هراة، وتزوج أبو سعيد بهادر من بغداد خاتون وكانت أجمل النساء وتحت الشيخ حسن فطلقها الشيخ حسن وتزوجها، وكانت أحظى النساء لديه حتى قتلت أبا سعيد بهادر لأنها هجرها فقتلها الشيخ حسن وجلس على العرش (رحلة ابن بطوطة 152- 154) .

ص: 175

فإننا ما رأينا في زماننا، ولا سمعنا عمن قارب زماننا أن امرأة تحكمت تحكمها، وقد وقفت علي كثير من الكتب الصادرة عن ملوك هذه البلاد من عهد بركة [1] وما بعده، وفيها وانفقت آراء الخواتين والأمراء على كذا أو ما يجري هذا المجرى.

وقاعدة الملك بها السراي [2] ، وهي مدينة صغيرة بين رمل ونهر، وقد بنى بها سلطانها القائم بها الآن ازبك خان [3] مدرسة للعلم، وهو معظم لجانب العلم وأهله.

وحدثني الصدر زين الدين عمر بن مسافر أن هذا السلطان أزبك غير ملتفت من أمور مملكته إلا إلى جمليات الأمور دون تفصيل الأحوال، يقنع بما جمل إليه، ولا يفحص عن وجوهه في القبض والصرف، وإن لكل امرأة من خواتينه جانبا من الجمل [4] ، وهو يركب كل يوم إلى امرأة منهن يقيم ذلك اليوم عندها، يأكل في بيتها، ويشرب [5] ، وتلبسه بذلة قماش كاملة، ويخلع التي كانت عليه، على من يتفق ممن حوله، وقماشه ليس بفائق الجنس، ولا غالي الثمن، وهو مسلم، حسن

[1] بركاي خان من نسل جغتاي حارب هولاكو خان وابنه آباقا خان، وكان قد أسلم وحسن إسلامه (انظر:

جامع التواريخ 1/341- ح 2/14) وهو بركة بن جوجي حكم ما بين سنة 1257- 1266، تركستان 719) .

[2]

مدينة السراي: حاضرة السلطان أزبك، وهي من أحسن المدن قال عنها ابن بطوطة أنها في بسيط من الأرض تغص بأهلها كثرة، حسنة الأسواق متسعة الشوارع بها الآص وهم مسلمون والقفجق والجركس والروس والروم وهم نصارى (رحلة ابن بطوطة 237- 238) .

[3]

أزبك خان: أحد الملوك السبعة الذين هم كبار، عظيم المملكة شديد القوة كبير الشأن، رفيع المكان، قاهر لأعداء الله أهل قسطنطينية العظمى، مجتهد في جهادهم، وبلاده متسعة، ومدنه عظيمة منها الكفا والقرم والماجر وآزاق وسودان وخوارزم وحاضرته سرا (رحلة ابن بطوطة 220) وهو أزبك بن طوغريلجه بن مونكو تيمور بن توقو خان بن باتو بن جوجي حكم ما بين 1313- 1341 م (تركستان 719) .

[4]

وكذلك كان يفعل أبو سعيد بهادر (انظر رحلة ابن بطوطة 154) .

[5]

تكون كل خاتون من خواتينه على حدة في محلتها، فإذا أراد أن يكون عند واحدة منهن، بعت إليها يعلمها بذلك فتتهيأ له (رحلة ابن بطوطة 221) .

ص: 176

الإسلام، متظاهر بالديانة، والتمسك بالشريعة، محافظ على إقامة الصلاة، ومداومة الصيام مع قربه من الرعايا والقاصدين إليه «1» .

وليست يده بمبسوطة «2» بالعطاء، ولو أراد هذا لما وفي له به دخل «3» بلاده، وغالب رعاياها أصحاب عمد «4» في الصحراء، أقواتهم من مواشيهم من الخيل والبقر والغنم، والزرع عندهم قليل، وأقله القمح والشعير، وأما الفول فلا يكاد يوجد، وأكثر الموجود عندهم من الزروع، والدخن منه أكلهم، وعليه فيما يخرج الأرض كلهم، والأسعار في جميع هذه المملكة رخية إلى غاية.

الاكركانج [1] أم إقليم خوارزم، وهي المعبر عنها بخوارزم، فإنها متماسكة فيها أسعار الغلات، قل أن ترخص، بل هي إما مغلية أو متوسطة، لا تعرف الرخص أبدا، وأما اللحوم فإنها رخيصة، وكثيرا ما تذبح الخيل بهذه البلاد.

وأما سكان البر منهم فإنه لا يباع ولا يشترى بينهم اللحم، وغالب أكلهم من لحوم الصيد واللبن والسمن والدخن، فإن تلفت لأحد منهم دابة مثل فرس أو بقرة أو شاة، ذبحها، (وأكل هو، وأهله منها)«5» ، وأهدى إلى جيرانه، فإذا تلفت لهم أيضا شاة أو بقرة أو فرس، ذبحها، وأهدى إلى من أهدى إليه، فلا تكاد تخلو بيوتهم من اللحم بهذا السبب لأن هذا معروف بينهم كأن هدية اللحم بينهم قرض يؤتى.

[1] ي گرگانج التي سماها العرب المسلمون جرجانية وسماها المغول أوركنج.

ص: 177

وفي سلطان هذه المملكة طوائف الجركس [1] والروس [2] والآص [3]«1» وهم أهل مدن عامرة وآهلة، وجبال مشجرة مثمرة، ينبت عندهم الزرع، ويدر الضرع، وتجري الأنهار، وتجنى الثمار، ولا طاقة لهم بسلطان هذه البلاد، وهم معه، وإن كانت لهم ملوك كالرعايا فإن داروه بالطاعة والتحف والطرف، كف عنهم، وإلا شن عليهم الغارات، وضايقهم بالحصار، وكم مرة قتل رجالهم، وسبى نساءهم وذراريهم، وجلب رقيقهم إلى أقطار الأرض.

ومما ينضم إلى جناح هذا السلطان قوم من الترك في نهاية الشمال من حدوده، وهم في جهد من قشف العيش، لأنهم ليسوا أهل حاضرة لهم زرع، وشدة البرد تهلك، مواشيهم، وهم همج رعاع لا لهم مسكة بدين ولا رزانة في عقل، وهم لشدة ما بهم من سوء الحال إذا (المخطوط ص 86) وجد أحدهم لحما سلقة [4] ولم ينضجه، وشرب مرقه، وترك اللحم ليأكله مرة أخرى، ثم يجمع العظام، ويعاود سلقها «2» مرة أخرى، ويشرب مرقها، وقس على هذا بقية عيشهم.

وأخبرني الصدر جمال الدين عبد الله الحصني التاجر؛ أن ليس كثير من أهل

[1] الجركس: أو الشركس أو نشر كسيا، قوم يقطنون إقليما شاسعا من ولاية كوبان في روسيا أوروبا، والشراكسة رعاة ومقاتلة، في الغالب طوال القامات، عراض المنكبين، نحاف الجسوم صغار اليدين والرجليين، (دائرة معارف البستاني 10/439) .

[2]

الروس: قوم كانوا ضمن أملاك الوس جوجي وأولاده وكان بعضهم يسكن مدينة السرا عاصمة دولتهم في القرن الثامن الهجري، وكانوا في المنطقة الواقعة شرقي جبال آرال.

[3]

الآص: هم الآس ويعرفون عند بعض الكتاب بالآلان والأوسنيت (جامع التواريخ ح 1/212) والأوسيت الآن إقليم ذات حكم ذاتي في الاتحاد الروسي وتسمى أوسيتيا الشمالية وآخر تابع لجورجيا ويسمى أوسيتيا الجنوبية وبها يسكن الآص.

[4]

ورد بالمخطوط صلقه.

ص: 178

بادية هذه المملكة الجلود، سواء أن كانت مذكاة أو ميتة، مدبوغة أو غير مدبوغة، من الحيوان الطاهر أو غير الحيوان [1] الطاهر «1» ، ولا يعرفون في المأكل ما يعاف مما لا يعاف ولا التحريم من التحليل، وأنهم في الأزمات يبيعون «2» أولادهم ليتقوتوا بأثمانهم إذا ضاقت بهم الأحوال في بعض السنين، ويقولون عمن يبيعونه من أولادهم: نعيش نحن (ولا)[2] وهو خير مما نموت نحن وهو.

وجاريت «3» الصدر زين الدين عمر بن مسافر في حديث هذه البلاد، وسألته عما قاله عبد الله الحصني، فقال: كل ما أخبرك به صحيح.

قلت: وترك هذه البلاد هم خيار الترك أجناسا، لوفائهم وشجاعتهم، وتجنبهم الغدر مع تمام قاماتهم، وحسن صورهم، وظرافة شمائلهم، ومنهم معظم جيش مصر لأن سلاطينها وأمراءها منهم منذ رغب الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل [3] في مشترى المماليك القبجاق، ثم انتقل الملك إليهم، مالت ملوكهم إلى الحبشية [4] ، ورغبت في الاستكثار منهم، حتى أصبحت مصر بهم آهلة المعالم، محمية الجوانب، منهم أقمار مواكبها، وصدور مجالسها وزعماء جيوشها «4» وعظماء أرضها، وحمد الإسلام مواقفهم في حماية الدين، وجهادهم أقاربهم،

[1] تكرار لعبارة غير الحيوان.

[2]

أظنها زائدة.

[3]

الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل: آخر سلاطين الدولة الأيوبية في مصر، حارب الفرنجة، ومات وخلفه ابنه تورانشاه ولكنه قتل وتولت حكم البلاد شجرة الدر ثم عز الدين أيبك ثم تولى حكم المماليك وانتهى عصر الأيوبيين بموته (انظر: دائرة المعارف الإسلامية) .

[4]

المماليك الذين يجلبون من الحبشة.

ص: 179

وأهل جنسهم، من الله، (لا تميل لهم جنة)«1» ، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، وكفى بالخيرة الأولى نوبة عين جالوت [1] لما خرج الملك المظفر قطز، صاحب مصر [2] ، إذ ذاك في سنة ثمان وخمسين وستمائة، وكسر عساكر هولاكو أعلى عين جالوت، ورحل هولاكو عن حلب، عائدا، ونهض الجيش المصري بما عجزت عنه ملك أقطار الأرض مع اجتهاد السلطان جلال الدين محمد بن خوارزمشاه [3](المخطوط ص 87) رحمه الله، حتى قتل.

ولم يكن الجيش المصري بالنسبة إلى الجيوش الجلالية إلا كالنقطة في الدائرة، (والنغبة من البحر)«2» ، والله يؤيد بنصره من يشاء، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين [4] .

«3» ، وهذا من المعجزات النبوية وهو قوله صلى الله عليه وسلم [5] لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين

[1] عين جالوت: من مدن الشام، وفيها وقعت معركة حامية بين المغول والمصريين بقيادة قطز في 2 سبتمبر سنة 658 هـ (النجوم الزاهرة 7/79، ابن كثير 13/220، السيوطي 475، ابن إياس 1/306، القلقشندي 2/105) .

[2]

قطز: الملك المظفر قطز المعزى، هزم التتار في عين جالوت، كان أتابك الملك المنصور علي بن عز الدين أيبك، وعزله، وقام في السلطة مكانه، قتله الظاهر بيبرس سنة 658 هـ بعد موقعة عين جالوت (العبر 5/247، ابن كثير 13/222، المقريزي ق 1 ج 2/434) .

[3]

جلال الدين محمد بن خوارزمشاه وآخر سلاطين الدولة الخورازمية حارب التتار وقاومهم، وضاعت دولته في أول هجماتهم، قتل سنة 629 هـ (العبر 5/114) ، وهو جلال الدين منكبرتي أو منكبرتي بن علاء الدين محمد ابن نكش بن إيل أرسلان بن أتسز بن قطب الدين محمد بن أنوشتكين غرجة حكم 1220- 1231 م (تركستان 511) .

[4]

إشارة إلى قوله تعالى:

قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ

[البقرة: من الآية 249] .

[5]

انظر: الحديث النبوي الشريف في سنن الترمذي 2192، مستدركات الحاكم تصوير بيروت 4/550، سنن ابن ماجه، عيسى الحلبي القاهرة 6.

ص: 180

على من عاداهم إلى يوم القيامة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ألا وهم الجند الغربي.

وقوله ألا وهم الجند الغربي زيادة في الروايات، وهذه الرواية إن لم تصح روايتها، صحت بالمعنى، لأن هذه الطائفة وهي كانت الطائفة الظاهرة التي أرادها النبي صلى الله عليه وسلم في قولهم «1» وعناهم بها، لأنه لم يظهر على التتار سواهم، وبهذه النصرة، دامت النصرة على التتار، وكانت بهم لا بغيرهم مع كثرة من كان من ملوك الإسلام، واجتهادهم في الجهاد، فتماسك بهذه المرة رمق الإسلام، وبقيت بقية الدين، ولولا هم لا نصدع شعب الأمة، وو هي عمود الملة، ووصلت خيل عبدة الشمس إلى أقصى المغارب، ودكت جميع رعان «2» الأرض.

وهذه جملة معترضة ساقها الاستطراد بذكر أهل تلك البلاد، ونعود الآن إلى ذكر «3» ما كنا فيه من ذكر بلادهم وأحوالهم فيها.

هذه البلاد أكثر الأرض ماء ومرعى وأخصبها زرعا إذا زرع بها، ولكنهم أهل حل وترحال، أصحاب ماشية، ليس لهم مبالاة بالزرع والغراس، ولقد كانت قبل استيلاء التتار عليها، معمورة الجوانب، وهي الآن في بقايا تلك العمارة «4» فيها الأشجار المختلفة الأنواع، من الفواكه العنب والرمان والسفرجل والتفاح والكمثرى والمشمش والخوخ والجوز، وبها فاكهة تسمى بلغة القبجاق بابيك شبيهة بالتين، والفواكه الموجودة عندهم الآن من بقايا ما باد من غراس من كان قبل هؤلاء ممن كان لهم عناية بالزرع والنصب، وهي كثيرة الوجود في جبالهم، وما يحدث إلى المدن (المخطوط ص 88) مع كثرة ما بادوا.

ص: 181

وأما البطيخ فسحت عندهم سحابه، وشحت على غيرها خاصة الأصغر، فإنه ما يبقى عندهم طول السنة، ويقدد منه وهو في غاية صدق الحلاوة، وطيب الطعم مع ما يحكى من كثرة وجوده ورخصه، ومنهم من يستخرج ماءه ويعقد منه الحلوى.

وبمدنهم كثير من الخضراوات كاللفت والجزر والكرنب وغير ذلك، فأما في مدن الجركس والروس واللاص فإنه كثير عندهم جدا، وبها العسل الكثير الأبيض اللون اللذيذ الطعم الخالي من الحدة، وقد نشأ الآن فيهم الإسلام، وأشرق على أقطارهم نور الإيمان.

وكان أول من دان بالدين الحنيف من ملوكهم بركة بن جوجي [1]«1» بن جنكيز خان ومنه لمعت في آفاقهم الشوارق إلى أن صدع الآن الضحى، وتقلصت في جمهورهم «2» المعظم جلابيب الدجى، إلا في النادر القليل، ومع استعلائهم على جيوش الجركس والروس والماجار [2] والأرمن [3]«3» تختلس تلك الطوائف أولاد هؤلاء وتبيعهم من التجار، ومع ظهور الإسلام في هذه الطائفة، وإقرارهم بالشهادتين فهم مخالفون لأحكامها في كثير من الأمور، وأول هذه الطائفة وآخرها لا يقفون مع ياسه «4» جنكيز خان وقوف غيرهم مع مؤاخذة بضهم لبعض أشد

[1] أسلم بركة بن جوجي بن جنكيز خان على يد معلمه المسلم (طبقات ناصري طبعه سخاو 446) .

[2]

الماجار: قوم من الترك كانوا يسكنون في مدينة الماجر وهي مدينة كبيرة من أحسن مدن الترك على نهر كبير وبها البساتين والفواكه الكثيرة (انظر: رحلة ابن بطوطة 219) .

[3]

الأرمن هم أهل أرمينية (أرمنستان) الذين بقاياهم ببلاد سيس (صبح الأعشى 1/370) وهي الآن جمهورية أرمينيا.

ص: 182

المؤاخذة في الكذب والزنى ونبذ المواثيق والعهود.

ومن شأن ملوكهم إذا غضبوا على أحد من أتباعهم أخذوا ماله، وباعوا أولاده، وكذلك إذا سرق سرقة استحق المسروق له مال السارق وأولاده، وباعهم، ومن خطب إلي أحد «1» بنته، وأعطاه القليل، زوجه لها ثم لا يعود يسأله عنها كما ذكرنا في مملكة ما وراء النهر.

وقال لي المولى الفاضل نظام الدين أبو الفضائل يحيى بن الحكيم، أن لسلطان هذه المملكة على جميعهم خراج، يتأدى منهم زرعا «2» ، طولبوا بالخراج في سنة ممهلة لوقوع الموتان بدوابهم أو سقوط الثلج (وجماد الجمد)«3» ، فباعوا أولادهم لأداء ما عليهم.

وحدثني الشريف (المخطوط ص 89) شمس الدين محمد الحسيني الكربلائي التاجر في شهر رجب الفرد «4» سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة حالة عوده من هذه البلاد، وكان قد تجول فيها في سفره وتغرب فيها، ووصل إلى أقجاكرمان وبلاد البلغار، وقال لي: أنه اشترى في سفرته هذه مماليك وجواري من آبائهم وأمهاتهم لإحتياجهم لخروج يسق [1] ملكهم إليهم بالركوب «5» إلى بلاد إيران، واحتاجوا إلى بيع أولادهم وجلب منهم رقيقا عاليا غاليا.

وهذه المملكة قديما هي بلاد القبجاق فلما فاضت عليها التتار صارت القبجاق لهم رعايا، ثم خالطوهم وناسبوهم، وغلبت الأرض على الجبلة والأصل، فصار الكل كالقبجاق كأنهم جنس واحد لسكن المغل بأرض القبجاق ومصاهرتهم لهم،

[1] اليسق؛ الأمر والحكم.

ص: 183

وبلادهم في أرضهم، وهكذا طول المكث في كل بلد وأرض تجوز التجايز «1» إليها، ويحول الغرائز إلى طباعها كما قدمنا ذكره، (وقد يقل اختلاف الألوان ويزيد لسبب آخر غير البلدية)«2» .

قلت: ولقد كان في السرب والبلغار من قديم دار إسلام ومستقر إيمان، ذكر هذا المسعودي في مروج الذهب [1]«3» .

فأما الآن فقد تبدلت بإيماتها كفرا وتداولتها طائفة من عبّاد الصليب، ووصلت منهم رسل إلى حضرة سلطان «4» مصر سنة إحدى وثلاثين بكتاب إلى سلطانها من صاحب السرب والبلغار، يعرض نفسه على مودته، ويسأل منه سيفا يقلده «5» ، وسنجقا يقهر أعداؤه به، فأكرم رسوله، وأعد نزله وجهز له معه خلعة كاملة، طرد وحش مقصب بسنجاب مقندس على مفترح اسكندري، وكلوته زركش وشاش بطرزين رقم ومنطقة ذهب وكلاليب ذهب وسيف محلي، وسنجق سلطاني أصفر [2] مذهب، وهم يدارون سلطان القبجاق لعظمة سلطانه عليهم (المخطوط ص 90) وأخذه بخناقهم لقربهم منه.

قلت: والقسطنطينية [3] مجاورة لأطراف ملك القبجاق، وملك الروم معه في

[1] مروج الذهب ومعادن الجوهر من أهم كتب التاريخ في القرن الرابع الهجري مؤلفه أبو الحسن بن علي حسين المسعودي المتوفي سنة 346 هـ، ويتناول الكتاب وقائع البشر من مولد آدم حتى سنة 332 هـ وهذا الكتاب مطبوع في أربعة مجلدات في عدة طبعات في القاهرة وبيروت ودمشق.

[2]

سنجق: اللواء (المعجم الوسيط 1/471) .

[3]

القسطنطينية: مدينة متناهية في الكبر، منقسمة قسمين بينها نهر، عظيم المد والجزر، أحد القسمين يسمى إصطنبول والثاني الغوطة (رحلة ابن بطوطة 232- 233) .

ص: 184

طلب دائم، واقتراحات متعددة في كل وقت وملك الروم على توقد جمرته وكثرة حماته وأنصاره يخاف عادية شره، ويتقرب إليه بالمداراة، ويدافع معه الأيام من وقت إلى وقت، وما زالت الأيام هكذا وما زالت تلك حالهم مع ملوك هذه من أبناء جنكيز خان، منذ تدبروا هذه الأرض، وما تخلو منهم «1» مدة من تجديد عهود، ومسالمة إلى مدد تؤجل بينهم، وأشياء تحمل من جهة ملوك الروم إلى القان بمملكة القبجاق.

ذكر العز الحسن الأربيلي أن بدر الدين حسن الروسي التاجر السفّار، حدثه أن حدود هذه المملكة من جهة جيجون خوارزم وصقناق وسوداق وباركند. وجند وسراي ومدينة ماجروازاق والجاكرمان وكفه سوداق وسقسين والكل وبلغار، وأعمال سبروابو (وباشغرد، وجولمان ثم بصر جولمان يتصل حدود أعمال سبر بأوائل)«2» حدود بلاد الخطا.

قال: ومدينة باكو [1] هي أحد مدن أقليم شروان [2] ، وعندها الباب الحديد الذي يسميه الترك دمرقبو ومن الباب الحديد الذي هو عبارة عن مدينة باكو إلى حدود بلاد الخطا من جهة سبر وأبر يكون مسير القفل مسيرة خمسة أشهر، هذا هو طول هذه المملكة «3» وفي هذه المملكة من الأنهار الكثيرة المشهورة، سيحون، وجيحون، وطونا، وايتل، وباين، وتن، وطرلو، فمن سيحون إلى طونا مسيرة أربعة أشهر، وبين سيحون وجيحون خمسة عشر يوما، ومن جيحون إلى باين خمسة عشر يوما، ومن باين إلى أتيل عشرة أيام، ومن أتيل إلى تن شهر واحد، ومن تن

[1] باكو مدينة عامرة على شاطىء بحر الخزر، عاصمة جمهورية آذربيجان الحالية.

[2]

شروان: إقليم في بلاد القوقاز وهي غير شيروان إحدى قرى بخارى بجوار بمجكث، وذكر البغدادي شروان قرب بحر الخزر (مراصد الاطلاع 2/793) .

ص: 185

إلى طرلو عشرة أيام، ومن طرلو إلى طونا شهر واحد، ويقلب «1» جيحون وأتيل إلى بحر القلزم وسيحون (المخطوط ص 91) منهى إلى مقصبة «2» ، ورمل تحت مدينة جند بثلاثة إيام فيقلب هناك، وتأتي الأنهر المذكورة تقلب إلى بحر عمان، وهذه السبعة أنهر في هذه المملكة، ويتصل منها إلى أقليم ما وراء النهر سيحون وجيحون.

قلت: الذي يصح أن جيحون يقلب في بحيرة ملح نحو مائة فرسخ، ويقع بها نهر الشاش أيضا، وأما من زعم أن جيحون يرمى في القلزم [1] فغلط منه، وإنما اشتبه ذلك لعظم هذه البحرة «3» ، وبين مرمى جيحون ونهر الشاش نحو من عشرة أيام، وتعرف هذه ببحيرة خوارزم [2] ، وعلى وسطها جبل يسمى جفر يجمد عنده الماء حتى يبقى إلى الصيف.

قال الأربيلي: ومن مشاهير مدنها بلغار، وأقصر ليلها أربع ساعات ونصف.

قال حسن الرومي: ثم سألت مسعود الموقت بالبلغار عن هذا فقال جربناها بالآلات الرصدية، فوجدناه أربع ساعات ونصف تحريرا، وهو غاية نقصان الليل بها.

وأما قصبة [3] افتكون فحررناها فوجدنا أقصر ليلها ثلاث ساعات ونصف أقصر من ليل البلغار بساعة واحدة.

قال: وبين بلغار وافتكون مسافة عشرين يوما بالسير المعتاد، والقصبة في مصطلح العجم المدينة الصغيرة.

[1] القلزم أيضا هو البحر الأحمر الآن، نسبة إلى مدينة على ساحل بحر اليمن (الأحمر) وهي على آخره من جهة مصر وهي السويس حاليا (انظر: مراصد الاطلاع 3/1117) .

[2]

بحيرة خوارزم: يصب بها ماء جيحون وسيحون، ماؤها ملح ولا ينقص (مراصد الاطلاع 1/168) .

[3]

القصبة: المدينة (المعجم الوسيط 2/766) .

ص: 186

قال: وبعد افتكون بلاد سبر، وأبر، ثم بعدها بلاد جولمان فإذا سافر المسافر من جولمان على شرقيها يصل إلى مدينة قراقرم ثم إلى بلاد الخطا وبها القان الكبير، وهي من بلاد الصين، قال وإن سافر المسافر على غربيها وصل إلى بلاد الروس، ثم إلى بلاد الفرنج وسكان البحر الغربي، (قلت: أما الآن فمقر القان خان بالق) «1» ، قال وبلاد السبر وجولمان مضافة إلى باشغرد [1] وفي بلاد باشغرد قاضي مسلم معتبر، وبلاد السبر وجولمان شديدة البرودة لا يفارقهم الثلج مدة ستة أشهر، لا يزال يسقط على جبالهم وبيوتهم وبلادهم ولهذا (المخطوط ص 91) ولهذا تقل مواشيهم عندهم، وهم سكان قلب الشمال، والواصل عندهم «2» وإليهم من الناس قليل، والأقوات عندهم قليلة، ويحكى عنهم أن الإنسان منهم يجمع عظام أي حيوان كان، ثم أنه يغلي عليها بقدر كفايته ثم يتركها وبعد سبع مرات لا يبقى فيها شيء من الدهن.

قال: وهم مع ضيق العيش ليس في أجناس الرقيق أنعم من أجسامهم ولا أحسن من بياضهم، صورهم تامة الخلقة في حسن وبياض ونعومة عجيبة زرق العيون.

وقال العز حسن الأربيلي: وحسن الرومي سافر في هذه البلاد وذكر أكثرها، وقال: قال لي «3» الشيخ علاء الدين بن النعمان الخوارزمي أن طول هذه المملكة من بحر اسطنبول إلى نهر أرلين ستة أشهر، وعرضها من بلغار إلى بلاد بلغار إلى باب الحديد أربعة أشهر تقريبا، وأما الشبهة «4» في دعوى ملوك القبجاق أن توريز،

[1] باشغرد هي باشكرد أحد أقاليم بلاد ما وراء النهر، وهم جنس من الترك باسم البشكرديه لهم إقليم مستقل الآن داخل الاتحاد الروسي. وباشغرد بلاد بين القسطنطينية وبلغار (مراصد الاطلاع 1/153) .

ص: 187

ومراغة [1] لهم على ما أخبرني به المولى نظام الدين أبو الفضائل يحيى الطياري أن القان الكبير، لما جرد هولاكو لقتل الإسماعيلية، ومن كان يتعصي بالجبال، سأله هولاكو في تكثير الجيوش معه، فجرد معه من عسكر كل واحد من ملوك بني جنكيز خان عسكرا.

فلما فتح بهم ما فتح من البلاد بقيت تلك العساكر معه فرتب لكل فرقة منهم علوفة على قطر من الأقطار، فكان ما رتب للعسكر المجرد معه من جهة صاحب بلاد القبجاق وخوارزم على توريز ومراغه، فبقوا يأخذوا علوفتهم منها، ثم لما مات هولاكو، وملك ولده ابغا خادعوه بطريق «1» أن سلطانهم بركة يريد أن يبنى جامعا بتوريز فمكنهم منه، فبنوه، وكتبوا عليه اسم السلطان بركة؛ ثم سألوا أن يعملوا لهم كرخاناه [2]«2» لاستعمال أقمشة لهم بها فمكنهم منها، وبقوا يستعملون بها القماش للسلطان بركة، ودام الحال على هذا إلى أن وقع بينهما، وتلاقيا، وكسر بركة لابغا فحنق أبغا (المخطوط ص 93) وأبطل الكرخاناه.

ثم لما نسيت تلك الواقعة الكائنة وهدىء ما بين ملكي الملكين، أعيدت الكرخاناه، على أنهم هم يحضرون من بلادهم أموالا لاستعمال ما شاءوا فيها، فلما تمادت المدد، وجعلوا الجامع والكرخاناه المبنين باسم «3» السلطان بركة سببا لهذه «4» الدعوى، ولقد جاءت رسلهم إلى محمود غازان يطلب توريز ومراغه، وقالوا له هذه جيوش أبينا، فتحها بسيوفهم، وهي لنا وحقنا بالإرث عنهم، فأعطنا حقنا،

[1] وردت مراغا.

[2]

كرخاناه هي كارخانه وتعني مصنع أو معمل من الكلمة الفارسية كارخاته بنفس المعنى (فرهنگ رازي 676) .

ص: 188

فقال لهم قازان [1] : أنا ما أخذت الملك إلا بالسيف لا بالميراث، وما أخذته وحزته بسيفي توريز ومراغه، وبيني وبينكم السيف فيها، ثم لم يزل السلطان أزبك القائم الآن بمملكة القبجاق يتعلق بحبال هذه الشبهة ويطالب بدعوى هذه الوراثة، وسئل الشيخ علاء الدين بن النعمان عن جيوشه فقال كثيرة تفوق الحصر، فقال كم هم بالتقريب؟ فقال لا أعلم، لكن خرج مرة عليه وعلى القان الكبير أسنبغا [2] سلطان ما وراء النهر، وتغلب، وقطع الطريق، وقال: أنا أحق بالملك منهما، ونهب السيارة، وأخرج يدا عن طاعة القان فكتب القان إلي تقنقا بأن يقاتله، فجرد إليه من كل عشرة واحد، فبلغ عدد المجردين مائتا وخمسين ألفا، قال:

النعمان وهذا الذي دخل تحت العدد والإحصاء سوى المجتمعة والطماغة.

قال: وألزم كل فارس بغلامين، وثلاثين رأسا من الغنم وخمسة رءوس من الخيل وقدرين نحاسا، وعجلة يرسم حمل السلاح، وغزا استنبغا، وكسره، وانتصر عليه نصرة ظاهرة، ثم عاد مؤيدا منصورا.

قال: النعمان مبدأ عرض هذه المملكة من دمر قبو وهي مدينة من بناء «1» الإسكندر كان عليها باب من الحديد، وليس هو الآن، إلى بلاد بوغزة، وطولها من ماء لمرنس «2» ، وهو أعظم من نيل مصر بكثير من ناحية بلاد الخطا إلى اصطنبول [3] وتجاوز هذا الطول قليلا إلى بلاد تمسى نمج [4] .

[1] قازان هو غازان بن أرغون بن آباقا بن هولاكو حكم ما بين سنة 1295- 1304 م (تركستان 717) .

[2]

أسن بغا بن دوا بن براق بن أسن دوا بن موتكن بن جغتاي حكم ما وراء النهر 1310- 1318 (تركستان 721) .

[3]

إصطنبول: هي أسطنبول، وهي القسم الواقع بالعدوة الشرقية من النهر وهي مدينة في سفح جبل داخل البحر نحو تسعة أميال وهي قسم من القسطنطينية (رحلة ابن بطوطة 233) وهي الآن إستانبول وأسلامبول والأستانة.

[4]

نمج من بلاد الروس.

ص: 189

(المخطوط ص 94) .

قال: وبلاد نمج مشتركة بين بلاد الروس والفرنج.

قال النعمان: والتجار لا يتعدون مدينة بلغار يسافرون إلى بلاد جولمان، وتجار جولمان يسافرون إلى بلاد بوغزه لأنها في أقصى الشمال وليس بعدها عمارة غير برج عظيم من بناء الإسكندر على هيئة المنارة العالية وليس بعده مذهب إلا الظلمات [1]، فسئل: أي شيء عندك الظلمات؟

قال: صحار وجبال لا يفارقها الثلج والبرد، ولا تطلع عليها الشمس ولا ينبت فيها نبات، ولا يعيش فيها حيوان أصلا [2] ، متصلة ببحر أسود لا يزال يمطر، والغيم منعقد عليها، ولا تطلع عليه الشمس أصلا أبدا.

قال: النعمان: «1» إن الإسكندر مر بأطراف أوائل جبال الظلمات القريبة من العمارة فرأى فيها إنسانا من جنس الأتراك أشبه الناس بالوحوش، لا يعرف أحد بلغتهم، وإذا مسكهم أحد فروا من يده، يأكلون من نبات الجبال المجاورة لهم، فإذا قحطوا أكل بعضهم بعضا فمر بهم ولم يعترضهم.

قال: النعمان وقد ذكر صاحب مملكة القبجاق، وأكثر رعية هذا الملك سكان غربي الشمال، وهم أمم لا يحصون، وأكثر هم روس، ثم من بعدهم أتراك دشت القبجاق، وهم قبائل كثيرة، فيهم مسلمون، وفيهم كفار، ويبيعون أولادهم وقت الغلاء والقحط، وأما في الرخص فيسمحون ببيع البنات دون البنين، ولا يبيعون الولد الذكر إلا عن غلبة.

[1] أرض الظلمة (انظر: الحرائط المرفقة) .

[2]

والسفر إليها لا يكون إلا في عجلات صغار تجرها كلاب كبار فإن تلك المفازة فيها الجليد، فلا تثبت قدم الآدمي ولا حافر الدابة فيها، والكلاب لها الأظفار فتثبت أقدامها في الجليد (رحلة ابن بطوطة ووصف أرض الظلمة 225- 226) .

ص: 190

وحدثني الفاضل شجاع الدين عبد الرحمن الخوارزمي الترجمان أن مدينة السراي بناها بركة قان على شط نهر توران [1] ، وهي في أرض سبخة بغير سور، ودار الملك بها قصر عظيم، على عليائه هلال ذهب قنطاران بالمصري، ويحيط بالقصر سور به أبراج مساكن لأمرائه، وبهذا القصر مشتاهم.

قال: وهذا النهر يكون قدر النيل ثلاث مرات أو أكثر، وتجري به السفن الكبار (المخطوط ص 95) تسافر إلى الروس والصقلب [2] ، وأصل هذا النهر أيضا من بلاد الصقلب.

قال: وهي يعني السراي [3] مدينة كبيرة ذات أسواق وحمامات ووجوه «1» مقصودة بالأجلاب في وسطها بركة ماءوها «2» من هذا النهر، يستعمل ماءوها للاستعمال، وأما شربهم فمن النهر، يستقى لهم في جرار فخار، ويصف على العجلات، وتجر إلى المدينة، وتباع بها، وبعدها عن خوارزم نحو شهر ونصف، وبينها وبين السراي مدينة «3» وحق ومدينة قطلوكت، ودينارهم رائج عنه ستة دراهم.

قال: والأسعار في خوارزم والسراي لا يكاد يتباين ما بينهما، والرطل الخوارزمي وزنه ثلاثمائة وثلاثون درهما، وأقواتها فيما يذكر من القمح والشعير

[1] نهر توران: اسم منطقة يحدها من الغرب خوارزم ومن الجنوب نهر جيحون (تقويم البلدان 483) ومدينة سراي بركة وسراي واقعة على نهر يسمى الآن بنهر أتيل (انظر: الخرائط المرفقة) وذكره ابن بطوطة نهر اتل (رحلة ابن بطوطة 237) .

[2]

الصقلب: هم الصقالبة، جيل من الناس كانت مساكنهم إلى الشمال من بلاد البلغار وانتشروا الآن في كثير من شرقي أوروبا وهم المسمون الآن بالسّلاف.

[3]

هناك مدينتان باسم السراي، إحداهما باسم سراي بركة والأخرى السراي ويقعان على نهر واحد مع بلغار.

ص: 191

والدخن ويسمى عندهم الأزرن [1] والماش [2] والجاورس [3] وهو شبيه بحب البرسيم وليس يباع عندهم هذه الحبوب إلا بالرطل يقال كل حمل حمار بكذا، وحمل الحمار عندهم مائة رطل، بهذا الرطل، والسعر المتوسط للقمح بدينارين ونصف، وكذلك الماش والشعير بدينارين، وكذلك الدخن وكذلك الجاورس أو أزيد، والغالب أن يكون سعره قياس سعر القمح، وسعر الشعير واللحم الضاني على السعر المتوسط في كل ثلاثة أرطال بدرهم.

وبها من أنواع الفواكه إلا النخل والزيتون وقصب السكر والموز والأترج والليمون والنارنج، وفيها من أنواع الطير والوحش، وبها الغزلان كبارا جدا، يكون الغزال قد «1» بقر الوحش.

وبها معدن يخرج منه أحجار يعمل منها قدور، تقيم القدرة نحو ستين سنة، ولا يتغير، وبها جبل يقال له جبل الخيل «2» من خوارزم، به عين تعرف به «3» ذوو الأمراض المزمنة، يقيمون عندها سبعة أيام في كل يوم يغتسلون بمائها بكرة وعشية، ويشربون عقيب كل اغتسال إلى أن يتضلعوا «4» فيحصل له البرء، ويجيحون سمكة لا يوجد بها عظم إلا الميل الذي في سلسلة الظهر بشعب وإلا فكلها لحم ورأسها (المخطوط ص 96) غضروف.

وخوارزم [4] على جيحون بين شعبتين منه مثل السراويل، وبخوارزم مائة بيت

[1] الأزرن: نوع من الحبوب شبيه بالأرز وليس هو وقريب من القمح والشعير (فرهنگ عميد 1/112) .

[2]

الماش: نوع من الحبوب يشبه العدس وهو من نوعية القمح (انظر: فرهنگ عميد 2/1737) .

[3]

الجاورس هو گاورس الذرة العويجة، نوع من الذرة ثمرته في أعلاه (انظر: فرهنگ عميد 2/1674) .

[4]

أكبر مدن الأتراك وأعظمها وأجملها وأضخمها، لها الأسواق المليحة والشوارع الفسيحة والعمارة الكبيرة.

(رحلة ابن بطوطة 239) .

ص: 192

يهود، ومائة بيت نصارى لا غير، ولا يسمح لهم في الزيادة على ذلك.

ويلي خوارزم أرض مدورة وتسمى هذه الأرض المدورة منقشلاغ «1» [1] ، طولها خمسة أشهر، وعرضها كذلك، وكلها صحراء، وسكانها أمم كثيرة من البرجان، ويفصل بين هذه الأرض وبين جيحون جبل اسمه آق بلقان شمالي خراسان، وخوارزم أقليم منقطع عن خراسان وعما وراء النهر، ويحيط فيها المفاوز من كل جانب، وحده متصل بحد الغربة مما يلي الشمال، والغرب وجنوبيه وشرقيه خراسان، وهي على جانبي جيحون، وقصبته في الجنوبي الشمالي منه، ويسمى كات «2» [2] باللغة الخوازرمية، وفي الجانب الجنوبي الجرجانية «3» .

وفي هذا الإقليم عدة مدن، وأول مدن خوارزم بلد يسمى الظاهرية مما يلي آمل، وتمتد العمارة في جانبي جيحون معا، وملوك هذه المملكة مشتاهم السراي كما ذكرنا، ومصيفهم بم.

وجميع «4» ملوك توران وتتارها بجبل اسمه آراق طاغ طوله من أقصى الصين إلى أقصى الغرب، ينقطع بالبحر المحيط عند منتهى سبته، ويقع البحر الرومي، وكلما أشتق منه وسائر بلاد توران في جنوبه.

وحدود مجموع مملكة أزبك طولا من درغان خوارزم من المشرق إلى كاشغر [3]«5»

[1] منقشلاغ، شبه جزيرة (انظر: معجم البلدان 4/670) .

[2]

كاث: رستاق عاصمة خوارزم (تركستان 250) .

[3]

وردت بالمخطوط باشغر.

ص: 193

وعرضا من خوارزم إلى أقصى «1» بلاد سبر [1] التي يجلب منها السمور والسنجاب، وهي من بلاد الصقالبة، قال: وليس بعدهم في العمارة شيء «2» .

وقال: وقد جاء بعدي فتى من بعض «3» أهلها كيف تكون صلاة أهل بلد لا يغيب عندهم الشفق حتى يطلع الصبح لسرعة انقضاء الليل؟ قال: فلما صارت هذه المملكة بعد ملوك الخوارزمية إلى بني جنكيز خان استمروا بعساكر خوارزم على حالهم على إقطاعاتهم، وكل من كان بيد آبائه شيء، هو الآن بيد ابنائه «4» .

قال: والأمراء لهم بلاد منهم من يغل «5» (المخطوط ص 97) بلاده في السنة مائتي ألف دينار رائجا وما دون ذلك إلى مائة ألف دينار رائجا «6» .

وأما الجند فليس لأحد منهم إلا نقود تؤخذ من علي النطع، وكلهم سواء، لكل واحد منهم في السنة مائتا دينار رائجا، وقد كان زيهم زي عسكر مصر والشام في الدولة الإسلامية، وما يناسب ذلك فأما الآن فزيهم زي التتار إلا أنهم بعمائم صغار مدورة.

[1] يقصد بلاد سيبر وهي سيبيريا الآن، وهي أرض الظلمة التي ذكرها ابن بطوطة في رحلته ص 225.

ص: 194